مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) - صـ 988

جلسة 19 ديسمبر سنة 1935

برياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: محمد لبيب عطية بك ومراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك المستشارين.

(309)
القضية رقم 18 سنة 5 القضائية

رهن عقارى. دائن مرتهن. حائز العقار. تعريفه. متى يجب إنذاره؟
(المادة 574 مدنى)
1 - حائز العقار المشار إليه بالمادة 574 من القانون المدنى لا يمكن مبدئيا أن يكون إلا من آلت إليه من المدين ملكية العقار أو حق انتفاع عينى عليه، فأصبح بمقتضى ماله من الملكية أو حق الانتفاع صاحب مصلحة فى الدفاع عنه ومنع بيعه إذا استطاع. والذى تدل عليه عبارة تلك المادة أن إنذار الحائز إنما يكون واجبا فى صورة ما إذا كان لهذا الحائز وجود فى ذلك الظرف الزمنى الذى ينبه فيه الدائن المرتهن على مدينه بالوفاء وينذره بنزع الملكية.
وبما أن معرفة وجود حائز للعقار بالمعنى المتقدّم أو عدم وجوده إنما تكون بالكشف من دفاتر التسجيلات العقارية، فاذا طلب الدائن المرتهن هذا الكشف وظهر منه أن هناك تسجيل تصرف فى الملكية أو فى حق انتفاع صادر من المدين وجب عليه إنذار المتصرف إليه كما تقضى به المادة 574، وإلا فهو يرفع دعوى نزع الملكية ويمضى فى الإجراءات لغاية البيع. ومهما يحدث بعد من تصرفات المدين المسجلة على العين فلا شأن لهذا الدائن المرتهن بها ولا تأثير لها فى إجراءات نزع الملكية والبيع.
2 - لا يلزم أن يكون عقد الحائز مسجلا قبل تاريخ إعلان التنبيه على المدين بنزع الملكية، بل يكفى أن يكون تسجيل عقده حاصلا قبل تسجيل التنبيه المذكور حتى يعتبر حائزا واجبا على الدائن المرتهن إنذاره قبل رفع دعوى نزع الملكية كمقتضى المادة 574 بحيث لو كان تسجيل عقده حاصلا بعد تسجيل ذلك التنبيه فليس على هذا الدائن إنذاره بل له المضى فى الإجراءات وتكون إجراءاته صحيحة كما تقدّم.
3 - القول فى الحيازة ووجوب إنذار صاحبها وعدم وجوبه وما يترتب على الإنذار وعدمه، كله لا شأن له إلا بالنسبة للدائن المرتهن أو الدائن صاحب الاختصاص الذى حكمه حكم المرتهن من حيث ما له من حق تتبع العقار فى أى يد يكون. أمّا الدائن العادى ففكرة الحيازة الواجب إنذار صاحبها منتفية بالنسبة له تماما. وذلك من جهةٍ لأن الدائن العادى يكون عابثا لو نبه على مدينه بنزع ملكية عقار له يكون قد تصرف فيه للغير تصرفا يكون أخرجه فعلا من ملكيته، ومن جهةٍ أخرى فإن القانون الأهلى لا يحرم المدين من التصرف فى الملكية بعد تسجيل التنبيه. فإذا حصل هذا التصرف وسجل، بعد تسجيل التنبيه الحاصل من دائن عادى، فى أى وقت سابق على تسجيل حكم مرسى المزاد، فإن كل إجراءات التنفيذ تسقط وتكون لا قيمة لها ما دام تسجيل التنبيه لا يكسب لا هو ولا إجراءات البيع ذلك الدائن العادى حقا عينيا على العقار يحتج به على من تنتقل إليه ملكيته من قبل مدينه.


