مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) - صـ 721

جلسة 25 أبريل سنة 1935

برياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك ومحمد نور بك المستشارين.

(254)
القضية رقم 55 سنة 4 القضائية

( أ، ب، حـ) تحقيق الخطوط. ختم. الاعتراف بالختم. إنكار التوقيع به. لا يقبل. عدم قبوله. أثره. الحكم بصحة الورقة. متى يجوز؟ الادعاء بالتزوير.
(المواد 270 و271 و272 مرافعات)
(د) حكم. وجود نقص فى بياناته يجهل الحقيقة الواقعية. حق محكمة النقض فى نقضه.
(هـ) إثبات. إيصال باستلام أجرة شهر معين. اعتبار مبدأ ثبوت بالكتابة عن تسديد المدّة السابقة. جوازه.
1 - إن القانون فى باب تحقيق الخطوط لا يعرف إلا إنكار الختم ذاته فمن يعترف بالختم ولكن ينكر التوقيع به لا يقبل منه هذا الإنكار، بل عليه أن يدعى بالتزوير فى الورقة ويقيم هو الدليل عليه. فإذا دفع شخص بانكار التوقيع فلا يصح النظر فى دفعه على اعتبار أنه إنكار للتوقيع، بل المتعين على المحكمة أن تثبت اعتراف المتمسك بهذا الدفع بختمه ثم تقضى بعدم قبول هذا الدفاع بالإنكار.
2 - إن عدم قبول إنكار التوقيع بالختم المعترف به لا يسيغ الحكم بصحة الورقة المنكورة ولا بتوقيع الغرامة على المدافع بهذا الضرب من الإنكار لأن الحكم بصحة الورقة لا يكون - كما هو صريح نص المادة 271 من قانون المرافعات - إلا فى حق الدفاع بالإنكار المنصب على ذات الختم أو ذات الكتابة أو ذات الإمضاء والذى يقبل وينظر موضوعا ويجرى فيه التحقيق بالطريق المرسوم فى القانون أو بغيره من الطرق القانونية التى يراها القاضى ثم يتبين بعد التحقيق أن إنكار ذات الختم أو ذات الكتابة أو ذات الإمضاء هو إنكار غير صحيح. كما أن الحكم بالغرامة لا يتوقع - بحسب نص المادة 272 من قانون المرافعات - إلا إذا حكمت المحكمة بصحة الورقة، والحكم بصحتها ممتنع فى صورة عدم قبول الدفاع بانكار التوقيع بالختم مع الاعتراف به كما تقدّم. وإذن فالغرامة لا يمكن توقيعها فى تلك الصورة لانتفاء شرط توقيعها. فاذا قضت محكمة الموضوع بصحة إيصال منكور التوقيع عليه بالختم المعترف به وقضت بالغرامة كان قضاؤها فى ذاته مخالفا للقانون.
3 - إذا اعترف شخص بختمه ولكنه أنكر التوقيع به وقبلت المحكمة الدفع بانكار التوقيع ورأت بعد بحثه موضوعيا أنه دفع غير جدّى وقضت برفض طلب الإحالة على التحقيق وبصحة الورقة وبتوقيع غرامة على من دفع بهذا الضرب من الإنكار ونقضت محكمة النقض هذا الحكم فيما يتعلق بقبوله الدفاع بانكار التوقيع من الإنكار ونقضت محكمة النقض هذا الحكم فيما يتعلق بقبوله الدفاع بانكار التوقيع بالختم مع الاعتراف به ثم بفصله فى موضوعه، مقرّرة أن هذا الإنكار غير مقبول وقضت تبعا لذلك بعدم صحة الحكم فيما قضى به من صحة الورقة ومن الغرامة، فحكم محكمة النقض بعدم قبول إنكار التوقيع وبما يستتبعه من تلك النتيجة لا يمس ما للورقة من القيمة، بل إنها تبقى حافظة لقوّتها كورقة معترف بصحة الختم الموقع به عليها ولا تقبل مطلقا سوى الطعن فيها بالتزوير.
