0أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 54 - الجزء الأول صـ 583

جلسة 23 من إبريل سنة 2003

برئاسة السيد المستشار/ عبد اللطيف أبو النيل نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ يحيى خليفة، محمد عيد سالم، عثمان متولى نواب رئيس المحكمة وعلاء مرسى.

(74)
الطعن رقم 30639 لسنة 72 القضائية

(1) إثبات "قوة الأمر المقضى". حكم "حجيته". دفوع "الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها". كسب غير مشروع. رشوة. مشغولات ذهبية.
حجية الأحكام. مناطها: وحدة الخصوم والموضوع والسبب.
اتحاد السبب فى الدعويين. مناطه؟
الدفع بقوة الشيء المحكوم فيه. شرطه: أن يكون موضوع الدعوى هو ذات الموضوع السابق الفصل فيه.
جناية الكسب غير المشروع. موضوعها مغاير لجريمة دمغ مشغولات ذهبية مقابل رشوة.
(2) رقابة إدارية. مأمورو الضبط القضائى "اختصاصاتهم".
تمتع أعضاء الرقابة الإدارية بصفة الضبط القضائى لكافة الجرائم التى تقع من العاملين أو غيرهم. مادامت الأفعال المسندة إليهم تمس سلامة أدائهم لواجبات الوظيفة العامة. أساس ذلك؟
(3) استيلاء. دعوى جنائية "تحريكها". دفوع "الدفع ببطلان إذن التفتيش" "الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق القانونى". رشوة. نيابة عامة. شروع.
جرائم الرشوة والشروع فى الاستيلاء بغير حق على مال عام والحصول بغير حق على أختام الدولة واستعمالها بالمخالفة لأحكام القانون. لا يستلزم القانون الحصول بشأنها على إذن برفع الدعوى ومباشرتها من مصلحتى الضرائب أو الجمارك. أساس ذلك وعلته؟
(4) باعث. جريمة "أركانها". رشوة.
الباعث على جريمة الرشوة. ليس ركنًا من أركانها.
(5) دعوى جنائية "تحريكها". نيابة عامة.
اشتراط تقديم إفراج جمركى مع المشغولات الذهبية أجنبية الصنع. إجراء تنظيمى. لا يقيد النيابة العامة فى رفع الدعوى الجنائية.
(6) تفتيش "إذن التفتيش. تنفيذه". مأمورو الضبط القضائى "سلطاتهم". دفوع "الدفع ببطلان التفتيش".
اتخاذ مأمورو الضبط القضائى طريقه معينة فى تنفيذ الأمر بالتفتيش. غير لازم. مادام لا يخرجون فى إجرائه على القانون.
(7) إثبات "بوجه عام". تسجيل المحادثات. حكم "مالا يعيبه فى نطاق التدليل". دفوع "الدفع ببطلان التسجيل". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل".
عدم التزام المحكمة بالتحدث فى حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر فى تكوين عقيدتها.
النعى ببطلان التسجيلات والدليل المستمد منها. غير مقبول. مادام الحكم لم يعول عليها.
(8) إجراءات "إجراءات التحقيق". تفتيش "إذن التفتيش. إصداره". جريمة "أركانها". دفوع "الدفع ببطلان الإذن لعدم جدية التحريات". رشوة. محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير جدية التحريات".
الإذن بالتفتيش. إجراء من إجراءات التحقيق. شرط إصداره؟
توافر الاتفاق بين الموظف وصاحب المصلحة على أداء العمل مقابل الجعل. كفايته لتحقق جريمة الرشوة. لا يغير من ذلك أن يكون العطاء سابقًا أو معاصرًا أو لاحقًا. مادام أداء العمل كان تنفيذًا للاتفاق. أساس ذلك؟
تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش. موضوعى.
عدم تحديد التحريات لأشخاص بعض المتهمين واكتشافهم فيما بعد. لا يقدح فى جديتها. علة ذلك؟
(9) إثبات "بوجه عام" "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل".
عدم التزام المحكمة بالأخذ بأقوال المتهم نصها وظاهرها.
مثال.
(10) محكمة الموضوع "سلطتها فى استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعى. مادام سائغًا.
مثال.
(11) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
متابعة المتهم فى مناحى دفاعه الموضوعى والرد عليها. غير لازم.
(12) رشوة. موظفون عموميون. جريمة "أركانها".
اختصاص الموظف بالعمل المتعلق بالرشوة. غير لازم. كفاية أن يكون له نصيب فيها يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة وأن يكون الراشى قد اتجر معه على هذا الأساس.
مثال.
(13) جريمة "أركانها". رشوة. فاعل أصلى. موظفون عموميون.
جريمة الرشوة. تمامها: إيجاب من الراشى الذى هو شريك فى الجريمة وقبول المرتشى الموظف.
الراشى يعد فاعلاً أصليًا فى جريمة عرض رشوة دون قبولها. أساس ذلك ومؤداه؟
(14) قضاة. نيابة عامة. دعوى جنائية "تحريكها".
حيدة القاضى. عنصرًا مكملاً لاستقلاله وحقًا من حقوق الإنسان. علة ذلك؟
النيابة العامة تتمتع بحياد القضاء واستقلاله فى مباشرتها للدعوى الجنائية.
(15) إثبات "اعتراف". إجراءات "إجراءات التحقيق". إكراه. دفوع "الدفع ببطلان الاعتراف".
إطالة مدة التحقيق مع المتهم. لا يعد إكراهًا. مادام لم يتعمد المحقق ذلك بنية الحصول منه على اعتراف.
(16) إجراءات "إجراءات التحقيق". قانون "تفسيره". نيابة عامة.
وجوب أن يتثبت المحقق من شخصية المتهم وأن يحيطه علمًا بالتهمة المنسوبة إليه. إفصاحه عن شخصيته للمتهم. غير لازم. المادة 123 إجراءات.
(17) إثبات "اعتراف". إكراه. دفوع "الدفع ببطلان الاعتراف".
الاعتراف الذى يعول عليه. وجوب أن يكون اختيارًا صادرًا عن إرادة حرة. أساس ذلك؟
(18) إجراءات "إجراءات التحقيق". استجواب. بطلان. رقابة إدارية. نيابة عامة.
مباشرة النيابة العامة التحقيق بمقر هيئة الرقابة الإدارية. استجواب المتهم بطريقة غير مألوفة وبالمخالفة لنص المادة 123 إجراءات. تركه ساعات طويلة بداخل مقر هيئة الرقابة الإدارية وإرهاقه إلى حد أن المحقق ذاته سجل على نفسه شعوره بالإرهاق. يبطل معه استجوابه. علة ذلك؟
(19) عزل. عقوبة "تطبيقها". رشوة. مشغولات ذهبية.
اتفاق المتهم مع زميليه بمصلحة دمغ المصوغات والموازين على دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لحساب المتهمين الآخرين مقابل جُعل. كفايته لتوافر جريمة الرشوة ومعاقبتهم بعقوبتى السجن والغرامة والعزل من وظائفهم. أساس ذلك وعلته؟
(20) عقوبة "العقوبة التكميلية". مصادرة.
المصادرة فى حكم المادة 30 عقوبات. ماهيتها؟
عقوبة المصادرة فى المادة 20 من القانون رقم 68 لسنة 1976 بشأن الرقابة على المعادن الثمينة. نطاقها؟
(21) إثبات "اعتراف". عقوبة "الإعفاء منها". رشوة. موانع العقاب "الإعفاء من العقوبة".
اعتراف المتهم بجلسة المحاكمة بارتكابه جريمة الرشوة. يوجب إعفائه من العقاب. المادة 107 مكررًا/ 2 عقوبات.
(22) ارتباط. عقوبة "عقوبة الجريمة الأشد" "الإعفاء منها". رشوة. محكمة الموضوع "سلطتها فى تعديل وصف التهمة". وصف التهمة. موانع العقاب "الإعفاء من العقوبة".
عدم تقيد المحكمة بالوصف الذى تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم. واجبها تمحيص الواقعة بجميع كيوفها وأوصافها وتطبيق نصوص القانون عليها تطبيقًا صحيحًا.
حق المحكمة فى تعديل وصف التهمة بعد الفراغ من سماع الدعوى ودون لفت نظر الدفاع مادامت لم تضف عناصر جديدة للواقعة.
