مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخمسون - الجزء الأول - من أول أكتوبر سنة 2004 إلى آخر مارس سنة 2005 - صـ 222

(34)
جلسة 11 من ديسمبر سنة 2004م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ وأحمد عبد العزيز إبراهيم أبو العزم, وأحمد عبد الحميد حسن عبود, ود. محمد كمال الدين منير أحمد, ومحمد أحمد محمود محمد.
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ رضا محمد عثمان
مفوض الدولة
وحضور السيد/ كمال نجيب مرسيس
سكرتير المحكمة

الطعن رقم 3377, 4587 لسنة 50 قضائية. عليا:

رسوم - رسوم النظافة - حدود سلطة الجهة الإدارية في فرض رسم النظافة.
إن الدستور لم يستلزم بفرض الرسم صدور قانون بتقريره بل اكتفى أن يكون فرض الرسم بناءً على قانون، وعليه فإنه يتعين أن تستند القرارات الإدارية بفرض الرسوم إلى قوانين تجيز لها هذا الفرض، وأن يكون ذلك في حدود إجازاتها وإلا كانت هذه القرارات باطلة دستوريًا - ولما كان قانون النظافة العامة رقم 38 لسنة 1967 قد أجاز للمجالس المحلية فرض رسم إجباري يؤديه شاغلو العقارات المبنية بما لا يجاوز 2% من القيمة الإيجارية تخصص حصيلته لأغراض النظافة، فما كان يتعين على المجلس المذكور بالمحافظة وقد استنفد سلطته المخولة بالقانون سالف الذكر إعادة فرض رسم آخر لذات الغرض بل حتى تعديل الرسم القائم أو فرض رسم إضافي يتجاوز به الحدود التي عينها القانون، وعليه يغدو قرار المحافظة بفرض هذا الرسم موضوع التداعي مخالفًا للقانون لافتقاده أساس الإلزام بفرض هذا الرسم من ناحية ولانطوائه من ناحية ثانية على ازدواج الرسم عن الوعاء الواحد ولو كان تحصيله يتم على أساس مغاير وهو شرائح الاستهلاك الكهربائي وهو أمر يأباه الدستور والقانون – تطبيق.
(يراجع في هذا المعنى حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعنين رقمي 13860، 14439 لسنة 49 ق)


الإجراءات

في يوم السبت الموافق 10/ 1/ 2004 أودع الأستاذ/ رضا السعيد محمد سند المحامي بالنقض بصفته وكيلاً عن الطاعن في الطعن الأول - قلم كتاب هذه المحكمة، تقرير طعن قيد بجدولها بالرقم عاليه، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، في الدعويين رقمي 19680 و20855 لسنة 57 ق بجلسة 19/ 12/ 2003، والقاضي في منطوقه: "أولاً: بإثبات ترك الخصومة بالنسبة للمدعي التاسع، وألزمت المدعين المصروفات. ثانيًا: بقبول تدخل الخصوم المنضمين إلى المدعين، وبعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة للمدعى عليه الثامن، وبرفض الدفع المبدى من المدعى عليهم بعدم قبول الدعويين لرفعهما على غير ذي صفة، وبقبولهما شكلاً، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها عدم تحصيل قيمة رسوم النظافة المحملة على فواتير الكهرباء، وألزمت المدعي عليهم مصروفات الطلب العاجل، وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في طلب الإلغاء.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة في تقرير الطعن أولاً: وبصفة مستعجلة وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه الصادر في الشق العاجل للدعويين رقمي 19680 و20855 لسنة 57 ق، ثانيًا: إلزام المطعون ضدهم من الثامن حتى الخامس والعشرين متضامنين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وجرى إعلان الطعن على النحو المبين بالأوراق.
