مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخمسون – الجزء الأول – من أول أكتوبر سنة 2004 إلى آخر مارس سنة 2005 – صـ 478

(67)
جلسة 28 من يناير سنة 2005م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ إٍسماعيل صديق راشد
نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ عصام الدين عبد العزيز جاد الحق, وحسين كمال أبو زيد, عبد الفتاح عبد الحليم عبد البر, ود. حسنى درويش عبد الحميد
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار / معتز أحمد شعير
مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ محمد حسن أحمد
سكرتير المحكمة

الطعن رقم 5901 لسنة 44 قضائية. عليا:

موظف – عاملون مدنيون بالدولة – تأديب – يجب على العامل الشاكي التأكد من صحة ما يبلغ عنه.
طبقًا للمادة (76) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 يجب توافر الاحترام المتبادل بين جميع العاملين رؤساء ومرءوسين بشكل يحفظ كرامتهم حتى ينصرف كل منهم إلى أداء واجباته الوظيفية، وهو ما يؤدي إلى حسن سير وأداء العمل الموكول إليهم على خير وجه بما يحقق الصالح العام للمرفق، وفي هذا السياق يجب على العامل الشاكي أن يكون على يقين من صحة ما يبلغ عنه، أو يملك دليل صحته، أما إذا كان الشاكي يلقي باتهامات في أقواله مرسلة لا دليل على صحتها ولا سند يؤيدها ويؤكد قيامها فإنه بذلك يكون قد أراد الكيد للغير والإساءة إليه، وهذا يشكل مخالفة تأديبية تستوجب مجازاة الشاكي – تطبيق.


