أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 55 - صـ 454

جلسة 28 من إبريل سنة 2004

برئاسة السيد المستشار/ عبد اللطيف أبو النيل نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد عيد سالم، منصور القاضى، عثمان متولى نواب رئيس المحكمة ومحمد عبد الحليم.

(61)
الطعن رقم 30342 لسنة 70 القضائية

(1) دستور. محكمة دستورية. حكم "حجيته".
درجات التشريع. ماهيتها؟
حق المحاكم فى الرقابة الشكلية على التشريع. نطاقه؟
مؤدى نص المادة 175 من الدستور ومفادها؟
انفراد المحكمة الدستورية العليا. دون سواها. بالحكم بعدم دستورية النص التشريعى المطعون فيه. قضاؤها. حجة مطلقة فى مواجهة الكافة.
للقضاء العادى التأكد من شرعية أو قانونية التشريع الأدنى بالتثبت من عدم مخالفته للتشريع الأعلى. اقتصار دوره فى حالة ثبوت المخالفة على مجرد الامتناع عن تطبيق التشريع الأدنى المخالف دون إلغائه أو القضاء بعدم دستوريته. حجية قضائه. نسبية. قاصرة على أطراف النزاع. مؤدى وأساس ذلك؟
للمحاكم تفسير القوانين والامتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور. شرط وأساس ذلك؟
(2) دستور. قانون "إلغاؤه" "الإلغاء الضمنى للقانون".
وجوب التزام التشريعات النزول على أحكام الدستور بوصفه التشريع الوضعى الأسمى وإلا تعين إهدارها سواء كانت سابقة أم لاحقة على العمل به. علة ذلك؟
الأحوال التى يرى فيها القضاء العادى أن القانون قد نسخه الدستور بنص صريح.
لا يعد قضاؤه فاصلاً فى مسألة دستورية. حجيته. نسبية فى مواجهة الخصوم دون الكافة. مثال.
(3) إجراءات "إجراءات المحاكمة". دستور.
الغلبة للشرعية الإجرائية. ولو أدى إعمالها لإفلات مجرم من العقاب. أساس وعلة ذلك؟
(4) دستور. محكمة دستورية. نيابة عامة.
افتراض براءة المتهم وصون الحرية الشخصية من كل عدوان. أصلان كفلهما الدستور. أساس ذلك؟
أصل البراءة من ركائز مفهوم المحاكمة المنصفة. مؤدى ذلك؟
الأصل فى المتهم البراءة. مفاد ذلك؟ المادة 67 من الدستور.
مثال لتواتر أحكام المحكمة الدستورية العليا على القضاء بعدم دستورية القوانين المخالفة لقاعدة أصل البراءة ونقل عبء الإثبات على عاتق المتهم.
(5) كسب غير مشروع. قانون "تفسيره". نقض "حالات الطعن. الخطأ فى تطبيق القانون".
النص فى الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم 62 لسنة 1975 فى شأن الكسب غير المشروع على اعتبار كل زيادة فى الثروة تطرأ بعد تولى الخدمة أو قيام الصفة على الخاضع للقانون أو على زوجة أو أولاده القصر. كسبًا غير مشروع. متى كانت لا تتناسب مع مواردهم وعجز عن إثبات مصدر مشروع لها. مؤداه: إقامة قرينة مبناها افتراض حصول الكسب غير المشروع ونقل عبء الإثبات إلى المتهم. كلاهما ممتنع لمخالفته للدستور. مخالفة الحكم المطعون فيه هذا النظر. خطأ فى تطبيق القانون. أساس وعلة ذلك؟
(6) نقض "حالات الطعن. الخطأ فى تطبيق القانون" "الطعن للمرة الثانية" "نظر الطعن والحكم فيه".
اقتصار العيب الذى شاب الحكم عند الطعن فيه للمرة الثانية على الخطأ فى تطبيق القانون. لمحكمة النقض أن تصحح الخطأ دون حاجة لتحديد جلسة لنظر الموضوع. أساس ذلك؟
(7) كسب غير مشروع. رد.
الأمر بالرد فى مواجهة زوجة المتهم وأولاده القصر. يتوقف على صدور حكم بإدانة الزوج فى جريمة الكسب غير المشروع ويدور معه وجودًا وعدمًا. مؤدى وأساس ذلك؟
نقض الحكم الصادر بإدانة الزوج والقضاء ببراءته. يوجب إلغاء أمر الرد فى مواجهة الزوجة وأولاده القصر.
