مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخمسون - الجزء الأول - من أول أكتوبر سنة 2004 إلى آخر مارس سنة 2005 - صـ 867

(126)
جلسة 27 من مارس سنة 2005م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عادل محمود زكي فرغلي
نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ محمد الشيخ علي أبو زيد، وعبد المنعم أحمد عامر، ود. سمير عبد الملاك منصور، وأحمد منصور محمد علي
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ طارق رضوان
مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ خالد عثمان محمد حسن
سكرتير المحكمة

الطعن رقم 8296 لسنة 44 قضائية عليا:

تعويض - لا تلازم بين عدم مشروعية القرار الإداري وتحقق ركن الخطأ الموجب للتعويض.
إنه ولئن كان صدور القرار الإداري مشوبًا بعيب أو أكثر من العيوب المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة (عيب عدم الاختصاص أو الشكل) يفقده المشروعية, إلا أن ذلك لا يعني تحقق ركن الخطأ الموجب للتعويض - أساس ذلك: أنه لا تلازم بين ثبوت عدم مشروعية القرار الإداري وتحقق ركن الخطأ الموجب للتعويض - أثر ذلك:- يتعين الوقوف على طبيعة الخطأ الذي يرتب مسئولية الإدارة عن قراراتها, فالخطأ في السلوك الإداري هو وحده الذي يرتب المسئولية كأن يصدر القرار مشوبًا بعيب إساءة استعمال السلطة فيكون بذلك خطأ عمديًا وليد إرادة آثمة للإدارة أو أن يصدر القرار دون دراسة كافية على نحو ينبئ عن رعونة الجهة الإدارية, أما إذا تعلق الأمر بالتأويل القانوني مما تتفرق فيه وجوه الرأي بحيث لا يمكن القطع بأصوب الآراء فإنه لا تثريب على الجهة الإدارية إن هي أصدرت قرارها بناء على مشورة ذوي الاختصاص المنوط بهم دراسة الحالة, وذلك أنه قد يشفع في إعفاء الإدارة من المسئولية وقوعها في خطأ في تفسير مدلول النصوص إذا كانت قد استطلعت رأي إدارة الفتوى المختصة بمجلس الدولة, ونزلت على هذا التفسير حيث أصدرت قرارها الذي وصمه القضاء بعدم المشروعية - تطبيق.


الإجراءات

في يوم الثلاثاء الموافق 8/ 9/ 1998 أودعت الأستاذة/ نفيسة حسن صالح المحامية بصفتها وكيلاً عن الهيئة الطاعنة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 8296 لسنة 44 ق. في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري - دائرة العقود والتعويضات بجلسة 27/ 7/ 1998 في الدعوى رقم 739 لسنة 50 ق القاضي في منطوقه بقبول الدعوى شكلاً بالنسبة للمدعى عليه "رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار "وفي الموضوع بإلزامه بصفته بأن يؤدي للمدعي مبلغًا مقداره خمسة عشر ألف جنيه والمصروفات.
وطلبت الطاعنة في ختام تقرير الطعن وللأسباب الواردة فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع الحكم أصليًا:
1 - وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه بصفة عاجلة.
2 - إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددًا برفض طلب التعويض احتياطيًا. رفض الدعوى بكافة آثارها وإلزام المطعون ضده المصروفات والأتعاب في جميع الأحوال.
وقد تم إعلان تقرير الطعن على الوجه المقرر قانونًا.
وبعد تحضير الطعن قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا وإلزام الطاعنة المصروفات.