الوقائع

تتحصل وقائع هذه الدعوى - بحسب ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه والأوراق والمستندات المقدّمة لهذه المحكمة - فيما يأتى:
استصدرت الست جليلة أحمد حسن الطاعنة حكما نهائيا بدين لها على مدينها حسن أفندى عبد الرحمن فى الدعوى رقم 2247 سنة 1929 السيدة، وبمقتضاه حصلت على أمر من رئيس محكمة مصر فى 13 أكتوبر سنة 1929 باختصاصها بعقار لمدينها هو عبارة عن جاراج بسكة عثمان أغا بالبغالة بقسم السيدة زينب بمصر، وسجلت هذا الاختصاص تسجيلا كليا فى 18 أكتوبر سنة 1929، ثم أعلنت إلى المدين تنبيها بنزع ملكية هذا العقار بتاريخ 13 نوفمبر سنة 1929، وسجل هذا التنبيه فى 18 نوفمبر سنة 1929، ثم رفعت لدى محكمة السيدة زينب دعوى نزع ملكية قيدت بجدولها برقم 1029 سنة 1930 فحكمت فيها تلك المحكمة بنزع ملكية العقار المذكور وبيعه وذلك بتاريخ 30 مارس سنة 1930، وتسجل هذا الحكم بتاريخ 15 أبريل سنة 1930. وبسبب تغيير قواعد الاختصاص أحيلت الأوراق إلى محكمة مصر الابتدائية، وقيدت بجدولها برقم 1145 سنة 1930 وقاضى البيوع حدّد للبيع جلسة 30 يونيه سنة 1930، وفيها تقدّم المطعون ضدّه يطلب إيقاف دعوى البيع حتى يفصل فى دعوى استحقاق رفعها بشأن هذا العقار، وقدّم سند تمليكه فاذا هو عقد عرفى محرّر فى 13 نوفمبر سنة 1924 بمشترى هذا العقار من المدين حسن أفندى عبد الرحمن ومصدّق عليه من محكمة السيدة زينب الجزئية فى 17 نوفمبر سنة 1924 ومسجل تسجيلا كليا بقلم عقود محكمة مصر المختلطة فى 27 مايو سنة 1930 فرفض قاضى البيوع طلبه.
وبتاريخ 6 يوليه سنة 1930 أنذرته الطاعنة بدفع الدين أو التخلية وأدخلته فى الدعوى لتكون إجراءات البيع فى مواجهته. ثم بجلسة 25 أغسطس سنة 1930 رسا مزاد العقار على طالبة البيع (الطاعنة) وعقب صدور حكم مرسى المزاد تقدّم من يدعى محمد حسن الوتار أخو المطعون ضدّه فقرّر بزيادة العشر.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فان دعوى الاستحقاق التى رفعها المطعون ضدّه أمام محكمة مصر الابتدائية وتقيدت برقم 1840 سنة 1930 قد انتهت بحكم أصدرته محكمة الاستئناف بتاريخ 4 ديسمبر سنة 1932 فى الاستئناف رقم 830 سنة 49 قضائية قضى بتثبيت ملكية العقار على أن تكون هذه الملكية مثقلة بحق اختصاص طالبة البيع (الطاعنة) وبرفض باقى طلباته وهى الخاصة بالغاء وبطلان تنبيه نزع الملكية وحكم نزع الملكية ومحو ما ترتب عليهما من التسجيلات. وعقب صدور هذا الحكم أعلنته الطاعنة إلى المطعون ضدّه باعلان تاريخه 17 ديسمبر سنة 1932 نبهت عليه فيه مرة أخرى بوفاء دينها المسجل عنه الاختصاص إذا أراد تفادى تحديد يوم لإعادة بيع العقار بعد زيادة العشر فلم يجبها بشىء، فاستصدرت أمرا من قاضى البيوع بتحديد يوم للبيع وأعلنته إلى المدين ومقرّر الزيادة كما أعلنته إلى المطعون ضدّه أيضا.
وبجلسة 8 فبراير سنة 1930 حصلت المزايدة الثانية، ورسا مزاد العقار لثانى مرة على طالبة البيع. وقد تسلمت العقار على يد محضر بمحضر تسليم تاريخه 29 مايو سنة 1933 أعلن هو وحكم مرسى المزاد لجميع الخصوم، وتسجل تسجيلا كليا بتاريخ 8 يونيه سنة 1933. وقد كان المطعون ضدّه عند تنفيذ حكم مرسى المزاد المذكور رفع إشكالا فى التسليم نظره قاضى الأمور المستعجلة بمحكمة مصر الأهلية وقضى برفضه بتاريخ 23 مارس سنة 1933 فى القضية رقم 194 سنة 1933 مستعجل بانيا قضاءه هذا على أنه فوق كون الإجراءات قد اتخذت فى مواجهته فانه لا يمكن اعتبار حائزا بالمعنى القانونى.
