أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 54 - الجزء الأول - صـ 402

جلسة 10 من مارس سنة 2003

برئاسة السيد المستشار/ حسن حمزة نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ فتحى حجاب، جاب الله محمد جاب الله نواب رئيس المحكمة، أحمد عبد الودود ومحمد خير الدين.

(43)
الطعن رقم 12655 لسنة 69 القضائية

(1) إثبات "قرائن". دستور. تلبس. قبض. تفتيش "بطلانه". نقض "حالات الطعن. الخطأ فى تطبيق القانون".
الدستور هو القانون الوضعى صاحب الصدارة. وجوب إعماله وإهدار الأحكام المتعارضة معه أو المخالفة له.
الحرية الشخصية حق طبيعى مصونة لا تمس. عدم جواز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته. حد ذلك: ضرورة يستلزمها التحقيق وصيانة أمن المجتمع. أساس ذلك؟
عدم جواز الاستناد على حكم المادة 49 إجراءات فى إجراء القبض والتفتيش منذ تاريخ العمل بالدستور. علة وأساس ذلك؟
حالة التلبس. مناط توافرها؟
تساند الحكم فى تسويغ القبض على الطاعنة وتفتيشها إلى وجود قرائن ضدها أثناء تواجدها بمنزل المأذون بتفتيشه على إخفائها شيئًا يفيد فى كشف الحقيقة وإعمالاً للمادة 49 إجراءات. خطأ فى القانون. أساس ذلك؟
شرط تفتيش مأمور الضبط القضائى للمتهم أو غيره من الموجودين بالمكان المأذون له بتفتيشه؟
تفتيش مأمور الضبط القضائى للكيس الذى كانت تحمله المتهمة الثانية بمنزل الطاعن استنادًا لقيامه بشراء الهيروين المخدر منها. صحيح.
الدفع ببطلان القبض والتفتيش لتمامهما وفق نص المادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية. لا محل له. علة ذلك؟
مثال.
(2) نقض "أثر الطعن".
وحدة الواقعة وحسن سير العدالة توجبان نقض الحكم للطاعن الذى لم يقبل طعنه شكلاً.
1 - الدستور هو القانون الوضعى الأسمى صاحب الصدارة وعلى ما دونه من التشريعات النزول عند أحكامه، فإذا ما تعارضت هذه وتلك وجب التزام أحكام الدستور وإهدار ما سواها، فإذا ما أورد الدستور نصًا صالحًا بذاته للإعمال بغير حاجة إلى سن تشريع أوفى لزم إعمال هذا النص فى يوم العمل به ويعتبر الحكم المخالف له فى هذه الحالة سواء كان سابقًا أو لاحقًا على العمل بالدستور قد نسخ ضمنًا بقوة الدستور نفسه لما هو مقرر من أنه لا يجوز لسلطة أدنى فى مدارج التشريع أن تلغى أو تعدل أو تخالف تشريعًا صادرًا من سلطة أعلى، فإذا فعلت السلطة الأدنى ذلك تعين على المحكمة أن تلتزم تطبيق التشريع صاحب السمو والصدارة ألا وهو الدستور إذا كان نصه قابلاً للإعمال بذاته وإهدار ما عداه من أحكام متعارضة معه أو مخالفة له إذ تعتبر منسوخة بقوة الدستور.