4 - لمحكمة النقض نقض الحكم المطعون فيه متى رأت فى بياناته نقصا جوهريا يستحيل معه أن تعرف الحقيقة الواقعية التى على معرفتها المدار فى تكييف الواقع وبيان ما ينطبق عليه من أحكام القانون. فاذا اعتمد الحكم إيصال مخالصة ولم يبين نصه، وقرّر الطاعن أن هذا الإيصال خاص بشخص آخر، وأمسك المطعون ضدّه عن تقديم هذا الإيصال لمحكمة النقض حتى تقف على الحقيقة، فتلقاء هذا التجهيل يتعين نقض الحكم.
5 - إذا قالت المحكمة فى حكمها: "إن اعتراف أحد طرفى الخصوم باستلامه أجرة شهر معين هو اعتراف ضمنى بسداد أجور المدّة السابقة على هذا الشهر" فقولها هذا لا يقصد منه إلا أن هذا الاعتراف هو مبدأ ثبوت بالكتابة يقرب معه احتمال تسديد الأجرة عن المدّة الماضية. فاذا هى ذكرت فى ذات الحكم ظروفا تعزز هذا الاحتمال وتسيغ لها اعتبار قيام الدليل كاملا على واقعة التسديد عن المدّة الماضية كان حكمها صحيحا لا عيب فيه.


الوقائع

تتحصل وقائع هذه الدعوى - بسحب ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن الحكم الابتدائى - فى أن ورثة محمد أحمد البنان وهم زوجته الست سيدة خليفة وأولاده منها وهم نعيمة القاصر المشمولة بوصاية أمها وحبيبة وعفيفى كانوا يملكون منزلا بحارة عازر حبشى بشارع الملكة نازلى بالقاهرة، ولخلاف بينهم وبين ورثة فؤاد سليم صيام، وهن السبعة المطعون ضدّهن الآن ومنهنّ حبيبة محمد أحمد البنان المذكورة التى كانت زوجة له، رفعوا عليهن لدى محكمة مصر الابتدائية الأهلية دعوى قيدت بجدولها تحت رقم 698 سنة 1932 وهى الدعوى التى انتهت بالحكم المطعون فيه الآن. وقد طلبوا فيها تثبيت ملكيتهم للمنزل المذكور وتسليمه لهم وتعيين حارس لإدارته وتأجيره وتثبيت الحجز المتوقع تحت يد مستأجريه مع إلزام ورثة صيام المدّعى عليهنّ بالمصاريف. فدفعها ست من ورثة صيام المذكورات وهنّ من عدا زوجته حبيبة محمد أحمد البنان بدعوى فرعية طلبن فيها رفض دعوى المدّعين فيما زاد عن 7 قراريط فى المنزل المذكور وتثبيت ملكيتهنّ لـ 9 قراريط فيه، ثم القضاء بصحة عقد بيع وفائى صادر فى 17 مايو سنة 1925 لمورّثهن فؤاد سليمان صيام من المدّعين ببيع الـ 8 قراريط الباقية. وهذا العقد قد تقرّر فيه أن الثمن هو ألف جنيه، وأنه لم يدفع بل تعهد المشترى بدفع بعضه للبنك العقارى فى دين له مسجل على المنزل ودفع باقيه من بعد للبائعين، كما تقرّر فيه أيضا أن للبائعين حق استرداد البيع فى بحر خمس سنوات. وفى أثناء نظر الدعوى رفع أحمد بك يوسف محرّم على ورثة محمد أحمد البنان وورثة صيام معا دعوى قيدت بجدول تلك المحكمة تحت رقم 1431 سنة 1932 طلب فيها إلزام ورثة صيام بمبلغ 365 جنيها سدّده عن مورّثهنّ للبنك العقارى لفك رهنه المسجل على المنزل المتنازع عليه، وأقرّ به مورّثهن بسند فى 10 مارس سنة 1931، كما طلب حبس المنزل حتى يستوفى دينه هذا. وقد ضمت هذه الدعوى للدعوى الأولى. وفى أثناء نظر تلك الدعاوى رفضت المحكمة الحراسة التى