أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 54 - الجزء الأول - صـ 554

جلسة 16 من إبريل سنة 2003

برئاسة السيد المستشار/ رضوان عبد العليم نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ حسين الجيزاوى، عبد الرؤوف عبد الظاهر، عمر الفهمى نواب رئيس المحكمة وسمير سامى.

(68)
الطعن رقم 50587 لسنة 72 القضائية

(1) أسباب الإباحة "العمل الطبى". مسئولية جنائية. أطباء.
شرط إباحة عمل الطبيب أن يكون ما يجريه مطابقا للأصول العلمية المقررة. إفراطه فى اتباعها أو مخالفتها يوقع عليه المسئولية الجنائية حسب تعمده الفعل ونتيجته أو تقصيره فى عمله.
(2) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". نقض. "أسباب الطعن. مالا يقبل منها".
لمحكمة الموضوع تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء والمفاضلة بينها والأخذ بما قد ترتاح إليه. المجادلة فيه لا تجوز أمام النقض.
(3) خطأ. مسئولية جنائية. مسئولية مدنية. محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل"
تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية فاعله جنائيًا أو مدنيًا. موضوعى.
(4) رابطة السببية. مسئولية جنائية. محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير توافر علاقة السببية".
علاقة السببية فى المواد الجنائية. علاقة مادية تبدأ بالفعل الذى قارفه الجانى وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمدًا.
(5) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل".
لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير. متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها.
(6) إثبات "خبرة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل".
عدم التزام المحكمة بإجابة طلب ندب لجنة من خبراء آخرون. مادامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هى من جانبها حاجة إلى ذلك.
(7) إجراءات "إجراءات المحاكمة".
قرار المحكمة فى صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة. تحضيرى جواز العدول عنه.
(8) حكم "بيانات حكم الإدانة" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
إشارة الحكم إلى النصوص التى آخذ المتهم بها. كفايته بيانا لمواد القانون التى حكم بمقتضاها.
(9) استئناف "نظره والحكم فيه". محكمة استئنافية. بطلان. خطأ.
قضاء الحكم المطعون فيه بتأييد الحكم المستأنف فى منطوقه. خطأ مادى. لا يبطله. طالما أنشأ لنفسه أسبابا جديدة.
1 - من المقرر أن إباحة عمل الطبيب مشروطة بأن يكون ما يجريه مطابقًا للأصول العلمية المقررة فإذا فرط فى إتباع هذه الأصول أو خالفها حقت عليه المسئولية الجنائية بحسب تعمده الفعل ونتيجته أو تقصيره وعدم تحرزه فى أداء عمله وكان ما أثبته الحكم فيما تقدم من عناصر الخطأ التى وقعت من الطاعن تكفى لحمل مسئوليته جنائيا.
2 - لمحكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء المقدمة فى الدعوى والفصل فيما يوجه إلى هذه التقارير من اعتراضات والمفاضلة بينها والأخذ بما ترتاح إليه واطراح ما عداه لتعلق هذا الأمر بسلطتها فى تقدير الدليل بما لا يجوز معه مجادلتها فيه أمام محكمة النقض.
3 - من المقرر أن تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائيًا أو مدنيًا مما يتعلق بموضوع الدعوى.
4 - من المقرر أن علاقة السببية فى المواد الجنائية هى علاقة مادية تبدأ بفعل المتسبب وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة إذا أتاه عمدًا أو خروجه فيما يرتكبه بخطئه - كما هو الحال فى الدعوى الماثلة - عن دائرة التبصر بالعواقب المادية لسلوكه والتصون من أن يلحق عمله ضررا بالغير.
5 - من المقرر أن الأصل أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير فى تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها - كما هو واقع الحال فى الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن النعى على الحكم فى هذا الخصوص لا يكون سديدا.
6 - لما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما تضمنه التقرير الطبى الشرعى وهى غير ملزمة بإجابة الدفاع إلى طلب ندب لجنة من خبراء آخرون مادامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هى من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء.
7 - من المقرر أن قرار المحكمة الذى تصدره فى صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قرارا تحضيريا لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتما العمل على تنفيذه صونا لهذه الحقوق.
8 - لما كانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية وإن أوجبت على الحكم أن يبين نص القانون الذى حكم بمقتضاه إلا أن القانون لم يحدد شكلاً يصوغ فيه الحكم هذا البيان. ولما كان الثابت أن الحكم المطعون فيه بعد أن أشار إلى نص المادة 244/ 2 من قانون العقوبات حصل الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التى وقعت فيها فإن ما أورده الحكم يكفى فى بيان مادة القانون التى حكم بمقتضاها بما يحقق حكم القانون.
9 - لما كان الحكم المطعون فيه قد أنشأ لنفسه أسبابا جديدة كافية لحمل قضائه فلا ينال فى هذا الخصوص ما جاء بأسبابه من تأييد الحكم المستأنف وبمنطوقة من تأييد الحكم المستأنف فيما قضى به فى الدعوى المدنية إذ لا يعدو خطأ ماديا وسهوا لا يخفى ويضحى النعى عليه بالبطلان بقالة أنه اعتمد فى قضائه على أسباب حكم محكمة أول درجة رغم بطلانه يكون غير سديد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه تسبب خطأ فى إصابة..... وكان ذلك ناشئا عن إخلاله إخلالا جسيما بما تقتضيه عليه أصول مهنته ونجم عن ذلك حدوث إصابتها المبينة بالتقريرالطبى على النحو المبين بالأوراق وطلبت عقابه بالمادة 244 من قانون العقوبات.
وادعى كلا من المجنى عليها وزوجها... بصفته وليا طبيعيا على أولادها القصر قبل المتهم بإلزامه بأن يؤدى لهما مبلغ خمسمائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
ومحكمة جنح.... قضت عملاً بمادة الاتهام بحبسه ستة أشهر مع الشغل وكفالة مائتى جنيه لإيقاف التنفيذ وإلزامه بأن يؤدى للمدعية بالحقوق المدنية الأولى والمدعى بالحقوق المدنية الثانى بصفته مبلغ خمسمائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت وعدم قبول الدعوى المدنية المقامة من المدعى بالحقوق المدنية الثانى عن نفسه.
استأنف ومحكمة..... الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع بتعديل الحكم المستأنف والاكتفاء بحبسه شهرًا والتأييد فيما عدا ذلك.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض ومحكمة النقض قضت بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة.... الابتدائية للفصل فيها مجددًا من هيئة استئنافية أخرى.
ومحكمة الإعادة قضت بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع بتعديل الحكم المستأنف والاكتفاء بحبسه شهرًا مع الشغل والتأييد فيما عدا ذلك.
فطعن الأستاذ/ ... المحامى بصفته وكيلاً عن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمـة

ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التى دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها وقد تصدى لبيان موقف الطاعن من الإتهام المسند إليه فى قوله "وكان الثابت من أقوال الطبيب المتهم بتحقيقات النيابة أنه حاصل على... وأنه حاصل على... أى أنه فى تاريخ الواقعة كان يعمل فى مجال التخدير لمدة اثنى عشر عاما سبقها ثمان سنوات أخرى فى مجال الطب بصفة عامة ومن ثم فإنه صاحب خبرة كبيرة فى مجال عمله وهى تدخل فى محاسبته عن درجة التيقظ والحيطة وإدراك مخاطر عمله أكثر من غيره من الأطباء حديث التخرج..... وقد ورد بأقواله بتحقيقات النيابة أنه بعد مغادرته لمكان إجراء الجراحة بنحو ساعة ونصف اتصل به الطبيب الجراح وأخبره أن المريضة "نعسانة" أى أنها حتى ذلك الوقت لم تكن فى حالة إفاقة طبيعية مما مفاده أنه غادر المكان ولم يعتن بالمريضة ويتأكد من عودتها لحالتها الطبيعية بعد الجراحة وكلها واجبات عليه كان يتعين التزامه بها بحكم خبرته وطول فترة عمله فى ذلك المجال وقد أورد الطبيب الشرعى بعبارة واضحة جازمة وبما لا يدع مجالا للشك الخطأ المنسوب للمتهم فى أنه قد حدث تشنج للمريضة من إدخال الأنبوبة الحنجرية وهو إجراء يتم فى أول العملية الجراحية ويعنى ذلك أن المتهم كان متواجدا منذ بدء العملية الجراحية ولاحظ هذا التشنج وبحكم درايته وعلمه وخبرته فإنه كان يتعين عليه توقع ما يلى ذلك من نتائج ويتحوط لها بل ولا يستمر فى إجراء الجراحة إلا بعد أن يتأكد من توصيل أنبوبة الأكسجين الواصل إلى المخ عن طريق الدم والذى أدى فى النهاية إلى عدم قيام المخ بوظائفه الحيوية على نحو أدى إلى إصابة المريضة بشلل رباعى ومع وضوح عبارات التقرير الطبى الشرعى واتفاق النتيجة التى انتهى إليها مع أقوال زوج المجنى عليها ووصفه لحالتها المرضية منذ إجراء العملية الجراحية حتى استقرت بمستشفى... وما ألمح إليه المتهم بأقواله بتحقيقات النيابة وكذا الطبيب مجرى الجراحة من أن العيادة التى تمت فيها الجراحة لا يتوافر فيها أى معدات مما تتواجد بوحدات العناية المركزة أو وحدات الإفاقة التى توجد بالمستشفيات عامة مما كان يستلزم من طبيب التخدير المتهم الانتظار والتمهل بجوار المريض حتى يتأكد من عودته لحالته الطبيعية بالفعل ويتعين عليه مباشرته حتى ولو غادر مكان الجراحة إلى منزله لعلمه ودرايته بما قد يحدث من تطورات إصابية وحتى ولو أصر أهل المريض على مغادرة مكان الجراحة فكان يتعين عليه بتعريفهم بكل ما يحدث من تطورات الأمر الذى يبين معه بجلاء مدى خطأ وإهمال المتهم والذى لا يتفق مع أى دراية أو خبرة طبية مما يدخله تحت وصف الخطأ المهنى الجسيم .... وكانت المحكمة تطمئن لما ورد بتقرير الطبيب الشرعى المرفق بالأوراق دون إضافة وترى معه والحال كذلك القضاء بإدانة المتهم مما نسب إليه من اتهام على النحو الوارد بمنطوقة "لما كان ذلك وكان من المقرر أن إباحة عمل الطبيب مشروطة بأن يكون ما يجريه مطابقا للأصول العلمية المقررة فإذا فرط فى اتباع هذه الأصول أو خالفها حقت عليه المسئولية الجنائية بحسب تعمده الفعل ونتيجته أو تقصيره وعدم تحرزه فى أداء عمله وكان ما أثبته الحكم فيما تقدم من عناصر الخطأ التى وقعت من الطاعن تكفى لحمل مسئوليته جنائيا فإن ما يثيره الطاعن بدعوى الخطأ فى تطبيق القانون لا يكون له محل لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أخذ بالتقرير الطبى الشرعى واستند إليه فى تقدير خطأ الطاعن وإثبات إدانته وكان لمحكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء المقدمة فى الدعوى والفصل فيما يوجه إلى هذه التقارير من اعتراضات والمفاضلة بينها والأخذ بما ترتاح إليه وإطراح ما عداه لتعلق هذا الأمر بسلطتها فى تقدير الدليل بما لا يجوز معه مجادلتها فيه أمام محكمة النقض. ولما كانت عناصر الخطأ التى أخذ بها الحكم واطمأن إليها هى عناصر واضحة لا تناقض فيها فإن ما ينعاه الطاعن فى هذا الخصوص يكون غير سديد.