لما كانت المادة 41/ 1 من الدستور قد نصت على أن الحرية الشخصية حق طبيعى وهى مصونة لا تمس وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأى قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ويصدر هذا الأمر من القاضى المختص أو النيابة العامة وذلك وفقًا لأحكام القانون وكان مؤدى هذا النص أن أى قيد يرد على الحرية الشخصية بوصفها حقًا طبيعيًا من حقوق الإنسان يستوى فى ذلك أن يكون القيد قبضًا أو تفتيشًا أو حبسًا أو منعًا من التنقل أو كان دون ذلك من القيود لا يجوز إجراؤه إلا فى حالة من حالات التلبس كما هو معرف قانونًا أو بإذن من السلطات القضائية المختصة ولا يغير من ذلك عبارة "وفقًا لأحكام القانون" التى وردت فى نهاية تلك المادة بعد إيرادها الحالتين اللتين يجوز فيهما القبض والتفتيش على السياق المتقدم لأن هذه العبارة لا تعنى تفويض الشارع العادى فى إضافة حالات أخرى تبيح القبض على الشخص وتفتيشه والقول بغير ذلك يفضى إلى إمكان تعديل نص وضعه الشارع الدستورى بإرادة الشارع القانونى وهو ما لا يفيده نص المادة 41 من الدستور وإنما تشير عبارة "وفقا لأحكام القانون" إلى الإحالة إلى القانون العادى فى تحديد الجرائم التى يجوز فيها صدور الأمر بالقبض على الشخص وتفتيشه وبيان كيفية صدوره إلى غير ذلك من الإجراءات التى يتم بها القبض والتفتيش. لما كان ذلك، فإن ما قضى به الدستور فى المادة 41 منه من عدم جواز القبض والتفتيش فى غير حالة التلبس إلا بأمر يصدر من القاضى المختص أو النيابة العامة وفقا لأحكام القانون يكون حكمًا قابلاً للإعمال بذاته وما نصت عليه المادة 191 من الدستور من أن كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور يبقى صحيحًا ونافذًا ومع ذلك يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقًا للقواعد والإجراءات المقررة فى هذا الدستور لا ينصرف حكمها بداهة إلا إلى التشريع الذى لم يعتبر ملغيًا أو معدلاً بقوة نفاذ ذات الدستور ذاته بغير حاجة إلى تدخل من الشارع القانونى. لما كان ذلك، وكان مفاد ما قضى به نص المادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية من تخويل مأمور الضبط القضائى الحق فى تفتيش الشخص إذا قامت ضده أثناء تفتيش منزل المتهم قرائن قوية على أنه يخفى معه شيئًا يفيد فى كشف الحقيقة دون أن يصدر أمر قضائى ممن يملك سلطة إصداره أو أن تتوافر فى حقه حالة التلبس يخالف حكم المادة 41 من الدستور على السياق المتقدم، فإن المادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية تعتبر منسوخة ضمنًا بقوة الدستور نفسه منذ تاريخ العمل بأحكامه دون تربص صدور قانون أدنى ولا يجوز الاستناد إليها فى إجراء القبض والتفتيش منذ ذلك التاريخ.
لما كان ذلك، وكان من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن حالة التلبس تستوجب أن يتحقق مأمور الضبط القضائى من قيام الجريمة بمشاهدتها بنفسه أو إدراكها بحاسة من حواسه، وكانت الواقعة كما أوردها الحكم المطعون فيه ليس فيها ما يدل على أن الجريمة شوهدت فى حالة من حالات التلبس المبينة على سبيل الحصر بالمادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية كما خلت أيضا من بيان أن أمرًا بالقبض على الطاعنة وتفتيشها قد صدر من جهة الاختصاص، وكان الحكم المطعون فيه قد عول فى قضائه بإدانة الطاعنة على الدليل المستمد من تفتيشها الباطل لإجرائه استنادًا إلى حكم المادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية بقالة قيام قرائن قوية ضدها أثناء وجودها بمنزل المأذون بتفتيشه على أنها تخفى معها شيئًا يفيد فى كشف الحقيقة رغم أنها نسخت بالمادة 41/ 1 من الدستور فإنه يكون قد خالف القانون بعدم استبعاده الدليل المستمد من ذلك الإجراء الباطل وهو ما حجبه عن تقدير ما قد يوجد بالدعوى من أدلة أخرى.
وحيث إنه عن الدفع ببطلان القبض والتفتيش لأنهما تما إعمالاً لنص المادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية والتى نسخت بالمادة 41 من الدستور لتجاوز حدود التفتيش فمردود ذلك أن نص المادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية يستند إلى فكرة أن ما يحمله أو يخفيه المتهم أو غيره من الموجودين بالمنزل إنما يدخل فى نطاق البحث عما يوجد بالمنزل الصادر الأمر بتفتيشه وأن المقرر أنه وإن كان لمأمورى الضبط القضائى أن يفتش المتهم أو غيره من الموجودين بالمكان المأذون له بتفتيشه إلا أن شرط ذلك أن توجد قرائن قوية على أن هذا الغير يخفى شيئًا يفيد فى كشف الحقيقة أو كان وجوده ينم عن احتمال اشتراكه فى الجريمة أو كانت الأحوال التى أحاطت به توحى له بها بحكم ظاهر صلته بالمتهم الضالع فيها. لما كان ذلك، وكانت المحكمة تقتنع بما جاء بمحضر الضبط وأقوال النقيب..... بالتحقيقات أنه وجد المتهمة الثانية بمنزل المتهم وأنه قام بتفتيش الكيس البلاستيك الأسود الذى كان بحوزتها عندما علم من المتهم الأول أنه قام بشراء الهيروين المخدر من المتهمة الثانية لقاء مبلغ..... جنيهًا تم وضعه فى الكيس المذكور بمعرفة المتهمة الثانية فإن هذه الظروف تعتبر قرينة قوية على أن المتهمة الثانية إنما كانت تخفى معها شيئًا يفيد فى كشف الحقيقة مما يجيز لمأمور الضبط القضائى أن يفتشها عملاً بالمادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية ومن ثم فإن ضبط لفافات المخدرات فى الكيس البلاستيك المذكور يكون بمنأى عن البطلان ويكون تفسير نص 49 سالفة الذكر ليس معرضًا لعدم الدستورية سيما وأن النص المذكور مازال قائمًا ويعمل به حتى الآن ولم يقض بعدم دستوريته ما دام إعماله تم وفق القانون، ومن ثم يكون التفتيش قد تم صحيحًا ولم يتجاوز ضابط الواقعة حدود ذلك التفتيش ويكون هذا الدفع غير سديد.
