مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخمسون - الجزء الأول - من أول أكتوبر سنة 2004 إلى آخر مارس سنة 2005 - صـ 388

(54)
جلسة 1 من يناير سنة 2005م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ السيد محمد السيد الطحان, وأحمد عبد العزيز إبراهيم أبو العزم, وأحمد عبد الحميد حسن عبود, ود . محمد كمال الدين منير أحمد
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ رضا محمد عثمان
مفوض الدولة
وحضور السيد / كمال نجيب رمسيس
سكرتير المحكمة

الطعن رقم 6886 لسنة 45 ق. ع قضائية. عليا:

دعوى تعويض - تحقق الضرر - سلطة المحكمة في تقدير قيمة التعويض.
يشترط للقضاء بالتعويض أن يكون الضرر محقق الوقوع في الحال أو في المستقبل, فلا يكفي في هذا الشأن الضرر الاحتمالي. ولمحكمة الموضوع - وهي تقدر قيمة التعويض - أن تزن بميزان القانون ما يقدم لها من أدلة وبيانات على قيام الضرر وتعدد عناصره، ولا معقب عليها فيما هو متروك لتقديرها ووزنها إلا إذا كان تقديرها غير سائغ أو مستمدًا من غير أصول مادية تنتجه. كما يتعين عند تقدير التعويض تقصي وجود الخطأ المشترك وأثره على اعتبار أن المضرور لا يتقاضى في كل الأحوال تعويضًا بل يتحمل نصيبه في المسئولية - تطبيق.