وفي يوم السبت الموافق 7/ 2/ 2004 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبًا قانونيًا عن الطاعنين في الطعن الثاني، قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها بالرقم عاليه، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة في الدعويين رقمي 19680 و20855 لسنة 57 ق. المشار إليه وطلبت الهيئة الطاعنة للأسباب الواردة في تقرير الطعن تحديد جلسة أمام دائرة فحص الطعون لتأمر أولاً: وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه لحين الفصل في موضوع الطعن ثانياً: بإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإلزام المطعون ضدهم المصروفات عن درجتي التقاضي، وجرى إعلان الطعن على النحو المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا مسببًا برأيها القانوني في الطعنين ارتأت فيه قبول الطعنين شكلاً وفي الموضوع برفضهما، وإلزام الطاعنين المصروفات.
وعينت جلسة 19/ 4/ 2004 لنظر الطعنين أمام دائرة فحص الطعون وبجلسة 4/ 7/ 2004 قررت ضم الطعن رقم 4587 لسنة 50 ق للطعن رقم 3377 لنظرهما معًا وقررت إحالتهما إلى هذه الدائرة لنظرهما بجلسة 26/ 9/ 2004، حيث نظرتهما على النحو المبين بالأوراق، وبجلسة 9/ 10/ 2004 قررت النطق بالحكم بجلسة اليوم، مع التصريح بمذكرات في شهر.
وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانوناً.
ومن حيث إن الطاعن في الطعن رقم 3377 لسنة 50 ق عليا يبتغي من طعنه الحكم له بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه والصادر في الشق العاجل من الدعويين رقمي 19680 و20855 لسنة 57 ق وإلزام المطعون ضدهم من الثامن حتى الخامس والعشرين متضامنين المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، في حين أن الطاعنين كلاً بصفته يبتغي في الطعن الثاني رقم 4587 لسنة 50 ق عليا أن تأمر دائرة فحص الطعون بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه لحين الفصل في موضوع الطعن، وبإحالة الطعن إلى هذه الدائرة لتقضي بقبول الطعن شكلاًَ وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإلزام المطعون ضدهم المصروفات عن درجتي التقاضي.
ومن حيث إنه عن قبول الطعن الأول رقم 3377 لسنة 50 ق. عليا فإن قضاء هذه المحكمة اطرد على أن كلاً من وقف تنفيذ القرارات الإدارية ووقف تنفيذ الأحكام القضائية يخضع لضوابط وشروط واحدة من حيث المشروعية وركن الاستعجال، ومن ثم فإنه يلزم لقبول طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه أن يقترن بالطلب الموضوعي في الطعن بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبما يطلب الطاعن الحكم به في موضوع الدعوى، فلا يجوز أن يطلب وقف تنفيذ الحكم استقلالاً عن طلب إلغائه، إذ أن وقف تنفيذ الحكم هو أيضًا فرع من إلغائه، فلا يجوز الاقتصار على الأول دون الثاني، بما يؤدي إليه ذلك من تناقض بإمكان وقف تنفيذ الحكم مع بقائه قائمًا، غير معرض للإلغاء، كما يمس ذلك ما يجب أن تتمتع به الأحكام القضائية من ثبات وقرينة صحة ما لم يطعن عليها بالإلغاء، والقول بغير ذلك مؤداه أن يغدو طلب وقف تنفيذ الحكم على استقلال وسيلة لشل قوة الأمر المقضي لحكم قائم قانونًا، لا سيما إذا انغلق باب الطعن فيه بالإلغاء بفوات ميعاده، فإذا وقع الطعن على غير هذا الوجه - شأن الطعن رقم 3377 لسنة 50 ق. عليا الماثل كان غير مقبول شكلاً، وهو ما تقضي به المحكمة.
ومن حيث إن الطعن رقم 4587 لسنة 50 ق. عليا استوفى أوضاعه الشكلية المقررة.