2 - لما كان نقض الحكم بالنسبة للطاعنة يوجب نقضه بالنسبة للمحكوم عليه الآخر الذى لم يقبل طعنه شكلاً لوحدة الواقعة وحسن سير العدالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما المتهم الأول: - أحرز بقصد الاتجار جوهرًا مخدرًا (هيروين) فى غير الأحوال المصرح بها قانونًا. المتهمة الثانية: - أحرزت بقصد الاتجار جوهرًا مخدرًا (هيروين) فى غير الأحوال المصرح بها قانونًا. وأحالتهما إلى محكمة جنايات..... لمعاقبتهما طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت حضوريًا عملاً بالمواد 1، 2، 7، 38/ 2، 42/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانونين رقمى 61 لسنة 1977، 122 لسنة 1989 والبند رقم 2 من القسم الأول من الجدول رقم (1) الملحق بالقانون الأول والمستبدل بالقانون الأخير مع إعمال المادة 36 من ذات القانون بمعاقبتهما بالأشغال الشاقة لمدة ست سنوات وبتغريمهما خمسين ألف جنيه لكل وبمصادرة المخدر المضبوط باعتبار أن إحراز المخدر مجرد من القصود.
فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض..... الخ


المحكمة

وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانها بجريمة إحراز جوهر مخدر بغير قصد الاتجار أو التعاطى أو الاستعمال الشخصى وفى غير الأحوال المصرح بها قانونًا قد شابه القصور فى التسبيب - ذلك بأن المدافع عن الطاعنة دفع ببطلان القبض والتفتيش لانتفاء حالة التلبس إلا أن الحكم رد على هذا الدفع بأسباب لا تكفى لحمله وتنطوى على خطأ فى تطبيق القانون إذ استند فى رده إلى أحكام المادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية التى نسخت بالمادة 41 من الدستور، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى فى قوله "من حيث إن واقعة الدعوى حسبما استقرت فى يقين المحكمة واطمأن إليها وجدانها مستقاة من سائر أوراقها وما تم فيها من تحقيقات وما دار بشأنها بجلسة المحاكمة تتحصل فى أن النقيب ..... الضابط بإدارة مكافحة مخدرات..... علم من تحرياته السرية أن المتهم الأول...... يحوز ويحرز مواد وعقاقير تخليقية مخدرة ويتخذ من مسكنه..... وسطر تحرياته بمحضر عرض على النيابة العامة التى بعد أن اطمأنت إليها أذنت له بتفتيش شخصه ومسكنه وتنفيذًا للإذن الصادر من النيابة العامة توجه وبرفقته الملازم أول..... وقوة من الشرطة السريين إلى مسكنه المأذون بتفتيشه وبالصعود إلى الطابق الأول فوق الأرضى بالعقار رقم..... وبالطرق على باب شقة المتهم الأول الواقعة على يمين الصاعد فتحت له زوجته فأعلمها بشخصيته وطبيعة مأموريته فشاهد المتهم الأول خارجًا من الحجرة الواقعة على يسار الداخل فأسرع بضبطه وشاهد المتهمة الثانية..... خارجة من ذات الحجرة التى خرج منها المتهم الأول ممسكة بيدها اليمنى كيس بلاستيك أسود فطلب منها الانتظار فجلست داخل الحجرة ووضعت الكيس بجوارها وبتفتيش المتهم الأول عثر بالجيب الأيسر العلوى للجلباب الذى يرتديه على أربع لفافات بداخل كل لفافة عشر لفافات ورقية صغيرة وبمواجهته بالمضبوطات أقر بإحرازها وبشرائها من المتهمة الثانية بمبلغ..... جنيهًا تحتفظ به داخل الكيس البلاستيك الأسود معها فالتقطه من على الأرض وبفحص محتوياته عثر على مبلغ نقدى قدره..... جنيهًا ومبلغ آخر قدره..... جنيهًا كما عثر على كيس نقود حريمى من الخرز أسود اللون بفحصه عثر بداخله على عدد ست لفافات ورقية بداخل كل لفافة منها عشر لفافات ورقية صغيرة الحجم كل منها تحوى كمية من مسحوق بيج اللون يشبه مخدر الهيروين وكذا لفافتان ورقيتان كبيرتا الحجم نسبيًا تحوى كل منها كمية من مسحوق بيج اللون