أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 55 - صـ 127

جلسة 18 من يناير سنة 2004

برئاسة السيد المستشار/ أمين عبد العليم نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ أنور محمد الجبرى، أحمد جمال الدين عبد اللطيف نائبى رئيس المحكمة، سيد الدليل وصفوت أحمد عبد المجيد.

(9)
الطعن رقم 16546 لسنة 67 القضائية

(1) دعوى جنائية "نظرها والحكم فيها". دعوى مدنية "نظرها والحكم فيها". تعويض. جريمة "أركانها". مسئولية مدنية. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". شهادة زور.
اختصاص المحكمة الجنائية بالتعويضات المدنية. شرطه؟
تبرئة المتهم من التهمة لعدم ثبوتها. يوجب رفض طلب التعويض. علة ذلك؟
القضاء بالتعويض عند القضاء بالبراءة. شرطه: ألا تكون البراءة لعدم صحة الواقعة أو عدم ثبوتها. علة ذلك؟
أسباب الحكم الصادر بالبراءة لعدم توافر أركان جريمة الشهادة الزور. هى ذاتها أسباب الحكم برفض دعوى التعويض.
(2) إثبات "شهود". شهادة زور. قانون "تفسيره".
الشهادة التى يسأل الشاهد عن الكذب فيها. ماهيتها؟
تحقق مسئولية الشاهد زورًا. شرطها؟ إثبات الحكم أن الشاهدين شهدا بما تنطق به شواهد الحال وظواهر المستندات. لا تتوافر به جريمة الشهادة الزور.
(3) دعوى مدنية. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
المحكمة غير ملزمة عند القضاء بالبراءة ورفض الدعوى المدنية بالرد على كل دليل من أدلة الاتهام. إغفال ذلك. مفاده؟
1 - من المقرر أن المحكمة الجنائية لا تختص بالتعويضات المدنية إلا إذا كانت متعلقة بالفعل الجنائى المسند إلى المتهم، فإذا كانت المحكمة قد برأت المتهم من التهمة المسندة إليه لعدم ثبوتها فإن ذلك يستلزم حتمًا رفض طلب التعويض لأنه ليس لدعوى التعويض محل عن فعل لم يثبت فى حق من نسب إليه، أما الحكم بالتعويض ولو قضى بالبراءة فشرطه ألا تكون البراءة قد بنيت على عدم حصول الواقعة أصلاً أو على عدم صحتها أو عدم ثبوت إسنادها إلى المتهم لأنه فى هذه الأحوال لا تملك المحكمة أن تقضى بالتعويض على المتهم لقيام المسئوليتين الجنائية والمدنية معًا على ثبوت حصول الواقعة وصحة إسنادها إلى صاحبها. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أسس قضاء البراءة على عدم توافر أركان جريمة شهادة الزور المسندة إلى المطعون ضدهم فإن هذه الأسباب بذاتها فى هذه الحالة تكون أسبابًا للحكم برفض دعوى التعويض.
2 - من المقرر أن الأصل أن الشهادة التى يسأل الشاهد عن الكذب فيها أمام القضاء هى التى تكون لها فى ذاتها قوة الإقناع لابتنائها على عيان الشاهد ويقينه من جهة، ولقابليتها للتمحيص والتحقيق من صحتها من جهة أخرى، أما الشهادة التى لا ترجع إلا إلى التسامع والشهرة فلا تعد شهادة بالمعنى المقصود فى القانون لتعذر التحقق من صحتها، ولا يرد على ذلك بما للشهادة بالتسامع من اعتبار فى بعض الحالات الاستثنائية فإن هذا ليس من شأنه أن يغير طبيعة ما قيل على سبيل الرواية ولا يرفعه إلى مرتبة الشهادة التى قصد القانون العقاب على الكذب فيها. لما كان ذلك، وكانت الأقوال التى أدلى بها الشاهدان على ما يبين من اطلاع المحكمة على ما هو ثابت بالحكم ليست إلا بناء بما اتصل بعلمهما أو نقل لهما، وكان القانون يشترط لمسئولية الشاهد زورًا جنائيًا قصده إلى الكذب وتعمده قلب الحقيقة بحيث يكون ما يقوله محض افتراء فى مجلس القضاء وبسوء نية، وكان الحكم قد نفى هذا الوصف عن شهادة الشاهدين وأثبت أنهما إنما شهدا بما تنطق به شواهد الحال وظاهر المستندات، فإن شهادتهما لا تتوافر فيها أركان جريمة شهادة الزور، وتكون المحكمة إذ حكمت ببراءة المطعون ضدهم لم تخطئ فى تطبيق القانون.
3 - من المقرر أن المحكمة غير ملزمة - وهى تقضى بالبراءة وما يترتب على ذلك من رفض للدعوى المدنية - بأن ترد على كل دليل من أدلة الاتهام لأن فى إغفال التحدث عنه ما يفيد حتمًا أنها اطرحته ولم تر فيه ما تطمئن معه إلى الحكم بالإدانة متى كانت قد أحاطت بالدعوى عن بصر وبصيرة - كما هو الحال فى الدعوى المطروحة. ومن ثم فلا يعيب الحكم عدم تصديه لما ساقه المدعى بالحقوق المدنية من قرائن تشير إلى ثبوت الاتهام مادامت المحكمة قد قطعت فى أصل الواقعة وخلصت فى منطق سائغ إلى عدم وجود ثمة جريمة فى الأوراق، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد ينحل إلى جدل فى تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.