طلبها ورثة محمد أحمد البنان واستمرّت فى نظر ما عداها، وفى أثناء ذلك أيضا طلب ورثة محمد أحمد البنان المذكورون فيما طلبوه أن يحكم بفسخ عقد البيع المحرّر فى 17 مايو سنة 1925 عن الـ 8 قراريط قائلين فيما يتعلق بهذا العقد إنه رهن باطل، ثم طلبوا أن يقضى لهم على ورثة صيام بمبلغ 2485 جنيها و365 مليما قالوا إنه هو قيمة ريع المنزل (يعنون أجرته) عن المدّة من 17 مايو سنة 1925 إلى 20 يناير سنة 1932 تاريخ وفاة فؤاد سليمان صيام. وقد كان دفاع ورثة صيام فيما يتعلق بالإيجار المطلوب أن لا حق لخصومهن فى إيجار كل المنزل، بل حقهم مقصور على الباقى لهم من الملك فيه، وأن إيجار هذا الباقى مسدّد إليهم لغاية شهر ديسمبر سنة 1930، وقد استشهدن على هذا التسديد (كما يعلم من الحكم الابتدائى) بايصالات موقع عليها بختم الست سيدة خليفة تفيد التسديد لغاية أبريل سنة 1936 ثم قدّمن إيصالين بختم الست سيدة خليفة أيضا، أحدهما مؤرّخ فى 29 أغسطس والآخر عن أجرة شهر ديسمبر سنة 1930، وقلن إن التسديد المدلول عليه بهذين الإيصالين يؤخذ منه أن أجرة المدّة السابقة على تحرير كل منهما تكون تسدّدت أيضا، وإنه إذن لا يكون لورثة محمد أحمد البنان شىء من الإيجار لغاية ديسمبر سنة 1930 فورثة محمد أحمد البنان اعترفوا بصحة الإيصالات الأولى المقدّمة لغاية أبريل سنة 1926، ثم اعترفوا بختم الست سيدة خليفة على إيصالى أغسطس وديسمبر سنة 1930، ولكنهم أنكروا توقيعها بنفسها عليهما وادعوا أن ختمها كان بطرف فؤاد سليمان صيام مورّث خصومها وذلك للعلاقة العائلية التى بينهم وبينه، وطلبوا إحالة الدعوى فى هذا الصدد للتحقيق ليثبت ورثة صيام توقيع الست سيدة خليفة على الإيصالين المذكورين. وقد انتهت المحكمة الابتدائية بأن فصلت فى الدعوى برمتها بتاريخ 12 مايو سنة 1933، ويتلخص حكمها فى: (1) أن الباقى لورثة محمد أحمد البنان فى المنزل هو 7 قراريط فقط، وأما الـ 17 قيراطا فهى لورثة صيام، منها 9 قراريط بعقود بيع تام صادرة لفؤاد سليمان صيام من عفيفى محمد أحمد البنان، ومنها 8 قراريط بعقد البيع الصادر من جميع ورثة البنان ما عدا نعيمة القاصر إلى فؤاد سليمان صيام بتاريخ 17 مايو سنة 1925، وأنه بيع وفائى صحيح لا مجرّد رهن كما يزعم ورثة البنان و(2) صحة إيصالى 29 أغسطس سنة 1930 وديسمبر سنة 1930، ورفض طلب تحقيق التوقيع عليهما وإلزام الست سيدة خليفة التى أنكرت توقيعها عليهما بمبلغ 400 قرش غرامة الإنكار و(3) اعتبار أن ورثة محمد أحمد البنان لا يستحقون أجرة إلا عن 7 قراريط فقط فى المنزل، ومن تاريخ أوّل يناير سنة 1931 فقط و(4) تعيين خبير لعمل الحساب بين الطرفين بشأن الباقى على ورثة صيام من ثمن الـ 8 قراريط المذكورة وهو 1000 جنيه والباقى عليهن من الإيجار مع إيقاف الفصل فى هذا الموضوع حتى يقدّم الخبير تقريره و(5) إلزام ورثة صيام بدفع مبلغ 265 جنيها لأحمد بك يوسف محرّم وبأن له حبس نصيبهم حتى يسدّد دينه.... الخ.