تعديل المحكمة لوصف التهمة. غير مجد. مادامت قد انتهت إلى إدانة المتهمين عن جناية الرشوة ذات العقوبة الأشد وإعفاء أحدهم من العقاب منها والمرتبطة ارتباطًا لا يقبل التجزئة بجنحتى الاستحصال بغير حق على أختام دمغ المشغولات واستعمالها استعمالاً ضارًا ودمغها بطريقة غير مشروعة.
(23) ارتباط. عقوبة "الإعفاء منها" "عقوبة الجرائم المرتبطة". رشوة. مسئولية جنائية. موانع العقاب "الإعفاء من العقوبة".
الإعفاء من العقاب. ليس إباحة للفعل أو محوًا للمسئولية الجنائية. هو مقرر لمصلحة الجانى التى تحققت فى فعله وشخصه عناصر تلك المسئولية.
العذر المعفى من العقاب. أثره؟
الارتباط فى حكم المادة 32/ 2 عقوبات. مناطه: كون الجرائم المرتبطة قائمة لم يقض فى إحداها بالبراءة.
تحقق موجب الإعفاء من العقاب فى جريمة الرشوة يمتنع معه توقيع عقوبة الجريمة الأخف. أساس وعلة ذلك؟
(24) استيلاء. جريمة "أركانها".
الاستيلاء على مال للدولة بغير حق. مناطه؟
ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة. يفقد الجريمة ركنًا من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة. أساس ذلك؟
(25) جريمة "أركانها". مصوغات. موازين.
جريمة الاستحصال بغير حق على أختام مصلحة دمغ المصوغات والموازين واستعمالها استعمالاً ضارًا. مناط تحققها؟
ثبوت حيازة المتهم للأختام المستعملة بطريقة قانونية يوجب القضاء بالبراءة.
1 - من المقرر أن مناط حجية الأحكام هى وحدة الخصوم والموضوع والسبب، ويجب للقول باتحاد السبب أن تكون الواقعة التى يحاكم المتهم عنها هى بعينها التى كانت محلاً للحكم السابق، ولا يكفى للقول بوحدة السبب فى الدعويين أن تكون الواقعتان كلتاهما حلقة من سلسلة وقائع متماثلة ارتكبها المتهم لغرض واحد، إذا كان لكل واقعة من هاتين الواقعتين ذاتية خاصة وظروف خاصة تتحقق بها المغايرة بما يمتنع معها القول بوحدة السبب فى كل منهما، كما أنه من المقرر أنه يجب لقبول الدفع بقوة الشيء المحكوم به أن يكون موضوع الدعوى الثانية هو نفس موضوع الدعوى السابق الفصل فيها. لما كان ذلك، وكان البيِّن من جناية الكسب غير المشروع أن موضوعها مغاير لموضوع الدعوى الماثلة التى خصصت لمحاكمة المتهم الأول وباقى المتهمين عن واقعة القيام بالشروع فى دمغ مشغولات ذهبية أجنبية الصنع بلغ وزنها واحد وثلاثون كيلو جرامًا وتسعمائة جرام بطريقة غير مشروعة مقابل رشوة، ومن ثم تتحقق المغايرة بين الواقعتين التى يمتنع معها إمكان القول بوحدة السبب فى كل منهما بما يكون معه الدفع المثار فى هذا الصدد على غير أساس من الواقع أو القانون.
2 - من حيث إنه عن الدفع بعدم تمتع أعضاء الرقابة الإدارية بصفة الضبط القضائى، فإنه مردود بدوره، بأن المادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية بعد أن عينت الموظفين الذين يعتبرون من مأمورى الضبط القضائى وأجازت لوزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص تخويل بعض الموظفين تلك الصفة بالنسبة إلى الجرائم التى تقع فى دوائر اختصاصهم وتكون متعلقة بأعمال وظائفهم، اعتبرت فى فقرتها الأخيرة النصوص الواردة فى القوانين والمراسيم والقرارات الأخرى بشأن تخويل بعض الموظفين اختصاص مأمورى الضبط القضائى بمثابة قرارات صادرة من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص، ولما كانت الفقرة (ج) من المادة الثانية من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 54 لسنة 1964 بإعادة تنظيم الرقابة الإدارية المعدل بالقانون رقم 71 لسنة 1969، قد نصت على أن الرقابة الإدارية تختص: "بالكشف عن المخالفات الإدارية والمالية والجرائم الجنائية التى تقع من العاملين أثناء مباشرتهم لواجبات وظائفهم أو بسببها، كما تختص بكشف وضبط الجرائم التى تقع من غير العاملين والتى تستهدف المساس بسلامة أداء واجبات الوظيفة أو الخدمات العامة وذلك بشرط الحصول على إذن كتابى من النيابة العامة قبل اتخاذ الإجراءات.... "، وكانت المادة 61 من القرار بقانون سالف الإشارة قد نصت على أنه "يكون لرئيس الرقابة الإدارية ونائبه ولسائر أعضاء الرقابة الإدارية ولمن يندب للعمل عضوًا بالرقابة سلطة الضبطية القضائية فى جميع أنحاء الجمهورية العربية المتحدة، ولهم فى سبيل مباشرة اختصاصاتهم مزاولة جميع السلطات التى تخولها صفة الضبطية القضائية المقررة لبعض الموظفين فى دائرة اختصاصهم"، لما كان ما تقدم، فإنه على هدى النصوص القانونية سالفة الإشارة، يكون القانون قد أضفى على أعضاء الرقابة الإدارية صفة الضبط القضائى بالنسبة إلى كافة الجرائم التى تقع من العاملين، أو من غير العاملين مادامت تلك الأفعال المسند إلى المتهمين ارتكابها تستهدف المساس بسلامة أداء واجبات الوظيفة العامة، وهو ما تحقق فى الدعوى الراهنة بالنسبة لجميع المتهمين ومن ثم يكون الدفع المبدى فى هذا الشأن على غير أساس.
3 - الدفع ببطلان إذن التفتيش وبطلان رفع الدعوى الجنائية قبل المتهمين لعدم وجود طلب جمركى أو ضريبى باعتبار أن الواقعة لا تعدو أن تكون جنحة تهرب من سداد الرسوم الجمركية والضريبية حسبما ورد بقرار الإحالة، فإنه أيضًا مردود بأنه لما كانت المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية تقضى بأن النيابة العامة تختص دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها طبقا للقانون وأن اختصاصها فى هذا الشأن مطلق لا يرد عليه قيد إلا فى الأحوال الاستثنائية التى نص عليها القانون، وكانت النيابة العامة قد أقامت الدعوى قبل المتهمين بعد أن باشرت إجراءات التحقيق فيها عن جرائم الرشوة والشروع فى الاستيلاء بغير حق على مال عام والحصول بغير حق على أختام الدولة واستعمالها بالمخالفة لأحكام المواد 103، 104، 113، 207 من قانون العقوبات، وكان هذا القانون قد خلا من أى قيد على حرية النيابة العامة فى رفع الدعوى الجنائية ومباشرتها فى تلك الجرائم وهى جرائم مستقلة ومتميزة بعناصرها القانونية عن جرائم التهريب الجمركى والضريبى مما لا يستلزم لتحريك الدعوى الجنائية بشأنها الحصول على إذن من مصلحتى الجمارك أو الضرائب، وكان ما أورده الدفاع من أن أمر الإحالة قد أورد فى وصف التهمة الأولى أن المشغولات الذهبية المضبوطة مهربة من الرسوم الجمركية والضريبية، فإنه قول مردود بأنه لما كان الجدول المرافق للقانون رقم 68 لسنة 1976 بشأن الرقابة على المعادن الثمينة قد حدد رسوم دمغ المشغولات الذهبية المحلية، وضاعف هذا الرسم على المشغولات الأجنبية الواردة من الخارج مما استلزم من سلطة الاتهام تحديد الرسوم المستحقة على المشغولات المضبوطة تحديدًا لعناصر التهمة الثانية.
4 - الإشارة إلى الباعث على ارتكاب جريمة الرشوة، وهو ما لا تأثير له على كيان الجريمة وليس ركنًا من أركانها أو عنصرًا من عناصرها.