الإجراءات

بتاريخ 15/ 7/ 1999 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن الطاعن بصفته قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرًا بالطعن قيد بجدولها بالرقم عاليه في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية في الدعوى رقم 2258 لسنة 52 ق بجلسة 24/ 5/ 1999 والقاضي في منطوقه بإلزام المدعى عليه بأن يؤدى للمدعى مبلغ مائة وستة وأربعين ألفًا وثمانمائة وخمسين جنيهًا تعويضًا عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به على النحو المبين بالأسباب وألزمته المصروفات.
وقد طلب الطاعن بصفته - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم له بقبول الطعن شكلاً وبوقف تنفيذ وإلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء مجددًا أصليًا: برفض الدعوى المطعون على حكمها. واحتياطيًا: بتخفيض التعويض إلى الحد الذي يتناسب مع الضرر. وإلزام المطعون ضده المصروفات. وقد تم إعلان تقرير الطعن وذلك على النحو المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا وإلزام الطاعن بصفته المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون (الدائرة الأولى) بجلسة 16/ 12/ 2002 والجلسات التالية لها وذلك على النحو المبين بمحاضر الجلسات, وبجلسة 3/ 7/ 2004 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى/ موضوع) وحددت لنظره جلسة 30/ 10/ 2004, وقد نظرته المحكمة بتلك الجلسة على النحو المبين بمحضرها, وفيها قررت المحكمة حجز الطعن للحكم بجلسة اليوم, وفيها صدر الحكم الماثل وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونًا.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة قد أحاط بها الحكم المطعون فيه على النحو الذي تحيل إليه هذه المحكمة منعًا من التكرار, وهى تخلص بالقدر اللازم لحمل منطوق الحكم الماثل على الأسباب في إنه نفاذًا للحكم الصادر من محكمة استئناف الإسكندرية بجلسة 6/ 12/ 1997 في الاستئنافين رقمي 1329 لسنة 53 ق والقاضي بعدم الاختصاص الولائي لمحكمة الإسكندرية الابتدائية في نظر الدعوى رقم 5580/ 1996 المقامة من المطعون ضده بطلب إلزام الطاعن بصفته بأن يؤدى له التعويض المبين بصحيفة الدعوى وبإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية, فقد قيدت الدعوى المحالة في سجلات المحكمة المذكورة برقم 2258/ 52 ق حيث جرى تداولها وذلك على النحو المبين بمحاضر الجلسات, وبجلسة 24/ 5/ 1999 أصدرت المحكمة الحكم المطعون فيه والذي بينت فيه أن طلبات المدعى الختامية تتمثل في الحكم بإلزام المدعى عليه بأن يؤدى له مبلغ 306850 جنيهًا تعويضًا عن الأضرار المادية والأدبية التي حاقت به من جراء القرار الصادر بالتحفظ على الصندل "عمار" المملوك له, والفوائد القانونية عن هذا المبلغ من تاريخ المطالبة القضائية حتى تاريخ السداد, مع إلزام الإدارة المصروفات. وتناولت المحكمة في أسبابها أركان المسئولية الإدارية فاستظهرت توافر "ركن الخطأ" في جانب جهة الإدارة والمتمثل في أن مصلحة الجمارك بالإسكندرية أصدرت قرارًا بالتحفظ على الصندل المملوك للمــدعى والمسمى "عمار" في أوائل عام 1991, وتم إحالة المذكور لمحكمة الجنايات في الجناية رقم 562/ 1992 بتهمة قيامه بتهريب الصندل المسمى " انتربرج (1) " دون دفع الرسوم الجمركية وقيامة بتغيير اسمه إلى "عمار" , وإذ قضت المحكمة المذكورة بجلسة 10/ 4/ 1995 ببراءة المذكور مما نسب إليه , فمن ثم يكون قرار الجهة الإدارية بالتحفظ على الصندل استنادًا إلى الاتهام الذي قضى ببراءته منه قد قام على غير سند من القانون. كما استظهرت المحكمة توافر "ركن الضرر" من واقع ما ورد بتقرير الخبير المودع في دعوى تهيئة الدليل رقم 1384/ 1995 التي أقامها المدعى بتاريخ 16/ 12/ 1995 أمام محكمة الإسكندرية للأمور المستعجلة والذي وصف في تقريره حالة الصندل وقدر أن التكاليف اللازمة للمحكمة تقدر بمبلغ 10685 جنيهًا, وفضلاً عن الضرر المادي المشار إليه فقد استبان للمحكمة أن ثمة ضررًا معنويًا قد أصاب المدعي كذلك, وبتحقق المحكمة من قيام "علاقة السببية" بين الخطأ والضرر قررت أن التعويض المستحق للمدعى عن الضرر المادي مبلغ 136850 جنيهًا على نحو ما جاء بتقرير الخبير مضافًا إليه ما فاته من كسب من جراء عدم انتفاعه بالقيمة الإيجارية اليومية, وبتعويضه عن الضرر الأدبي بمبلغ عشرة آلاف جنيه, وبعد أن أوضحت المحكمة في أسبابها سند رفضها لطلب المدعى الحكم له بالفوائد القانونية, خلصت إلى إصدار حكمها الطعين سالف البيان.
ومن حيث إن مبنى الطعن مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه.
