مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) - صـ 772

جلسة 16 مايو سنة 1935

برياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك وعبد الفتاح السيد بك المستشارين.

(263)
القضية رقم 99 سنة 4 القضائية

منافع عامة. ملك واقع على شوارع عامة. مدى حق المالك. حق الحكومة فى تعديل الشوارع وفى إلغائها. قيده.
ليس للملاك من الحقوق المكتسبة إلا ما تقرّره لهم القوانين. فان كان ملكهم واقعا على شوارع عامة فمدى حقهم منحصر فى تمكينهم من الوصول إليه بمطلق الحرّية وفى تمتيعهم بما هو ضرورى من النور والهواء. أما الجهة الحكومية القوامة على الشوارع العامة فان حقها فى تعديلها وفى إلغائها هو حق أصيل ثابت لها تأخذ به كلما أرادت على شرط واحد هو أن تمكن أولئك الملاك من حقهم المنحصر فيما تقدّم وهو الوصول إلى ملكهم بمطلق الحرّية وتمتيعهم بما هو ضرورى من النور والهواء.
فاذا كان الثابت بالحكم أن ملك الطاعنة - الذى كان محوطا بثلاثة شوارع نافذة - باق على أصل وضعه وما يحيط به من الشوارع، وكل ما فى الأمر أن المجلس البلدى أتى للركن البحرى الغربى من هذا الملك فسدّا الشارع الواقع غربيه بمحازاة الحدّ البحرى له، فهذا الذى أثبته الحكم فى الموضوع - مما لا رقابة فيه لمحكمة النقض - لا يمكن تكييفه إلا بأن المجلس البلدى أخذ بحقه الذى لا شبهة فيه، ولم يكن لصاحب الملك أى حق قانونى يتعارض مع حقه هذا الذى أخذ به. ومتى كان الأمر كذلك فحكم القانون هو عدم إجابة صاحب الملك إلى ما يطلبه من التعويض بدعوى أن تصرف المجلس قد ألحق به ضررا.