استأنف ورثة محمد أحمد البنان هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر بتاريخ 3 و7 أغسطس سنة 1933 وقيد استئنافهم تحت رقم 1071 سنة 50 قضائية وطلبوا ما طلبوه لدى المحكمة الابتدائية، ومن طلباتهم رد وبطلان إيصالى الأجرة المحرّرين فى أغسطس وديسمبر سنة 1930. ومحكمة الاستئناف بعد نظر الدعوى من جميع وجوهها وجدت من فحص عقود التصرفات الخاصة بهذا المنزل ومن باقى المستندات المقدّمة لها أن حقيقة ما آل لفؤاد سليمان صيام وورثته من بعده من الملكية فى هذا المنزل هى: (أوّلا) 7 قراريط مبيعة له من عفيفى محمد أحمد البنان بثلاثة عقود مسجلة، وأنها عقود بيع تام لا مطعن فيها (وثانيا) 8 قراريط بعقد البيع الوفائى المحرر فى 17 مايو سنة 1925 ولكن هذا المقدار قد ردّ منه صيام المشترى 1.5 قيراط إلى السيدتين سيدة وحبيبة بتنازل منه على ذات ورقة العقد، وأن هذا التنازل هو تقابل صحيح لا هبة باطلة كما قالت المحكمة الأولى، وإذن فالباقى له من هذا العقد هو 6.5 قراريط فقط بما يقابلها من الثمن باعتبار القيراط 125 جنيها. فمجموع ما لصيام 13.5 قيراطا فقط على الوجه المذكور، أما باقى المنزل ومقداره 10.5 قراريط فهو مملوك لورثة البنان فى الجملة. ومما استدلت به محكمة الاستئناف أن هذه الـ 10.5 قراريط صار تأجيرها فعلا لفؤاد صيام بعقدى إيجار فى أوّل أبريل سنة 1926: أحدهما صادر من الست سيدة خليفة، والثانى صادر من الست حبيبة - وجدت محكمة الاستئناف ذلك ووجدت أن الـ 6.5 قراريط الباقية لورثة صيام من عقد البيع الوفائى المذكور ينبغى أن تبقى تحت يد الورثة المذكورين حتى يقدّم الخبير تقريره ليعلم هل دفع المشترى ما يقابل ثمنها، وهل هى غلقت فى يده لعدم ردّ البائعين هذا الثمن فى ظرف الخمس سنوات، أم أن البائعين يكونون ردّوا ثمنها قبل مضى تلك المدّة، ويكون لهم إذن الحق فى استردادها. ولاختلاف مقدار المبيع وفاء وصيرورته 6.5 قراريط فقط كرأى محكمة الاستئناف لا 8 قراريط كرأى المحكمة الابتدائية فمحكمة الاستئناف رأت وجوب تعديل مأمورية الخبير وجعلها مقصورة على 6.5 قراريط فقط بحسب ما يخصها فى الثمن وهو 1000 جنيه، وهذا الذى يخصها هو الباقى منه بعد خصم مبلغ 187 جنيها و500 مليم مقابل ثمن الـ 1.5 قيراط الذى أعيد لبعض ورثة البنان، ثم جعل هذه المأمورية فيما يتعلق بالإيجار المطلوب لورثة البنان أنه إيجار 10.5 قراريط الباقية لهم. أما باقى ما فى الحكم الابتدائى ومنه صحة إيصالى الأجرة المحرّرين فى أغسطس سنة 1930 وديسمبر سنة 1930، وعدم استحقاق ورثة البنان لشىء من الأجرة لغاية سنة 1930، فقد اعتمدت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائى فيه آخذة بأسبابه. ولذلك انتهت بأن عدّلت الحكم الابتدائى بشأن الملكية لكلا الطرفين وبشأن مأمورية الخبير على الوجه المتقدّم ثم أيدته فيما عدا مسألة الملكية ومأمورية الخبير وأبقت الفصل فى المصاريف وذلك بحكمها الصادر فى 19 مايو سنة 1934.