الوقائع

أقام المدعى بالحقوق المدنية دعواه بطريق الادعاء المباشر أمام محكمة جنح..... ضد المطعون ضدهم لأن الأول والثانى: شهدا زورًا لصالح المتهمة الثالثة بأن شهدا فى الدعوى رقم..... لسنة...... مستأنف أمام المحكمة وكان من شأن هذه الشهادة تغيير وجه الحق فى الدعوى سالفة الذكر إضرارًا به وطلب عقابهم بالمادة 297 من قانون العقوبات وأن يؤدوا له مبلغ خمسمائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت بالبراءة. استأنف ومحكمة......... الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع بتأييد الحكم المستأنف.
فطعن وكيل المدعى بالحقوق المدنية فى هذا الحكم بطريق النقض............ إلخ.


المحكمة

من حيث إن البين من الأوراق أن الطاعن أقام دعواه المباشرة ضد المطعون ضدهم على سند من أن المطعون ضدهما الأول والثانى شهدا زورًا أمام محكمة الأحوال الشخصية لصالح زوجته المطعون ضدها الثالثة فى الدعوى رقم.... لسنة.... أحوال كلى..... بأن أبديا معلومات غير صحيحة عن تفوق الطفل الدراسى، وقضى ابتدائيا بالبراءة، وقضى استئنافيا بتأييد الحكم المستأنف، وجاء فى أسباب الحكم المستأنف بعد أن بين أركان جريمة شهادة الزور "أن المتهمين الأول والثانى قد شهدا بتفوق الطفل بتاريخ.... أى فى نهاية العام الدراسى بما مفاده أن هذه الشهادة جاءت سماعية بناء على ما أشيع عن الطفل ومستواه الدراسى سيما وأن الدعوى تداولت بالجلسات حتى قضى فيها بتاريخ....... ولم يقدم والده مستندًا برسوبه إلا بتاريخ......، ومؤدى ذلك أن المتهمين لم يكن يتوافر لديهما سوء القصد ونية الإضرار بالمدعى بالحق المدنى فلم يكن القصد من الشهادة جعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة سيما وأن الحكم الصادر فى الدعوى قد استند فى قضائه على عناصر عدة آخرها تفوق الطفل الدراسى، وأن ذلك ما كان يغير مراكز الخصوم فى الدعوى الأمر الذى تنتفى معه أركان جريمة الشهادة الزور وتكون دعوى المدعى قد أقيمت على سند غير صحيح مما يتعين معه القضاء بتأييد الحكم المستأنف، وإذ كان مبنى البراءة حسبما جاء فى مدونات الحكم هو انتفاء أركان جريمة الشهادة الزور فإنه ينطوى ضمنًا على الفصل فى الدعوى المدنية بما يؤدى إلى رفضها لأن القضاء بالبراءة فى صدد هذه الدعوى. وقد أقيم على انتفاء أركان الجريمة فإنه يتلازم معه الحكم برفض الدعوى المدنية. ولو لم ينص على ذلك فى منطوق الحكم. لما كان ذلك وكانت المحكمة الجنائية لا تختص بالتعويضات المدنية إلا إذا كانت متعلقة بالفعل الجنائى المسند إلى المتهم، فإذا كانت المحكمة قد برأت المتهم من التهمة المسندة إليه لعدم ثبوتها فإن ذلك يستلزم حتمًا رفض طلب التعويض لأنه ليس لدعوى التعويض محل عن فعل لم يثبت فى حق من نسب إليه، أما الحكم بالتعويض ولو قضى بالبراءة فشرطه ألا تكون البراءة قد بنيت على عدم حصول الواقعة أصلاً أو على عدم صحتها أو عدم ثبوت إسنادها إلى المتهم لأنه فى هذه الأحوال لا تملك المحكمة أن تقضى بالتعويض على المتهم لقيام المسئوليتين الجنائية والمدنية معًا على ثبوت حصول الواقعة وصحة إسنادها إلى صاحبها. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أسس قضاء البراءة على عدم توافر أركان جريمة شهادة الزور المسندة إلى المطعون ضدهم فإن هذه الأسباب بذاتها فى هذه الحالة تكون أسبابًا للحكم برفض دعوى التعويض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الأصل أن الشهادة التى يسأل الشاهد عن الكذب فيها أمام القضاء هى التى تكون لها فى ذاتها قوة الإقناع لابتنائها على عيان الشاهد ويقينه من جهة، ولقابليتها للتمحيص والتحقيق من صحتها من جهة أخرى، أما الشهادة التى لا ترجع إلا إلى التسامع والشهرة فلا تعد شهادة بالمعنى المقصود فى القانون لتعذر التحقق من صحتها، ولا يرد على ذلك بما للشهادة بالتسامع من اعتبار فى بعض الحالات الاستثنائية فإن هذا ليس من شأنه أن يغير طبيعة ما قيل على سبيل الرواية ولا يرفعه إلى مرتبة الشهادة التى قصد القانون العقاب على الكذب فيها. لما كان ذلك، وكانت الأقوال التى أدلى بها الشاهدان - على ما يبين من اطلاع المحكمة على ما هو ثابت بالحكم ليست إلا بناء بما اتصل بعلمهما أو نقل لهما، وكان القانون يشترط لمسئولية الشاهد زورًا جنائيًا قصده إلى الكذب وتعمده قلب الحقيقة بحيث يكون ما يقوله محض افتراء فى مجلس القضاء وبسوء نية، وكان الحكم قد نفى هذا الوصف عن شهادة الشاهدين وأثبت أنهما إنما شهدا بما تنطق به شواهد الحال وظاهر المستندات، فإن شهادتهما لا تتوافر فيها أركان جريمة شهادة الزور، وتكون المحكمة إذ حكمت ببراءة المطعون ضدهم لم تخطئ فى تطبيق القانون. لما كان ذلك وكان من المقرر أن المحكمة غير ملزمة - وهى تقضى بالبراءة وما يترتب على ذلك من رفض للدعوى المدنية - بأن ترد على كل دليل من أدلة الاتهام لأن فى إغفال التحدث عنه ما يفيد حتمًا أنها اطرحته ولم تر فيه ما تطمئن معه إلى الحكم بالإدانة متى كانت قد أحاطت بالدعوى عن بصر وبصيرة - كما الحال فى الدعوى المطروحة. ومن ثم فلا يعيب الحكم عدم تصديه لما ساقه المدعى بالحقوق المدنية من قرائن تشير إلى ثبوت الاتهام مادامت المحكمة قد قطعت فى أصل الواقعة وخلصت فى منطق سائغ إلى عدم وجود ثمة جريمة فى الأوراق، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد ينحل إلى جدل فى تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون قد أقيم على غير أساس مفصحًا عن عدم قبوله موضوعًا ومصادرة الكفالة.