5 - لا يؤثر فى الأمر ما ورد بقانون الرقابة على المعادن الثمينة سالف الإشارة من اشتراطه تقديم إفراج جمركى مع المشغولات الذهبية أجنبية الصنع حتى يتسنى لمصلحة دمغ المصوغات والموازين دمغها إذ أن ذلك لا يعدو كونه إجراء تنظيميًا ولا يتعلق بقيد يرد على حرية النيابة العامة فى رفع الدعوى الجنائية ومباشرتها بالنسبة إلى التهم موضوع هذه الدعوى، ومن ثم يكون الدفع المثار فى هذا الصدد غير سديد.
6 - الدفع ببطلان تفتيش مسكن المتهم الأول لحدوثه بطريق الحيلة والخداع بأن انتحل الشاهد الثانى صفة طبيب لكى يتمكن من دخول المسكن، فإنه مردود بأنه من المقرر أن لمأمورى الضبط القضائى إذا ما صدر إليهم إذن من النيابة العامة بإجراء تفتيش أن يتخذوا ما يرونه كفيلاً بتحقيق الغرض منه دون أن يلتزموا فى ذلك طريقة بعينها ماداموا لا يخرجون فى إجراءاتهم على القانون، ويكون لهم تخير الظرف المناسب لإجرائه وبطريقة مثمرة، ومن ثم فلا تثريب على مأمور الضبط القضائى المنتدب للتفتيش - فى هذه الدعوى - فيما قام به لتنفيذ الإذن مادام قد رأى ذلك وسيلة مثمرة لدخول مسكن المتهم الأول المأذون بتفتيشه.
7 - الدفوع المبداة من الدفاع عن المتهمين ببطلان التسجيلات الهاتفية والدليل المستمد منها على اختلاف أسانيدها، فإنها مردودة بأن المحكمة غير ملزمة بالتحدث فى حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر فى تكوين عقيدتها، ولما كانت المحكمة لم تعول - فى قضائها - على أى دليل مستمد من تلك التسجيلات فإنها ليست بحاجة للرد على هذه الدفوع.
8 - الدفع ببطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات التى بنى عليها استنادًا إلى القول بأنها جاءت قاصرة وخلت من الإشارة إلى وجود أى دور للمتهمين الخامس والسادس بالواقعة، أو وجود صلة بين المتهمين الثانى والثالث وبين المتهمين من الرابع حتى الأخير، وأنه صدر لضبط جريمة مستقبلة، فهذا الدفع بشقيه مردود بأنه لما كان الأصل فى القانون أن الإذن بالتفتيش هو إجراء من إجراءات التحقيق لا يصح إصداره إلا لضبط جريمة - جناية أو جنحة - واقعة بالفعل وترجحت نسبتها إلى متهم معين وأن هناك من الدلائل ما يكفى للتصدى لحرمة مسكنه أو لحريته الشخصية. لما كان ذلك، وكان مفاد نص المادتين 103، 104 من قانون العقوبات أنه إذا توافر اتفاق بين الموظف وصاحب المصلحة على أداء العمل مقابل الجعل، فإن جريمة الرشوة تكون قد وقعت، يستوى فى ذلك أن يكون العطاء سابقًا أو معاصرًا لأداء العمل أو لاحقًا عليه مادام أداء العمل كان تنفيذًا لاتفاق سابق، إذ أن نية الاتجار بالوظيفة فى هذه الحالة تكون قائمة من البداية. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لتسويغ الأمر بالتفتيش هو من الموضوع الذى يستقل به قاضيه بغير معقب، وكانت هذه المحكمة قد اقتنعت بتوافر مسوغات إصدار هذا الأمر بعد أن أوردت التحريات قيام المتهم الأول الموظف بمصلحة دمغ المصوغات والموازين بالاتفاق مع بعض تجار الذهب ومن بينهم المتهم الرابع والمتهم الذى سبق الحكم بإدانته على دمغ كمية من المشغولات الذهبية بطريقة غير مشروعة مقابل جُعل وأنه سيقوم بارتكاب هذا الفعل بمسكنه بمعاونة بعض زملائه من موظفى المصلحة، ولا يقدح فى جدية هذه التحريات عدم تحديدها لأشخاص بعض المتهمين واكتشاف شخصياتهم فيما بعد، إذ أنه من المقرر أن الأعمال الإجرائية محكومة من جهة الصحة والبطلان بمقدماتها لا بنتائجها، ومن ثم تخلص المحكمة إلى جدية التحريات وأن الأمر بالتفتيش إنما صدر لضبط جريمة تحقق وقوعها من مقارفيها لا لضبط جريمة مستقبلة، ذلك لأن نية الاتجار بالوظيفة فى واقعة الدعوى كانت قائمة من البداية حال تقدم رجل الضبط بهذه التحريات.
9 - ومن حيث إنه عما أثاره المتهم الخامس..... من أنه لم يطلب من المتهم الأول..... دمغ المشغولات الذهبية أجنبية الصنع المسلمة إليه خارج نطاق مصلحة دمغ المصوغات والموازين فإنه مردود بأن المحكمة ليست ملزمة فى أخذها بأقوال المتهم أن تلتزم نصها وظاهرها بل لها أن تأخذ منها ما تراه مطابقًا للحقيقة، وكانت المحكمة تطمئن إلى قيام المتهم الخامس بتسليم المتهم الأول كمية من المشغولات الذهبية لدمغها خارج نطاق المصلحة على نحو ما أسفرت عنه التحريات وأقوال مجريها ومن اعتراف المتهم الأخير بذلك ومن ثم يكون دفاع المتهم فى هذا الصدد غير سديد.
10 - وكان من المقرر أنه من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى مادام استخلاصها سائغًا مستندًا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق، وترتيبًا على ما تقدم فإن المحكمة تستخلص قيام المتهمين من الرابع حتى الأخير ومعهم المتهم الذى سبق الحكم بإدانته بتسليم المتهم الأول المشغولات الذهبية المضبوطة لدمغها بطريقة غير مشروعة خارج نطاق مصلحة دمغ المصوغات والموازين لقاء جُعل.
11 - وكان من المقرر أيضًا أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم فى مناحى دفاعه الموضوعى وفى كل شبهة يثيرها والرد على ذلك مادام الرد يستفاد ضمنًا من القضاء بالإدانة استنادًا إلى أدلة الثبوت السائغة التى أوردتها، ومن ثم فإن المحكمة ليست بحاجة للرد على دفاع المتهمين الموضوعى.
12 - ما أثاره المدافع عن المتهم الأول من عدم توافر جريمة الرشوة فى حقه استنادًا إلى القول بأنه لا يختص بدمغ المشغولات وأن عمله مجرد وزان، فإنه فى غير محله، ذلك لأنه من المقرر أنه لا يشترط فى جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التى يطلب من الموظف أداؤها داخله فى نطاق الوظيفة مباشرة بل يكفى أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها وأن يكون من طلب منه الرشوة قد اتجر معه على هذا الأساس، وإذ كان المتهم الأول يعمل وزانا بمصلحة دمغ المصوغات والموازين وأن القسم الذى يعمل به يتلقى فى البدء المشغولات الذهبية المراد دمغها ويقوم بوزنها قبل عرضها على الأقسام الأخرى لاتخاذ بعض الإجراءات الفنية ثم ترسل أخيرًا إلى قسم توقيع الدمغة لدمغها، وكان الثابت مما سلف إيراده من أدلة فى الدعوى أن المتهم الأول قد اتفق مع المتهمين الثانى والثالث العاملين بقسم توقيع الدمغة بذات المصلحة التى يعمل بها على دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة بطريقة غير مشروعة لقاء جُعل متفق عليه مع المتهمين من الرابع حتى الأخير، فإن ذلك يعقد له الاختصاص بما قبل الرشوة من أجله.