طعنت الست سيدة خليفة بصفتها والست حبيبة من ورثة البنان فى هذا الحكم قبل إعلانه بطريق النقض فى 30 يونيه سنة 1934، وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدّهنّ فى 5 و8 و10 يوليه سنة 1934، وقدّمت الطاعنتان وكذا المطعون ضدّهنّ عدا الثالثة والسادسة المذكرات الكتابية فى الميعاد القانونى، وقدّمت النيابة مذكرتها فى 21 فبراير سنة 1935.
وبجلسة اليوم المحدّدة لنظر هذا الطعن سمعت المحكمة الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع صحيحا فى الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن الطعن برمته منصب على ما كان من محكمة الاستئناف من اعتمادها لما قضى به الحكم الابتدائى من صحة إيصالى الأجرة المحرّرين فى 29 أغسطس سنة 1930 وديسمبر سنة 1930 الموقع عليهما من الست سيدة خليفة وحدها ومن اعتبارهما دالين على تسديد جميع الأجرة عن المدّة السابقة لكل منهما. وحاصل ما تقوله الطاعنتان أن الحكم خالف القانون فى ذلك.
(أوّلا) لأن الإيصالين - بفرض صحة التوقيع عليهما - فان الموقعة هى إحداهما الست سيدة فقط، وأما الست حبيبة فانهما لا يتعلقان بها ولا توقيع لها عليهما فلا يحتج بهما عليها لأن القانون صريح فى أن المشارطات لا يحتج بها على غير عاقديها. ومن هذه الجهة يكون الحكم خالف القانون فى جعله الإيصالين حجة على الست حبيبة. ويصرح وكيل الطاعنتين فى مذكرته بأن هذين الإيصالين مذكور فيهما صراحة أنهما خاصان بأجرة حصة الست سيدة خليفة وبنتها القاصر نعيمة وهى 6.5 قراريط فى المنزل.
(ثانيا) لأن الست سيدة خليفة المنسوب لها التوقيع بختمها على هذين الإيصالين قد أنكرت هذا الختم وطلبت الإحالة على التحقيق ليثبت الخصوم صحة توقيعها، ولكن المحكمة رفضت هذا الطلب على اعتبار أنه غير جدّى ونظرت فى موضوع الدفع بالإنكار وقضت بصحة الورقتين وبالغرامة. وهذا القضاء مخالف للقانون الذى يوجب على المتمسك بالورقة إثبات التوقيع عند حصول إنكاره كما أن المحكمة لم تبين الأسباب التى بنت عليها قضاءها، فى موضوع الدفع بالإنكار، بصحة الإيصالين.
(ثالثا) لأن الحكم على كل حال قد أخطأ فى اعتباره أن فى الإصالين دليلا على دفع الأجرة السابقة على كل منهما.
(رابعا) لأن الحكم على كل حال أيضا أخطأ فى القضاء بالغرامة على الست سيدة خليفة مع أن هذه الغرامة لا توقع إلا إذا كان قد حصل تحقيق ظهر منه أن المنكر للتوقيع غير صادق وأن الورقة التى أنكرها صحيحة.