ومن حيث إن عناصر المنازعة في الطعن الأخير، المشار إليه، وحسبما يبين من الأوراق أن كلاً من...... ، ....... كانا قد أقاما الدعوى رقم 19680 لسنة 57 ق. أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بتاريخ 11/ 5/ 2003 بطلب الحكم بقبولها شكلاً وبوقف تنفيذ وإلغاء قرار تحصيل المبالغ المالية لجمع المخلفات على فاتورة الكهرباء، وإلزام المدعى عليهم المصروفات وذكرا – شرحًا للدعوى - أن سكان الجيزة فوجئوا بفواتير تحصيل الكهرباء مضافًا إليها بند (جمع المخلفات) دون سابق إنذار أو توجيه أو الإعلان عن ذلك، وبدأ التحصيل من أول مايو سنة 2003، وبالاستفسار عن ذلك تبين أنه بناءً على قرارات صادرة من المدعى عليهم في الدعوى، كما تبين القيام بوضع صناديق لجمع هذه القمامة في الحواري والشوارع بمناطق ساقية مكي وجزيرة الذهب وميدان الجيزة، وهي صناديق صغيرة الحجم ولا تساعد على حفظ هذه المخلفات طبقًا للشروط الموضوعة لنظافة البيئة ... وقد أدى صدور هذا القرار إلى وقف نشاط شركات النظافة التي تقوم بهذه الأعمال منذ سنوات على أكمل وجه، كما أدى هذا النظام في التحصيل إلى وقوع ارتباك بين المواطنين لاختلاف أوضاع الدفع، وهذه الإجراءات قد جاءت بالمخالفة للقانون وحقوق المواطنين التي كفلها الدستور.
كما أقامت شركة H.M للتصوير والخدمات المكتبية وآخرون الدعوى رقم 20855 لسنة 57 ق أمام ذات المحكمة وبذات الطلبات وذكروا - شرحًا لدعواهم - أن شركة الكهرباء تقوم بالتعاقد مع كافة المواطنين لتحصيل قيمة استهلاك الكهرباء، وتقوم بقطع التيار الكهربائي في حالة عدم سداد قيمة الفاتورة، وقيامها بتحصيل مقابل رفع المخلفات هو من سبيل الإخلال التعاقدي خلافًا لأحكام المادتين 147، 148 من القانون المدني، وقد لحق بالمواطنين من جراء ذلك أضرار خطيرة، إذ أصبحت الشوارع مرتعاً لانتشار الأمراض والأوبئة بين المواطنين ... ونعى المدعون على هذه القرارات صدورها مخالفة للدستور، وذلك بفرض رسوم ليس لها سند من الدستور، وهو الأمر الذي أجحف بحقوقهم، وأضر بهم ماديًا ومعنويًا في ظل الظروف الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
وبجلسة 9/ 12/ 2003 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه تأسيسًا على أن القرار المطعون فيه وما سبقه من إجراءات وموافقات قد خرج على أحكام القانون، وآية ذلك ما يلي: أولاً: يمثل فرض رسم للنظافة اعتداء صارخًا على أحكام الدستور والقانون، وازدواجًا في فرض الرسوم، ولا يرفع عنه ذلك تغيير وعاء فرضه بربطه بفاتورة استهلاك الكهرباء خاصة مع سريان حكم المادة (8) من قانون النظافة، وما يفرضه من رسم محلي لصالح النظافة العامة. ثانياً: أن القرار المطعون فيه والمستند إلى موافقة الحكومة قد زج بشركات الكهرباء في أتون جباية الرسوم المحلية، بغير سند من القانون أو مقتضى لذلك، دافعًا إياها إلى الإخلال الصريح بالتزاماتها التعاقدية إزاء المتعاقدين معها على توفير خدمة الكهرباء مقابل ثمن يدفعه المشترك بموجب فاتورة الكهرباء والتي تم تحميلها بعبء الرسم غير المشروع، وقيام العاملين بهذه الشركات بتحصيل الرسم خلافًا للقانون الذي ناط بالوحدات المحلية والمرافق العامة دون سواها تحصل الرسوم من المواطنين، باعتبارها مظهرًا من مظاهر سيادة الدولة على رعاياها. ثالثاً: أن القرار المطعون فيه خلط بين حق المجالس الشعبية في فرض رسوم محلية، وبين إلزام هذه المجالس والسلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة المركزية والمحافظات بتفعيل أحكام القانون المنظم للنظافة العامة، ومعاودة النظر في الرسم المقرر أو تعديله أو إبداله بالطرق الدستورية عن طريق البرلمان..... إن كان لذلك مقتضى وتحت رقابة ممثلي الشعب. رابعًا: في أن القرار المطعون فيه قد تخلى عن البعد الاجتماعي بما تضمنه من تحميل المواطنين بأعباء إضافية بدعوى إسناد الأعمال إلى شركات أجنبية، ولا يحاج في ذلك بما يثار من أن القرار يمثل نقله حضارية للمحافظة على النظافة والبيئة بحسبان أن ذلك من واجبات الحكومة وأجهزتها المختلفة، ولكن يلزم اتباع الوسائل والسبل المشروعة التي رسمها لها القانون، وفي إطار أحكامه وجباية الأموال دون سند لا يبرره ادعاء تحقيق هدف لم يقم من الأوراق دليل على تحققه.