وقد نظر هذا الطعن أمام هذه المحكمة على النحو المبين بمحاضر الجلسات بعد إحالته إليها من دائرة فحص الطعون، وحددت لإصدار الحكم جلسة 27/ 3/ 2005 وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن المطعون ضده رقي إلى وظيفة باحث أول من الدرجة الثانية بالهيئة في 1/ 7/ 1978، ثم صدر القرار رقم 54 لسنة 1980 بتسكينه على وظيفة مدير إدارة دراسة استثمار مشروعات الجهاز المصرفي اعتبارًا من 1/ 9/ 1980، ثم أصدرت الهيئة القرار رقم 48 لسنة 1991 بتاريخ 17/ 3/ 1991 بسحب القرار رقم 54 لسنة 1980 فيما تضمنه من تسكين المطعون ضده في وظيفة مدير إدارة من الدرجة الأولى، وترقيته إلى هذه الدرجة من 17/ 3/ 1991، كما أصدرت الهيئة القرار رقم 3 لسنة 1991 بترقية بعض العاملين إلى درجة مدير عام، قام المطعون ضده بالطعن بالإلغاء على القرارين 3 لسنة 1991، 48 لسنة 1991 أمام محكمة القضاء الإداري - دائرة الترقيات بالدعوى رقم 3808 لسنة 49 ق، التي قضت بجلسة 11/ 2/ 1993 بعدم قبول طلب إلغاء القرار المطعون فيه رقم 3 لسنة 1991 وبرفض ما عدا ذلك من طلبات، فأقام المطعون ضده الطعن رقم 2132 لسنة 39 ق أمام المحكمة الإدارية العليا التي قضت بجلسة 14/ 1/ 1995 بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه ليكون بقبول الدعوى شكلاً بالنسبة لطلبي إلغاء القرارين رقمي 48 لسنة 1991 و3 لسنة 1991 وفي موضوعها أولاً: بإلغاء القرار رقم 48 لسنة 1991 فيما تضمنه من سحب القرار رقم 54 لسنة 1980 وما يترتب على ذلك من آثار. ثانيًا: بإلغاء القرار رقم 3 لسنة 1991 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى وظيفة بدرجة مدير عام وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات. أقام المطعون ضده الدعوى رقم 739 لسنة 50 ق أمام محكمة القضاء الإداري - دائرة العقود والتعويضات طالبًا الحكم بإلزام رئيس مجلس الوزراء ورئيس الجهاز التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار - متضامنين بأن يؤديا له مبلغ مائة وخمسين ألف جنيه كتعويض عما لحقه من أضرار مع إلزامهما المصروفات.
وبجلسة 27/ 7/ 1998 صدر حكم محكمة القضاء الإداري - دائرة العقود والتعويضات المطعون فيه قاضيًا في منطوقه بقبول الدعوى شكلاً، وبالنسبة للمدعى عليه الثاني "رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار" وفي الموضوع بإلزامه بصفته بأن يؤدي للمدعي مبلغًا مقداره خمسة عشر ألف جنيه والمصروفات.
وأقامت المحكمة قضاءها على أنه تأكد عدم مشروعية القرارين رقمي 48/ 1991، 3/ 1991 لمخالفتهما لأحكام القانون مما يتوافر به ركن الخطأ الموجب للمسئولية الإدارية في جانب الهيئة المدعى عليها، وأنه بالنسبة للأضرار التي لحقت بالمطعون ضده من جراء هذين القرارين فالثابت أن الهيئة قامت بتنفيذ الحكم لصالحه باعتباره شاغلاً لوظيفة مدير عام بالإدارة المركزية للمنطقة الحرة بمدينة نصر اعتبارًا من 17/ 3/ 1991 وصرف الفروق المالية المستحقة له اعتبارًا من ذلك التاريخ، ولم ينازع المطعون ضده في ذلك ولما كان الثابت هو ما تقدم فإنه لا تكون هناك أضرار مادية قد لحقت بالمطعون ضده من جراء القرارين رقمي 48/ 1991 و3 لسنة 1991 إلا فيما تكبده من نفقات في سبيل الحصول على حقه بموجب الحكم القضائي المتوج بحكم المحكمة الإدارية العليا على النحو السالف بيانه ومن ثم يتعين رفض طلب التعويض عن الأضرار المادية فيما عدا التعويض عن النفقات المشار إليها، وأنه عن الأضرار الأدبية فإنه مما لا ريب فيه أن المطعون ضده قد أصيب بأضرار أدبية من جراء القرارين رقمي 3، 48 لسنة 1991 المشار إليهما تمثلت في ظهوره بمظهر المقصر في أداء واجباته الوظيفية وشعوره بالإحباط من جراء إهدار حقوقه الوظيفية وما عاناه من آلام نفسية في سبيل الحصول على حقوقه ولمدة جاوزت أربع سنوات وبمراعاة أن إلغاء القرارين المشار إليهما ومبادرة الهيئة بتنفيذ الحكم الصادر في هذا الشأن يعد من قبيل التعويض الأدبي وجابر لجانب من هذه الأضرار، ولذلك فإن المحكمة تقدر تعويضًا عن الأضرار المشار إليها والسالف بيانها مبلغًا مقداره خمسة عشر ألف جنيه.