وتطلب الطاعنتان من محكمة النقض القضاء بنقض الحكم فى هذا الصدد كليا أو جزئيا تبعا للمخالفات القانونية التى تشيران إليها ثم القضاء بما تقتضيه الحال فى ذلك.
وحيث إنه فيما يتعلق بالوجه الأوّل الخاص بالست حبيبة فانه لو صح - كما أشار إليه وكيل الطاعنتين فى التقرير وكما صرح به فى مذكرته - أن الإيصالين المذكورين الموقع عليهما من الست سيدة خليفة وحدها منصوص فيهما صراحة أنهما خاصان بأجرة الحصة التى مقدارها 6.5 قراريط الخاصة بالست سيدة خليفة وبابنتها القاصر نعيمة المشمولة بوصايتها فانهما يكونان مقصورين على أجرة الحصة المذكورة فقط ويكون لا علاقة لهما بحصة الست حبيبة. ولا محل للقول فى هذه الصورة - لو صحت - بأنه يحتج بهما على الست حبيبة أو لا يحتج ما دام هما لا يكون فيهما حجة لورثة صيام إلا على الست سيدة وبنتها نعيمة فقط.
وحيث إن المحكمة الابتدائية التى أخذ الحكم المطعون فيه بأسباب حكمها لم تذكر فى هذا الصدد وفى غيره مما يتعلق بالإيصالين إلا ما يأتى:
وحيث إن ورثة فؤاد صيام قدّموا إيصالات بسداد الإيجار لغاية أبريل سنة 1926 وهذه الإيصالات معترف بها من المدّعين، كما قدّموا إيصالين أحدهما مؤرّخ 29 أغسطس سنة 1930 وثانيهما عن شهر ديسمبر سنة 1930، وقد أنكرهما المدّعون للأسباب الواردة بمذكراتهم ومستنداتهم.
وحيث إن إنكار المدعين لإيصالى سنة 1930 الموقع عليهما من المدّعية الأولى بختمها أسوة بباقى الإيصالات المعترف بها فيستندون فيه إلى الادعاء بأن فؤاد صيام، للصلة العائلية التى بينه وبينهم، كان مستحوزا على مستنداتهم وأختامهم، وأشاروا إلى تقرير الخبير الذى أثبت أن فؤاد أفندى كان وكيلا وقائما بأعمال المدّعين. فهذا الادعاء فيما يتعلق باستحوازه على أختامهم لم يقم عليه دليل ولا داعى له مع قيام توكيله عن المدّعين. ولا محل للتشكك فى صحة الوصلين المذكورين، إذ لو قصد فؤاد صيام الاصطناع لاصطنع إيصالات مسلسلة فى جميع مدّة وضع يده، فيكون وهذا الإنكار غير جدّى وقصد به تفويت الغرض الذى قصده ورثة فؤاد صيام من تقديم الإيصالين وهو إثبات التخالص لغاية تاريخهما ويتعين رفض طلب الإحالة على التحقيق والحكم بصحة هذين السندين مع إلزام سيدة خليفة بصفتها الشخصية بالغرامة القانونية وقدرها 400 قرش واعتبار أن فؤاد صيام سدّد الإيجار حتى ديسمبر سنة 1930 لأن اعتراف إحدى المدّعين وهى سيدة خليفة باستلامها أجرة شهر ديسمبر سنة 1930 هو اعتراف ضمنى بسداد المدّة السابقة على هذا التاريخ، وعلى ذلك فيجب أن تكون المحاسبة عن الإيجار مبتدئة من أوّل يناير سنة 1931.
