أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 55 - صـ 235

جلسة 6 من مارس سنة 2004

برئاسة السيد المستشار/ إبراهيم عبد المطلب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ وجيه أديب، حمدى أبو الخير، رفعت طلبة نواب رئيس المحكمة والنجار توفيق.

(29)
الطعن رقم 1013 لسنة 69 القضائية

(1) قتل عمد. جريمة "أركانها". قصد جنائى.
تميز جناية القتل العمد بقصد خاص. هو نية إزهاق الروح. وجوب تحدث الحكم عنه استقلالاً وإيراد الأدلة الدالة عليه.
(2) سبق إصرار. ظروف مشددة. ترصد. حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". قصد جنائى. قتل عمد.
سبق الإصرار. ماهيته ومناط تحققه؟
استفادة توافر سبق الإصرار من وقائع خارجية يستخلصها القاضى بشرط ألا تتنافر عقلاً مع استنتاجه.
الترصد. ماهيته؟
جواز حصول الترصد بغير استخفاء. الحديث عن الأفعال المادية. لا ينبئ بذاته عن توافر القصد الجنائى لجريمة القتل العمد. مثال.
1 - من المقرر أن جناية القتل العمد تتميز قانونا عن غيرها من جرائم التعدى على النفس بعنصر خاص هو أن يقصد الجانى من ارتكابه الفعل الجنائى إزهاق روح المجنى عليه وهذا العنصر ذو طابع خاص ويختلف عن القصد الجنائى العام الذى يتطلبه القانون فى سائر الجرائم وهو بطبيعته أمر يبطنه الجانى ويضمره فى نفسه ومن ثم فإن الحكم الذى يقضى بإدانة المتهم فى هذه الجناية يجب أن يعنى بالتحدث عن هذا الركن استقلالا واستظهاره بإيراد الأدلة التى تكون المحكمة قد استخلصت منها أن الجانى حين ارتكب الفعل المادى المسند إليه كان فى الواقع يقصد إزهاق روح المجنى عليه، وحتى تصلح تلك الأدلة أساسا تبنى عليه النتيجة التى يتطلب القانون تحقيقها يجب أن يبينها الحكم بيانا واضحا ويرجعها إلى أصولها فى أوراق الدعوى.
2 - من المقرر فى تفسير المادة 231 من قانون العقوبات أن سبق الإصرار هو ظرف مشدد عام فى جرائم القتل والجرح والضرب يتحقق بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيدا عن ثورة الانفعال مما يقتضى الهدوء والروية قبل ارتكابها. فضلا عن أنه حالة ذهنية تقوم بنفس الجانى فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة بل تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضى منها استخلاصا ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلا مع هذا الاستنتاج. وكان الترصد هو تربص الجانى للمجنى عليه فترة من الزمن طالت أو قصرت فى مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى مفاجأته بالاعتداء عليه دون أن يؤثر فى ذلك أن يكون الترصد بغير استخفاء. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم بيانا لنية القتل لا يفيد فى مجموعه سوى الحديث عن الأفعال المادية التى قارفها الطاعنان والتى لا تنبئ بذاتها على توافر هذا القصد لديهما مما لم يكشف الحكم عن قيام هذه النية بنفس الجانيين. لما كان ما تقدم، وكان الحكم لم يستظهر القصد الجنقتلا.خاص بإيراد الأدلة والمظاهر الخارجية التى تدل عليه وتكشف عنه فإنه يكون مشوبا بالقصور بما يعيبه - وفضلا عن ذلك - فإن ما أورده الحكم فى مقام استظهار ظرفى سبق الإصرار والترصد فيما تقدم وإن توافرت لهما فى ظاهر الأمر مقومات هذين الظرفين كما هما معرفان بهما فى القانون إلا أن ما ساقه الحكم فى هذا الشأن من عبارات مرسلة ليس فى حقيقته إلا ترديدا لوقائع الدعوى.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما فى يوم: 1 - قتلا.... عمدا مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتا النية وعقدا العزم على ذلك وأعدا لذلك أسلحة بيضاء (سيفًا - عصا) وكمنا له بالمكان الذى أيقنا مروره فيه وما إن ظفرا به حتى فاجأه الأول بضربه على رأسه بعصا وبادره الثانى بطعنه ببطنه قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته. 2 - أحرزا بغير مسوغ من الضرورة الشخصية أو الحرفية سلاحًا أبيض (سيف وأداة مما تستخدم فى الاعتداء على الأشخاص) وأحالتهما إلى محكمة جنايات.... لمحاكمتهما طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بالمواد 230، 231، 232 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1، 25 مكررا/ 2 من القانون 394 لسنة 1954 المعدل والبندين رقمى 1، 11 من الجدول رقم 1 المرفق بالقانون الأول والمستبدل بالمادة السابعة من القانون 97 لسنة 1992 مع إعمال المادتين 17، 32 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات لكل منهما وبإحالة الدعوى المدنية للمحكمة المدنية المختصة.
فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد قد شابه القصور فى التسبيب ذلك بأن ما أورده الحكم بيانا لنية القتل واستظهارا لظرفى سبق الإصرار والترصد غير كاف وخاصة أن واقعة الدعوى وظروفها لا ترشح لتوافر أى من تلك العناصر مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وأدلتها تحدث عن نية القتل فى معرض عرضه لدفاع الطاعنين بانتفائها فى قوله: "..... أما ما أثاره الدفاع من عدم وجود نية القتل لديه وكذا المتهم الثانى فهو أيضا قول مرسل لا دليل عليه، إذ إنه من المستقر عليه أن قصد القتل أمر خفى لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى وبالأمارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه، وأن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضى الموضوع فى حدود سلطته التقديرية والمحكمة فى حدود سلطتها التقديرية ترى أن نية القتل متوافرة فى حق كل من المتهمين وذلك بتوعدهما له وتهديدهما به عند المشاجرة الأولى وإعداد الأدوات التى تستخدم فى ذلك وتصميمهما عليه وذلك بالترصد له فى المكان المتيقن مروره فيه ثم التعدى عليه بالضرب وإحداث إصابته التى أودت بحياته وهذا ما استخلصته المحكمة من أقوال الشاهدة الأولى كان يستغيث ويستعطف المجنى عليه بعدم قتله وما تأيد أيضا من تحريات الشرطة مما يتعين معه طرح ما أثاره الدفاع". كما عرض الحكم إلى ظرفى سبق الإصرار والترصد واستظهرهما فى قوله: "ومن حيث إنه عن توافر سبق الإصرار والترصد فإن المحكمة تكون عقيدتها بشأن تحققه وذلك مما هو ثابت بالأوراق من أن المتهمين هددا المجنى عليه فى الليلة السابقة على الواقعة وأنهما أفصحا عن ذلك علانية ثم أعدا لارتكاب الجريمة الأوراق المستخدمة فى الحادث وكمنا له، وما إن ظفرا به حتى انهال عليه المتهم الأول بعصا على رأسه وبادره المتهم الثانى بطعنه فى بطنه بالسيف فأحدث إصابته التى أودت بحياته". لما كان ذلك، وكانت جناية القتل العمد تتميز قانونا عن غيرها من جرائم التعدى على النفس بعنصر خاص هو أن يقصد الجانى من ارتكابه الفعل الجنائى إزهاق روح المجنى عليه وهذا العنصر ذو طابع خاص ويختلف عن القصد الجنائى العام الذى يتطلبه القانون فى سائر الجرائم وهو بطبيعته أمر يبطنه الجانى ويضمره فى نفسه ومن ثم فإن الحكم الذى يقضى بإدانة المتهم فى هذه الجناية يجب أن يعنى بالتحدث عن هذا الركن استقلالا واستظهاره بإيراد الأدلة التى تكون المحكمة قد استخلصت منها أن الجانى حين ارتكب الفعل المادى المسند إليه كان فى الواقع يقصد إزهاق روح المجنى عليه، وحتى تصلح تلك الأدلة أساسا تبنى عليه النتيجة التى يتطلب القانون تحقيقها يجب أن يبينها الحكم بيانا واضحا ويرجعها إلى أصولها فى أوراق الدعوى. ومن المقرر - كذلك - فى تفسير المادة 231 من قانون العقوبات أن سبق الإصرار هو ظرف مشدد عام فى جرائم القتل والجرح والضرب يتحقق بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيدا عن ثورة الانفعال مما يقتضى الهدوء والروية قبل ارتكابها. فضلا عن أنه حالة ذهنية تقوم بنفس الجانى فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة بل تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضى منها استخلاصا ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلا مع هذا الاستنتاج. وكان الترصد هو تربص الجانى للمجنى عليه فترة من الزمن طالت أو قصرت فى مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى مفاجأته بالاعتداء عليه دون أن يؤثر فى ذلك أن يكون الترصد بغير استخفاء. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم بيانا لنية القتل لا يفيد فى مجموعه سوى الحديث عن الأفعال المادية التى قارفها الطاعنان والتى لا تنبئ بذاتها على توافر هذا القصد لديهما مما لم يكشف الحكم عن قيام هذه النية بنفس الجانيين. لما كان ما تقدم، وكان الحكم لم يستظهر القصد الجنائى الخاص بإيراد الأدلة والمظاهر الخارجية التى تدل عليه وتكشف عنه فإنه يكون مشوبا بالقصور بما يعيبه. وفضلا عن ذلك، فإن ما أورده الحكم فى مقام استظهار ظرفى سبق الإصرار والترصد فيما تقدم وإن توافرت لهما فى ظاهر الأمر مقومات هذين الظرفين كما هما معرفان بهما فى القانون إلا أن ما ساقه الحكم فى هذا الشأن من عبارات مرسلة ليس فى حقيقته إلا ترديدا لوقائع الدعوى وأن ما أورده الحكم فى صدره وبسطا لمعنى سبق الإصرار وشروطه لا يعدو أن يكون تعبيرا عن تلك الحالة التى تقوم بنفس الجانى والتى يتعين على المحكمة أن تستظهرها بما يدل عليها وأن تبين الوقائع والأمارات والمظاهر الخارجية التى تكشف عنها مما كان ينبغى على المحكمة معه أن توضح كيف انتهت إلى توافر ظرف سبق الإصرار وكذلك توافر ظرف الترصد بعناصره - وذلك بعد أن خلت أدلة الدعوى مما يدل على ذلك يقينا - وهو ما قصر الحكم فى استظهاره فإن الحكم المطعون فيه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.