13 - ما أثاره المتهم السادس من أن ما أسند إليه فى تهمة الرشوة هو فعل بمنأى عن التأثيم تأسيسًا على القول بأن القانون لا يعاقب على جريمة عرض رشوة إلا إذا كان العرض لم يقبل عملاً بنص المادة 109 مكررًا من قانون العقوبات، فإنه مردود بأنه لما كان الشارع قد تغيا من النصوص فى الباب الثالث من الكتاب الثانى من قانون العقوبات الخاص بالرشوة، تجريم الاتجار بالوظيفة العامة، وأن مقتضى فكرة الرشوة تواجد طرفين هما المرتشى وهو الموظف العام، والراشى وهو صاحب المصلحة، ولا تتم قانونًا إلا بإيجاب من الراشى وقبول من جانب المرتشى، وتعتبر الجريمة فى هذا الصدد مشروعًا إجراميًا واحدًا فاعلها هو المرتشى، أما الراشى فهو ليس إلا شريكًا فيها يستمد إجرامه من الفعل الذى يساهم فيه، وهو ما أراده الشارع من اقتصاره فى النص فى المادة 107 مكررًا من قانون العقوبات على عقوبة الراشى دون التعريف بجريمته، اكتفاءً بالرجوع إلى القواعد العامة من اعتباره شريكًا فى جريمة الرشوة التى قبلها الموظف العام، وأن ما أورده الشارع فى المادة 109 مكررًا من قانون العقوبات بالنص على أنه "من عرض رشوة ولم تقبل منه يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه وذلك إذا كان العرض حاصلاً لموظف عام..... " فهو رغبة المشرع فى إيراد هذه الجريمة الخاصة، اعتبر الراشى فيها فاعلاً أصليًا فى جريمة مستقلة هى جريمة عرض رشوة دون قبولها، وهى جريمة لا يساهم الموظف العام فيها بأى دور وقصد منها محاربة السعى إلى إفساد ذمته وهى غير الصورة الواردة بواقعة الدعوى والمؤثمة بنص المادتين 104، 107 مكررًا من قانون العقوبات والتى تتحصل فى قيام المتهمين الثلاثة الأول - موظفى مصلحة دمغ المصوغات والموازين - بالإخلال بواجبات الوظيفة لقاء جُعل من المتهمين من الرابع حتى الأخير، ومن ثم فلا مجال لتطبيق نص المادة 109 مكررًا من قانون العقوبات.
14 - القضاء الدستورى قد جرى على أن حيدة القضاء تعتبر عنصرًا مكملاً لاستقلاله وتعتبر حقًا من حقوق الإنسان، ومبدأ أساسيًا من مبادئ القانون لأنها تؤكد الثقة فى القضاء، كما أن النيابة العامة وهى تباشر اختصاصاتها من خلال مباشرتها للدعوى الجنائية فإنها تتمتع أيضًا باستقلال القضاء وبحيادة وأن تكون المصلحة العامة هى جوهر عملها، وأن يتم ذلك بموضوعية.
15 - من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن إطالة مدة التحقيق مع المتهم لا يمثل إكراها إلا إذا كان المتهم منكرًا للتهمة وتعمد المحقق إطالة مدة التحقيق لإرهاقه بغية الحصول منه على اعتراف.
16 - نص الفقرة الأولى من المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية قد جرى على أنه "عند حضور المتهم لأول مرة فى التحقيق، يجب على المحقق أن يتثبت من شخصيته، ثم يحيطه علما بالتهمة المسندة إليه ويثبت أقواله فى المحضر"، مما مفاده أن القانون لم يرتب واجبًا على المحقق بأن ينبئ المتهم عن شخصيته.
17 - من المقرر - عملاً بمفهوم المادة 42 من الدستور والفقرة الأخيرة من المادة 302 من قانون الإجراءات الجنائية - أن الاعتراف الذى يعول عليه يتحتم أن يكون اختياريًا، صادرًا عن إرادة حرة.
18 - لما كان ما تقدم، وكان البين من تحقيق النيابة العامة أنه جرى استجواب المتهم الأول بطريقة غير مألوفة، إذ استهل المحقق محضره بسؤال عضو الرقابة الإدارية ولم يقم باستدعاء المتهمين الثلاثة الأول إلى داخل حجرة التحقيق وأحاطتهم علما بالتهمة المسندة إليهم على ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية سالفة الإشارة، ثم استدعى المتهم الثانى وقام باستجوابه تاركًا المتهم الأول خارج حجرة التحقيق رغم أنه هو المتهم الرئيسى فى الدعوى، وهو الذى انصبت عليه التحريات فى البدء، وصدر الإذن بتفتيش مسكنه وجرى تفتيشه وضبط الواقعة، مما كان يؤذن للمحقق بالبدء فى استجواب هذا المتهم إلا أنه لم يتم ذلك إلا فى صباح اليوم الثالث لضبطه وبعد تركه ساعات طويلة بداخل مقر هيئة الرقابة الإدارية، وإرهاقه إلى حد أن المحقق ذاته قد سجل على نفسه هو شعوره بالإرهاق، مما تستخلص منه المحكمة أن إرادة المتهم الأول لدى استجوابه لم تكن إرادة حرة بريئة من كل تأثير، ومما ينبئ عن أن إجراءات التحقيق بمقر هيئة الرقابة الإدارية قد شابها الخروج على مبدأ حياد النيابة العامة والثقة فى إجراءاتها، مما يبطل استجواب المتهم الأول وكل ما ترتب عليه، يؤكد هذا النظر أنه وإن ولم يوجب القانون أن يحيط المحقق المتهم علما بأن النيابة العامة هى التى تباشر التحقيق، إلا أنه - فى خصوص الدعوى الراهنة ونظرًا لما أحاط بها من ظروف وملابسات - كان من المتعين على المحقق - فى مستهل التحقيق فى مقر هيئة الرقابة الإدارية وبعد فترة طويلة من ضبط المتهم الأول وبقائه بمقر الهيئة بعيدًا عن حجرة التحقيق - أن يفصح للمتهم عن شخصيته ترسيخًا لمبدأ حياد النيابة العامة وبثًا للطمأنينة فى نفسه حتى يشعر بأنه قد أضحى بعيدًا عن كل ما قد يؤثر فى إرادته، كما كان يتعين على المحقق أن يستمع إلى الأقوال التى يريد المتهم إبدائها بصرف النظر عن صدق هذه الأقوال أو مخالفتها للحقيقة فالأمر أولاً وأخيرًا يخضع لتقدير النيابة العامة ومحكمة الموضوع من بعدها لهذه الأقوال، إذ أن فى ذلك تأكيد على أن النيابة العامة لا تبغى سوى حماية الحقوق والحريات سواء كانت للمتهم أو للمجتمع.
19 - جريمة الرشوة المنصوص عليها فى المادتين 104، 107 مكررًا من قانون العقوبات قد تكاملت أركانها بالنسبة إلى المتهمين الستة على نحو ما سلف إيراده عند الرد على دفاع المتهمين فى هذا الصدد وذلك بقيام المتهم الأول - وهو وزان بمصلحة دمغ المصوغات والموازين - بالاتفاق مع زميليه المتهمين الثانى والثالث - الموظفين بقسم توقيع الدمغة بذات المصلحة - على دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لحساب المتهمين من الرابع حتى الأخير والمتهم السابق الحكم بإدانته، مقابل جُعل يتقاضونه من الأخيرين، ومن ثم تكون الجريمة قد وقعت بمجرد تمام هذا الاتفاق وإخلال المتهمين الثلاثة الأول بواجبات وظائفهم فى عمل لهم نصيب فيه بحكم وظائفهم، الأمر المؤثم والمعاقب عليه بالمواد 103، 104، 107 مكررًا من قانون العقوبات ومن ثم يتعين معاقبة المتهمين الخمسة الأول طبقًا لهذه المواد عملاً بالمادة 304/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية بعقوبتى السجن والغرامة المبينتين بمنطوق هذا الحكم فضلاً عن عزلهم من وظائفهم عملاً بحكم المادة 25 من قانون العقوبات ولا ينال من ذلك أن هذه المادة قد أوردت عبارة حرمان المحكوم عليه من القبول فى أى خدمة فى الحكومة، ولم تورد لفظ العزل، ذلك أن العزل يندرج بحكم اللزوم العقلى فى مفهوم هذا النص، يؤكد ذلك أن المادة 27 من قانون العقوبات قد نصت على أن " كل موظف ارتكب جناية مما نص عليه فى الباب الثالث والرابع والسادس والسادس عشر من الكتاب الثانى من هذا القانون عومل بالرأفة فحكم عليه بالحبس، يحكم عليه أيضًا بالعزل مدة لا تنقص عن ضعف مدة الحبس المحكوم بها عليه، الأمر الذى لا يتصور معه أن يكون الشارع قد قصد عزل الموظف من وظيفته فى حالة معاملته بالرأفة فحسب، والقول بغير ذلك مؤداه أن يكون المتهم الذى يعامل بالرأفة فى وضع أسوأ من ذلك الذى لم تر المحكمة معاملته بالرأفة، وهو ما يتأبى على حكم المنطق والعقل ولا يتصور أن تكون إرادة الشارع قد اتجهت إليه.