يشبه مخدر الهروين وبعرض المضبوطات على المتهمة اعترفت له بإحرازها وأثبت تقرير المعامل الكيماوية أن المادة المضبوطة تزن..... جم وثبت من تحليلها أنها لمخدر الهيروين "ويبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعنة دفعت ببطلان القبض عليها وتفتيشها لأنهما تما إعمالاً لحكم المادة 49من قانون الإجراءات الجنائية التى نسخت بنص المادة 41 من الدستور ورد عليه الحكم بقوله "ومن حيث إنه عن الدفع ببطلان القبض والتفتيش لأنهما تما إعمالاً لنص المادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية والتى نسخت بالمادة 41 من الدستور لتجاوز حدود التفتيش فمردود ذلك أن نص المادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية يستند إلى فكرة أن ما يحمله أو يخفيه المتهم أو غيره من الموجودين بالمنزل إنما يدخل فى نطاق البحث عما يوجد بالمنزل الصادر الأمر بتفتيشه وأن المقرر أنه وإن كان لمأمورى الضبط القضائى أن يفتش المتهم أو غيره من الموجودين بالمكان المأذون له بتفتيشه إلا أن شرط ذلك أن توجد قرائن قوية على أن هذا الغير يخفى شيئًا يفيد فى كشف الحقيقة أو كان وجوده ينم عن احتمال اشتراكه فى الجريمة أو كانت الأحوال التى أحاطت به توحى له بها بحكم ظاهر صلته بالمتهم الضالع فيها. لما كان ذلك, وكانت المحكمة تقتنع بما جاء بمحضر الضبط وأقوال النقيب..... بالتحقيقات أنه وجد المتهمة الثانية بمنزل المتهم وأنه قام بتفتيش الكيس البلاستيك الأسود الذى كان بحوزتها عندما علم من المتهم الأول أنه قام بشراء الهيروين المخدر من المتهمة الثانية لقاء مبلغ..... جنيهًا تم وضعه فى الكيس المذكور بمعرفة المتهمة الثانية فإن هذه الظروف تعتبر قرينه قوية على أن المتهمة الثانية إنما كانت تخفى معها شيئًا يفيد فى كشف الحقيقة مما يجيز لمأمور الضبط القضائى أن يفتشها عملاً بالمادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية ومن ثم فإن ضبط لفافات المخدرات فى الكيس البلاستيك المذكور يكون بمنآى عن البطلان ويكون تفسير نص 49 سالفة الذكر ليس معرضًا لعدم الدستورية سيما وأن النص المذكور مازال قائمًا ويعمل به حتى الآن ولم يقض بعدم دستوريته ما دام إعماله تم وفق القانون ومن ثم يكون التفتيش قد تم صحيحًا ولم يتجاوز ضابط الواقعة حدود ذلك التفتيش ومن ثم يكون هذا الدفع غير سديد". لما كان ذلك، وكان الدستور هو القانون الوضعى الأسمى صاحب الصدارة وعلى ما دونه من التشريعات النزول عند أحكامه - فإذا ما تعارضت هذه وتلك وجب التزام أحكام الدستور وإهدار ما سواها، فإذا ما أورد الدستور نصًا صالحًا بذاته للإعمال بغير حاجة إلى سن تشريع أوفى لزم إعمال هذا النص فى يوم العمل به ويعتبر الحكم المخالف له فى هذه الحالة سواء كان سابقًا أو لاحقًا على العمل بالدستور قد نسخ ضمنًا بقوة الدستور نفسه لما هو مقرر من أنه لا يجوز لسلطة أدنى فى مدارج التشريع أن تلغى أو تعدل أو تخالف تشريعًا صادرًا من سلطة أعلى، فإذا فعلت السلطة الأدنى ذلك تعين على المحكمة أن تلتزم تطبيق التشريع صاحب السمو والصدارة ألا وهو الدستور إذا كان نصه قابلاً للإعمال بذاته وإهدار ما عداه من أحكام متعارضة معه أو مخالفة له إذ تعتبر منسوخة بقوة الدستور. لما كان ذلك، وكانت المادة 41/ 1 من الدستور قد نصت على أن " الحرية الشخصية حق طبيعى وهى مصونة لا تمس وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأى قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ويصدر هذا الأمر من القاضى المختص أو النيابة العامة وذلك وفقًا لأحكام القانون" وكان مؤدى هذا النص أن أى قيد