لما كان ذلك وكان تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائيًا أو مدنيًا مما يتعلق بموضوع الدعوى وكان من المقرر أن علاقة السببية فى المواد الجنائية هى علاقة مادية تبدأ بفعل المتسبب وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة إذا أتاه عمدا أو خروجه فيما يرتكبه بخطئه - كما هو الحال فى الدعوى الماثلة - عن دائرة التبصر بالعواقب المادية لسلوكه والتصون من أن يلحق عمله ضررا بالغير وكانت المحكمة فى حدود ما هو مقرر لها من حق فى وزن عناصر الدعوى وأدلتها قد أقامت الحجة على مقارفة الطاعن ما أسند إليه بما استخلصته من عناصر الدعوى فى منطق سليم ودللت تدليلا سائغا على ثبوت نسبة الخطأ إلى الطاعن وإصابة المجنى عليها نتيجة هذا الخطأ فإنه لا يقبل من الطاعن مصادرة المحكمة فى عقديتها أو مجادلتها فى عناصر اطمئنانها. لما كان ذلك وكان ما يثيره الطاعن فى خصوص اعتماد الحكم المطعون فيه على تقرير الطب الشرعى على أنه بنى على الترجيح لا يقطع - فإنه - بفرض صحته - فهو مردود بأن الأصل أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير فى تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها - كما هو واقع الحال فى الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن النعى على الحكم فى هذا الخصوص لا يكون سديدا. لما كان ذلك وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما تضمنه التقرير الطبى الشرعى وهى غير ملزمة بإجابة الدفاع إلى طلب ندب لجنة من خبراء آخرون مادامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هى من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء وكان الحكم قد عرض لطلب الطاعن فى هذا الشأن ورد عليه بما يسوغ رفضه فإن منعاه فى هذا الصدد يكون غير سديد ولا يؤثر فى ذلك أن تكون المحكمة قد أجلت الدعوى وندبت لجنة خماسية من الخبراء بناء على طلب الدفاع ثم عدلت عن ذلك لأن قرار المحكمة الذى تصدره فى صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قرارا تحضيريا لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتما العمل على تنفيذه صونا لهذه الحقوق. لما كان ذلك وكان البين من مراجعة المفردات المضمومة أن النيابة العامة لم يصدر منها قرارا بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبل المتهم الآخر وإنما استبعدته من الاتهام - خلافا لما ذهب إليه الطاعن بأسباب طعنه فإن ما يثيره فى هذا الصدد لا يكون سديدا. لما كان ذلك وكانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية وأن أوجبت على الحكم أن يبين نص القانون الذى حكم بمقتضاه إلا أن القانون لم يحدد شكلاً يصوغ فيه الحكم هذا البيان. ولما كان الثابت أن الحكم المطعون فيه بعد أن أشار إلى نص المادة 244/ 2 من قانون العقوبات حصل الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التى وقعت فيها فإن ما أورده الحكم يكفى فى بيان مادة القانون التى حكم بمقتضاها بما يحقق حكم القانون. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أنشأ لنفسه أسبابا جديدة كافية لحمل قضائه فلا ينال فى هذا الخصوص ما جاء بأسبابه من تأييد الحكم المستأنف وبمنطوقه من تأييد الحكم المستأنف فيما قضى به فى الدعوى المدنية إذ لا يعدو خطأ ماديا وسهوا لا يخفى ويضحى النعى عليه بالبطلان بقالة أنه اعتمد فى قضائه على أسباب حكم محكمة أول درجة رغم بطلانه يكون غير سديد. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعًا وإلزام الطاعن المصاريف المدنية.