1 - من المقرر أن التشريع يتدرج درجات ثلاث هى الدستور ثم التشريع العادى ثم التشريع الفرعى أو اللائحة، وهذا التدرج فى القوة ينبغى أن يسلم منطقًا إلى خضوع التشريع الأدنى للتشريع الأعلى، ولا خلاف على حق المحاكم فى الرقابة الشكلية للتأكد من توافر الشكل الصحيح للتشريع الأدنى كما يحدده التشريع الأعلى أى للتأكد من تمام سنه بواسطة السلطة المختصة وتمام إصداره ونشره وفوات الميعاد الذى يبدأ منه نفاذه، فإن لم يتوافر هذا الشكل تعين على المحاكم الامتناع عن تطبيقه. أما من حيث رقابة صحة التشريع الأدنى من حيث الموضوع، فقد جاء اللبس حول سلطة المحاكم فى الامتناع عن تطبيق تشريع أدنى مخالف لتشريع أعلى إزاء ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 175 من الدستور القائم بقولها "تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح وتتولى تفسير النصوص التشريعية وذلك كله على الوجه المبين فى القانون."ولا جدال أنه على ضوء النص الدستورى سالف البيان فإن اختصاص المحكمة الدستورية العليا المنفرد بالحكم بعدم دستورية النص التشريعى المطعون فيه أو إلى دستوريته لا يشاركها فيه سواها، وحجية الحكم فى هذه الحالة مطلقة تسرى فى مواجهة الكافة. على أنه فى ذات الوقت للقضاء العادى التأكد من شرعية أو قانونية التشريع الأدنى بالتثبت من عدم مخالفته للتشريع الأعلى، فإن ثبت له هذه المخالفة اقتصر دوره على مجرد الامتناع عن تطبيق التشريع الأدنى المخالف للتشريع الأعلى دون أن يملك إلغاءه أو القضاء بعدم دستوريته وحجية الحكم فى هذه الحالة نسبية قاصرة على أطراف النزاع دون غيرهم، ويستند هذا الاتجاه إلى أن القضاء ملزم بتطبيق أحكام الدستور وأحكام القانون على حد سواء، غير أنه حين يستحيل تطبيقهما معًا لتعارض أحكامهما، فلا مناص من تطبيق أحكام الدستور دون أحكام القانون إعمالاً لقاعدة تدرج التشريع وما يحتمه منطقها من سيادة التشريع الأعلى على التشريع الأدنى كما يؤيد هذا النظر ما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا بأنه لا شأن للرقابة الدستورية بالتناقض بين قاعدتين قانونيتين من مرتبة واحدة أو مرتبتين مختلفتين، كما لا يمتد اختصاص المحكمة لحالات التعارض بين اللوائح والقوانين ولا بين التشريع ذات المرتبة الواحدة، وإن هذا القول مجرد امتداد لما انعقد عليه الإجماع من حق المحاكم فى رقابة قانونية اللوائح أو شرعيتها وما جرى عليه قضاء محكمة النقض من الامتناع عن تطبيق اللائحة المخالفة للقانون بينما يختص القضاء الإدارى بإلغاء هذه اللائحة، ومن غير المقبول أن يقرر هذا الحق للقضاء العادى بينما يمنع من رقابة مدى اتفاق القوانين مع قواعد الدستور وعدم مخالفتها له، فهذان النوعان من الرقابة القضائية ليسا إلا نتيجتين متلازمتين لقاعدة تدرج التشريع، وليس من المنطق - بل يكون من المتناقض - التسليم بإحدى النتيجتين دون الأخرى، فما ينسحب على التشريع الفرعى من تقرير رقابة قانونيته أو شرعيته، ينبغى أن ينسحب كذلك على التشريع العادى بتخويل المحاكم حق الامتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور، فضلا عن أن تخويل المحاكم هذا الحق يؤكد مبدأ الفصل بين السلطات، لأنه يمنع السلطة التشريعية من أن تفرض على السلطة القضائية قانونًا تُسنه على خلاف الدستور وتجبرها بذلك على تطبيقه، مما يخل باستقلالها ويحد من اختصاصها فى تطبيق القواعد القانونية والتى على رأسها قواعد الدستور. ويؤكد هذا النظر أيضًا أن الدستور فى المادة 175 منه أناط بالمحكمة الدستورية العليا حق تفسير النصوص التشريعية وأوضحت المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا حق جهات القضاء الأخرى فى هذا الاختصاص بقولها: كما أن هذا الاختصاص لا يصادر حق جهات القضاء الأخرى جميعًا فى تفسير القوانين وإنزال تفسيرها على الواقعة المعروضة عليها مادام لم يصدر بشأن النص المطروح أمامها تفسير ملزم سواء من السلطة التشريعية أو من المحكمة الدستورية العليا." فرغم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بالتفسير الملزم للكافة فإن المشرع لم يسلب هذا الحق من المحاكم مادام لم يصدر قرار بالتفسير من المحكمة الدستورية العليا أو من السلطة التشريعية وهو ذات الشأن بالنسبة لامتناع المحاكم عن تطبيق القانون المخالف للدستور مادام لم يصدر من المحكمة الدستورية العليا حكم بدستورية النص القانونى أو عدم دستوريته.