يرد على الحرية الشخصية بوصفها حقًا طبيعيًا من حقوق الإنسان يستوى فى ذلك أن يكون القيد قبضًا أو تفتيشًا أو حبسًا أو منعًا من التنقل أو كان دون ذلك من القيود لا يجوز إجراؤه إلا فى حالة من حالات التلبس كما هو معرف قانونًا أو بإذن من السلطات القضائية المختصة ولا يغير من ذلك عبارة "وفقًا لأحكام القانون" التى وردت فى نهاية تلك المادة بعد إيرادها الحالتين اللتين يجوز فيهما القبض والتفتيش على السياق المتقدم لأن هذه العبارة لا تعنى تفويض الشارع العادى فى إضافة حالات أخرى تبيح القبض على الشخص وتفتيشه، والقول بغير ذلك يفضى إلى إمكان تعديل نص وضعه الشارع الدستورى بإرادة الشارع القانونى وهو ما لا يفيده نص المادة 41 من الدستور وإنما تشير عبارة "وفقا لأحكام القانون" إلى الإحالة إلى القانون العادى فى تحديد الجرائم التى يجوز فيها صدور الأمر بالقبض على الشخص وتفتيشه وبيان كيفية صدوره إلى غير ذلك من الإجراءات التى يتم بها القبض والتفتيش. لما كان ذلك، فإن ما قضى به الدستور فى المادة 41 منه من عدم جواز القبض والتفتيش فى غير حالة التلبس إلا بأمر يصدر من القاضى المختص أو النيابة العامة وفقًا لأحكام القانون يكون حكمًا قابلاً للإعمال بذاته وما نصت عليه المادة 191 من الدستور من أن كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور يبقى صحيحًا ونافذًا ومع ذلك يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقا للقواعد والإجراءات المقررة فى هذا الدستور لا ينصرف حكمها بداهة إلا إلى التشريع الذى لم يعتبر ملغيًا أو معدلاً بقوة نفاذ ذات الدستور ذاته بغير حاجة إلى تدخل من الشارع القانونى. لما كان ذلك، وكان مفاد ما قضى به نص المادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية من تخويل مأمور الضبط القضائى الحق فى تفتيش الشخص إذا قامت ضده أثناء تفتيش منزل المتهم قرائن قوية على أنه يخفى معه شيئًا يفيد فى كشف الحقيقة دون أن يصدر أمر قضائى ممن يملك سلطة إصداره أو أن تتوافر فى حقه حالة التلبس يخالف حكم المادة 41 من الدستور على السياق المتقدم، فإن المادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية تعتبر منسوخة ضمنًا بقوة الدستور نفسه منذ تاريخ العمل بأحكامه دون تربص صدور قانون أدنى ولا يجوز الاستناد إليها فى إجراء القبض والتفتيش منذ ذلك التاريخ.
لما كان ذلك، وكان من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن حالة التلبس تستوجب أن يتحقق مأمور الضبط القضائى من قيام الجريمة بمشاهدتها بنفسه أو إدراكها بحاسة من حواسه، وكانت الواقعة كما أوردها الحكم المطعون فيه ليس فيها ما يدل على أن الجريمة شوهدت فى حالة من حالات التلبس المبينة على سبيل الحصر بالمادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية كما خلت أيضًا من بيان أن أمرًا بالقبض على الطاعنة وتفتيشها قد صدر من جهة الاختصاص وكان الحكم المطعون فيه قد عول فى قضائه بإدانة الطاعنة على الدليل المستمد من تفتيشها الباطل لإجرائه استنادًا إلى حكم المادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية بقالة قيام قرائن قوية ضدها أثناء وجودها بمنزل المأذون بتفتيشه على أنها تخفى معها شيئًا يفيد فى كشف الحقيقة رغم أنها نسخت بالمادة 41/ 1 من الدستور فإنه يكون قد خالف القانون بعدم استبعاده الدليل المستمد من ذلك الإجراء الباطل وهو ما حجبه عن تقدير ما قد يوجد بالدعوى من أدلة أخرى بما يوجب نقضه والإعادة بالنسبة للطاعنة وأيضًا بالنسبة للمحكوم عليه الآخر الذى لم يقبل طعنه شكلاً لوحدة الواقعة وحسن سير العدالة.