مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) - صـ 684

جلسة 11 أبريل سنة 1935

تحت رياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك ومحمد نور بك المستشارين.

(247)
القضية رقم 72 سنة 4 القضائية

حوالة مدنية. صورية السبب الظاهر فى ورقة الدين. الاحتجاج بها فى وجه المحتال. متى لا يجوز؟ (المادة 349 مدنى)
ليس للمدين فى حوالة مدنية قبلها المدين والضامن قبولا ناقلا للملك أن يقيم الدليل فى وجه المحتال على صورية السبب الظاهر فى ورقة الدين متى كان المحتال يجهل المعاملة السابقة التى أخفى سببها عليه وكان يعتقد أن السبب الظاهر حقيقى وكان المدين لم يدفع بعلم هذا المحتال للسبب الحقيقى وقت احتياله بالدين [(1)]، لأن إخفاء السبب الحقيقى تحت ستار السبب المنتحل لا يمكن الاحتجاج به على غير المتعاقدين ومنهم المحتال.


الوقائع

تتحصل وقائع هذه الدعوى - على حسب ما جاء بالحكم المطعون فيه والحكم الابتدائى المؤيد به والمستندات المقدّمة لهذه المحكمة ولمحكمتى الموضوع من قبل - فى أن أمين أفندى عبد الكريم ادّعى أمام محكمة مصر الابتدائية فى الدعوى التى رفعها على حسين بك زايد وحسين أفندى حسنى وأحمد أفندى على أحمد المقيدة بجدولها تحت رقم 896 سنة 1932، أن حسين بك زايد تعهد لأحمد أفندى على فى 5 نوفمبر سنة 1930 بأن يدفع لأمره وإذنه فى 15 نوفمبر سنة 1931 سبعمائة جنيه مصرى أقرّ أنها وصلته نقدية وأن لدائنه هذا الحق فى تحويل هذا المبلغ لمن يشاء بدون توقف على رضائه، وأن حضرة حسين أفندى حسنى المحامى قد ضمن سداد هذا المبلغ للدائن أو لمن يحوّل له بالتضامن مع المدين، وذلك بورقة مستقلة تاريخها 11 نوفمبر سنة 1930 ثم حوّل أحمد أفندى على أحمد سنده هذا إلى أمين أفندى عبد الكريم بتحويل محرّر على نفس السند جاء فيه: ادفعوا أنتم وحضرة حسين أفندى حسنى المحامى الضامن المتضامن معكم بموجب الإقرار المستقل لحضرة المحوّل مبلغ السبعمائة جنيه والقيمة وصلتنى من حضرته نقدية. وقد أخطرهما أمين أفندى عبد الكريم بهذا التحويل فأجابه حسين زايد بما يأتى: علمت من حضرة أحمد أفندى على بأنه حوّل لحضرتكم الكمبيالة المحرّرة منى بمبلغ 700 جنيه استحقاق 15 نوفمبر سنة 1931، وحيث لا مانع عندى من هذا التحويل فأخطر حضرتكم بذلك وإنى قابل إياه. وقد كتب حسين أفندى حسنى على هذا القبول حاشية نصها "علمت بالتحويل المدوّن أعلاه وقابله بصفتى ضامنا متضامنا". ادّعى أمين أفندى عبد الكريم هذه الدعوى وطلب الحكم بالزام المدّعى عليهم جميعا متضامنين بمبلغ سبعمائة جنيه مصرى والمصاريف والفوائد باعتبار المائة تسعة سنويا من تاريخ الاستحقاق لغاية السداد وأتعاب المحاماة حكما مشمولا بالنفاذ المؤقت بدون كفالة. فأجاب المدّعى عليهما الأوّلان بأن القيمة الواردة بالسند المتقدّم الذكر هى ثمن لخمسة وثلاثين فدانا باعها لهما المدّعى عليه الثالث بمقتضى عقد بيع حرر يوم تحرير السند، ولحصول الاتفاق بينهما وبينه فيما بعد على العدول عن هذا البيع قد سقط عنهما الالتزام بدفع الثمن، وبسقوط هذا الالتزام يصبح السند المطالب بقيمته بلا سبب، فلا يجوز للمدّعى مقاضاتهما به. وبعد سماع ما أدلى به كل من الطرفين لتأييد وجهة نظره حكمت المحكمة الابتدائية بتاريخ 21 يناير سنة 1933 بالزام المدّعى عليهم بالمبلغ وفوائده باعتبار المائة تسعة من 16 نوفمبر سنة 1931 إلى أن يتم الوفاء مع المصاريف وأتعاب المحاماة.