20 - حيث إنه عن مصادرة المشغولات الذهبية المضبوطة، فإنه لما كان من المقرر أن المصادرة فى حكم المادة 30 من قانون العقوبات إجراء الغرض منه تمليك الدولة أشياء مضبوطة ذات صلة بالجريمة قهرًا عن صاحبها وبغير مقابل، وهى عقوبة اختيارية تكميلية فى الجنايات والجنح إلا إذا نص القانون على غير ذلك. لما كان ذلك، وكانت المادة 20 من القانون رقم 68 لسنة 1976 بشأن الرقابة على المعادن الثمينة - السارى على واقعة الدعوى - قبل تعديله بالقانون رقم 15 لسنة 2002، قد جرمت من يقوم بدمغ مشغولات ذهبية بطريقة غير مشروعة، ونصت على أنه بعد صدور حكم نهائى تقوم المصلحة بتسليم المشغولات لأصحابها بعد كسرها، ولا يحكم بالمصادرة إلا فى حالة العود، وإذ خلت الأوراق من توافر ظرف العود فى حق المتهمين فإن المحكمة لا تقضى بمصادرة المضبوطات إعمالاً للنص سالف الإشارة.
21 - ومن حيث إنه بالنسبة للمتهم السادس... فإنه لما كان قد تقدم بجلسة المحاكمة الأخيرة باعتراف مفصل عن ارتكابه جريمة الرشوة بالاتفاق مع المتهم الأول الذى استلم منه نحو سبعة كيلو جرامات من المشغولات الذهبية الأجنبية لدمغها بختم المصلحة مقابل وعده بأن يدفع له مبلغ جنيهين ونصف عن كل جرام، وهو اعتراف يطابق الحقيقة فى الدعوى التى خلصت إليها المحكمة فإنه يتعين إعمال موجب نص الفقرة الثانية من المادة 107 مكررًا من قانون العقوبات بشأنه والقضاء بإعفائه من العقاب.
22 - ومن حيث إنه لما كان من المقرر أن محكمة الموضوع لا تتقيد بالوصف القانونى الذى تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم، بل من واجبها أن تمحص الواقعة المطروحة عليها بجميع كيوفها وأوصافها وأن تطبق عليها نصوص القانون تطبيقًا صحيحًا، ذلك أنها وهى تفصل فى الدعوى لا تتقيد بالواقعة فى نطاقها المرسوم فى وصف التهمة المحال عليها بل إنها مطالبة بالنظر إلى الواقعة الجنائية كما رفعت بها الدعوى على حقيقتها كما تبينتها من الأوراق. لما كان ذلك، وكانت المادة 20 من القانون رقم 68 لسنة 1976 بشأن الرقابة على المعادن الثمينة - السارى على واقعة الدعوى - قد عاقبت كل من دمغ مشغولات بطريقة غير مشروعة بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسين جنيهًا ولا تجاوز مائة وخمسين جنيهًا أو بإحدى هاتين العقوبتين، كما أوجبت الحكم بمصادرة المشغولات المضبوطة فى حالة العود، وكانت وحدة الفعل المادى المكون للجريمتين - جريمة الاستحصال بغير حق على أختام دمغ المشغولات واستعمالها استعمالاً ضارًا خارج المصلحة المؤثمة بالمادة 207 من قانون العقوبات وهى موضوع التهمة الثالثة، وجريمة دمغ المشغولات المضبوطة بطريقة غير مشروعة المؤثمة بالمادة 20 من قانون الرقابة على المعادن الثمينة سالف الإشارة والمنطبقة على واقعة الدعوى - مما كان يؤذن لهذه المحكمة أن تعطى الوقائع المعروضة عليها وصفها القانونى الصحيح دون حاجة إلى أن تلفت نظر الدفاع إلى ذلك مادامت لم تخرج فى الوصف الذى أعطته للواقعة عن الوقائع التى عرضت عليها وتناولها الدفاع، بل يصح لها إجراء هذا التعديل بعد الفراغ من سماع الدعوى، مادامت لم تضف عناصر جديدة للواقعة، إلا أن المحكمة ترى أنه من غير المجدى إجراء هذا التعديل بعد أن انتهت إلى إدانة المتهمين الخمسة الأول عن التهمة الأولى وهى جناية الرشوة ذات العقوبة الأشد بما يمتنع معه معاقبة هؤلاء المتهمين بعقوبة جنحة دمغ المشغولات بطريقة غير مشروعة - المرتبطة ارتباطًا لا يقبل التجزئة مع جريمة الرشوة - وذلك عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات.
23 - لما هو مقرر فى قضاء هذه المحكمة من أن الإعفاء من العقاب ليس إباحة للفعل أو محوًا للمسئولية الجنائية، بل هو مقرر لمصلحة الجانى التى تحققت فى فعله وفى شخصه عناصر المسئولية الجنائية واستحقاق العقاب، كل ما للعذر المعفى من العقاب من أثر هو حط العقوبة عن الجانى بعد استقرار إدانته دون أن يمس ذلك قيام الجريمة فى ذاتها، وإذ كان مناط الارتباط فى حكم الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات هو كون الجرائم المرتبطة قائمة لم يقض فى إحداها بالبراءة، وإذ كانت المحكمة قد انتهت إلى توافر الارتباط الذى لا يقبل التجزئة بين جريمتى الرشوة ودمغ المشغولات بطريقة غير مشروعة فقد وجب اعتبارهما جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشدهما وهى جريمة الرشوة، فإذا أسفر تمحيص المحكمة لدفاع المتهم عن تحقق موجب الإعفاء فى جريمة الرشوة امتنع عليها توقيع عقوبة الجريمة الأخف وهى جريمة دمغ المشغولات بطريقة غير مشروعة.
24 - لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه "كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة فى المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن"، فقد دلت فى صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال فى ملك الدولة عنصرًا من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام - أو من فى حكمه - بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة. لما كان ذلك، وكان البين من التحقيقات - وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام - أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد فى ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئة المتهمين الستة من هذه التهمة.