بعد كل هذا رفع المطعون ضدّه الدعوى الحالية رقم 1015 سنة 1933 كلى مصر طالبا بطلان الإجراءات بناء على أنه حائز قانونا ويجب أن توجه الإجراءات إليه وبناء على أن إعلان البيع الثانى الحاصل لجلسة 28 فبراير سنة 1933 لم يسلم إليه فقضت محكمة مصر الأهلية بتاريخ 28 نوفمبر سنة 1933 برفض دعواه. فاستأنف هذا الحكم بالاستئناف رقم 525 سنة 51 قضائية. ومحكمة الاستئناف قضت بتاريخ 25 نوفمبر سنة 1934 بالغاء الحكم الابتدائى المستأنف والحكم ببطلان إجراءات البيع وحكم مرسى المزاد الصادر بتاريخ 28 فبراير سنة 1933 فى قضية البيع رقم 1145 سنة 1930، وألزمت الطاعنة بمصاريف الدرجتين وبمبلغ 400 قرش مقابل أتعاب المحاماة. وقد أصدرت حكمها هذا على أساس اعتبار المطعون ضدّه حائزا يجب التنبيه عليه بالدفع أو التخلية ما دام أنه اشترى وسجل عقده بعد تسجيل الاختصاص.
وقد أعلن هذا الحكم إلى الطاعنة فى 14 يناير سنة 1935 فطعنت فيه بطريق النقض فى 10 فبراير سنة 1935 بتقرير أعلن إلى المطعون ضدّه فى 12 منه، وقدّم الطرفان مذكراتهما الكتابية فى الميعاد، وقدّمت النيابة مذكرتها فى 3 أكتوبر سنة 1935.
وقد تحدّد لنظر هذا الطعن جلسة 21 نوفمبر سنة 1935 ومنها تأجل لجلسة اليوم، وفيها سمعت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم صدر الحكم الآتى:


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع صحيحا فى الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الطعن:
(أوّلا) أن الحكم المطعون فيه أخطأ فيما قضى به من بطلان إجراءات البيع ومرسى المزاد تأسيسا على عدم التنبيه على عاشور محمد الوتار المطعون ضدّه تنبيها رسميا بالدفع أو التخلية طبقا للمادة 574 من القانون المدنى باعتباره حائزا للعقار مع أن المطعون ضدّه المذكور لا يمكن اعتباره حائزا واجبا التنبيه عليه كمقتضى المادة المذكورة لأن عقد مشتراه العقار من المدين لم يسجل إلا بتاريخ 27 مايو سنة 1930 بعد أن كانت الطاعنة وجهت تنبيه نزع الملكية للمدين البائع فى 13 نوفمبر سنة 1929 وسجلته فى 18 نوفمبر سنة 1929، ثم رفعت عليه دعوى نزع الملكية واستصدرت فيها حكما سجل فى 15 أبريل سنة 1930، وأنه ما دام الأمر كذلك فهذا المشترى (المطعون ضدّه) لا يعتبر حائزا للعقار من المنطبقة عليهم المادة المذكورة ويكون الحكم المطعون فيه أخطأ فى تطبيقها فوقع باطلا.
(ثانيا) أن المطعون ضدّه سبق أن رفع لدى محكمة مصر الابتدائية الأهلية على الطاعنة وعلى مدينها حسن أفندى عبد الرحمن دعوى استحقاق العقار المتنازع بسببه الآن، وقيدت بجدولها تحت رقم 1840 كلى مصر، وفيها طلب تثبيت ملكيته لهذا العقار وبطلان تنبيه نزع الملكية وحكم نزع الملكية فى الدعوى رقم 1045 سنة 1930 كلى مصر ومحو ما ترتب عليهما من التسجيلات. وقد وصلت دعوى الاستحقاق المذكورة إلى محكمة استئناف مصر وقيدت بجدولها برقم 830 سنة 49 قضائية. وبتاريخ 4 ديسمبر سنة 1932 قضت فيها محكمة الاستئناف بتثبيت ملكية المطعون ضدّه للعقار على أن يبقى مثقلا بحق اختصاص الطاعنة ثم برفض باقى طلباته. وطلباته المرفوضة نهائيا هى بطلان التنبيه وحكم نزع الملكية وما ترتب على العين من التسجيلات. لكن الحكم المطعون فيه قد خالف ذلك الحكم النهائى إذ قضى ببطلان إجراءات البيع من أوّلها لآخرها فى الدعوى رقم 1045 سنة 1930 كلى مصر، فهو إذن قد أتى على خلاف الحكم السابق صدوره بين الخصوم أنفسهم فى 4 ديسمبر سنة 1932 وهو لذلك باطل.
