مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخمسون - الجزء الأول - من أول أكتوبر سنة 2004 إلى آخر مارس سنة 2005 - صـ 856

(124)
جلسة 26 من مارس سنة 2005م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ إسماعيل صديق راشد
نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ عصام الدين عبد العزيز جاد الحق، وحسن كمال أبو زيد، ود. عبد الفتاح عبد الحليم عبد البر، وأحمد إبراهيم زكي الدسوقي
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ أسامة يوسف شلبي
مفوض الدولة
وحضور السيد الأستاذ/ يحيى سيد على
سكرتير المحكمة

الطعن رقم 3037 لسنة 49 قضائية عليا:

موظف - عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - غلو الجزاء التأديبي.
ولئن كان للسلطة التأديبية - ومن بينها المحاكم التأديبية - سلطة تقدير خطورة الذنب الإداري وما يناسبه من جزاء، إلا أن مناط مشروعية هذه السلطة ألا يشوب استعمالها غلو، ومن صور هذا الغلو عدم الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإداري، وبين نوع الجزاء التأديبي ومقداره، وهو ما لا يتحقق معه الهدف الذي ينشده القانون من التأديب، ومن ثم فإن الغلو وعدم الملاءمة الظاهرة بين خطورة الذنب الإداري والجزاء التأديبي الذي أوقعته السلطة التأديبية يخرج هذا الجزاء من نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية - تطبيق.