وخلصت المحكمة من ذلك إلى توافر ركن الجدية، كما ذهبت إلى توافر ركن الاستعجال - أيضًا - لما يرتب على تنفيذ القرار من نتائج يتعذر تداركها تتمثل في الاعتداء على حقوق الأفراد وأموالهم بفرض رسم دون سند من القانون والواقع، فضلاً عن تعرضهم لقطع التيار الكهربائي عن منازلهم ومنشآتهم بمعرفة شركات الكهرباء دون مقتضى.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه شابه عوار مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، ذلك أن الحكم أخطأ في تكييف الدعوى، إذ بينما تدور الدعوى حول منازعة في قيمة الرسم المفروض وطريقة تحصيله، فإن المحكمة كيفتها على أنها منازعة في فرض الرسم على خلاف الثابت بالأوراق، مما يكون معه الحكم الطعين قد قضى بما لم يطلبه الخصوم، كما أن الحكم لم تسعفه أسبابه التي نفى بها حق الإدارة في فرض الرسم عند التطبيق القانوني الذي أجراه على الرسم محل الدعوى، والذي أجاز قانون الإدارة المحلية للمجالس الشعبية تحديده وتحديد طرق تحصيله بالاستعانة بأي من الأجهزة الحكومية، وهو الأمر الذي عاب الحكم بالفساد في الاستدلال، وذلك على التفصيل الوارد بتقرير الطعن والذي تحيل إليه المحكمة تفاديًا التكرار، والذي استخلصت منه الجهة الإدارية الطاعنة أن القرار المطعون فيه بمنأى عن الإلغاء لتخلف ركن الجدية اللازم توافره للقضاء بوقف التنفيذ، ذلك لأن القانون ناط بالمجالس الشعبية المحلية اختصاصًا تقوم على تحقيقه سلطة تقديرية وفقًا للواقع القائم بهدف توفير الخدمات اللازمة للمجتمع وصولاً إلى التنمية ورقي المجتمع، فوضعت لذلك معايير وشرائح متفاوتة طبقًا للدراسات التي أجريت والتزمت بها نحو كل مواطن، مما لا يسوغ معه قانونًا إلزامها بمعايير أخرى غير التي وضعتها، ورأت بما لها من سلطة تقديرية وفقًا للواقع القائم، وإلا كان في ذلك إخلال بمبدأ الفصل بين السلطات، وإحلال جهة أخرى غير التي حددها القانون لتقييم أمور خصها بها وحدها ذلك القانون. وأما عن ركن الاستعجال، فإن المرجع فيه طبيعة النزاع وظروفه وملابساته، والثابت من الأوراق أن النزاع المعروض لا ينطوي على حالة من حالات الاستعجال؛ حيث لا يوجد ثمة ضرر أو خطر محدق حتى يفصل في موضوع الدعوى، خاصة وقد ثبت أن القرار المطعون فيه صادر من المجلس الشعبي المحلي بناءً على اختصاص محجوز له، وتحت مظلة دستورية طبقًا لأحكام القانون، وبالتالي فلا توجد ثمة نتائج يتعذر تداركها إلى أن يتم الفصل في موضوع الدعوى، خاصة مع تعلق الأمر بدفع رسوم مالية .... بل على العكس تمامًا فإنه يترتب على تنفيذ الحكم آثار خطيرة وأضرار جسيمة، حيث تهدر أحكام العقود المبرمة مع الشركات الأجنبية المتعاقد معها طبقًا لأحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998 (شركة F.C.C الأسبانية وشركة جاكروس الإيطالية) وتهدر منظومة النظافة في الوقت ذاته بما لها من آثار بيئية خطيرة على المجتمع، وتحميل خزانة الدولة بأعباء مالية لا قبل لها بها في الظروف الحالية، وعدم إمكانية تنفيذها لالتزاماتها المالية الكبيرة المترتبة على أحكام تلك العقود حال وقف تحصيل الرسم محل الحكم الطعين.