2 - لما كان قضاء هذه المحكمة - محكمة النقض - قد جرى على أنه لما كان الدستور هو القانون الوضعى الأسمى صاحب الصدارة على ما دونه من تشريعات يجب أن تنزل على أحكامه فإذا تعارضت هذه مع تلك وجب التزام أحكام الدستور وإهدار ما سواها يستوى فى ذلك أن يكون التعارض سابقًا أم لاحقًا على العمل بالدستور. لما هو مقرر من أنه لا يجوز لسلطة أدنى فى مدارج التشريع أن تلغى أو تعدل أو تخالف تشريعًا صادرًا من سلطة أعلى فإذا فعلت السلطة الأدنى ذلك تعين على المحكمة أن تلتزم تطبيق التشريع صاحب السمو والصدارة ألا وهو الدستور وإهدار ما عداه من أحكام متعارضة معه أو مخالفة له إذ تعتبر منسوخة بقوة الدستور ذاته. هذا وقد أيدت المحكمة الدستورية العليا هذا الاتجاه بطريق غير مباشر وذلك عندما قضت محكمة النقض بتاريخ 24 من مارس سنة 1975 باعتبار المادة 47 من قانون الإجراءات الجنائية تخالف نص المادة 44 من الدستور واعتبرتها منسوخة بقوة الدستور ثم جاءت المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 2 من يونيو سنة 1984 وقضت بعدم دستورية المادة 47 من قانون الإجراءات الجنائية فى القضية رقم 5 لسنة 4 قضائية دستورية ولم تذهب المحكمة الدستورية العليا إلى القول بأن قضاء محكمة النقض السابق جاوز اختصاصه أو فيه اعتداء على سلطة المحكمة العليا التى كانت قائمة قبل المحكمة الدستورية العليا وبذات الاختصاص. كما صدر بتاريخ 15 من سبتمبر سنة 1993 حكم آخر لمحكمة النقض باعتبار المادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية منسوخة بقوة الدستور لمخالفتها المادة 41 منه ولم يصدر حكم للمحكمة الدستورية العليا بعد فى هذا الشأن. وخلاصة ما سلف إيراده أنه فى الأحوال التى يرى فيها القضاء العادى أن القانون قد نسخه الدستور بنص صريح، لا يعتبر حكمه فاصلاً فى مسألة دستورية، ولا يحوز هذا الحكم بذلك سوى حجية نسبية فى مواجهة الخصوم دون الكافة.
3 - لما كان قضاء محكمة النقض قد جرى أيضًا على أن الشرعية الإجرائية سواء ما اتصل منها بحيدة المحقق أو بكفالة الحرية الشخصية والكرامة البشرية للمتهم ومراعاة حقوق الدفاع، أو ما اتصل بوجوب التزام الحكم بالإدانة بمبدأ مشروعية الدليل وعدم مناهضته لأصل دستورى مقرر، جميعها ثوابت قانونية أعلاها الدستور والقانون وحرص على حمايتها القضاء ليس فقط لمصلحة خاصة بالمتهم وإنما بحسبانها فى المقام الأول تستهدف مصلحة عامة تتمثل فى حماية قرينة البراءة وتوفير اطمئنان الناس إلى عدالة القضاء، فالغلبة للشرعية الإجرائية ولو أدى إعمالها لإفلات مجرم من العقاب وذلك لاعتبارات أسمى تغياها الدستور والقانون.
4 - وكان قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى أيضًا على أن افتراض براءة المتهم وصون الحرية الشخصية من كل عدوان عليها أصلان كفلهما الدستور بالمادتين 41، 67 فلا سبيل لدحض أصل البراءة بغير الأدلة التى تقيمها النيابة العامة وتبلغ قوتها الإقناعية مبلغ الجزم واليقين مثبتة بها الجريمة التى نسبتها إلى المتهم فى كل ركن من أركانها وبالنسبة لكل واقعة ضرورية لقيامها وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة إذ هو من الركائز التى يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة. وهذا القضاء تمشيًا مع ما نصت عليه المادة 67 من الدستور من أن "المتهم بريء حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه" ومفاد هذا النص الدستورى أن الأصل فى المتهم البراءة وأن إثبات التهمة قبله يقع على عاتق النيابة العامة فعليها وحدها عبء تقديم الدليل، ولا يلزم المتهم بتقديم أى دليل على براءته، كما لا يملك المشرع أن يفرض قرائن قانونية لإثبات التهمة أو لنقل عبء الإثبات على عاتق المتهم. ولقد تواترت أحكام المحكمة الدستورية العليا على القضاء بعدم دستورية القوانين التى تخالف هذا المبدأ وعلى سبيل المثال ما قررته المادة 195 من قانون العقوبات، وما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941 بقمع التدليس والغش، وما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 15 من قانون الأحزاب السياسية، وما نصت عليه المادة 121 من قانون الجمارك الصادر بالقرار بقانون رقم 66 لسنة 1963، وكذلك ما نصت عليه المواد 37، 38، 117 من قانون الجمارك سالف الإشارة، وكذلك ما نصت عليه المواد 2، 10، 11، 12، 14، 14 مكرر من القانون رقم 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها. كما قضت محكمة النقض فى الطعن رقم 22064 لسنة 63 ق بتاريخ 22 من يوليه سنة 1998 باعتبار الفقرة التاسعة من المادة 47 من قانون الضريبة العامة على المبيعات رقم 11 لسنة 1991 منسوخًا ضمنًا بقوة الدستور وجميع هذه النصوص ذات قاسم مشترك فى أنها خالفت قاعدة أصل البراءة المنصوص عليها فى الدستور ونقلت عبء الإثبات على عاتق المتهم.