الوقائع

تتحصل وقائع هذه الدعوى فى أن للست فاطمة أم سعد الدين ملكا بمدينة المنصورة يحدّه من الجهة البحرية شارع المنتزه، ومن الجهة الشرقية شارع عباس، ومن الجهة الغربية شارع زين الدين؛ وكلها شوارع نافذة لها بعد هذا الملك، ومن الجهة البحرية أرض مملوكة لمجلس بلدى المنصورة. فالمجلس البلدى احتاج لبناء عمارة لجمعية الإسعاف فعمد إلى الركن البحرى الغربى من ملك السيدة المذكورة ومدّه على استقامته فسدّ شارع زين الدين المذكور، ثم أدخل فى عمارته ما كان له من الملك بحرى ملك السيدة المذكورة وأضاف إليه جزء شارع زين الدين الواقع بحرى السدّ وقطعة أخرى كانت للمجلس غربى شارع زين الدين. فعل المجلس ذلك فرفعت الست فاطمة أم سعد الدين عليه لدى محكمة المنصورة الابتدائية الأهلية دعوى قيدت بجدولها برقم 150 سنة 1931 طلبت بها إلزامه بمبلغ 973 جنيها و180 مليما بصفة تعويض عما نقض من ثمن الجزء الغربى من ملكها الواقع على شارع زين الدين بسبب سدّ المجلس البلدى للشارع المذكور، وصيرورة ملكها من الجهة الغربية واقعا على زقاق غير نافذ بعد أن كان واقعا على شارع نافذ.
وبتاريخ 9 مايو سنة 1931 حكمت لها المحكمة المذكورة على المجلس البلدى بمبلغ 391 جنيها و580 مليما والمصاريف. فاستأنف المجلس هذا الحكم ومحكمة استئناف مصر قضت فى 22 مارس سنة 1932 بالغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الست فاطمة المذكورة وإلزامها بمصاريف الدرجتين.
أعلن هذا الحكم للست فاطمة أم سعد الدين فى 5 أغسطس سنة 1934، فطعنت فيه بطريق النقض فى 2 سبتمبر سنة 1934 بتقرير أعلن للمطعون ضدّه فى 5 منه، وقدّم طرفا الخصومة المذكرات الكتابية فى الميعاد القانونى، وقدّمت النيابة مذكرتها فى 28 مارس سنة 1935.
وبجلسة اليوم المحدّدة لنظر هذا الطعن سمعت المحكمة الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع صحيحا فى الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن محصل الوجه الأوّل من وجوه الطعن أن محكمة الاستئناف خالفت اتفاقا تحرّر فى 18 أبريل سنة 1929 بين الطاعنة والمجلس البلدى موضوعه تحديد ملكيها المتجاورين الواقعين من الجهة الغربية على شارع زين الدين. وقد صاغت الطاعنة هذا الوجه فى تقريرها بعبارة عائمة لا يفهم منها ما وجه هذه المخالفة. أما فى مذكرتها فانها أتت على بعض نصوص من ذلك الاتفاق لا تحوى شيئا سوى مجرّد وصف الملكين المتجاورين وتحديدهما معا من الجهة الغربية بشارع زين الدين واعتراف كل من المتعاقدين بملكية الآخر الموصوفة فى العقد. وقد جهدت أن تولد من هذه النصوص أن هناك اعترافا ضمنيا من المجلس البلدى بابقاء شارع زين الدين نافذا على حالة وقت الاتفاق - جهدت ثم أدركت أن محاولتها ذلك التوليد غير جدّية فأوردت الاعتراض الذى يؤخذ عليها من اعتصار تلك النصوص لاستخراج ذلك الاعتراف الضمنى منها مع أنها بعيدة البعد كله عن إفادته. أوردت الاعتراض وبدل أن ترد عليه أو تتنازل صراحة عن مطعنها هذا المعرض للنقد طفرت إلى وجه الطعن الثانى فأخذت تتكلم فيه. فالوجه الأوّل ليس سوى كلام لا جدّ فيه وغير حميد أن يعرض مثله على محكمة النقض.
وحيث إن محصل الوجه الثانى أن المحكمة خالفت ما تقضى به المادة 151 من القانون المدنى. لكن هذا الوجه فى التقرير مرتبك التوجيه. ذلك بأن الطاعنة تقول إن هذه المادة ترتب التعويض متى توافر ركنان: المساس بالحق ثم الضرر. ثم تقول إن جهة المساس بالحق قد أثبت الحكم المطعون فيه من الوقائع ما يعتبر قانونا فعلا أحدث ضررا للغير فى حكم تلك المادة. وقولها هذا لا يتلاقى آخره مع أوّله، إذ كلامها فى المساس بالحق، وهو يقتضى أن تبين الطاعنة إما أن المحكمة اعترفت بأن لها حقا مقرّرا مسه المجلس البلدى بسدّه للشارع وإما أن هذا الحق الذى منعه المجلس البلدى هو حق ثابت لها بمقتضى القانون وقد غمطته المحكمة وفوّتته عليها خلافا لما يقضى به القانون. ولكن الطاعنة وهى فى معرض المساس بالحق تقول إن المحكمة أثبتت وقوع ضرر فهذا كلام متنافر. ثم إنها تقول فى باقى هذا الوجه الثانى إن المحكمة أخطأت فى تفسير المادة 151 حيث قيدت الضرر الموجب للتعويض فى حالة الدعوى الحاضرة بقيد لا يعرفه القانون هو وجوب أن يكون حرمان الطاعنة من الوصول إلى ملكها هو حرمانا كليا لا يترك لها منفذا آخر إليه - تقول هذا فى الشق الثانى من الوجه الثانى ثم تعقب على هذا فى الوجه الثالث بقولها إن المحكمة خالفت المادة 103 من قانون المرافعات إذ لم تسبب مذهبها هذا الذى ذهبت إليه من وجوب كون الحرمان كليا أو جزئيا.
وحيث إن حاصل نظرية الحكم المطعون فيه هو أن ليس للملاك من الحقوق المكتسبة إلا ما تقرّره لهم القوانين، فان كان ملكهم واقعا على شوارع عامة فمدى حقهم منحصر فى تمكينهم من الوصول إليه بمطلق الحرّية وفى تمتعهم بما هو ضرورى من النور والهواء. أما الجهة الحكومية القوامة على الشوارع العامّة فان حقها فى تعديلها وفى إلغائها هو حق أصيل ثابت لها تأخذ به كلما أرادت على شرط واحد هو أن تمكن أولئك الملاك من حقهم المنحصر فيما تقدّم وهو الوصول إلى ملكهم بمطلق الحرّية وتمتيعهم بما هو ضرورى من النور والهواء. تلك نظرية المحكمة. وهى نظرية قانونية سليمة لا غبار عليها.
وحيث إن تلك المحكمة أثبتت أن ملك الطاعنة - الذى كان محاطا بثلاثة شوارع نافذة - لم يقع مساس بشارع عباس الواقع شرقيه ولا بشراع المنتزه الواقع قبليه ولا بالجزء الذى على امتداد هذا الملك من شارع زين الدين الواقع غربيه، فى هذا الملك باق على أصل وضعه وما يحيط به من الشوارع؛ وكل ما فى الأمر أن المجلس البلدى أتى للركن البحرى الغربى من هذا الملك فسدّ شارع زين الدين بمحاذاة الحدّ البحرى للملك المذكور. وتقول المحكمة إنه لم ينشأ من هذا العمل ضرر للطاعنة يمكن أن يكون أساسا لتعويض، فانه لا زال سبيلها للوصول إلى ملكها مضمونا والنور والهواء واصلين لها.
وحيث إن هذا الذى أثبتته المحكمة فى الموضوع - مما لا رقابة فيه لمحكمة النقض - لا يمكن تكييفه إلا بأن المجلس البلدى إنما أخذ بحقه الذى لا شبهة فيه ولم يكن للطاعنة أى حق قانونى يتعارض مع حقه هذا الذى أخذ به. ومتى كان الأمر كذلك فحكم القانون هو عدم إجابة الطاعنة إلى ما تطلبه من التعويض ويكون الحكم المطعون فيه الذى رأى ذلك حكما صحيحا ووجوه الطعن باطلة لأنها لا تتلاقى مع نظرية ذلك الحكم.