مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) - صـ 897

جلسة 24 أكتوبر سنة 1935

برياسة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك ومحمود سامى بك المستشارين.

(293)
القضية رقم 4 سنة 5 القضائية

حكر. حكر لوقف. منازعة المحتكر ناظر الوقف فى الملكية. تأسيس المنازعة على مجرّد وضع اليد. وضع اليد حاصل بسبب التحكير. استيفاء التحكير شروط صيغته أو عدم استيفائه. لا تجوز المنازعة.
(المادتان 76 و79 مدنى)
سواء أكان التحكير قد تم بعقد شرعى على يد القاضى الشرعى أم كان قد تم بعقد عرفى من ناظر الوقف فقط دون توسيط القاضى الشرعى فان المحتكر ليس له فى أية الصورتين أن ينازع ناظر الوقف فى الملكية مؤسسا منازعته على مجرّد وضع يده ما دام هو لم يستلم العين إلا من ناظر الوقف، ولم يضع يده عليها إلا بسبب التحكير، مستوفيا هذا التحكير شروط صيغته أو غير مستوف، بل عليه أن يذعن إلى كون الحيازة القانونية هى لناظر الوقف الذى سلمه العين. ثم إن كان له وجه قانونى فى ملكية تلك العين غير وضع يده بسبب التحكير فله أن يداعى ناظر الوقف من بعد ويستردّها منه. وشأن المحتكر فى ذلك كشأن المستأجر والمستعير والمودع لديهم وكل متعاقد آخر لم يضع يده على العين إلا بسبب وقتى من هذا القبيل.