تقول الطاعنة هذا وتضيف إليه أن المطعون ضدّه قد دخل فى أوّل جلسة للبيع وهى جلسة 30 يونيه سنة 1930 وطلب إيقافه لرفعه دعوى الاستحقاق المذكورة فرفض القاضى طلبه؛ ثم أدخلته الطاعنة فى هذا البيع باعلان فى 6 يوليه سنة 1930 فحضر الإجراءات إلى أن رسا المزاد الأوّل فى 25 أغسطس سنة 1930. كما أنها بعد صدور حكم الاستئناف فى 4 ديسمبر سنة 1932 فى دعوى الاستحقاق التى رفعها قد أعلنته إليه فى 17 ديسمبر سنة 1932، ونبهت عليه بوفاء دينها المسجل عنه الاختصاص إذا أراد تفادى تحديد يوم لإعادة بيع العقار بعد زيادة العشر، وأنها أيضا أعلنت إليه تاريخ الجلسة التى حدّدها قاضى البيوع لإعادة المزايدة التى رسا فيها العقار ثانية على الطاعنة. تضيف الطاعنة هذا وتقول إن المطعون ضدّه على كل حال قد حصل له العلم القانونى الكافى الذى يمنعه من الطعن فى الإجراءات.
ومن أجل هذا تطلب الطاعنة نقض الحكم والقضاء فى موضوع استئناف المطعون ضدّه برفضه وبتأييد الحكم الابتدائى المستأنف أو إعادة الدعوى إلى محكمة الاستئناف لنظرها من جديد.
وحيث إن الثابت فى الدعوى أن عقد مشترى المطعون ضدّه عاشور محمد الوتار للعقار المتنازع بسببه من حسن أفندى عبد الرحمن وإن كان محرّرا بتاريخ 13 نوفمبر سنة 1924 ومصدّقا عليه بمحكمة السيدة زينب بتاريخ 17 نوفمبر سنة 1924 إلا أنه لم يسجل إلا فى 27 مايو سنة 1930 بعد أن كانت الطاعنة وهى دائنة لحسن أفندى عبد الرحمن البائع قد حصلت على أمر باختصاصها بالعقار المذكور وسجلته بقلم كتاب محكمة مصر الابتدائية الأهلية فى سبتمبر سنة 1929 وبقلم عقود محكمة مصر المختلطة فى 18 أكتوبر سنة 1929، ووجهت لمدينها هذا تنبيها بنزع ملكية ذلك العقار وسجلته بقلم كتاب محكمة مصر الأهلية فى 18 نوفمبر سنة 1929 بل ورفعت عليه دعوى نزع الملكية لدى محكمة السيدة زينب (نقلت بسبب تغيير الاختصاص إلى محكمة مصر الكلية) وصدر فيها بتاريخ 30 مارس سنة 1930 حكم بنزع الملكية سجل بتاريخ 15 أبريل سنة 1930.
وحيث إن المادة 599 من القانون المدنى جعلت للدائن الذى حصل على اختصاصه بعقار مدينه من يوم تسجيل اختصاصه نفس الحقوق التى تترتب على الرهن العقارى، وقضت بأن كافة القواعد المقرّرة فيما يتعلق بالرهن تتبع فى الاختصاص المذكور ما عدا ما استثنى بالمادة 600 مما لا شأن له بالبحث الحالى.
وحيث إن المادة 573 أجازت للدائن المرتهن عند حلول أجل الدين أن يشرع، بعد التنبيه على المدين بالوفاء وإنذاره ببيع العقار، فى نزع ملكية العقار المرهون وبيعه فى المواعيد المبينة فى قانون المرافعات وبالأوجه المبينة به. وقد جاءت المادة 574 معقبة على هذا الحكم بأن العقار إذا كان فى يد حائز آخر فلا يجوز للدائن المرتهن أن يشرع فى نزع ملكيته إلا بعد إنذار الحائز والتنبيه عليه رسميا بدفع الدين أو بتخليته.