الإجراءات

في يوم الاثنين الموافق 18/ 6/ 1998 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 5901 لسنة 44 ق. عليا، فيما قضى به من قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 5 لسنة 1997 فيما تضمنه من مجازاة الطاعنة بالإنذار، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وطلب الطاعنان بصفتيهما - للأسباب الواردة بتقرير الطعن – الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض الطعن رقم 134 لسنة 31 ق، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 10/ 5/ 2000، وبالجلسات التالية على النحو الموضح بمحاضر جلساتها، وبجلسة 23/ 4/ 2003 حكمت المحكمة بإحالة الطعن للدائرة السابعة (فحص الطعون) للاختصاص، ونظر أمام دائرة فحص الطعون الأخيرة بجلسة 1/ 9/ 2007، حيث قررت إحالة الطعن إلى الدائرة الرابعة (فحص الطعون) للاختصاص، ونظر بجلسة 14/ 4/ 2004، وبالجلسات التالية، وبجلسة 19/ 3/ 2005 قررت المحكمة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة بجلسة 7/ 5/ 2005، وتدوول نظره أمام هذه المحكمة، وبجلسة 19/ 11/ 2005 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة.
وحيث إن الطعن قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر الموضوع، تخلص – حسبما يبين من الأوراق – في أنه بتاريخ 20/ 5/ 1997 أقامت المطعون ضدها الطعن رقم 134 لسنة 31 ق بإيداع صحيفته قلم كتاب المحكمة التأديبية لوزارة المالية وملحقاتها طالبةً في ختامها الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 5 لسنة 1997 فيما تضمنه من مجازاتها بالإنذار مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقالت – شرحاً لطعنها - إنه بتاريخ 9/ 1/ 1997 صدر القرار رقم 5 لسنة 1997 بمجازاتها بعقوبة الإنذار لخروجها على مقتضى الواجب الوظيفي وذلك بادعاءات كاذبة قبل إحدى زميلاتها من شأنها لو صدقت لأوجبت مساءلتها واتخاذها من الشكوى ذريعة للنيل منها.
وأضافت بأنها تظلمت من هذا القرار وتنعى عليه مخالفته للقانون إذ لم يلتزم مصدر القرار بالضمانات الأساسية التي تقوم عليها إجراءات ونظم القرارات التأديبية لضمان الحيدة واستقصاء الحقيقة، وقد صدر القرار دون إجراء تحقيق معتمدًا على التحقيق الذي أجري بشأن المذكرة المقدمة من الطاعنة زميلتها، كما أن تقديم شكوى ضد زميلة لا يعد خروجًا على مقتضيات الواجب، لا سيما إذا كان هناك شاهد على صحة ما نسب إلى هذه الزميلة، وخلصت إلى ما تقدم من طلبات.
وبجلسة 26/ 4/ 1998 حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 5 لسنة 1997 فيما تضمنه من مجازاة الطاعنة بالإنذار، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وشيدت المحكمة قضاءها على أساس أن الثابت بالأوراق أن كلاً من......، و....... قد أيدا ما ورد بشكوى الطاعنة من تلفظ....... بألفاظ خارجة وكانت هي التي بدأت في توجيه تلك الألفاظ للطاعنة على النحو المشار إليه بالتحقيقات.
ومن ثم يكون ما ورد بشكواها مطابقاً للحقيقة والواقع، ويكون القرار المطعون فيه – إذ صدر بمجازاة الطاعنة بالإنذار – يكون قد صدر بالمخالفة للقانون، جديرًا بالإلغاء.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله على سند من القول بأن المطعون ضدها قامت بتقديم شكوى كيدية ضد زميلتها........... متضمنة كذبًا قيام المذكورة بتوجيه ألفاظ سوقية أثناء تصديرها بعض المكاتبات بإدارة الصادر وأمام الزملاء، وبعد ثبوت المخالفة المنسوبة إليها من التحقيقات صدر قرار رئيس قطاع التمثيل التجاري رقم 5 لسنة 1997 بمجازاتها بعقوبة الإنذار ويكون قرار مجازاتها قد صدر صحيحًا ومتفقًا وحكم القانون، ويكون الحكم الطعين - وإذ قضى بإلغائه – قد جاء مشوبًا بالخطأ في تطبيق القانون متعينًا إلغاؤه.
ومن حيث إن الثابت بالأوراق أن الجهة الإدارية أصدرت قرارها رقم 5 لسنة 1997 بمجازاة المطعون ضدها بعقوبة الإنذار بما نُسب إليها بالتحقيق الذي أجرته الشئون القانونية وخروجها على مقتضى الواجب الوظيفي وذلك بادعائها ادعاءات كاذبة على إحدى زميلاتها من شأنها لو صحت لأوجبت مساءلتها واتخاذها من الشكوى ذريعة للنيل منها، فقامت المطعون ضدها بالطعن على هذا القرار بالإلغاء أمام المحكمة التأديبية لوزارة المالية وملحقاتها التي أصدرت حكمها المطعون فيه بإلغاء القرار المشار إليه وما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة التحقيق الذي أجرته الجهة الإدارية بخصوص الشكوى المقدمة من المطعون ضدها ضد السيدة/....... لتلفظها بألفاظ سوقية وغير لائقة في حقها وأمام الزملاء بالإدارة يوم 5/ 12/ 1996؛ حيث قالت: "يا مدام إحنا أهلنا ربونا على الذوق"، فردت عليها المطعون ضدها: "أنا عندي ذوق"، فقالت: "لأ .. إنتي ست عديمة الذوق .. إنت ست مش محترمة"، فردت عليها المطعون ضدها: "أنا محترمة أكثر منك". وقد حدث ذلك بصوت عال ومرتفع، على مسمع ومشهد من السيدة/.....، .....، ...... والآنسة/ ......