استأنف المدّعى عليهما الأوّلان هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر بالاستئناف رقم 519 سنة 50 قضائية طالبين إلغاءه... ومحكمة الاستئناف حكمت بتاريخ 26 يونيه سنة 1934 بتأييد الحكم ولكن لأسباب أخرى غير ما ارتكنت إليه المحكمة الابتدائية.
وقبل إعلان هذا الحكم إلى الطاعنين طعنا فيه بطريق النقض بتاريخ 25 يوليه سنة 1934، وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدّهما فى 29 منه. وقدّم الطاعنان والمطعون ضدّه الأوّل المذكرات الكتابية فى الميعاد القانونى ولم يقدّم المطعون ضدّه الثانى أحمد على أحمد أفندى شيئا، وقدّمت النيابة مذكرتها فى 27 يناير سنة 1935.
وبجلسة يوم الخميس الموافق 21 من شهر مارس سنة 1935 المحدّد لنظر هذا الطعن أجلت الدعوى إلى 28 منه، ثم لجلسة اليوم بطلب وكيل الطاعنين لعذر لديه، وفيها سمعت المحكمة الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعن رفع صحيحا فى الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الطعن أن الحكم الاستئنافى إذ اعتمد فى قضائه بتأييد الحكم المستأنف على أن تحويل السند الإذنى يظهر الدين ولا يجعل للمدين حقا فى الدفع فى وجه المحوّل إليه بما كان يجوز له أن يدفع به من الدفوع فى وجه الدائن الأصلى، يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون من ناحيتين: (أوّلا) من ناحية أنه يكون قد طبق قاعدة من قواعد القانون التجارى على سند مدنى صرف حرره غير تاجر وضمن سداده غير تاجر وقد ترتب على معاملة مدنية (وثانيا) من ناحية أن أحكام القانون التجارى لا تعنى من اشتراط حسن نية حامل السند أن يكون جاهلا بأصل الدين وما علق به من المسقطات، بل يكفى فى عدم توفر حسن النية أن يكون عالما بوصف المعاملة من وجهها العام أى أنها مدنية. ويقول الطاعن إن أمين أفندى عبد الكريم كان يعلم أن المداينة مدنية والتحويل مدنى، وأن أوراقها حررت فى حدود أحكام القانون المدنى وأن له إذن أن يحتج على حامل السند بكافة الدفوع التى كان له أن يحتج بها على محيل السند.
هذ
ومن حيث إن الواقعة التى أثبتتها محكمة الاستئناف أخذا من أقوال المتخاصمين ومن ذات السند المطلوبة قيمته فى الدعوى ومن المستندات الأخرى المقدّمة لها أن هذا السند مذكور فيه أن سببه القرض وأنه إذا كان محرّرا لأمر وإذن الدائن أحمد أفندى على أحمد وقد قبل المدين فيه تحويل الدين لمن يشاؤه أحمد أفندى على المذكور بدون توقف على رضائه إلا أن أحمد أفندى إذ قبض قيمته من أمين أفندى عبد الكريم وحوّل إليه دينه لم يكتف المحوّل إليه بمجرّد هذا التحويل البسيط، بل خاطب المحتال عليه وهو المدين الأصلى وضامنه حسين أفندى حسين المحامى وأخذ منهما إقرارا كتابيا برضائهما عن هذا التحويل وبقبولهما إياه.
وحيث إن محكمة الاستئناف أثبتت ذلك من جهة ووجدت من جهة أخرى، كما هو ثابت بحكمها، أن المحوّل إليه أمين أفندى عبد الكريم لا علاقة له بالمرة بالأطيان المبيعة، بل هو رجل حسن النية وجد دينا سببه القرض فاشتراه وقبل المدين وضامنه أن يكون دائنا لهما ولم يبديا عند قبولهما ما يشعره بأن السبب المذكور فى السند ليس هو القرض، بل هو ثمن أطيان باعها المدين إلى أحمد أفندى على المحيل - لما وجدت كل ذلك رأت أنه لا يمكن للمدين وضامنه أن يحتجا على أمين أفندى عبد الكريم بما كان لهما الاحتجاج به على أحمد أفندى على صاحب الدين الأصلى، ولذلك قضت بتأييد الحكم المستأنف.