25 - لما كانت المادة 207 من قانون العقوبات قد نصت على أنه "يعاقب بالحبس كل من استحصل بغير حق على أختام أو دمغات أو علامات حقيقية لإحدى المصالح الحكومية أو إحدى جهات الإدارة العمومية أو إحدى الهيئات المبينة فى المادة السابقة واستعمالها استعمالاً ضارًا بمصلحة عامة أو خاصة"، ولما كان ما نسب إلى المتهمين - على ما تبين من التحقيقات - هو إساءة استعمال أختام مصلحة دمغ المصوغات والموازين التى سلمت إلى المتهم الثانى تسليمًا صحيحًا بناء على اختصاصات وظيفته، وكانت المادة 207 من قانون العقوبات سالفة الإشارة قد دلت فى صريح عبارتها على أنها تشترط لقيامها أن يكون الفاعل قد استحصل على الأختام بغير وجه حق بأن سعى للحصول عليها ممن له حق فى حيازتها وهو ما لم يتحقق وقوعه من المتهمين ذلك لأن الأختام المستعملة كانت بحيازة المتهم الثانى بطريقة قانونية ومن ثم فإن التهمة الثالثة المسندة إليهم لا تندرج تحت نطاق نص المادة 207 من قانون العقوبات مما يتعين الحكم ببراءة المتهمين منها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم: (1) المتهمون الثلاثة الأول وآخر قضى بانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة له بوفاته أولاً: بصفتهم موظفين عموميين "أولهم وزان بمصلحة دمغ المصوغات والموازين وثانيهم رئيس قسم توقيع الدمغات وثالثهم دماغ بمصلحة دمغ المصوغات والموازين "طلبوا عطية مقابل إخلالهم بواجبات وظائفهم بأن طلبوا بواسطة الأول من المتهمين من الرابع وحتى الأخير جنيهان ونصف عن كل جرام على سبيل الرشوة مقابل دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة والمهربة من الرسوم الجمركية والضريبية والبالغ وزنها 31.974 كيلو جرام "واحد وثلاثين كيلو جرام وتسعمائة وأربعة وسبعون جرامًا‘‘ دون سداد رسم الدمغ المقرر على النحو المبين بالتحقيقات. ثانيًا: بصفتهم سالفة الذكر شرعوا فى تسهيل الاستيلاء بغير حق للمتهمين من الرابع وحتى الأخير على مبلغ... جنيهًا "قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية سالفة الذكر المستحقة لمصلحة دمغ المصوغات والموازين وقد أوقف أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهم فيه هو ضبطهم والجريمة متلبسا بها. ثالثًا: بصفتهم آنفة البيان استحصلوا بغير حق على أختام المشغولات الذهبية عيار 18 والمملوكة لإحدى المصالح الحكومية - مصلحة دمغ المصوغات والموازين - واستعملوها استعمالاً ضارًا بالمصلحة العامة بأن قاموا بدمغ جزء من المشغولات الذهبية المضبوطة بلغ وزنه 10.965.050 كيلو جرام "عشرة كيلو جرامات وتسعمائة وخمسة وستين جرامًا وخمسين مللى جرام "خارج المصلحة دون سداد الرسم المقرر. (2) المتهمون من الرابع للأخير وآخر سبق الحكم عليه غيابيًا: أولاً: قدموا للمتهمين من الأول وحتى الثالث وعدًا بعطية مقابل إخلالهم بواجبات وظائفهم بأن قدموا لهم عن طريق المتهم الأول وعدًا بدفع مبلغ... عن كل جرام مقابل قيامهم بدمغ المشغولات الذهبية المضبوطة والبالغ وزنها 31.974 كيلو جرام "واحد وثلاثين كيلو جرام وتسعمائة وأربعة وسبعين جرامًا "بأختام مصلحة دمغ المصوغات والموازين دون سداد الرسم المقرر. ثانيًا: اشتركوا بطريقى الاتفاق والمساعدة مع المتهمين من الأول وحتى الثالث فى ارتكاب جناية الشروع فى تسهيل الاستيلاء المسندة إليهم بأن اتفقوا معهم على ارتكابها وساعدوهم فى ذلك بأن قدموا إليهم المشغولات الذهبية الأجنبية المهربة المبينة وصفًا وكمًا بالأوراق لدمغها بأختام مصلحة دمغ المصوغات والموازين دون سداد رسم الدمغ المستحق عليها فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة على النحو المبين بالتحقيقات. ثالثًا: اشتركوا بطريقى الاتفاق والمساعدة مع المتهمين من الأول حتى الثالث فى الاستحصال بغير حق على أختام إحدى المصالح الحكومية - مصلحة دمغ المصوغات والموازين - واستعمالها استعمالاً ضارًا بمصلحة عامة بأن اتفقوا معهم على الحصول على هذه الأختام واستخدامها دون حق وقدموا إليهم مشغولاتهم الذهبية المشار إليها آنفًا لختمها بها خارج المصلحة ودون سداد رسم الدمغ المقرر فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة على النحو المبين بالتحقيقات.
وأحالتهم إلى محكمة جنايات... لمحاكمتهم طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة والمحكمة المذكورة قضت حضوريًا ببراءتهم مما هو منسوب إليهم.
فطعنت النيابة العامة فى هذا الحكم بطريق النقض ومحكمة النقض قضت بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة... لتفصل فيها من جديد دائرة أخرى.
ومحكمة الإعادة - بهيئة مغايرة - قضت حضوريًا بالمواد 40/ 2 - 3، 41، 45، 46، 103، 104، 107 مكررًا، 113/ 3، 115، 116 مكررًا، 118 من قانون العقوبات مع إعمال المادتين 17، 32 من ذات القانون بمعاقبة الأول بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات وبتغريمه.... جنيه وبعزله من وظيفته، وبمعاقبة كل من الثانى والثالث بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وغرامة.... جنيه والعزل من الوظيفة، وبمعاقبة كل من الرابع والخامس والسادس بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريمهم.... جنيه وبمصادرة المشغولات الذهبية المضبوطة.
فطعن المحكوم عليهم..... فى هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية.
ومحكمة النقض قضت بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وتحديد جلسة لنظر الموضوع.


المحكمة

من حيث إن واقعة الدعوى - حسبما استقرت فى يقين المحكمة مستخلصة من أوراقها وما تم فيها من تحقيقات وما دار بشأنها بجلسات المحاكمة تخلص فى أن التحريات السرية التى أجراها... عضو هيئة الرقابة الإدارية قد أسفرت عن أن المتهم الأول... الذى يعمل وزانًا بمصلحة دمغ المصوغات والموازين يقوم مع بعض زملائه بهذه المصلحة ومن بينهم المتهم الثالث... بدمغ المشغولات الذهبية أجنبية الصنع لحساب بعض تجار المصوغات ومن بينهم المتهم الرابع... والمتهم... السابق الحكم عليه، وذلك خارج مقر المصلحة ويدمغوها بأختامها لقاء مبالغ مالية على سبيل الرشوة، وأن دمغ المصوغات يتم بداخل مسكن المتهم الأول الكائن بشارع... رقم.... بدائرة قسم.....، كما أسفرت التحريات عن أن المتهم الأول يتقاضى مبلغ..... مقابل دمغ الجرام الواحد من المشغولات الذهبية، فاستحصل مجرى التحريات على إذن من النيابة العامة بتفتيش مسكن المتهم الأول لضبط أى مشغولات ذهبية يجرى دمغها بطريقة غير مشروعة وكذا الأختام والأدوات المستخدمة فى هذا الدمغ، وبتاريخ... أسفرت التحريات أيضًا عن أن المتهم الأول... قد تسلم كمية من المشغولات الذهبية أجنبية الصنع من المتهمين من الرابع وحتى الأخير بالإضافة إلى المتهم السابق الحكم عليه، وأنه سيتم دمغ هذه المصوغات بمسكنه المأذون بتفتيشه بمعاونة المتهمين الثانى والثالث، وذلك بعد أن أحضر المتهم الثانى أختام وأدوات الدمغ التى بعهدته من داخل المصلحة، وعندما تأكد محرر محضر التحريات من اجتماع المتهمين الثلاثة الأول بداخل المسكن جرى مداهمته حيث وجدوا هؤلاء المتهمين ومعهم المتهم السابق الحكم بانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة له - بوفاته - داخل حجرة نوم وعلى منضدة أمامهم مشغولات ذهبية أجنبية الصنع وزنت نحو واحد وثلاثين كيلو جرام وتسعمائة جرام، تم دمغ جزء منها وكان يجرى دمغ الجزء الباقى باستعمال أختام وأدوات الدمغ الخاصة بالمصلحة، فجرى ضبط تلك الأشياء، كما ضبط بحجرة أخرى مبالغ مالية متنوعة وكمية ضئيلة من المشغولات الذهبية تبين فيما بعد ملكية المتهم الأول لها.
ومن حيث إن الواقعة على النحو السالف بيانه قد قام الدليل على صحتها وثبوتها فى حق المتهمين الستة، وذلك من شهادة كل من.... وما قرره المتهم..... بالتحقيقات، وما قرره المتهم الخامس..... بجلستى المحاكمة، ومن اعتراف المتهم السادس..... بارتكابه الواقعة.
فقد شهد.... عضو هيئة الرقابة الإدارية بأن تحرياته السرية أسفرت عن قيام بعض تجار الذهب من بينهم المتهمين من الرابع حتى الأخير بالاتفاق مع المتهم الأول الذى يعمل وزانًا بمصلحة دمغ المصوغات والموازين على القيام بدمغ بعض المشغولات الذهبية أجنبية الصنع بأختام المصلحة وبطريقة غير مشروعة بداخل مسكنه، بمعاونة المتهمين الثانى والثالث والمتهم الذى سبق الحكم بانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة له بوفاته، وذلك بعد أن ينقل المتهم الثانى الأختام والأدوات التى بعهدته من مقر المصلحة إلى مسكن المتهم الأول حتى يتسنى دمغ هذه المشغولات، وأن ذلك العمل يتم لقاء رشوة حدد مقدارها بمبلغ... لكل جرام يتم دمغه، وبعد أن علم من الشاهد الثالث باجتماع المتهمين الثلاثة الأول والمتهم الذى توفى بداخل المسكن مساء يوم..... كلف الشاهد الثانى بطرق باب المسكن - المأذون بتفتيشه - ودخوله بصفته طبيبًا، ثم تبعه وباقى أفراد القوة حيث وجد المتهمين سالفى الذكر بإحدى حجرات المسكن وأمامهم فوق منضدة كمية من المشغولات الذهبية أجنبية الصنع وزنت نحو واحد وثلاثين كيلو جرام وتسعمائة جرام، تم دمغ جزء منها باستعمال أختام وأدوات الدمغ الخاصة بالمصلحة، فجرى ضبط هذه المشغولات والأدوات، وبمواجهته المتهم الأول أنكر ما أسند إليه وقرر بأن المشغولات الذهبية المضبوطة ملك له، وشهد..... عضو الرقابة الإدارية بأنه كُلف من الشاهد الأول مساء يوم..... بطرق باب مسكن المتهم الأول ودخوله بصفته طبيبًا ثم تبعه الشاهد الأول وباقى أفراد القوة حيث جرى ضبط الواقعة على النحو الوارد بمضمون ما شهد به الشاهد السابق.