ومن حيث إنه عن وجه الطعن المتعلق بمخالفة الحكم المطعون فيه للقانون، وذلك عندما كيفت المحكمة المطعون على حكمها الدعوى الصادر فيها هذا الحكم على أنها منازعة في أساس فرض الرسم حال كونها تنصرف إلى المنازعة في قيمة الرسم المفروض وطريقة تحصيله، فإن هذا الوجه مردود عليه بما استقر عليه وجرى به قضاء هذه المحكمة من أنه: "ولئن كان للخصوم تحديد طلباتهم وتحديد الألفاظ والعبارات التي يصوغون بها هذه الطلبات على النحو الذي يرونه محققًا لمصالحهم، إلا أن تكييف هذه الطلبات وتحديد حقيقتها أمر تستقل به المحكمة المنظور أمامها الدعوى، لما هو مسلم به من أن هذا التكييف هو الذي يتوقف عليه تحديد ولاية المحكمة، واختصاصها، ومدى قبول الدعوى أمامها قبل الفصل في موضوعها، وهذا كله من المسائل الأولية المتصلة بالنظام العام.
ولما كانت الطلبات الختامية للمطعون ضدهم في الدعويين رقمي 19680 و20855 لسنة 57 ق قد خلصت إلى أن القرار المطعون فيه، قد صدر مخالفًا للدستور، وذلك لأنه فرض رسمًا ليس له سند من الدستور والقانون، ومن ثم تكون المحكمة قد أصابت وجه الحق، فيما انتهت إليه من تكييفها طلبات المدعين في الدعويين (المطعون ضدهم في الطعن الماثل) على أنها طلب الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار محافظ الجيزة رقم 7351 لسنة 2003 بشأن تحصيل مقابل أداء الخدمة للنظافة الشاملة المتطورة للمحافظة وفقًا لشرائح الاستهلاك الشهري من الكهرباء، وتحديد هذا المقابل حسب الأنشطة المختلفة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها وقف التحصيل وربطه بفواتير الكهرباء الأمر الذي يكون معه وجه الطعن سالف البيان غير قائم على سند صحيح متعيناً الالتفات عنه.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن ولاية محاكم مجلس الدولة في وقف تنفيذ القرارات الإدارية مشتقة من ولايتها في الإلغاء، وفرع منها، ومردها إلى الرقابة القانونية التي بسطها القضاء الإداري على القرار، وعلى أساس وزنه بميزان القانون وزناً مناطه مبدأ المشروعية، إذ يتعين على القضاء الإداري ألا يوقف قرارًا إداريًا إلا إذا تبين له - بحسب الظاهر من الأوراق، ودون مساس بأصل الحق - أن طلب وقف التنفيذ قد توافر فيه ركنان: أولهما: ركن الجدية: ويتمثل في قيام القرار المطعون فيه بحسب الظاهر من الأوراق - على أسباب جدية من حيث الواقع والقانون، تحمل على ترجيح الحكم بإلغائه عند نظر الموضوع، والثاني - ركن الاستعجال - بأن يكون من شأن استمرار القرار وتنفيذه نتائج يتعذر تداركها فيما لو قضى بإلغائه.