5 - لما كان القانون رقم 62 لسنة 1975 فى شأن الكسب غير المشروع إذ نص فى الفقرة الثانية من المادة الثانية منه على أن "وتعتبر ناتجة بسبب استغلال الخدمة أو الصفة أو السلوك المخالف كل زيادة فى الثروة تطرأ بعد تولى الخدمة أو قيام الصفة على الخاضع لهذا القانون أو على زوجه أو أولاده القصر متى كانت لا تتناسب مع مواردهم وعجز عن إثبات مصدر مشروع لها"، يكون قد أقام قرينة مبناها افتراض حصول الكسب غير المشروع بسبب استغلال الخدمة إذا طرأت زيادة فى ثروة الخاضع لا تتناسب مع موارده متى عجز عن إثبات مصدر مشروع لها، ونقل إلى المتهم عبء إثبات براءته، وكلاهما ممتنع لمخالفته المبادئ الأساسية المقررة بالمادة 67 من الدستور على نحو ما جرى تبيانه وفقًا لقضاء كل من محكمة النقض والمحكمة الدستورية العليا فى النصوص التشريعية المشابهة والتى انتهت محكمة النقض إلى عدم إعمالها وإهمالها لمخالفتها للدستور، بينما انتهت المحكمة الدستورية العليا إلى القضاء بعدم دستورية تلك النصوص لمخالفتها أيضًا للدستور. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن الأول لعجزه عن إثبات مصدر مشروع لما طرأ على ثروته من زيادة لا تتناسب مع موارده يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون لأنه قام على افتراض ارتكاب المتهم للفعل المؤثم وهو الكسب غير المشروع لمجرد عجزه عن إثبات مصدر الزيادة فى ثروته، وكان الحكم المطعون فيه إذ دان المتهم بناء على هذا الافتراض الظنى وقلب عبء الإثبات مستندًا إلى دليل غير مشروع وقرينة فاسدة تناقض الثوابت الدستورية التى تقضى بافتراض أصل البراءة ووجوب بناء الحكم بالإدانة على الجزم واليقين لا على الافتراض والتخمين.
6 - لما كان العيب الذى شاب الحكم - عند الطعن فيه لثانى مرة - مقصورًا على الخطأ فى تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم فإنه يتعين حسب القاعدة الأصولية المنصوص عليها فى المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، أن تحكم محكمة النقض وتصحح الخطأ وتحكم بمقتضى القانون دون حاجة إلى تحديد جلسة لنظر الموضوع، ومن ثم يتعين نقض الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعن الأول مما أسند إليه.
7 - لما كانت الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون رقم 62 لسنة 1975 فى شأن الكسب غير المشروع تنص على أن "كل من حصل لنفسه أو لغيره على كسب غير مشروع يعاقب بالسجن وبغرامة مساوية لقيمة الكسب غير المشروع فضلاً عن الحكم برد هذا الكسب". وتنص الفقرة الثالثة من المادة ذاتها على أن "وعلى المحكمة أن تأمر فى مواجهة الزوجة والأولاد القصر الذين استفادوا من الكسب غير المشروع بتنفيذ الحكم بالرد فى أموال كل منهم بقدر ما استفاد" وهو ما يدل على أن إصدار الأمر - متقدم المساق - إذا توافرت موجباته، يتوقف على صدور حكم بإدانة الزوج الحاصل على كسب غير مشروع مرتبط به ويدور معه وجودًا وعدمًا، بحيث لا يتصور صدوره إلا إذا صدر حكم بإدانة الزوج ولا تكون له قائمة إذا ما ألغى الحكم المذكور ومن ثم مادامت المحكمة قد انتهت - على ما سلف - إلى براءة الطاعن الأول فإنه يتعين إلغاء الأمر بالرد فى مواجهة باقى الطاعنين.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن الأول بأنه بصفته من العاملين فى الجهاز الإدارى فى الدولة "نائبًا لوزير الشباب والرياضة ثم رئيس للمجلس الأعلى للشباب والرياضة ثم وزيرًا للشباب والرياضة ثم محافظًا للجيزة" حصل لنفسه ولزوجته....... وولديه القاصرين....... على كسب غير مشروع بسبب استغلاله للوظائف التى تولاها سالفة الذكر مما أدى إلى زيادة طارئة فى ثروته قيمتها 556790.876 "خمسمائة وستة وخمسون ألفا وسبعمائة وتسعون جنيهًا مصريًا وثمانمائة وستة وسبعين مليمًا 301 و22930 دولار "اثنان وعشرون ألفا وتسعمائة وثلاثون دولار أمريكي" و798 جنيه إسترلينى "سبعمائة وثمانية وتسعون جنيهًا استرليني" و50730 مارك ألمانى "خمسون ألف وسبعمائة وثلاثون مارك ألماني" ومن صور هذا الاستغلال أنه استأجر وزوجته المذكورة الشقة رقم.... بالعقار رقم..... شارع....... والتى كان يعرضها مالكها للبيع واشترى الشقة الكائنة بالعقار رقم..... شارع........ بمبلغ يقل كثيرًا عن القيمة الفعلية لهما وذلك غصبًا عن مالكهما مستندًا إلى مركزه الوظيفى كمحافظ للجيزة على النحو المفصل بالتحقيقات وقد جاءت هذه الزيادة فى ثروته بالقدر سالف البيان بما لا يتناسب مع موارده المالية وعجزه عن إثبات مصدر مشروع لها على الوجه الذى كشفت عنه التحقيقات. وأحالته إلى محكمة جنايات..... لمحاكمته طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضوريًا عملاً بالمواد 1/ 1، 2 و18/ 1، 2، 3 من القانون رقم 62 لسنة 1975 فى شأن الكسب غير المشروع أولاً: بمعاقبة....... بالحبس مع الشغل لمدة سنة وبتغريمه 99231.470 جنيهًا "تسعة وتسعين ألفا ومائتين وواحد وثلاثين جنيهًا وأربعمائة وسبعين مليمًا" وبإلزامه بأن يرد للخزانة العامة للدولة مبلغ 99231.470 جنيهًا "تسعة وتسعين ألفا ومائتين وواحد وثلاثين جنيهًا وأربعمائة وسبعين مليمًا" وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس فقط. ثانيًا: أمرت المحكمة فى مواجهة كل من..... زوجة المحكوم عليه وولديه القاصرين..... بتنفيذ الحكم برد مبلغ 99231.470 جنيهًا "تسعة وتسعين ألفا ومائتين وواحد وثلاثين جنيهًا وأربعمائة وسبعين مليمًا" فى أموال كل منهم بقدر ما استفاد من الكسب غير المشروع.
فطعن المحكوم عليهم فى هذا الحكم بطريق النقض. وهذه المحكمة - محكمة النقض - قضت بقبول طعن الأول شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات..... لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى بالنسبة له ولباقى الطاعنين. ومحكمة الإعادة - بهيئة مغايرة - قضت حضوريًا عملاً بالمواد 1/ 1، 2، 5، 10/ 1، 14/ 2، 18/ 1، 2، 3 من القانون رقم 62 لسنة 1975 فى شأن الكسب غير المشروع أولاً: بمعاقبة........ بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وبتغريمه 99231.470 جنيهًا "تسعة وتسعين ألفا ومائتين وواحد وثلاثين جنيهًا وأربعمائة وسبعين مليمًا" وبإلزامه بأن يرد إلى الخزانة العامة مبلغ 99231.470 جنيهًا "تسعة وتسعين ألفًا ومائتين وواحد وثلاثين جنيهًا وأربعمائة وسبعين مليمًا" وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس فقط. ثانيًا: أمرت المحكمة فى مواجهة كل من.......... زوجة المحكوم عليه سالف الذكر وولديه......... وقت أن كانا قاصرين برد مبلغ 99231.470 جنيهًا "تسعة وتسعين ألفًا ومائتين وواحد وثلاثين جنيهًا وأربعمائة وسبعين مليمًا" من أموال كل منهم بقدر ما استفاد من الكسب غير المشروع.
فطعن كل من الأستاذين.........،......... المحاميين بصفة كل منهما وكيلاً عن المحكوم عليهم فى هذا الحكم بطريق النقض "للمرة الثانية"...... إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه إنه إذ دان الأول بجريمة الكسب غير المشروع وألزم الباقين بالرد بقدر ما استفاد كل منهم، قد شابه الخطأ فى تطبيق القانون، ذلك لأن نص الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم 62 لسنة 1975 فى شأن الكسب غير المشروع التى دين بها الطاعن الأول يخالف الدستور إذ أهدر أصل البراءة المنصوص عليها فى المادة 67 من الدستور بما يعيبه ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن البين من الأوراق أن الدعوى الجنائية أقيمت على الطاعن الأول بوصف أنه خلال الفترة من سنة..... بدائرة محافظة الجيزة: بصفته من العاملين فى الجهاز الإدارى فى الدولة ونائبًا لوزير الشباب والرياضة ثم رئيسًا للمجلس الأعلى للشباب والرياضة ثم وزيرًا للشباب والرياضة ثم محافظًا للجيزة حصل لنفسه ولزوجته..... وولديه القاصرين...... على كسب غير مشروع بسبب استغلاله للوظائف التى تولاها سالفة الذكر مما أدى إلى زيادة طارئة فى ثروته بما لا يتناسب مع موارده المالية وعجز عن إثبات مصدر مشروع لها، ومحكمة جنايات..... قضت فى..... بمعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وبتغريمه ما يوازى ما طرأ على ثروته من زيادة وبرد مثل ذلك المبلغ من أموال كل منهم بقدر ما استفاد من هذا الكسب وذلك عملاً بالفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم 62 لسنة 1975 فى شأن الكسب غير المشروع مع إيقاف تنفيذ عقوبة الحبس فقط.