الوقائع

تتحصل وقائع هذه الدعوى - بحسب ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن باقى أوراق الإجراءات - فى أن وزارة الأوقاف رفعت دعوى ضدّ خليل أفندى عبد الخالق أمام محكمة السيدة زينب الأهلية فى سنة 1923 طالبته فيها بأن يدفع لوقف الكلشنى الذى فى نظارتها حكر قطعة أرض بعطفة بركة البغالة بقسم السيدة بمصر مقام عليها منزل مملوك له. ولمنازعة المدّعى عليه للأوقاف فى ملكيته للأرض المطلوب حكرها قرّرت المحكمة المذكورة فى 10 ديسمبر سنة 1924 إيقاف الفصل فى دعوى المطالبة بالحكر هذه إلى أن يفصل فى الملكية، فرفعت وزارة الأوقاف أمام محكمة مصر الأهلية الدعوى الحالية ضدّ خليل أفندى عبد الخالق فى سبتمبر سنة 1927 تطلب فيها تثبيت ملكية وقف الكلشنى لتلك الأرض. فأدخل خليل أفندى عبد الخالق ورثة المرحوم إبراهيم أفندى على ومنهم (الطاعن) والست عزيزة سيد أحمد بصفتهم ضمانا له فى الدعوى لأنهم البائعون له؛ ولأن الست عزيزة قرّرت بأنها باعت له على اعتبار أن الأرض محكرة لجهة وقف الكلشنى فقد تنازل عنها. وهذه الدعوى التى قيدت بجدول محكمة مصر الأهلية تحت رقم 1511 سنة 1927 قضت فيها المحكمة بتاريخ 19 مارس سنة 1929 بندب خبير لتطبيق مستندات الطرفين ومعرفة ما إذا كانت القطعة الأرض المتنازع على ملكيتها تدخل ضمن مستندات الوقف. وبعد أن أدّى الخبير مأموريته وقدّم تقريره حكمت بتاريخ 30 نوفمبر سنة 1930 بتثبيت ملكية وزارة الأوقاف بصفتها لقطعة الأرض المذكورة وألزمت خليل أفندى عبد الخالق بالمصاريف وبمبلغ 200 قرش مقابل أتعاب محاماة. وأما بالنسبة لدعوى الضمان المرفوعة فقضت المحكمة بعدم الالتفات إليها لأنها لم توجه ضدّ أحد بالمطالبة بشىء معين. فاستأنف الطاعن وحده هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر وقيد استئنافه هذا بجدولها برقم 842 سنة 48 قضائية. وعند نظره دفع المستأنف بعدم اختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى وطلب فى الموضوع الحكم له بالغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الوزارة.
وبتاريخ 20 مايو سنة 1934 قضت محكمة الاستئناف برفض الدفع بعدم الاختصاص ثم فى الموضوع بتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنف بالمصاريف ويبلغ 600 قرش أتعاب محاماة.
وقد أعلنت وزارة الأوقاف هذا الحكم للدكتور محمد بك صبحى فى 21 أكتوبر سنة 1934 فقرّر بقلم كتاب هذه المحكمة فى 20 نوفمبر سنة 1934 بالطعن فيه بطريق النقض بتقرير أعلن إلى المطعون ضدّها فى 25 منه، وقدّم طرفا الخصوم المذكرات الكتابية فى الميعاد، وقدّمت النيابة مذكرتها الكتابية فى 23 يونيه سنة 1935.
وبجلسة اليوم المحدّدة لنظر هذا الطعن سمعت المحكمة الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعن رفع صحيحا فى الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن الطعن يقوم على العلل الآتية:
(أوّلا وثانيا) إن الحكم أخطأ فى تطبيق القانون كما أخطأ فى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية. وذلك لأن الطاعن دفع بعدم اختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى لقيام نزاع فى أصل الوقف مما تختص به المحاكم الشرعية دون المحاكم الأهلية طبقا للمادة 16 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية، ولكن المحكمة رفضت هذا الدفع بمقولة إن الوقف ثابت من نميقة شاهانية صادرة من والى مصر فى سنة 1217 هجرية ومن إشهاد شرعى مع أن تلك النميقة فاقدة لعناصر الوقف وشروطه مما لا ينعقد الوقف بدونه. وكذلك الإشهاد الشرعى هو إشهاد صادر باعتبار الوقف أهليا لا خيريا وذلك بناء على إقرار المشهدين بالوقف وموافقتهم على اعتباره كذلك، والإقرار حجة قاصرة على من أقرّ لا يتعدّاه إلى غيره. وعلى كل حال فان هذا الإشهاد لم يتعرّض لانعقاد الوقف واستيفائه لشرائط الانعقاد والصحة لأنها لم تكن محل بحث. ثم يقول الطاعن فوق ذلك إن مجرّد البحث فى انعقاد الوقف من عدمه خارج بطبيعته عن اختصاص المحاكم الأهلية وإن تلك الأسانيد التى استند إليها الحكم لا تثبت أن هناك وقفا مستوفيا للشرائط القانونية والشرعية.
(ثالثا) أن الحكم خالف القانون لاعتباره الأرض محكرة واستناده فى ذلك إلى أوراق العوائد وإلى الطلب المقدّم من محمود بك أنيس (واضع اليد الأسبق) لاستحكاره الأرض مع أن المقرّر قانونا أن الحكر لا يثبت إلا بإشهاد شرعى يحصل على يد قاض ويكون مسجلا، وذلك طبقا لأحكام المحاكم المستندة إلى الشريعة الإسلامية. كما أن التحكير فى ذاته ودفع قيمة الحكر لا يدل ولا يقطع بوجود الوقف لأن التحكير يكون فى الملك كما يكون فى الوقف أيضا.