وشهد .... عضو الرقابة الإدارية بأنه كُلف من الشاهد الأول بتاريخ... بمراقبة مسكن المتهم الأول الكائن بدائرة.....، وما أن شاهد المتهمين الثانى والثالث والمتهم الذى توفى، يتوجهون إلى المسكن، حتى أخطر الشاهد الأول بذلك، فجرى دخول المسكن حيث تبع قوة الضبط وتم ضبط الواقعة على النحو الوارد بمضمون ما شهد به الشاهد الأول.
وشهدت... الموظفة بمصلحة دمغ المصوغات والموازين بأنها كُلفت برئاسة لجنة من قبل رئيس المصلحة بجرد عهدة المتهم الثانى..... فاكتشفت وجود نقص فى عهدة عيارات الدمغ، وشهد..... وكيل إدارة تفتيش دمغ المصوغات بأنه كُلف برئاسة لجنة لفحص المشغولات الذهبية المضبوطة بمسكن المتهم الأول، فتبين له أن وزن تلك المشغولات واحد وثلاثون كيلو جرام وتسعمائة وأربعة وسبعون جرامًا من المشغولات الذهبية أجنبية الصنع وأنه تم دمغ نحو ثلثها بخاتم عيار 18 المصرى والباقى غير مدموغ.
وقرر المتهم... وكيل قسم توقيع الدمغة، الذى سبق الحكم بانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة له بوفاته، وذلك فى التحقيقات التى أجريت بسراى النيابة، بأن العمل بالمصلحة يجرى على تقدم صاحب الشأن بالمشغولات الذهبية المراد دمغها، بتسليمها لقسم الوزن ثم تحال إلى قسم العينات لاتخاذ بعض الإجراءات الفنية، وعقب التأكد من مطابقة العيار ترسل إلى قسم توقيع الدمغة لدمغها، وأن المشغولات الذهبية أجنبية الصنع لا يتم دمغها إلا بعد تقديم الإفراج الجمركى عنها، وأضاف بأنه فى يوم الضبط توجه مع المتهم الثانى إلى مسكن المتهم الأول، فوجد المتهم الثالث به ويقوم بدمغ مشغولات ذهبية أجنبية الصنع بأختام وأدوات المصلحة مما فى عهدة المتهم الثانى والمحظور خروجها من داخل المصلحة. وقرر المتهم الخامس..... أمام المحكمة بأنه سلم المتهم الأول... سبعة كيلو جرامات من المشغولات الذهبية المضبوطة لدمغها غير أنه لم يطلب منه دمغها خارج المصلحة.
ومن حيث إن المتهم السادس..... قدم بجلسة المحاكمة الأخيرة اعترافًا مكتوبًا صادرا منه ضمنه أنه سلم المتهم الأول.... نحو سبعة كيلو جرامات من المشغولات الذهبية أجنبية الصنع لدمغها بخاتم مصلحة دمغ المصوغات والموازين مقابل وعده بأن يدفع له مبلغ جنيهين ونصف عن كل جرام.
ومن حيث إن المتهمين الأول والثالث أنكرا بجلسات المحاكمة ما أسند إليهما وطلب المدافع عنهما الحكم بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها فى جناية الكسب غير المشروع رقم..... السابق القضاء فيها بالبراءة، ودفع ببطلان اعتراف المتهم الأول بتحقيقات النيابة العامة لإطالة أمد الاستجواب الذى تم بداخل مقر الرقابة الإدارية دون أن يفصح المحقق عن شخصيته وأن المتهم الأول طلب من النيابة العامة إعادة استجوابه للإدلاء بالحقيقة غير أنها رفضت ذلك مما دفعه للإضراب عن الطعام، كما دفع ببطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات التى بنى عليها ولصدوره لضبط جريمة مستقبلة، وببطلان اعتراف المتهمين الثانى والثالث لكونه وليد إكراه مادى ومعنوى، ودفع ببطلان التسجيلات التى تمت فى الدعوى والدليل المستمد منها، وبعدم قبول الدعوى الجنائية لعدم صدور طلب جمركى برفعها، وبعدم توافر أركان جريمة تسهيل الاستيلاء وذلك لعدم دخول المال فى ذمة الدولة المالية، ونازع فى صحة وصف جريمة الرشوة.
ومن حيث إن المتهم الثانى أنكر ما أسند إليه بجلسات المحاكمة وشرح المدافع عنه ظروف الواقعة وأحال إلى دفاعه السابق كله فى مراحل المحاكمة السابقة، والذى يوجز فى عدم جدية التحريات التى بنى عليها إذن التفتيش ولصدوره عن جريمة مستقبلة وبطلان التسجيلات الهاتفية التى تمت فى الدعوى، وبطلان اعترافات المتهمين بتحقيقات النيابة لتعمد المحقق إطالة أمد التحقيق وعدم إفصاحه عن أن النيابة العامة تباشر التحقيق، وعدم معقولية الواقعة.
ومن حيث إن المتهم الخامس أنكر ما أسند إليه طوال مراحل التحقيق إلا أنه بجلستى المحاكمة الأخيرتين أقر بأنه سلم المتهم الأول سبعة كيلو جرامات من المشغولات الذهبية أجنبية الصنع وذلك لدمغها غير أنه لم يطلب منه دمغها خارج نطاق مصلحة دمغ المصوغات والموازين، ودفع الحاضر معه ببطلان تحقيق النيابة العامة لطول أمده وإرهاق المتهمين وببطلان التسجيلات لتنصت مجريها وآخرين عليها والدليل المستمد منها، وبانتفاء القصد الجنائى لدى المتهم.
ومن حيث إن المتهم الرابع أنكر ما أسند إليه، وردد الحاضر معه الدفوع التى أبداها الآخرون بالنسبة لبطلان إذون التفتيش لعدم جدية التحريات التى بنيت عليها ولصدورها عن جريمة مستقبلة، وعدم صدور طلب جمركى برفع الدعوى الجنائية، وبطلان التسجيلات الهاتفية لصدور الإذن بها من غير مختص لوجود فارق بين قاضى التحقيق والقاضى الجزئى ولتنصت مجريها عليها دون أن يكون مأذونًا بذلك، ولعدم تحرير محضر مستقل عن كل تسجيل، وبطلان تفتيش مسكن المتهم الأول لأنه تم بطريقة الحيلة، ودفع بحجية حكم البراءة فى قضية الكسب غير المشروع بالنسبة لباقى المتهمين لأنه بنى على أسباب عينية.
ومن حيث إن المتهم السادس قدم بجلسة المرافعة الأخيرة إقرارًا مكتوبًا تضمن اعترافه بارتكاب الواقعة وطلب المدافع عنه إعمال أثره طبقًا لنص المادة 107 من قانون العقوبات، وطلب أصليًا البراءة عن تهمة الرشوة إذ أن ما أسند إلى المتهم لا عقاب عليه، ودفع بعدم تمتع أعضاء الرقابة الإدارية بصفة الضبط القضائى، ومن ثم بطلان ما قاموا به من إجراءات فى الدعوى.