الإجراءات

في يوم الثلاثاء الموافق 14/ 1/ 2003 أودع وكيل الطاعن قلم كتاب المحكمة تقرير الطعن الماثل في الحكم المشار إليه القاضي بمجازاة الطاعن بالفصل من الخدمة.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بعريضة الطعن - الحكم بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار، وبتاريخ 16/ 2/ 2003 أعلن تقرير الطعن.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بمعاقبة الطاعن بالعقوبة المناسبة لما اقترفه من جرم على النحو الذي تقدره المحكمة.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 3/ 7/ 2004، وبجلسة 22/ 12/ 2004 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى دائرة الموضوع - الرابعة العليا - لنظره بجلسة 5/ 2/ 2005 ونظرت المحكمة الطعن بهذه الجلسة وبها قررت الحكم في الطعن بجلسة اليوم ومذكرات في أسبوعين لمن يشاء، وقد صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إنه عن الشكل فإن الحكم المطعون فيه قد صدر بجلسة 11/ 11/ 2002، ولما كان الطاعن يقيم بمحافظة المنيا، ويضاف إلى ميعاد الطعن ميعاد مسافة قدره أربعة أيام، وإذ أقام طعنه بإيداع عريضته قلم كتاب المحكمة في 14/ 1/ 2003 فإن الطعن يكون قد أقيم في الميعاد، وقد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر النزاع تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى رقم 43 لسنة 29 ق. بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية بأسيوط متضمنة تقريرًا باتهام ضد/ .... مدرس اللغة الفرنسية بمديرية التربية والتعليم بالمنيا، لأنه بوصفه السابق خالف القانون وخرج على مقتضيات الواجب الوظيفي وعلى القواعد المنظمة للإجازات بأن انقطع عن العمل دون إذن أو مبرر قانوني، وفي غير الأحوال المصرح بها اعتبارًا من 1/ 7/ 2001 على النحو المبين بالأوراق.
وطلبت النيابة الإدارية محاكمته تأديبيًا طبقًا للمواد الواردة بتقرير الاتهام.
ونظرت المحكمة الدعوى على النحو الثابت بمحاضر الجلسات؛ حيث حضر محام عن المتهم بالتوكيل الخاص رقم 2314 لسنة 2002 توثيق المنيا وأفاد بأن موكله يرغب في العودة إلى العمل، وبجلسة 11/ 11/ 2002 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه وأقامت المحكمة قضاءها على أن الثابت من الأوراق أن المخالفة المنسوبة إلى المتهم (الطاعن) ثابتة في حقه ثبوتًا يقينيًا بشهادة/ ..... مسئولة شئون العاملين بمدرسة المنيا الجديدة والتي أكدت انقطاع المتهم عن العمل اعتبارًا من 1/ 7/ 2001 وأن المدرسة أرسلت إليه عدة إنذارات لعودته إلى العمل دون جدوى، وتكشف ظروف انقطاع المتهم عن العمل عن عدم رغبته في الاستمرار في العمل، لأنه استمر في انقطاعه، ولم يمتثل لاستدعاء النيابة الإدارية لحضور التحقيق، علاوة على أن المحكمة قد طلبت حضوره شخصيًا جلسات المحكمة، وتأجلت الدعوى عدة مرات لهذا السبب دون جدوى مما يدل على أن المتهم غير عابئ بوظيفته، ولذا قضت بمجازاته بالفصل من الخدمة.
ومن حيث إن مبنى الطعن يستند إلى الأسباب الآتية:
1 - مخالفة الحكم للقانون لأنه استند على تحقيق باطل، وذلك لعدم سماع أقوال الطاعن وتمكينه من الدفاع عن نفسه ومواجهته بما هو منسوب إليه، وفقًا لنص المادة (79) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة.
2 - الغلو في تقدير الجزاء، وذلك لأن العقوبة المقضي بها لا تتناسب مع المخالفة المنسوبة للطاعن بما يخرج الجزاء من نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية.
ومن حيث إنه عمَّا نسب إلى الطاعن من انقطاعه عن العمل اعتبارًا من 1/ 7/ 2001، فقد أجرت النيابة الإدارية تحقيقها في الواقعة بقضيتها رقم 551 لسنة 2001.
ومن حيث إنه بسؤال/... مسئولة شئون العاملين بمدرسة المنيا الجديدة قررت في التحقيقات أن المتهم/........ (الطاعن) انقطع عن العمل بصورة مستمرة اعتبارًا من 1/ 7/ 2001 وأن المدرسة أرسلت إليه عدة إنذارات للعودة للعمل، الأول بتاريخ 4/ 7/ 2001 برقم 422، والثاني بتاريخ 8/ 7/ 2001 برقم 423، والثالث بتاريخ 10/ 7/ 2001 برقم 424 دون جدوى.
ومن حيث إن انقطاع الطاعن عن عمله على هذا النحو يشكل في حقه مخالفة تأديبية قوامها مخالفة حكم المادة (62) من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 والتي تقضي بأنه "لا يجوز للعامل أن ينقطع عن عمله إلا لإجازة يستحقها في حدود الإجازات المقررة بالمواد التالية وفقًا للضوابط والإجراءات التي تضعها السلطة المختصة".
ومن حيث إن ما أسند إلى الطاعن وثبت في حقه ينطوي على مخالفة تأديبية تستوجب مجازاته عنها تأديبيًا.
ومن حيث إنه عن وجه الطعن على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون لبطلان التحقيق لعدم مواجهة الطاعن بما هو منسوب إليه وسماع أقواله وتمكينه من الدفاع عن نفسه، فإن ذلك مردود عليه بما هو ثابت من الأوراق وهو أن وكيل الطاعن حضر جلسات المحاكمة التأديبية وقدم مستنداته ودفاعه في الدعوى، وهي مرحلة يمكن لصاحب الشأن أن يتدارك ما عسى أن يكون قد فاته من دفاع في مرحلة سابقة، ومن ثم يكون هذا الوجه من الطعن في غير محله ويتعين لذلك طرحه.
ومن حيث إنه عن الطعن على الحكم المطعون فيه بالغلو في تقدير الجزاء، فإن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه "ولئن كان للسلطة التأديبية - ومن بينها المحاكم التأديبية - سلطة تقدير خطورة الذنب الإداري وما يناسبه من جزاء، إلا أن مناط مشروعية هذه السلطة ألا يشوب استعمالها غلو، ومن صور هذا الغلو عدم الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإداري، وبين نوع الجزاء التأديبي ومقداره، وهو ما لا يتحقق معه الهدف الذي ينشده القانون من التأديب، ومن ثم فإن الغلو وعدم الملاءمة الظاهرة بين خطورة الذنب الإداري والجزاء التأديبي الذي أوقعته السلطة التأديبية يخرج هذا الجزاء من نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية".
ومن حيث إنه عن ملاءمة الجزاء الموقع على الطاعن، وهو الفصل من الخدمة للذنب الثابت في حق الطاعن، وهو الانقطاع عن العمل، فإن ذلك يتبدى بالنظر إلى درجة خطورة الذنب الثابت في حقه، ونوع الجزاء الموقع عليه ومقداره، فالجزاء في الطعن الماثل هو أشد أنواع الجزاءات ومنتهاها لأنه يحرم العامل من وظيفته بإقصائه عنها تمامًا أما مخالفة الطاعن فتتمثل في انقطاعه عن العمل في الفترة من 1/ 7/ 2001 وحتى صدور الحكم المطعون فيه بجلسة 11/ 11/ 2002 وهي ليست بالفترة الطويلة التي تفيد هجر الوظيفة كما أن البين من ظروف المخالفة وملابساتها، أن الطاعن لم يدر ظهره لوظيفته ولم يعرض عنها، وآية ذلك أن وكيله بالتوكيل الخاص رقم 2314 لسنة 2002 توثيق المنيا حضر أمام المحكمة التأديبية وأفاد بأن موكله (الطاعن) يرغب في العودة إلى العمل وهو ما يُستفاد منه أن جزاء الفصل من الخدمة الموقع على الطاعن يشوبه الغلو بالإسراف في الشدة ولا يتناسب ومخالفة الانقطاع عن العمل الثابتة في حقه مما يخرج هذا الجزاء من نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية، مما يستوجب إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة الطاعن بالفصل من الخدمة، وتوقيع جزاء يتناسب والثابت في حقه، وهو ما تقدره المحكمة بخصم شهر من راتبه.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة

بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة الطاعن بالفصل من الخدمة، ومجازاته بخصم شهر من راتبه.