مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) - صـ 1167

جلسة 22 أكتوبر سنة 1936

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك وعلى حيدر حجازى بك المستشارين.

(380)
القضية رقم 40 سنة 6 القضائية

حيازة. دعوى استرداد الحيازة. شرط قبولها. حق ارتفاق على مسقى فى يد المدّعى عليه. لا يكون موضوعا لدعوى استرداد الحيازة.
إن دعوى استرداد الحيازة تستلزم بطبيعتها وقوع أعمال عنف وقوّة مادّية تكون قد سلبت حيازة مادّية أيضا. وهى بهذه المثابة لا يمكن أن يكون موضوعها إعادة مسقى أو مصرف هدمهما المدّعى عليه ويدّعى المدّعى أن له حق ارتفاق عليهما إذا كان هذا المسقى أو المصرف اللذان هما محل حق الارتفاق مقطوعا بأنهما فى يدّ المدّعى عليه.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائى وسائر مستندات القضية المقدّمة من الخصوم وكانت من قبل مقدّمة لمحكمة ثانى درجة - فى أن طرفى الخصومة كانا يتنازعان على تطهير الخليج المعروف بخليج صدقى باشا. ويقول المدّعى عليهما فى الطعن إن الطاعنين أقدما على هدم جزء من خليج آخر يروى أطيانهما وأطيان خصميهما وذلك ابتغاء منع وصول المياه إلى أطيان المدّعى عليهما. فرفع المذكوران دعوى لإثبات حالة الهدم الذى حصل قيدت تحت رقم 595 محكمة كفر صقر سنة 1934 فعينت المحكمة خبيرا قدّم لها تقريرا أثبت فيه حصول التعدّى. ثم رفعا هذه الدعوى أمام محكمة كفر صقر وقيدت تحت رقم 1435 سنة 1934 طالبين الحكم باعادة وضع يدهما على حق الرى من الخليج المبين بعريضة الدعوى وبتقرير الخبير المودع فى دعوى إثبات الحالة وبمنع تعرّض الطاعنين لخصميهما فى الانتفاع بالرى من هذا الخليج وإلزامهما باعادة الجزء المهدوم لأصله فى مدى أسبوع من تاريخ الحكم الذى يصدر فى القضية بحيث إذا لم يقوما بذلك يتولى الأمر المدّعى عليهما فى الطعن بمصاريف يرجعان بها على الطاعنين مع إلزام المذكورين أيضا بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. طلب المدّعيان هذه الطلبات واصفين دعواهما صراحة فى عريضتهما بأنها دعوى استرداد حيازة.
نظرت هذه الدعوى أمام محكمة كفر صقر فدفع محامى الطاعنين بعدم اختصاص المحاكم بنظرها إذ هى من اختصاص لجان الرى طبقا للمادتين 19 و42 من لائحة الترع والجسور السعيدية الصادر بها الأمر العالى المؤرّخ فى 22 فبراير سنة 1894 فضمت المحكمة هذا الدفع إلى الموضوع وأصدرت حكمها فى 24 فبراير سنة 1935 فى حضور الخصوم (أوّلا) برفض الدفع الفرعى وباختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى (وثانيا) باعادة وضع يد المدّعيين (المدعى عليهما فى الطعن) على حق الرى من الخليج المبين بعريضة الدعوى وبتقرير الخبير المؤرّخ فى 15 أبريل سنة 1934 والمرفق بالقضية المضمومة برقم 595 مدنى كفر صقر سنة 1934 وبمنع تعرض المدعى عليهما للمدّعين فى الانتفاع من هذا الخليج وبالزامهما باعادة الجزء المهدوم لأصله فى ظرف أسبوع من تاريخ النطق بهذا الحكم بحيث إذا لم يقوما باعادته يقوم المدعيان بذلك بمصاريف يرجعان بها عليهما مع إلزامهما بالمصاريف وبمائتى قرش مقابل أتعاب المحاماة.
استأنف الطاعنان هذا الحكم أمام محكمة الزقازيق الابتدائية ودفعا أمامها بعدم قبول دعوى استرداد الحيازة لأن المسقى المهدومة مملوكة لهما وداخلة ضمن أطيانهما وأيضا لأن خصميهما لم يضعا يدهما وضعا ماديا حقيقيا على المسقى المهدومة.
وفى 10 مارس سنة 1936 حكمت محكمة الزقازيق الابتدائية بصفة استئنافية فى موضوع الاستئناف الذى كان سبق لها أن قبلته شكلا برفضه وبتأييد الحكم المستأنف وإلزام الطاعن الأول بصفتيه بالمصاريف وبمائتى قرش مقابل أتعاب المحاماة للمدعى عليهما فى الطعن ورفضت ما خالف ذلك من الطلبات.
أعلن هذا الحكم للطاعنين فى 21 مارس سنة 1936 فطعن فيه وكيلهما بطريق النقض فى 16 أبريل سنة 1936، وأعلن تقرير الطعن للمدعى عليهما فى 21 و25 من ذلك الشهر، وقدّم لقلم الكتاب فى 5 مايو سنة 1936 مذكرة بشرح الأسباب وحافظة بالمستندات، وقدم المدعى عليهما فى 21 مايو سنة 1936 مذكرة بالرد، وقدّمت النيابة العمومية مذكرة برأيها فى 25 يونيه سنة 1936.
وبجلسة اليوم المحدّدة لنظر هذا الطعن سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة صدر الحكم الآتى:


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة الشفوية والمداولة قانونا.
بما أن الطعن قد قدّم صحيحا فى ميعاده واستوفيت الإجراءات القانونية فهو مقبول شكلا.
وبما أن الوجه الأوّل من وجهى هذا الطعن يتخلص فى أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى تطبيق وتأويل القواعد القانونية الخاصة بدعاوى استرداد الحيازة. ويتلخص الوجه الثانى فى أن الحكم أخطأ أيضا فى تطبيق وتأويل المادة 26 من قانون المرافعات.
ويقول الطاعنان فى شرح الوجه الأوّل إن خصميهما إنما رفعا دعوى استرداد حيازة لا دعوى منع تعرّض، ودعوى استرداد الحيازة تقتضى وجود حيازة مادّية فعلية لنفس العقار وأن يحصل طرد رافع الدعوى بوسائل عنف تقع مباشرة على شخصه أو على عقاره بطريق مباشر. وكل هذا لم يحصل إذ أن ما أسند للطاعنين كان فقط أنهما تصرفا فى مسقى لهما بمنع خصميهما من الرى منها، وهذا لا يعتبر من أعمال العنف التى تقتضيها دعوى استرداد الحيازة. ويقول الطاعنان فى شرح وجه الخطأ فى تطبيق وتأويل المادة 26 من قانون المرافعات إنهما تمسكا أمام محكمتى أوّل وثانى درجة بأن خصميهما يرويان من المسقى محل النزاع بطريق الاستئجار منهما وهذا يسقط حقهما فى رفع دعوى استرداد الحيازة التى وإن جاز رفعها على الغير إلا أنه قطعا لا يجوز رفعها على نفس المؤجر، ولكن كلا المحكمتين قضت خطأ بجواز رفع دعوى استرداد الحيازة من المستأجر على المؤجر.
وبما أن ما ساقه الحكم المطعون فيه وكان موضوع الوجه الأوّل من وجهى الطعن هو ما يأتى:
وحيث إن محامى المستأنفين دفع بعدم قبول دعوى استرداد الحيازة لأن المسقى المهدومة مملوكة لهما وداخلة ضمن أطيانهما ولأن المستأنف عليهما لا يضعان اليد وضعا مادّيا حقيقيا على المسقى المهدومة.
وحيث إنه يجب التفرقة بين حيازة الشىء المادى وهو العقار وحيازة الحق وهو شىء معنوى فان المستأنف عليهما وإن كانا لا يملكان الأرض التى تمرّ بها المسقى المهدومة إلا أنهما يتمتعان بحق الرى من المسقى المذكورة وهذا الحق قابل للتملك بوضع اليد ومن ثم يصح أن يكون محلا للحيازة ولكافة دعاوى وضع اليد بأنواعها الثلاثة. ومن أجل ذلك تكون دعوى الاسترداد مقبولة ويكون الحكم المستأنف فى محله ويتعين تأييده.
وبما أن هذا الذى أخذ به الحكم لا يتفق مع القواعد الفقهية المستقرة فان دعوى إعادة وضع اليد أو إعادة الحيازة التى شاء المدّعى عليهما فى الطعن وهما المدّعيان أصلا أن يسلكاها فى مقاضاة خصميهما - هذه الدعوى بطبيعتها تفترض قبل كل شىء وقوع أعمال عنف وقوّة مادية سلبت حيازة مادية أيضا. وهذا ما لا يتصوّر فى الدعوى المرفوعة إذ العين التى عليها حق الرى الذى يستمسك به المدّعى عليهما فى الطعن ليست فى حيازتهما المادّية، أما أن المدّعى عليهما يقلبان الوضع بالادعاء بحصول سلب قهرى لحيازة معنوية لحق الارتفاق الذى يملكانه فأمر غير سائغ قانونا ما دامت الحيازة المادّية لموضع حق الارتفاق مقطوعا بأنها فى يد الخصم وما دام لا نزاع فى أن الدعوى هى دعوى استرداد حيازة.
وبما أنه يبين من هذا أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى تأويل القانون حين قضى بتأييد الحكم المستأنف ويتعين إذن نقضه ولا حاجة بعد هذا لبحث الوجه الثانى من وجهى الطعن. وبما أن الدعوى صالحة للحكم فى موضوعها.
وبما أن دعوى استرداد الحيازة المرفوعة أصلا غير مقبولة للأسباب التى سبق سردها.