ومن حيث إنه عن ركن الجدية فإن المادة (119) من الدستور تنص على أن: "إنشاء الضرائب العامة وتعديلها أو إلغائها لا يكون إلا بقانون ولا يعفى أحد من أدائها إلا في الأحوال المبينة في القانون.
ولا يجوز تكليف أحد أداء غير ذلك من الضرائب أو الرسوم إلا في حدود القانون".
ومن حيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن الدستور مايز - بنص المادة (119) منه - بين الضريبة العامة وغيرها من الفرائض المالية، سواء من حيث أداة إنشاء كل منها أو من حيث مناطها: فالضريبة العامة فريضة مالية، تقتضيها الدولة جبرًا من المكلفين بأدائها، إسهاماً من جهتهم في الأعباء المالية، دون أن يقابلها نفع خاص يعود عليهم من وراء التحمل بها، في حين أن مناط استحقاق الرسم قانونًا أن يكون مقابل خدمة محددة بذلها الشخص العام لمن طلبها، كمقابل لتكلفتها، وإن لم يكن بمقدارها.
ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم، فإنه لما كان من المقرر أن الدستور لم يستلزم، بفرض الرسم، صدور قانون بتقريره، بل اكتفى بأن يكون فرض الرسم بناء على قانون ومن ثم فإنه يتعين أن تستند القرارات الإدارية بفرض الرسوم إلى قوانين تجيز لها هذا الفرض، وأن يكون ذلك في حدود إجازاتها، وإلا كانت هذه القرارات باطلة دستوريًا، وفقدت أساس الإلزام بها، ومن حيث إن المادة (12) من قانون الإدارة المحلية الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1979، المعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1981 تنص على أن: "يتولى المجلس الشعبي للمحافظة في حدود السياسة العامة للدولة الرقابة على مختلف المرافق والأعمال التي تدخل في اختصاص المحافظة وفقًا للمادة (2) من هذا القانون...... ويختص في إطار الخطة العامة والموازنة المعتمدة وبمراعاة القوانين واللوائح بما يأتي: (1) ....... (2)....... (7) فرض الرسوم ذات الطابع المحلى - وفقًا لأحكام هذا القانون - أو تعديلها أو تقصير أجل سريانها أو الإعفاء منها أو إلغاؤها بعد موافقة مجلس الوزراء (8) ومن حيث إن مفاد النص المتقدم أن المشرع في قانون الإدارة المحلية، المشار إليه، ناط بالمجلس الشعبي للمحافظة سلطة الرقابة على المرافق والأعمال المختلفة التي تدخل في اختصاص المحافظة، على أن يكون ذلك في إطار السياسة العامة للدولة، واختص المشرع في القانون ذاته المجلس المذكور بجملة اختصاصات، قيده في ممارستها بقيدين الأول: أن تكون في إطار الخطة العامة والموازنة المعتمدة، والثاني: أن يراعى في هذه الممارسة القوانين واللوائح القائمة، ومن بين هذه الاختصاصات التي ناطها به المشرع الحق في فرض رسوم ذات طابع محلي، أو تعديلها أو تقصير أجل سريانها أو الإعفاء منها، أو إلغائها، شريطة موافقة مجلس الوزراء على ذلك.
ومن حيث إن الرسم موضوع التداعي يتعلق بالنظافة الشاملة للمحافظة.
ومن حيث إن النظافة العامة انتظمها قانون صدر باسمها في مصر هو القانون رقم 38 لسنة 1967 الذي نص في المادة (8) منه على أن: "يجوز للمجالس المحلية فرض رسم إجباري يؤديه شاغلو العقارات المبنية بما لا يجاوز 2% من القيمة الإيجارية، وتخصص حصيلة هذا الرسم لشئون النظافة العامة.