وحيث إن حائز العقار المشار إليه بهذه المادة لا يمكن مبدئيا أن يكون إلا من آلت إليه من المدين ملكية العقار أو حق انتفاع عينى عليه فأصبح بمقتضى ما له من الملكية أو حق الانتفاع صاحب مصلحة فى الدفاع عنه ومنع بيعه إذا استطاع.
وحيث إن الذى تدل عليه عبارة تلك المادة أن إنذار الحائز إنما يكون واجبا فى صورة ما إذا كان لهذا الحائز وجود فى ذلك الظرف الزمنى الذى ينبه فيه الدائن المرتهن على مدينه بالوفاء وينذره بنزع الملكية.
وحيث إن معرفة وجود حائز للعقار بالمعنى المتقدّم أو عدم وجوده إنما تكون بالكشف من دفاتر التسجيلات العقارية خصوصا بعد قانون التسجيل الجديد الذى جعل التسجيل شرطا جوهريا أساسيا لانتقال الملكية فى الحقوق العينية حتى بين المتعاقدين أنفسهم ولم يجعل لثبوت تاريخ العقود بعد العمل به أى أثر فى هذا الصدد بحيث إذا ظهر من الكشف أن هناك تسجيل تصرف فى الملكية أو فى حق انتفاع صادر من المدين وجب على الدائن المرتهن إنذار المتصرف إليه كما تقضى به المادة 574 وإلا فهو يرفع دعوى نزع الملكية ويمضى فى الإجراءات لغاية البيع. ومهما يحدث بعد من تصرفات المدين المسجلة على العين، فلا شأن لها لهذا الدائن المرتهن بها ولا تأثير لها فى إجراءات نزع الملكية والبيع.
وحيث إن هذا حق لا شك فيه، فانه لو وجب على الدائن المرتهن أن ينذر كل من يجوز العقار بعقد لم يسجل إلا بعد ذلك الظرف الزمنى وإلا كانت إجراءاته فى دعوى نزع الملكية باطلة هى وما ترتب عليها من إجراءات البيع ومرسى المزاد لكان فى هذا تكليف للدائن المذكور بأن يظل ملازما لقلم التسجيلات يكشف فيه يوميا عن حدوث تسجيل لتصرف من المدين حتى يقوم بواجبه من إنذار المتصرف إليه. وهذا خطل وفساد رأى يتنزه عنه الشارع.
وحيث إنه إذا كان هذا حقا لا محل للشك فيه فان الشبهة واردة على عبارة المادة 574 من جهة عدم تحديدها للظرف الزمنى الذى يتحقق فيه وجود الحائز، بحيث إن الباحث ليتساءل هل يجب أن يتحقق وجود الحائز بتسجيل عقده قبل تاريخ إعلان التنبيه بنزع الملكية إلى المدين حتى يجب إنذاره بحيث لو كان عقده مسجلا بعد هذا التاريخ لما اعتبر حائزا واجبا إنذاره؟ أم هل يجب أن يكون عقده مسجلا ولو بعد هذا التاريخ ولكن قبل تاريخ تسجيل ذلك التنبيه حتى يعتبر حائزا واجبا إنذاره بحيث لو كان عقده مسجلا بعد تاريخ تسجيل التنبيه فلا يعتبر حائزا ولا يجب إنذاره؟ إن عبارة المادة لا تجيب صراحة على أمر من هذين. لكن الرأى الذى جرى عليه العمل والذى تقرّه محكمة النقض أنه يكفى أن يكون تسجيل عقد الحائز حاصلا قبل تسجيل التنبيه على المدين بنزع الملكية حتى يعتبر حائزا واجبا على الدائن المرتهن إنذاره قبل رفع دعوى نزع الملكية كمقتضى المادة 574 بحيث لو كان تسجيل عقده حاصلا بعد تسجيل ذلك التنبيه فليس على هذا الدائن إنذاره بل له المضى فى الإجراءات وتكون إجراءاته صحيحة. وهذا الرأى يعززه القياس على حكم المادة 640 من قانون المرافعات التى جعلت للدائنين المسجلة ديونهم قبل تسجيل التنبيه ولم يعلنوا فى إجراءات التوزيع أن يطلبوا بطلانها دون من كانت ديونهم مسجلة من بعد تسجيل التنبيه. فانه إذا كان الشارع لا ينظر إلى تاريخ إعلان التنبيه وإنما يعتمد على تاريخ تسجيله ويجعله الحدّ الفاصل فى الخصوصية المسوق لها حكم المادة 640 المذكورة، وبذلك لا يقتصر على حفظ حق من سجل دينه قبل تاريخ إعلان التنبيه فقط بل يحفظ أيضا حق من سجل دينه فى الفترة التى بين تاريخ إعلان التنبيه وبين تاريخ تسجيله - إذا كان هذا فالأحوط لمصلحة الحائزين احتذاء فكر الشارع فى هذه الخصوصية. والقياس عليه يجعل تاريخ تسجيل التنبيه هو الحدّ الفاصل بين من يجب إنذاره من الحائزين ومن لا يجب.