(رابعا) خلو الحكم من الأسباب وذلك لأنه قضى بأن وضع يد الطاعن ومورّثه من قبله لا يكسبه حق التملك بمضى المدة بحجة أن عقوده كانت عقود استحكار مع أن الطاعن لم يستند فى إثبات ملكيته للأرض إلى عقد مّا، بل قرر صراحة بأن مورّثه وضع يده على هذه الأرض وبنى عليها من أكثر من أربعين سنة وضعا مستوفيا للشرائط المؤدية للتمليك وأنه هو ومورّثه لا علاقة بينهما وبين محمود بك أنيس الذى اعتبر الحكم أن وضع يدهما مستمد من وضع يده. وقد أغفل الحكم الرد على هذا الدفاع فهو من هذه الناحية يكون باطلا لعدم تسبيبه، كما يكون باطلا لاعتباره وضع يد الطاعن ومورّثه فى هذه الظروف غير مؤد للتملك خلافا لما تقضى به المادة 76 من القانون المدنى. ولهذه العلل يطلب الطاعن نقض الحكم ورفض دعوى وزارة الأوقاف واحتياطيا إحالة القضية على دائرة أخرى من دوائر الاستئناف للفصل فيها الخ.
وحيث إنه فيما يتعلق بالسببين الأوّل والثانى اللذين هما فى الحقيقة سبب واحد قائم على فكرة أن هناك نزاعا فى أصل الوقف فان محكمة النقض تلاحظ أنهما غير جدّيين. وذلك لأن الثابت فى حكم محكمة الموضوع أن أرض بركة البغالة التى منها الجزء القائم عليه بناء منزل الطاعن وباقى ورثة والده هى تابعة لوقف الكلشنى، وأن المحكمة الشرعية قد قضت نهائيا بوجوده وصحة انعقاده وذلك بحكمها الصادر فى 29 أبريل سنة 1914 المؤسس ذلك الحكم الشرعى على نميقة شاهانية صادرة من والى مصر فى 14 ربيع آخر سنة 1217 هجرية وعلى إشهاد شرعى صادر لدى محكمة مصر الشرعية بتاريخ 15 مايو سنة 1906 ممن تدعى الست زليخا التى كانت ناظرة إذ ذاك على وقف الكلشنى؛ فوجود وقف الكلشنى سواء أكان أهليا أم كان خيريا هو أمر مفصول فيه بصفة قطعية من المحكمة الشرعية وحكمها فى هذا واجب الاحترام. وكل المسألة كانت منحصرة فى معرفة ما إذا كانت القطعة المتنازع فيها تدخل فى حدود هذا الوقف الثابت أصله أو لا تدخل كما قالت محكمة الاستئناف بحق فى تعليلها رفض الدفع بعدم الاختصاص.
وحيث إن الوجه الثالث لا يقبل من الطاعن توجيهه إذ سواء أكان التحكير قد تم بعقد شرعى على يد القاضى الشرعى أم كان قد تم بعقد عرفى من ناظر الوقف فقط دون توسيط القاضى الشرعى فان المحتكر ليس له فى أية الصورتين أن ينازع ناظر الوقف فى الملكية مؤسسا منازعته على مجرّد وضع يده ما دام هو لم يستلم العين إلا من ناظر الوقف ولم يضع يده عليها إلا بسبب التحكير مستوفيا هذا التحكير شروط صيغته أو غير مستوف. بل عليه أن يذعن إلى كون الحيازة القانونية هى لناظر الوقف الذى سلمه العين، ثم إن كان له وجه قانونى فى ملكية تلك العين غير وضع يده بسبب التحكير فله أن يداعى ناظر الوقف من بعد ويستردّها منه. وشأن المحتكر فى ذلك كشأن المستأجر والمستعير والمودع لديهم وكل متعاقد آخر لم يضع يده على العين إلا بسبب وقتى من هذا القبيل.
وحيث إنه فيما يتعلق بالوجه الرابع فان محكمة الموضوع أثبتت موضوعيا أن وزارة الأوقاف كانت فى العهد القديم ناظرة على وقف الكلشنى من قبل تنظر الست زليخا، وأنها ردمت بركة البغالة التابعة لهذا الوقف وحكرت منها لمحمود بك أنيس الذى كان مديرا للقليوبية قطعة مساحتها 25/ 16701 ذراعا مربعا، وأن هذا الحكر تسجل فى دفاتر الأحكار بديوان الأوقاف، وأن محمود بك أنيس أخذ يدفع حكر هذا المقدار من 16 جماد آخر سنة 1302. وأثبتت أيضا أن من هذا المقدار الذى كان محكرا لمحمود بك أنيس جزءا آل إلى المرحوم إبراهيم أفندى على، وأنه كان لإبراهيم أفندى على هذا منزل مستجد الإنشاء على هذا المقدار تكلف عليه وعلى ورثته من بعده بدفاتر العوائد من 8 نوفمبر سنة 1894 لغاية سنة 1917 على اعتبار أن أرضه محتكرة لوقف الكلشنى. ولهذا قرّرت محكمة الاستئناف موضوعيا تقريرا قاطعا بأن عقود تملك المرحوم إبراهيم أفندى على وورثته من بعده كانت لغاية سنة 1917 (عقود استحكار). أى أن إبراهيم أفندى على وورثته المذكورين لم يضعوا يدهم على أرض منزلهم إلا كمحتكرين فقط، سواء أكان إبراهيم أفندى على هو الذى أنشأ المنزل أم كان اشتراه من محمود بك أنيس جديد الإنشاء. أثبتت محكمة الاستئناف ذلك كما أثبتت أن ورثة إبراهيم أفندى على (الذين منهم الطاعن) قد باعوا المنزل المذكور إلى خليل أفندى عبد الخالق المالك الحالى الذى كان ممن صدر عليهم الحكم المطعون فيه. وإذ أثبتت محكمة الاستئناف موضوعيا ما تقدّم فقد رتبت على ما أثبتته من هذا نتيجته القانونية وهى أن وضع يد محمود أنيس وإبراهيم أفندى على وورثته من بعده لغاية سنة 1917 كان وضع يد مؤقتا حاصلا بسبب التحكير لا يؤدى إلى كسب الملك مهما طال أمده. ثم ذكرت أن صفة وضع يد هؤلاء الورثة لم تتغير إلا من سنة 1920 تاريخ بيعهم إلى خليل أفندى وأن وزارة الأوقاف رفعت دعوى الملكية فى سنة 1923 أى أنه لم يمض على وضع اليد الجائز أن يوصل لكسب الملكية سوى نحو ثلاث سنين فقط وهى مدّة غير كافية كما هو واضح. وكل هذا الذى قالته محكمة الاستئناف صحيح قانونا فقضاؤها بتثبيت ملكية وقف الكلشنى للجزء المتنازع فيه قضاء من هذه الجهة لا محل للطعن عليه.