ومن حيث إنه من المقرر أنه يشترط للقضاء بالتعويض أن يكون الضرر محقق الوقوع في الحال أو في المستقبل, أي وقع بالفعل أو تأكد وقوعه حتمًا في المستقبل, فلا يكفي في هذا الشأن الضرر الاحتمالي. ولمحكمة الموضوع وهى تقدر قيمة التعويض أن تزن بميزان القانون ما يقدم لها من أدلة وبيانات على قيام الضرر وتعدد عناصره, ولا معقب عليها فيما هو متروك لتقديرها ووزنها إلا إذا كان تقديرها غير سائغ أو مستمدًا من غير أصول مادية تنتجه. كما أنه من المقرر أنه يتعين عند تقدير التعويض تقصى وجود الخطأ المشترك وأثره على اعتبار أن المضرور لا يتقاضى في كل الأحوال تعويضًا بل يتحمل نصيبه من المسئولية إذا كان هناك ما يدعو لذلك, والبادي من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بتوافر ركن الضرر في المنازعة الماثلة على أساس ما أثبته الخبير في تقريره المودع في دعوى تهيئة الدليل رقم 2384/ 1995 مستعجل الإسكندرية. والثابت من مطالعة هذا التقرير أن الخبير قد قام بمعاينة الصندل موضوع الدعوى يوم 6/ 2/ 1996 بمقر شركة ايما بالنوبارية التي تم التحفظ على الصندل فيها. وقد أثبت الخبير حالة الصندل المتردية في ذلك التاريخ وقدر تكاليف إصلاحه بمبلغ (106) آلاف جنيه تقريبًا , وذلك دون أن يبين من التقرير أن حالة الصندل وقت التحفظ عليه كانت تحت نظر الخبير, وذلك على الرغم من أنها تشكل عنصرًا مهمًا وحاسمًا في تقدير حجم الأضرار التي لحقت بالصندل في الفترة التالية لتاريخ التحفظ عليه وهى الفترة التي يمكن أن تقوم فيها مسئولية الجهة الإدارية. فالثابت من محاضر أعمال اللجنة المكلفة بمعاينة الصندل موضوع الدعوى والتحفظ عليه والتي باشرت أعمالها في خلال المدة من 30/ 7/ 91 وحتى 7/ 8/ 1991 (حافظة المستندات المقدمة من هيئة قضايا الدولة بجلسة 16/ 12/ 2002) ومن خلال أقوال المسئولين بالشركة المذكورة أن المطعون ضده كان قد أحضر الصندل للشركة منذ حوالي أربعة أشهر تقريبًا؛ لإجراء عمرة له إلا أنه لم يتم الاتفاق على أجر التصنيع حتى 31/ 7/ 1991. والثابت أن قيمة الصندل المتحفظ عليه بالشركة وفقًا لأسعار السوق في التاريخ المذكور خمسة آلاف جنيه تقريبًا, وإن حالة الصندل عند وروده للشركة لا تسمح له بالعمل إلا بعد عمل صبة خرسانية بالقاع. والثابت كذلك أن قيمة الصندل وقت تشييده عام 1984 ثلاثة آلاف جنيه مصنعية بخلاف الحديد والخامات التي أحضرها المطعون ضده , وقد تبين للجنة أن الصندل خردة ومتآكل وبه ثقوب وبداخله ماء يسبح فيه السمك, وأن الكورنة بها ثقوب من الصدأ وبها أجزاء هشة متآكلة, وأن الصندل شحط على الرمال.
والبادي مما سلف أن الحالة المتردية للصندل موضوع الدعوى لم تكن وليدة التحفظ بصورة كاملة, إذ إن الصندل كانت به عيوب كثيرة مما حدا باللجنة إلى وصفه بأنه خردة, كما أنه لم يكن صالحًا للاستخدام بدليل أن المطعون ضده كان قد تركه بالشركة لعمل عمرة له, فإذا ما أضيف إلى ذلك أن قيمة الصندل وقت معاينة اللجنة في شهر يوليو 1991 لم تكن تتعدى خمسة آلاف جنيه, وأن تكاليف تشييده عام 1984 ثلاثة آلاف جنيه بخلاف الحديد والخامات, فإنه لا يكون ثمة شك في أن الخبير ومحكمة أول درجة قد أفرطا في تقدير التعويض المستحق للمطعون ضده بدرجة لا تتناسب مع الأضرار التي لحقت بالصندل في خلال المدة التالية لتاريخ التحفظ عليه. ولا مراء في أن تنفيذ الخبير للمأمورية المنتدب للقيام بها قد شابة القصور, إذ إنه تقاعس عن الإلمام بكافة العناصر الواقعية المنتجة في تقدير التعويض وقد كشف عن ذلك عدم انتقاله للجهة الإدارية للاطلاع على ملف الموضوع وفقًا للسلطة المقررة له في هذا الشأن حسبما جاء بالحكم الصادر بتكليفه بالمأمورية واكتفى بإثبات تخلف الجهة الإدارية عن المثول أمامه رغم إخطاره لها. ومن ناحية أخرى فقد أسهم المطعون ضده في تفاقم حالة الصندل السيئة بسبب تركه للصندل بالشركة لمدة أربعة أشهر سابقة على يوليو 1991 دون الاتفاق مع الشركة على تكاليف إصلاح الصندل وإجراء العمرة له , وهو الأمر الذي كان من شأنه لو أن المطعون ضده قام به أن يجعل الصندل محتفظًا بحالته إلى حد كبير في أثناء فترة التحفظ عليه.
ومن حيث إنه بالإضافة إلى ما تقدم, فقد جانب الحكم المطعون فيه الصواب إذ أضاف مبلغ 20000 جنيه إلى المبلغ الذي قدره الخبير في تقديره لإعادة الصندل لحالته على سند من أن ذلك يمثل تعويضًا من جراء عدم الانتفاع بالقيمة الإيجارية اليومية للصندل. فذلك المبلغ يعد تعويضًا عن أضرار احتمالية مما لا يجوز قانونًا أن يعتد به في مجال تقدير التعويض خاصة وأن الصندل كان غير صالح للاستخدام منذ أن قام المطعون ضده بتركه في الشركة لعمل عمرة له حسبما سلف البيان.
ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم فإن التعويض الذي يجبر للمطعون ضده كافة ما لحقه من أضرار تقدره المحكمة بخمسة عشر ألف جنيه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد قضى بتعويض المطعون ضده بقيمة ولأسباب غير تلك التي خلصت إليها المحكمة الماثلة حقًا وصدقًا, لذلك فإن المحكمة تحل أسباب الحكم الراهن محل أسباب الحكم المطعون فيه وتقضى بتعديله على النحو الذي سيرد في المنطوق.
ومن حيث إن المحكمة قد قضت للجهة الإدارية الطاعنة بطلبها الاحتياطي, فمن ثم يتعين إلزام المطعون ضده أيضًا بالمصروفات.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة

بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه, وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة بأن تؤدى للمطعون ضده مبلغ خمسة عشر ألف جنيه تعويضًا عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به على النحو المبين بالأسباب, وألزمت الجهة الإدارية والمطعون ضده المصروفات مناصفةً.