وحيث إن هذا الذى ذكر فى الحكم الابتدائى لم يتوضح فيه لا نص الإيصالات الخاصة بالأجرة لغاية أبريل سنة 1926 ولا نص الإيصالين المطعون فيهما حتى يعلم أهما - كما يقول وكيل الطاعنتين - خاصان بأجرة حصة الست سيدة وبنتها القاصر فقط أم نصهما عام يشمل حتى ما كان مؤجرا من الست حبيبة (ومقداره أربعة قراريط بمقتضى عقد إيجار خاص محرّر من حبيبة المذكورة لفؤاد سليمان صيام فى أوّل أبريل سنة 1926 بأجرة شهرية مقدارها 454 قرشا ومقدّمة نسخته الخاصة بها لمحكمة النقض وكانت مقدّمة لمحكمتى الموضوع).
وحيث إن المطعون ضدّهنّ لم يقدّمن هذين الإيصالين لمحكمة النقض حتى تقف على تلك الحقيقة، بل إنهنّ فى مذكرتهنّ المقدّمة لمحكمة النقض أمسكن عن إعطاء أى تفصيل فى هذا الصدد، واقتصرن فى الردّ على كل أوجه الطعن بكلمة موجزة هى أنها كلها متعلقة بالموضوع.
وحيث إن طلبات الطاعنتين لدى محكمة الاستئناف فى هذا الصدد كانت دائرة على بطلان الإيصالين المذكورين، وأن لهما الأجرة كاملة من أوّل مايو سنة 1926 إلى 20 يناير سنة 1932 (وهو تاريخ وفاة فؤاد صيام). ولكن محكمة الاستئناف أيضا لم تذكر شيئا من نصوص الإيصالين المذكورين ولا من نصوص الإيصالات التى كانت مقدّمة بالأجرة لغاية أبريل سنة 1926.
وحيث إن تلقاء هذا التجهيل وعدم تقديم ورثة صيام الإيصالين المذكورين ترى محكمة النقض أن فى بيانات الحكم من هذه الجهة نقصا جوهريا يستحيل معه أن تعرف الحقيقة الواقعية التى على معرفتها المدار فى تكييف الواقع وبيان ما ينطق عليه من أحكام القانون. ويتعين نقض الحكم فيما يتعلق بالأجرة الخاصة بالست حبيبة وهى أجرة أربعة قراريط فى المنزل من أوّل مايو سنة 1926 مما يستتبع طبعا التأثير فى مأمورية الخبير.
وحيث إنه فيما يتعلق بالوجه الثانى فان الواضح من أسباب الحكم الابتدائى التى أخذ بها الحكم المطعون فيه والسابق نقلها أن الست سيدة خليفة لم تنكر ختمها الموقع به على الإيصالين ولكنها أنكرت التوقيع به عليهما. وقد سبق لمحكمة النقض أن قرّرت أن من يعترف بالختم ولكنه ينكر التوقيع به لا يقبل منه هذا الإنكار ما دام القانون فى باب تحقيق الخطوط لا يعرف إلا إنكار الختم ذاته، بل عليه أن يدّعى بالتزوير فى الورقة ويقيم هو الدليل عليه.
وحيث إن المحكمة الابتدائية، التى تابعتها المحكمة الاستئنافية، قد قبلت ما دافعت به الست سيدة من إنكار التوقيع ونظرت فى دفاعها على اعتبار أنه إنكار للتوقيع ورأت بعد بحثه موضوعيا أنه دفاع غير جدّى وقضت برفض طلب الإحالة على التحقيق وبصحة الإيصالين المطعون فيهما.
وحيث إنه ما كان يصح قبول هذا الدفاع والقضاء فى موضوعه على الوجه المذكور، بل كان المتعين على محكمة الموضوع ما دامت الست سيدة خليفة اعترفت بختمها وأنكرت التوقيع به أن لا تفعل شيئا سوى مجرّد إثبات ذلك والقضاء بعدم قبول هذا الدفاع بالإنكار ما دام الدفاع بالإنكار لا يجوز فى مثل هذه الصورة كما سبق لمحكمة النقض أن قرّرته.