من حيث إن التشريع يتدرج درجات ثلاث هى الدستور ثم التشريع العادى ثم التشريع الفرعى أو اللائحة، وهذا التدرج فى القوة ينبغى أن يسلم منطقًا إلى خضوع التشريع الأدنى للتشريع الأعلى، ولا خلاف على حق المحاكم فى الرقابة الشكلية للتأكد من توافر الشكل الصحيح للتشريع الأدنى كما يحدده التشريع الأعلى أى للتأكد من تمام سنه بواسطة السلطة المختصة وتمام إصداره ونشره وفوات الميعاد الذى يبدأ منه نفاذه، فإن لم يتوافر هذا الشكل تعين على المحاكم الامتناع عن تطبيقه. أما من حيث رقابة صحة التشريع الأدنى من حيث الموضوع، فقد جاء اللبس حول سلطة المحاكم فى الامتناع عن تطبيق تشريع أدنى مخالف لتشريع أعلى إزاء ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 175 من الدستور القائم بقولها: تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح وتتولى تفسير النصوص التشريعية وذلك كله على الوجه المبين فى القانون." ولا جدال أنه على ضوء النص الدستورى سالف البيان فإن اختصاص المحكمة الدستورية العليا المنفرد بالحكم بعدم دستورية النص التشريعى المطعون فيه أو إلى دستوريته لا يشاركها فيه سواها، وحجية الحكم فى هذه الحالة مطلقة تسرى فى مواجهة الكافة. على أنه فى ذات الوقت للقضاء العادى التأكد من شرعية أو قانونية التشريع الأدنى بالتثبت من عدم مخالفته للتشريع الأعلى، فإن ثبت له هذه المخالفة اقتصر دوره على مجرد الامتناع عن تطبيق التشريع الأدنى المخالف للتشريع الأعلى دون أن يملك إلغاءه أو القضاء بعدم دستوريته وحجية الحكم فى هذه الحالة نسبية قاصرة على أطراف النزاع دون غيرهم، ويستند هذا الاتجاه إلى أن القضاء ملزم بتطبيق أحكام الدستور وأحكام القانون على حد سواء، غير أنه حين يستحيل تطبيقهما معًا لتعارض أحكامهما، فلا مناص من تطبيق أحكام الدستور دون أحكام القانون إعمالاً لقاعدة تدرج التشريع وما يحتمه منطقها من سيادة التشريع الأعلى على التشريع الأدنى كما يؤيد هذا النظر ما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا بأنه لا شأن للرقابة الدستورية بالتناقض بين قاعدتين قانونيتين من مرتبة واحدة أو مرتبتين مختلفتين، كما لا يمتد اختصاص المحكمة لحالات التعارض بين اللوائح والقوانين ولا بين التشريع ذات المرتبة الواحدة، وإن هذا القول مجرد امتداد لما انعقد عليه الإجماع من حق المحاكم فى رقابة قانونية اللوائح أو شرعيتها وما جرى عليه قضاء محكمة النقض من الامتناع عن تطبيق اللائحة المخالفة للقانون بينما يختص القضاء الإدارى بإلغاء هذه اللائحة، ومن غير المقبول أن يقرر هذا الحق للقضاء العادى بينما يمنع من رقابة مدى اتفاق القوانين مع قواعد الدستور وعدم مخالفتها له، فهذان النوعان من الرقابة القضائية ليسا إلا نتيجتين متلازمتين لقاعدة تدرج التشريع، وليس من المنطق - بل يكون من المتناقض - التسليم بإحدى النتيجتين دون الأخرى، فما ينسحب على التشريع الفرعى من تقرير رقابة قانونيته أو شرعيته، ينبغى أن ينسحب كذلك على التشريع العادى بتخويل المحاكم حق الامتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور، فضلا عن أن تخويل المحاكم هذا الحق يؤكد مبدأ الفصل بين السلطات، لأنه يمنع السلطة التشريعية من أن تفرض على السلطة القضائية قانونًا تُسنه على خلاف الدستور وتجبرها بذلك على تطبيقه، مما يخل باستقلالها ويحد من اختصاصها فى تطبيق القواعد القانونية والتى على رأسها قواعد الدستور. ويؤكد هذا النظر أيضًا أن الدستور فى المادة 175 منه أناط بالمحكمة الدستورية العليا حق تفسير النصوص التشريعية وأوضحت المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا حق جهات القضاء الأخرى فى هذا الاختصاص بقولها: "كما أن هذا الاختصاص لا يصادر حق جهات القضاء الأخرى جميعًا فى تفسير القوانين وإنزال تفسيرها على الواقعة المعروضة عليها مادام لم يصدر بشأن النص المطروح أمامها تفسير ملزم سواء من السلطة التشريعية أو من المحكمة الدستورية العليا" فرغم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بالتفسير الملزم للكافة فإن المشرع لم يسلب هذا الحق من المحاكم مادام لم يصدر قرار بالتفسير من المحكمة الدستورية