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل مخالفة الحكم المطعون فيه القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله لأسباب حاصلها أن الحكم المطعون فيه أهدر كافة العناصر الموضوعية والظروف الواقعية التي حدت بالهيئة إلى إجراء عملية التصويب للعاملين، فقد تمت عملية التصويب بناء على فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع وبعد أخذ رأي كل من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة والجهاز المركزي للمحاسبات التي انتهت جميعها إلى انعدام قرارات التسكين للعاملين الذين تم تسكينهم بالهيئة على وظائف أعلى في 1/ 9/ 1980 دون استيفاء المدد الكلية والبينية واعتبرتها قرارات منعدمة، وأن هذا الأمر لم يقتصر على المطعون ضده وحده وإنما شمل العديد من العاملين بالهيئة، فما ينفي عن الهيئة ركن الخطأ، كما أن الهيئة قامت بتنفيذ الحكم الصادر لصالح المطعون ضده وقامت بتدريج مرتبه وصرف كافة الفروق المالية المستحقة له وهو خير تعويض للمطعون ضده عن أية أضرار يدعي بوجودها.
وقدم الحاضر عن المطعون ضده مذكرة بدفاعه طلب فيها عرض الأمر على دائرة توحيد المبادئ لتضارب الأحكام الصادرة من المحكمة الإدارية العليا ومن ذلك ما قضت به دائرة فحص الطعون في الطعنين رقمي 6680 لسنة 43 ق، 1211 لسنة 43 ق من رفض طعن هيئة الاستثمار عن الأحكام الصادرة بالتعويض عن سحب التسكين في موضوع مماثل للطعن الراهن، كما توجد أحكام عديدة من دائرة الموضوع تقرر بأن الخطأ واقعة مجردة قائمة بذاتها، ولا حجة في القول بأن الهيئة أصدرت قرارها بعد أن استطلعت رأي الجهات القانونية المختصة.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مناط مسئولية الإدارة عن القرارات الإدارية الصادرة منها هو وجود خطأ وضرر وعلاقة السببية بين الخطأ والضرر.
ومن حيث إنه ولئن كان صدور القرار الإداري مشوبًا بعيب أو أكثر من العيوب المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة يفقده المشروعية، إلا أن ذلك لا يعني تحقق ركن الخطأ الموجب للتعويض، فليس هناك تلازم بين ثبوت عدم مشروعية القرار الإداري وتحقق ركن الخطأ الموجب للتعويض، فقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن ما قد يشوب القرار الإداري من عيب عدم الاختصاص أو الشكل ويجعله قرارًا غير مشروع لا يصلح حتمًا وبالضرورة أساسًا للتعويض ما لم يكن هذا العيب مؤثرًا في موضوع القرار، فإذا كان القرار سليمًا في مضمونه محمولاً على أسبابه فلا يكون ثمة وجه للحكم بالتعويض عن هذا القرار إذا كان مشوبًا بعيب في الشكل أو الاختصاص، باعتبار أنه كان سيصدر حتمًا وبذات المضمون لو أن الجهة الإدارية قد راعت قواعد الاختصاص والشكل، ولذلك فإنه يتعين الوقوف على طبيعة الخطأ الذي يرتب مسئولية الإدارة عن قراراتها، فالخطأ في السلوك الإداري هو وحده الذي يرتب المسئولية كأن يصدر القرار مشوبًا بعيب إساءة استعمال السلطة فيكون بذلك خطأ عمديًا وليد إرادة آثمة للجهة الإدارية، أو أن يصدر القرار دون دراسة كافية على نحو ينبئ عن رعونة الجهة الإدارية أو عدم رشدها بألا تضع جهة الإدارة نفسها في أفضل الظروف التي تمكنها من اتخاذ القرار الصحيح أو عدم أخذها بالأسباب التي تكفل للقرارات التي تصدرها الضمانات الكافية لسلامتها، ففي هذه الحالات يتحقق الخطأ في السلوك الإداري، أما إذا تعلق الأمر بالتأويل القانوني مما تتفرق فيه وجوه الرأي وتختلف فيه وجهات النظر بحيث لا يمكن القطع بأصوب الآراء، فإنه لا تثريب على الجهة الإدارية إن هي أصدرت قرارها بناء على مشورة ذوي الاختصاص المنوط بهم دراسة الحالة وإبداء الرأي بشأنها، ذلك أنه قد يشفع في إعفاء الإدارة من المسئولية وقوعها في خطأ في تفسير مدلول النصوص إذا كانت قد استطلعت رأي إدارات الفتوى المختصة بمجلس الدولة، ونزلت على هذا التفسير حين أصدرت قرارها الذي وصمه القضاء بعدم المشروعية.
كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن حق التقاضي والدفاع من الحقوق العامة المباحة التي تثبت للكافة، فلا يسأل من يلج أبواب القضاء تمسكًا أو زودًا عن حق يدعيه إلا إذا ثبت خروجه عن الحق المباح إلى اللدد في الخصومة والعنت مع استيضاح الحق ابتغاء الإضرار بالخصم عملاً بحكم المادة (188) من قانون المرافعات التي تقضي بأنه "يجوز للمحكمة أن تحكم بالتعويضات مقابل النفقات الناشئة عن دعوى أو دفاع قصد بهما الكيد" وعلى المحكمة قبل أن تقضي بالتعويض أن تستخلص توافر نية الإضرار وقصد الكيد ليقوم قضاؤها على أساس سليم.
فإذا كان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده كان قد رقي إلى وظيفة من الدرجة الثانية في 1/ 7/ 1978 وتم تسكينه في 1/ 9/ 1980 على وظيفة مدير إدارة من الدرجة الأولى وأن الهيئة الطاعنة قد استطلعت رأي اللجنة الثالثة لقسم الفتوى بمجلس الدولة، والجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع في حالات مماثلة للطاعن، وانتهى الرأي إلى انعدام القرارات الصادرة بتسكين العاملين بالهيئة، وتنفيذًا لهذا الإفتاء أصدرت الهيئة الطاعنة قرارها رقم 48 لسنة 1991 بسحب تسكين المطعون ضده على وظيفة مدير إدارة من تاريخ 1/ 9/ 1980 وترقيته إليها من 17/ 3/ 1991، وبالتالي تكون جهة الإدارة حين أصدرت قرارها الذي ألغاه القضاء الإداري إنما أصدرته بناء على رأي الجهة التي ناط بها القانون الإفتاء في المسائل القانونية، مما لا يمكن معه أن ينسب إلى مسلك الجهة الإدارية الخطأ الموجب للتعويض ولو وصم القضاء قرارها بعدم المشروعية، إذ ليس ثمة انحراف عن السلوك المعتاد لمتخذ القرار في مثل تلك الظروف فقد انصاعت جهة الإدارة لإفتاء الجهات المنوط بها قانونًا الكشف عن صحيح حكم القانون في المسألة المعروضة عليها، مما يشفع لها في إعفائها من المسئولية عن عدم سلامة قرارها حسبما كشف عنه الحكم القضائي. كما لم يشر الحكم المطعون فيه إلى ما إذا كان دفاع الإدارة في الدعاوى المقام ضدها كان من قبيل العنت واللدد في الخصومة، فصدور حكم محكمة القضاء الإداري لصالح جهة الإدارة يعني أن دفاعها كان له ما يظاهره قانونًا وليس من قبيل اللدد في الخصومة، على الرغم من إلغاء حكم أول درجة أمام المحكمة الإدارية العليا، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى غير هذا النظر فإنه يكون قائمًا على غير أساس سليم من القانون خليقًا بالإلغاء ويكون طلب التعويض خليقًا بالرفض.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته عملاً بالمادة (184) مرافعات.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة

بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعًا وألزمت المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.