وحيث إن قضاء محكمة الاستئناف قانونى لا غبار عليه فان السبب المذكور فى السند إذا كان - كما هو الواقع المعترف به بائع الأطيان ومشتريها - صوريا غير حقيقى، بل حقيقته أنه هو ثمن أطيان فان إخفاء هذا السبب الحقيقى تحت ستار السبب المنتحل الظاهر وهو القرض، هذا الإخفاء (Dissimulation) لا يمكن قانونا الاحتجاج به على غير المتعاقدين فى بيع الأطيان وشرائها ومنهم المحتال الذى يجهل المعاملة الأولى ولا يعرف فى علاقته مع المحيل والمدين سوى أن الدين قرض قبل المدين أن يدفع إليه، وإذا كان هو خلفا للدائن المحيل فانه لا يخلفه إلا فى دينه هذا على سببه الظاهر فى سند الدين - ذلك السبب الذى مكنه المدين وأكده بقبول الحوالة.
وحيث إن محكمة الاستئناف قد ذكرت حقيقة فى حكمها أن السندات المحرّرة تحت الأمر والإذن والمذكور فيها أن قيمتها مدفوعة نقدا تنتقل ملكية الدين فيها بمجرّد تحويلها بطريقة التظهير بلا حاجة لقبول آخر من المدين، وأنه ليس للمدين أن يدفع فى وجه المحتال بما كان يجوز له أن يدفع به فى وجه الدائن المحيل، وأشارت إلى ما يفهم منه أن لا فرق فى ذلك بين أن تكون تلك السندات من الأوراق التجارية أو من المثبتة لدين مدنى. ولكن سواء أكان هذا الرأى الذى أبدته محكمة الاستئناف مسلما به فيما يتعلق بالأوراق المدنية أم كان محلا للاعتراض فانه على كل حال لا تأثير له فى الحكم المطعون فيه، بل إن الأساس الجوهرى لحكمها هو قبول الحوالة فعلا من المدين والضامن قبولا آخر خاصا ناقلا للملك بحسب المادة 349 وأن المحتال حسن النية جاهل بما كان بين بائع الأطيان ومشتريها من المعاملة. وقد وضح مما سلف بيانه أنه فى مثل صورة الدعوى الحالية ليس للمدين فى حوالة مدنية أن يقيم الدليل فى وجه المحتال على صورية السبب الظاهر فى ورقة الدين متى كان المحتال يجهل المعاملة السابقة التى أخفى سببها عليه ويعتقد أن السبب الظاهر حقيقى وكان المدين لم يدفع بعلم هذا المحتال للسبب الحقيقى وقت احتياله بالدين.
وحيث إن أوجه الطعن لا تتلاقى مع الوقائع التى أثبتها الحكم وقضى بموجبها فان الحكم لم يقل إن الدين تجارى ولا إن سنده تحوّل بمجرّد التظهير كما تحوّل السندات التجارية، كما أنه لا يكفى أن يكون الدين مدنيا حتى يباح للمدين الذى قبل تحويله أن يدفع بصورية سببه التى يجهلها المحتال.
وحيث إنه لذلك كله يتعين رفض الطعن لكونه معدوم الأساس والإنتاج.

[(1)] ذكرت محكمة الاستئناف فى حكمها المطعون فيه أن السندات المحرّرة تحت الأمر والإذن المذكور فيها أن قيمتها مدفوعة نقدا تنتقل ملكية المدين فيها بمجرّد تحويلها بطريقة التظهير بلا حاجة لقبول آخر من المدين، وأنه ليس للمدين أن يدفع فى وجه المحتال مما كان يجوز له أن يدفع به فى وجه الدائن المحيل. وأشارت إلى ما يفهم منه أنه لا فرق فى ذلك بين أن تكون تلك السندات من الأوراق التجارية أو من المثبتة لدين مدنى. فمحكمة النقض قالت إنه سواء أكان هذا الرأى الذى أبدته محكمة الاستئناف مسلما به فيما يتعلق بالأوراق المدنية أم كان محلا للاعتراض، فانه على كل حال لا تأثير له فى الحكم المطعون فيه، بل إن الأساس الجوهرى لهذا الحكم هو قبول الحوالة فعلا من المدين والضامن قبولا آخر خاصا ناقلا للملك بحسب المادة 349، وأن المحتال حسن النية جاهل بما كان بين بائع الأطيان ومشتريها من المعاملة.