العليا أو من السلطة التشريعية وهو ذات الشأن بالنسبة لامتناع المحاكم عن تطبيق القانون المخالف للدستور مادام لم يصدر من المحكمة الدستورية العليا حكم بدستورية النص القانونى أو عدم دستوريته. لما كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة - محكمة النقض - قد جرى على أنه لما كان الدستور هو القانون الوضعى الأسمى صاحب الصدارة على ما دونه من تشريعات يجب أن تنزل على أحكامه فإذا تعارضت هذه مع تلك وجب التزام أحكام الدستور وإهدار ما سواها يستوى فى ذلك أن يكون التعارض سابقًا أم لاحقًا على العمل بالدستور. لما هو مقرر من أنه لا يجوز لسلطة أدنى فى مدارج التشريع أن تلغى أو تعدل أو تخالف تشريعًا صادرًا من سلطة أعلى فإذا فعلت السلطة الأدنى ذلك تعين على المحكمة أن تلتزم تطبيق التشريع صاحب السمو والصدارة ألا وهو الدستور وإهدار ما عداه من أحكام متعارضة معه أو مخالفة له إذ تعتبر منسوخة بقوة الدستور ذاته. هذا وقد أيدت المحكمة الدستورية العليا هذا الاتجاه بطريق غير مباشر وذلك عندما قضت محكمة النقض بتاريخ 24 من مارس سنة 1975 باعتبار المادة 47 من قانون الإجراءات الجنائية تخالف نص المادة 44 من الدستور واعتبرتها منسوخة بقوة الدستور ثم جاءت المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 2 من يونيو سنة 1984 وقضت بعدم دستورية المادة 47 من قانون الإجراءات الجنائية فى القضية رقم 5 لسنة 4 قضائية دستورية ولم تذهب المحكمة الدستورية العليا إلى القول بأن قضاء محكمة النقض السابق جاوز اختصاصه أو فيه اعتداء على سلطة المحكمة العليا التى كانت قائمة قبل المحكمة الدستورية العليا وبذات الاختصاص. كما صدر بتاريخ 15 من سبتمبر سنة 1993 حكم آخر لمحكمة النقض باعتبار المادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية منسوخة بقوة الدستور لمخالفتها المادة 41 منه ولم يصدر حكم للمحكمة الدستورية العليا بعد فى هذا الشأن. وخلاصة ما سلف إيراده أنه فى الأحوال التى يرى فيها القضاء العادى أن القانون قد نسخه الدستور بنص صريح، لا يعتبر حكمه فاصلاً فى مسألة دستورية، ولا يحوز هذا الحكم بذلك سوى حجية نسبية فى مواجهة الخصوم دون الكافة. لما كان ما تقدم، وكان قضاء محكمة النقض قد جرى أيضًا على أن الشرعية الإجرائية سواء ما اتصل منها بحيدة المحقق أو بكفالة الحرية الشخصية والكرامة البشرية للمتهم ومراعاة حقوق الدفاع، أو ما اتصل بوجوب التزام الحكم بالإدانة بمبدأ مشروعية الدليل وعدم مناهضته لأصل دستورى مقرر، جميعها ثوابت قانونية أعلاها الدستور والقانون وحرص على حمايتها القضاء ليس فقط لمصلحة خاصة بالمتهم وإنما بحسبانها فى المقام الأول تستهدف مصلحة عامة تتمثل فى حماية قرينة البراءة وتوفير اطمئنان الناس إلى عدالة القضاء، فالغلبة للشرعية الإجرائية ولو أدى إعمالها لإفلات مجرم من العقاب وذلك لاعتبارات أسمى تغياها الدستور والقانون. لما كان ذلك، وكان قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى أيضًا على أن افتراض براءة المتهم وصون الحرية الشخصية من كل عدوان عليها أصلان كفلهما الدستور بالمادتين 41، 67 فلا سبيل لدحض أصل البراءة بغير الأدلة التى تقيمها النيابة العامة وتبلغ قوتها الإقناعية مبلغ الجزم واليقين مثبتة بها الجريمة التى نسبتها إلى المتهم فى كل ركن من أركانها وبالنسبة لكل واقعة ضرورية لقيامها وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة إذ هو من الركائز التى يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة. وهذا القضاء تمشيًا مع ما نصت عليه المادة 67 من الدستور من أن "المتهم بريء حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه" ومفاد هذا النص الدستورى أن الأصل فى المتهم البراءة وأن إثبات التهمة قبله يقع على عاتق النيابة العامة فعليها وحدها عبء تقديم الدليل، ولا يلزم المتهم بتقديم أى دليل على براءته، كما لا يملك المشرع أن يفرض قرائن قانونية لإثبات التهمة أو لنقل عبء الإثبات على عاتق المتهم. ولقد تواترت أحكام المحكمة الدستورية العليا على القضاء بعدم دستورية القوانين التى تخالف هذا المبدأ وعلى سبيل المثال ما قررته