ومن حيث إنه بسؤال المستشهد بهم قررت السيدتان/......، ......، ..... أن المشكو في حقها/..... لم تتلفظ في حق المطعون ضدها بهذه الألفاظ، وأنها لم تقل لها: "إنتي معندكيش ذوق، إنتي ست مش محترمة، إنتي مش أد الكرسي اللي قاعدة عليه ولا أد الشغل اللي بتشتغليه"، وإنما قالت لها فقط: "يا مدام ..... يجب أن تحترمي المكان اللي إنتي فيه".
ومن حيث إن البند الثالث من الفقرة الثانية من المادة (76) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 تنص على أنه "يجب على العامل أن يحافظ على كرامة وظيفته طبقًا للعرف العام وأن يسلك في تصرفاته مسلكاً يتفق والاحترام الواجب".
ومن حيث إن واجب الحفاظ على كرامة الوظيفة طبقاً للعرف العام والسلوك في التصرفات مسلكًا يتفق والاحترام الواجب، وهو الأمر المنصوص عليه في البند الثالث من المادة (76) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة السالفة الذكر، إنما يحدد به المشرع ما يجب أن يتحلى به الموظف العام من سلوك رفيع المستوى يحفظ للوظيفة العامة والعاملين فيها كرامتهم وبما يتفق مع الاحترام الواجب طبقاً للعرف العام.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على وجوب توافر الاحترام المتبادل بين جميع العاملين رؤساء ومرءوسين بشكل يحفظ كرامتهم حتى ينصرف كل منهم إلى أداء واجباته الوظيفية وهو ما يؤدي إلى حسن سير وأداء العمل الموكول إليهم على خير وجه بما يحقق الصالح العام للمرفق، وفي هذا السياق يجب على العامل الشاكي أن يكون على يقين من صحة ما يبلغ عنه أو يملك دليل صحته، أما إذا كان الشاكي يلقي باتهامات في أقواله مرسلة لا دليل على صحتها ولا سند يؤيدها ويؤكد قيامها، فإنه بذلك يكون قد أراد الكيد للغير والإساءة إليه، وهذا يشكل مخالفة تأديبية تستوجب مجازاة الشاكي.
ومن حيث إنه، وتطبيقًا لما تقدم، فإن المخالفة المنسوبة إلى المطعون ضدها، والتي استند إليها القرار المطعون فيه، المتمثلة في ادعائها ادعاءات كاذبة على إحدى زميلاتها من شأنها لو صحت لوجبت مساءلتها واتخاذها من الشكوى ذريعة للنيل منها، تكون ثابتة في حقها من واقع ما شهدت به كل من السيدتين ......، ......، ...... الذين استشهدت بهم المطعون ضدها بشكواها ضد السيدة/.......، الأمر الذي يمثل إخلالاً منها بواجبات الوظيفة ويستوجب مساءلتها عنه تأديبيًا، ومن ثم يكون قرار مجازاتها بعقوبة الإنذار قد جاء سليمًا وقائمًا على سببه المبرر له ومستخلصًا استخلاصًا سائغًا من أوراق التحقيق.
ومن حيث إنه لا ينال مما تقدم ما قررته/.......، بصحة ما ورد بشكوى المطعون ضدها، وأن المشكو في حقها قد تلفظت لها بألفاظ غير لائقة، وأنها سمعت ذلك فعلاً لأنها أقرب الجالسين بجوار المطعون ضدها، ذلك أن الشهود المذكورين فيما سلف أجمعوا على عدم صحة ما ورد بشكوى المطعون ضدها تلفظ المشكو في حقها بألفاظ غير لائقة في حقها، وشهدوا كذلك للمشكو في حقها بالسلوك الطيب، وأنه لم يبدر منها أية إساءة أو أية ألفاظ غير لائقة؛ الأمر الذي يتعين معه طرح ما جاء بشهادة المذكورة لا سيما وأن تبريرها بأنها سمعت ذلك لكونها أقرب الجالسين، مردود عليه بما قررته المطعون ضدها نفسها أن المشكو في حقها تلفظت بألفاظ غير لائقة لها بصوت عال ومرتفع على مسمع ومشهد من المستشهد بهم جميعًا، ومن ثم فإن جميعهم قد شهد وسمع بوضوح ما دار بين المطعون ضدها والمشكو ....... في حقها، وليست هي فحسب، وينبني على ذلك أن شهادة المذكورة لا يعتد بها ولا يعول عليها لعدم الاطمئنان إليها.
ومن حيث إنه ليس صحيحًا على إطلاقه، ما أورده الحكم المطعون فيه في مجال إلغاء القرار المطعون فيه أن كلاً من/ ......، ....... قد أيدا ما ورد بشكوى المطعون ضدها من تلفظ المشكو في حقها بألفاظ خارجة ذلك أن الأول نفى تلفظ المشكو في حقها بألفاظ خارجة في حق المطعون ضدها على النحو الثابت بأقواله بتحقيقات الشئون القانونية، أما ما شهدت به الثانية، فقد تم طرح شهادتها لعدم الاطمئنان إليها، كما سلف البيان.
وإذ ذهب الحكم المطعون فيه خلاف هذا المذهب، فيما قضى به من إلغاء قرار الجزاء المطعون فيه، فإنه يكون قد جانبه الصواب وصحيح القانون، وجاء غير مستخلص استخلاصًا سائغًا من الأوراق ويتعين – والحال كذلك – الحكم بإلغائه.
ومن حيث إن هذا الطعن معفى من المصروفات طبقًا لنص المادة (90) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة

بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الطعن التأديبي رقم 134 لسنة 31 ق، وما يترتب على ذلك من آثار.