وينشأ في كل مجلس محلي يفرض فيه هذا الرسم صندوق للنظافة تودع فيه حصيلة هذا الرسم وحصيلة التصالح المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة التاسعة، وكذلك الاعتمادات التي تدرج في ميزانية المجلس للصرف منها على أعمال النظافة". ومن ثم فقد كان متعيناً على المجلس الشعبي المحلي في الطعن الماثل وهو بصدد دراسة فرض رسم محلي على النظافة الالتزام بما قيده به قانون الإدارة المحلية المشار إليه من قيود أبرزها وأخصها مراعاة القوانين واللوائح القائمة، بحيث يستند القرار الصادر بفرض الرسم إلى قانون يجيزه، وأن يكون ذلك في حدود إجازته.
ولما كان قانون النظافة، المشار إليه، أجاز للمجالس المحلية فرض رسم إجباري يؤديه شاغلو العقارات المبنية، بما لا يجاوز 2% من القيمة الإيجارية تخصص حصيلته لأغراض النظافة، فما كان يتعين على المجلس المذكور بالمحافظة وقد استنفد سلطته المخولة بالنص المتقدم إعادة فرض رسم آخر لذات الغرض، بل حتى تعديل الرسم القائم أو فرض رسم إضافي يتجاوز به الحدود التي عينها القانون، ومن ثم يغدو قرار المحافظة المطعون عليه بفرض الرسم موضوع التداعي مخالفًا للقانون لافتقاده أساس الإلزام بفرض هذا الرسم من ناحية ولانطوائه من ناحية ثانية على ازدواج الرسم عن الوعاء الواحد ولو كان تحصيله يتم على أساس مغاير وهو شرائح الاستهلاك الكهربائي وهو أمر يأباه الدستور والقانون.
ومن حيث إنه لا يغير من ذلك القول بأن القرار الطعين كان يستهدف تحسين خدمة النظافة وزيادة الموارد اللازمة، لأن ذلك لا يكون إلا عن طريق تدخل المشرع سواء بتعديل نسبة الرسم، أو وعاء تحصيله احترامًا لمبدأ الفصل بين السلطات، أو بزيادة الموارد اللازمة لتحسين مرفق النظافة.
ومن حيث إنه وقد توافر ركن الجدية على النحو المتقدم، فقد توافر أيضًا ركن الاستعجال لما يترتب على تنفيذ القرار المطعون عليه من نتائج يتعذر تداركها، تتمثل في الاعتداء على حقوق الأفراد، وأموالهم بفرض رسم دون سند من القانون، فضلاً عن تعرضهم لقطع التيار الكهربائي عن منازلهم ومنشآتهم بمعرفة شركات الكهرباء، دون مقتضى لمجرد امتناعهم عن سداد رسوم النظافة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه، إذ أخذ بهذه الوجهة من النظر فإنه يكون قد صدر متفقًا وصحيح حكم القانون، ويغدو، من ثم، الطعن عليه، مفتقداً صحيح سنده، خليقًا بالرفض وهو ما تقضي به هذه المحكمة، ودون أن ينتقص من ذلك أو ينال منه، الآثار التي ساقتها الجهة الطاعنة فيما لو رفض طعنها؛ حيث ستهدر أحكام العقود المبرمة مع الشركات الأجنبية المتعاقد معها، وتحميل خزانة الدولة بأعباء مالية لا قبل لها بها، لأن مثل هذه الآثار لا يسوغ أن تحول دون إعمال صحيح حكم الدستور والقانون وهو ما التزمت به هذه المحكمة.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم بمصروفاته إعمالاً لحكم المادة (184) مرافعات.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة

أولاً: بعدم قبول الطعن 3377 لسنة 50 ق. عليا شكلاً.
ثانياً: بقبول الطعن رقم 4587 لسنة 50 ق.عليا شكلاً، ورفضه موضوعًا، وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.