وحيث إن عدم قبول إنكار التوقيع بالختم المعترف به لا يسيغ الحكم بصحة الورقة المنكورة ولا بتوقيع الغرامة على المدافع بهذا الضرب من الإنكار لأن الحكم بصحة الورقة لا يكون - كما هو صريح نص المادة 271 من قانون المرافعات - إلا فى حق الدفاع بالإنكار المنصب على ذات الختم أو ذات الكتابة أو ذات الإمضاء والذى يقبل وينظر موضوعا ويجرى فيه التحقيق بالطريق المرسوم فى القانون أو بغيره من الطرق القانونية التى يراها القاضى ثم يتبين بعد التحقيق إن إنكار ذات الختم أو ذات الكتابة أو ذات الإمضاء هو إنكار غير صحيح. كما أن الحكم بالغرامة لا يتوقع بحسب نص المادة 272 من قانون المرافعات إلا إذا حكمت المحكمة بصحة الورقة. والحكم بصحتها ممتنع فى صورة عدم قبول الدفاع بانكار التوقيع بالختم مع الاعتراف به كما تقدّم، وإذن فالغرامة لا يمكن توقيعها فى تلك الصورة لانتفاء شرط توقيعها.
وحيث إنه لذلك يبين أن قضاء محكمة الموضوع بصحة الإيصالين المنكور التوقيع عليهما بالختم المعترف به ثم قضاءها بالغرامة هو قضاء فى ذاته مخالف للقانون.
وحيث إنه ما دام وجه الطعن الثانى هو الوجه الرابع يشملان التظلم من القضاء بصحة الورقتين وبالغرامة فانهما يتسعان لأن تقضى محكمة النقض بنقض الحكم فيما يتعلق بقبوله الدفاع بانكار التوقيع بالختم مع الاعتراف به، ثم بفصله فى موضوعه وأن تقرّر أن هذا الإنكار غير مقبول وتقضى تبعا لهذا بعدم صحة الحكم فيما قضى به من صحة الإيصالين ومن الغرامة. على أن الحكم الآن بعدم قبول إنكار التوقيع هذا وبما يستتبعه من تلك النتيجة لا يمس ما للورقتين من القيمة، بل إنهما لا تزالان حافظتين لقوّتهما كورقتين معترف بصحة الختم الموقع به عليهما، ولا تقبلان مطعنا سوى الطعن فيهما بالتزوير.
وحيث إنه فيما يتعلق بالوجه الثالث الخاص باعتبار محكمة الموضوع أن الأجرة عن الـ 10.5 قراريط جميعها تعتبر بمقتضى الإيصالين المذكورين مسدّدة للمؤجرتين سيدة خليفة وحبيبة عن المدّة من أوّل مايو سنة 1926 لغاية سنة 1930 فقد سبق الكلام فى الوجه الأوّل عن عدم إمكان هذا الاعتبار بالنسبة للست حبيبة لو صح أن الإيصالين المذكورين لا يشملان سوى ما يختص بأجرة 6.5 قراريط.
وحيث إنه فيما يختص باعتبار الإيصالين مفيدين بالنسبة للست سيدة خليفة سبق استلامها الأجرة الماضية عن الحصة المؤجرة منها وهى 6.5 قراريط وتخالصها عن جميع الأجرة لغاية سنة 1930 فان محكمة الموضوع إذا كانت قالت فى هذا الصدد إن "اعتراف الست سيدة خليفة باستلامها أجرة شهر ديسمبر سنة 1930 هو اعتراف ضمنى بسداد المدّة السابقة على هذا التاريخ". فانها لا تقصد بداهة إلا أن هذا الاعتراف هو مبدأ ثبوت بالكتابة يقرب معه احتمال تسديد الأجرة عن المدّة الماضية، وقد ذكرت فى ذات حكمها قبل ذلك ظروفا تعزز هذا الاحتمال وتسيغ لها اعتبار قيام الدليل كاملا على واقعة التسديد عن المدّة الماضية. ولذلك يتعين رفض هذا الوجه.