وحيث إن الثابت فى الدعوى الحالية كما تقدّم أن تسجيل عقد تملك عاشور محمد الوتار المطعون ضدّه لم يكن بعد تسجيل تنبيه نزع الملكية فقط، بل إنه لم يحصل أيضا إلا بعد أن كانت دعوى نزع الملكية رفعت فعلا وصدر حكمها وسجل فعلا، فيكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى تفسير المادة 574 إذ اعتبره حائزا كان واجبا إنذاره كمقتضاها، وإذ رتب على ذلك ما قرّره من بطلان إجراءات نزع الملكية والبيع وما ترتب عليهما من التسجيلات.
وحيث إنه حتى بصرف النظر عما تقدّم فان المطعون ضدّه - كما تقول الطاعنة فى تقرير طعنها وكما هو ثابت واقعيا - قد دخل فى دعوى البيع فعلا وطلب إيقافها حتى يفصل فى دعواه الاستحقاق، ثم أنذرته الطاعنة فى يوليه سنة 1930 بالدفع أو التخلية. كما أنه بعد الحكم فى دعوى الاستحقاق هذه قد أنذرته الطاعنة مرة أخرى بأن يدفع لها دينها إذا أراد تفادى البيع، ثم هى أدخلته فى إجراءات البيع بعد ذلك إلى أن رسا المزاد الثانى على الطاعنة. وما دام المقصود من الإنذار هو إعلان الحائز بدعوى نزع الملكية التى تتهدّد العقار الذى فى حيازته وأن يتدبر فى الوفاء بدين الدائن المرتهن كيما يسلم له العقار فحتى على اعتبار المطعون ضدّه حائزا - والواقع أنه قانونا غير حائز - فان ذلك المقصود قد حصل فعلا ولا وجه لإجابة ما طلبه من إبطال الإجراءات كما فعل الحكم المطعون فيه.
وحيث إنه لذلك يتعين نقض الحكم المذكور بلا حاجة إلى البحث فى السبب الثانى من سببى الطعن. ولا يفوت المحكمة التنبيه إلى أن ما تقدّم فى هذا الحكم من التقريرات إنما هو خاص بالدائن المرتهن أو بالدائن صاحب الاختصاص الذى حكمه حكم المرتهن من حيث ما له من حق تتبع العقار فى أى يد يكون. أما الدائن العادى ففكرة الحيازة الواجب إنذار صاحبها منتفية تماما بالنسبة له. وذلك من جهة لأن الدائن العادى يكون عابثا لو نبه على مدينه بنزع ملكية عقار له يكون قد تصرف فيه للغير تصرفا أخرجه فعلا من ملكه، ومن جهة أخرى فان القانون الأهلى ما دام لا يحرم المدين من التصرف فى الملكية بعد تسجيل التنبيه، فان هذا التصرف إذا حصل وسجل بعد تسجيل التنبيه الحاصل من دائن عادى فى أى وقت سابق على تسجيل حكم مرسى المزاد، فان كل إجراءات التنفيذ تسقط وتكون لا قيمة لها ما دام تسجيل التنبيه لا يكسب لا هو ولا إجراءات البيع ذلك الدائن العادى حقا عينيا على العقار يحتج به على من تنتقل إليه ملكيته من قبل مدينه.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه.
وحيث إن الحكم الابتدائى المستأنف فى محله للأسباب المتقدّمة وللأسباب التى بنى عليها فيتعين تأييده.