المادة 195 من قانون العقوبات، وما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941 بقمع التدليس والغش، وما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 15 من قانون الأحزاب السياسية، وما نصت عليه المادة 121 من قانون الجمارك الصادر بالقرار بقانون رقم 66 لسنة 1963، وكذلك ما نصت عليه المواد 37، 38، 117 من قانون الجمارك سالف الإشارة، وكذلك ما نصت عليه المواد 2، 10، 11، 12، 14، 14 مكرر من القانون رقم 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها. كما قضت محكمة النقض فى الطعن رقم 22064 لسنة 63 ق بتاريخ 22 من يوليه سنة 1998 باعتبار الفقرة التاسعة من المادة 47 من قانون الضريبة العامة على المبيعات رقم 11 لسنة 1991 منسوخًا ضمنًا بقوة الدستور وجميع هذه النصوص ذات قاسم مشترك فى أنها خالفت قاعدة أصل البراءة المنصوص عليها فى الدستور ونقلت عبء الإثبات على عاتق المتهم. لما كان ذلك، وكان القانون رقم 62 لسنة 1975 فى شأن الكسب غير المشروع إذ نص فى الفقرة الثانية من المادة الثانية منه على أن "وتعتبر ناتجة بسبب استغلال الخدمة أو الصفة أو السلوك المخالف كل زيادة فى الثروة تطرأ بعد تولى الخدمة أو قيام الصفة على الخاضع لهذا القانون أو على زوجه أو أولاده القصر متى كانت لا تتناسب مع مواردهم وعجز عن إثبات مصدر مشروع لها."، يكون قد أقام قرينة مبناها افتراض حصول الكسب غير المشروع بسبب استغلال الخدمة إذا طرأت زيادة فى ثروة الخاضع لا تتناسب مع موارده متى عجز عن إثبات مصدر مشروع لها، ونقل إلى المتهم عبء إثبات براءته، وكلاهما ممتنع لمخالفته المبادئ الأساسية المقررة بالمادة 67 من الدستور على نحو ما جرى تبيانه وفقًا لقضاء كل من محكمة النقض والمحكمة الدستورية العليا فى النصوص التشريعية المشابهة والتى انتهت محكمة النقض إلى عدم إعمالها وإهمالها لمخالفتها للدستور، بينما انتهت المحكمة الدستورية العليا إلى القضاء بعدم دستورية تلك النصوص لمخالفتها أيضًا للدستور. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن الأول لعجزه عن إثبات مصدر مشروع لما طرأ على ثروته من زيادة لا تتناسب مع موارده يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون لأنه قام على افتراض ارتكاب المتهم للفعل المؤثم وهو الكسب غير المشروع لمجرد عجزه عن إثبات مصدر الزيادة فى ثروته، وكان الحكم المطعون فيه إذ دان المتهم بناء على هذا الافتراض الظنى وقلب عبء الإثبات مستندًا إلى دليل غير مشروع وقرينة فاسدة تناقض الثوابت الدستورية التى تقضى بافتراض أصل البراءة ووجوب بناء الحكم بالإدانة على الجزم واليقين لا على الافتراض والتخمين، ولما كان العيب الذى شاب الحكم - عند الطعن فيه لثانى مرة - مقصورًا على الخطأ فى تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم فإنه يتعين حسب القاعدة الأصولية المنصوص عليها فى المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، أن تحكم محكمة النقض وتصحح الخطأ وتحكم بمقتضى القانون دون حاجة إلى تحديد جلسة لنظر الموضوع، ومن ثم يتعين نقض الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعن الأول مما أسند إليه. لما كان ذلك، وكانت الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون رقم 62 لسنة 1975 فى شأن الكسب غير المشروع تنص على أن "كل من حصل لنفسه أو لغيره على كسب غير مشروع يعاقب بالسجن وبغرامة مساوية لقيمة الكسب غير المشروع فضلاً عن الحكم برد هذا الكسب". وتنص الفقرة الثالثة من المادة ذاتها على أن "وعلى المحكمة أن تأمر فى مواجهة الزوجة والأولاد القصر الذين استفادوا من الكسب غير المشروع بتنفيذ الحكم بالرد فى أموال كل منهم بقدر ما استفاد". وهو ما يدل على أن إصدار الأمر - متقدم المساق - إذا توافرت موجباته، يتوقف على صدور حكم بإدانة الزوج الحاصل على كسب غير مشروع مرتبط به ويدور معه وجودًا وعدمًا، بحيث لا يتصور صدوره إلا إذا صدر حكم بإدانة الزوج ولا تكون له قائمة إذا ما ألغى الحكم المذكور ومن ثم مادامت المحكمة قد انتهت - على ما سلف - إلى براءة الطاعن الأول فإنه يتعين إلغاء الأمر بالرد فى مواجهة باقى الطاعنين.