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها فى جناية الكسب غير المشروع رقم..... فإنه فى غير محله، ذلك أن البيِّن من محضر ضبط الواقعة أنه تم ضبط واحد وثلاثين كيلو جرام وتسعمائة جرام من المشغولات الذهبية أجنبية الصنع - محل الاتهام فى القضية الماثلة - أثناء دمغها بأختام مصلحة دمغ المصوغات والموازين، كما ضبط داخل حجرة أخرى بالمسكن مبلغ... جنيها مصريًا، ومبلغ ألف دولار أمريكى، ومبلغ... ريال سعودى ومشغولات ذهبية تزن 208.9 جرام وأربع ساعات يد، وكانت تلك المضبوطات داخل خزينة حديدية، كما عثر على مبلغ.... جنيهات مصرية، ومشغولات ذهبية تزن مائة وخمسين جرامًا، وقد تبين من الاطلاع على جناية الكسب غير المشروع رقم..... المضمومة أنها خصصت عن المبالغ المالية سالفة الإشارة وما ضبط معها من مصوغات بالإضافة إلى سيارة ماركة فولكس واجن وشقة سكنية كائنة... مملوكتين للمتهم الأول، وقد أحيل هذا المتهم بأمر إحالة إلى محكمة جنايات..... باعتبار أنه حصل لنفسه على كسب غير مشروع بسبب استغلال وظيفته مما أدى إلى زيادة طارئة فى ثروته قدرها.... جنيها و... دولار أمريكى و.... ريال سعودى، وبتاريخ... قضت محكمة جنايات... حضوريًا ببراءة المتهم..... من التهمة المسندة إليه تأسيسًا على اطمئنان المحكمة إلى ما خلص إليه تقرير مكتب خبراء وزارة العدل من ثبوت مشروعية مصدر عناصر ثروة المتهم. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن مناط حجية الأحكام هى وحدة الخصوم والموضوع والسبب، ويجب للقول باتحاد السبب أن تكون الواقعة التى يحاكم المتهم عنها هى بعينها التى كانت محلاً للحكم السابق، ولا يكفى للقول بوحدة السبب فى الدعويين أن تكون الواقعتان كلتاهما حلقة من سلسلة وقائع متماثلة ارتكبها المتهم لغرض واحد، إذا كان لكل واقعة من هاتين الواقعتين ذاتية خاصة وظروف خاصة تتحقق بها المغايرة بما يمتنع معها القول بوحدة السبب فى كل منهما، كما أنه من المقرر أنه يجب لقبول الدفع بقوة الشيء المحكوم به أن يكون موضوع الدعوى الثانية هو نفس موضوع الدعوى السابق الفصل فيها. لما كان ذلك، وكان البيِّن من جناية الكسب غير المشروع أن موضوعها مغاير لموضوع الدعوى الماثلة التى خصصت لمحاكمة المتهم الأول وباقى المتهمين عن واقعة القيام بالشروع فى دمغ مشغولات ذهبية أجنبية الصنع بلغ وزنها واحد وثلاثون كيلو جرامًا وتسعمائة جرام بطريقة غير مشروعة مقابل رشوة، ومن ثم تتحقق المغايرة بين الواقعتين التى يمتنع معها إمكان القول بوحدة السبب فى كل منهما بما يكون معه الدفع المثار فى هذا الصدد على غير أساس من الواقع أو القانون.
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم تمتع أعضاء الرقابة الإدارية بصفة الضبط القضائى، فإنه مردود بدوره، بأن المادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية بعد أن عينت الموظفين الذين يعتبرون من مأمورى الضبط القضائى وأجازت لوزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص تخويل بعض الموظفين تلك الصفة بالنسبة إلى الجرائم التى تقع فى دوائر اختصاصهم وتكون متعلقة بأعمال وظائفهم، اعتبرت فى فقرتها الأخيرة النصوص الواردة فى القوانين والمراسيم والقرارات الأخرى بشأن تخويل بعض الموظفين اختصاص مأمورى الضبط القضائى بمثابة قرارات صادرة من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص، ولما كانت الفقرة (ج) من المادة الثانية من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 54 لسنة 1964 بإعادة تنظيم الرقابة الإدارية المعدل بالقانون رقم 71 لسنة 1969، قد نصت على أن الرقابة الإدارية تختص: "بالكشف عن المخالفات الإدارية والمالية والجرائم الجنائية التى تقع من العاملين أثناء مباشرتهم لواجبات وظائفهم أو بسببها، كما تختص بكشف وضبط الجرائم التى تقع من غير العاملين والتى تستهدف المساس بسلامة أداء واجبات الوظيفة أو الخدمات العامة وذلك بشرط الحصول على إذن كتابى من النيابة العامة قبل اتخاذ الإجراءات....."، وكانت المادة 61 من القرار بقانون سالف الإشارة قد نصت على أنه "يكون لرئيس الرقابة الإدارية ونائبه ولسائر أعضاء الرقابة الإدارية ولمن يندب للعمل عضوًا بالرقابة سلطة الضبطية القضائية فى جميع أنحاء الجمهورية العربية المتحدة، ولهم فى سبيل مباشرة اختصاصاتهم مزاولة جميع السلطات التى تخولها صفة الضبطية القضائية المقررة لبعض الموظفين فى دائرة اختصاصهم". لما كان ما تقدم، فإنه على هدى النصوص القانونية سالفة الإشارة، يكون القانون قد أضفى على أعضاء الرقابة الإدارية صفة الضبط القضائى بالنسبة إلى كافة الجرائم التى تقع من العاملين، أو من غير العاملين مادامت تلك الأفعال المسند إلى المتهمين ارتكابها تستهدف المساس بسلامة أداء واجبات الوظيفة العامة، وهو ما تحقق فى الدعوى الراهنة بالنسبة لجميع المتهمين ومن ثم يكون الدفع المبدى فى هذا الشأن على غير أساس.
ومن حيث إنه عن الدفع ببطلان إذن التفتيش وبطلان رفع الدعوى الجنائية قبل المتهمين لعدم وجود طلب جمركى أو ضريبى باعتبار أن الواقعة لا تعدو أن تكون جنحة تهرب من سداد الرسوم الجمركية والضريبية حسبما ورد بقرار الإحالة، فإنه أيضًا مردود بأنه لما كانت المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية تقضى بأن النيابة العامة تختص دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها طبقا للقانون وأن اختصاصها فى هذا الشأن مطلق لا يرد عليه قيد إلا فى الأحوال الاستثنائية التى نص عليها القانون، وكانت النيابة العامة قد أقامت الدعوى قبل المتهمين بعد أن باشرت إجراءات التحقيق فيها عن جرائم الرشوة والشروع فى الاستيلاء بغير حق على مال عام والحصول بغير حق على أختام الدولة واستعمالها بالمخالفة لأحكام المواد 103، 104، 113، 207 من قانون العقوبات، وكان هذا القانون قد خلا من أى قيد على حرية النيابة العامة فى رفع الدعوى الجنائية ومباشرتها فى تلك الجرائم وهى جرائم مستقلة ومتميزة بعناصرها القانونية عن جرائم التهريب الجمركى والضريبى مما لا يستلزم لتحريك الدعوى الجنائية بشأنها الحصول على إذن من مصلحتى الجمارك أو الضرائب، وكان ما أورده الدفاع من أن أمر الإحالة قد أورد فى وصف التهمة الأولى أن المشغولات الذهبية المضبوطة مهربة من الرسوم الجمركية والضريبية، فإنه قول مردود بأنه لما كان الجدول المرافق للقانون رقم 68 لسنة 1976 بشأن الرقابة على المعادن الثمينة قد حدد رسوم دمغ المشغولات الذهبية المحلية، وضاعف هذا الرسم على المشغولات الأجنبية الواردة من الخارج مما استلزم من سلطة الاتهام تحديد الرسوم المستحقة على المشغولات المضبوطة تحديدًا لعناصر التهمة الثانية، فضلاً عن رغبتها فى الإشارة إلى الباعث على ارتكاب جريمة الرشوة، وهو ما لا تأثير له على كيان الجريمة وليس ركنًا من أركانها أو عنصرًا من عناصرها، ولا يؤثر فى الأمر ما ورد بقانون الرقابة على المعادن الثمينة سالف الإشارة من اشتراطه تقديم إفراج جمركى مع المشغولات الذهبية أجنبية الصنع حتى يتسنى لمصلحة دمغ المصوغات والموازين دمغها إذ أن ذلك لا يعدو كونه إجراء تنظيميًا ولا يتعلق بقيد يرد على حرية النيابة العامة فى رفع الدعوى الجنائية ومباشرتها بالنسبة إلى التهم موضوع هذه الدعوى، ومن ثم يكون الدفع المثار فى هذا الصدد غير سديد.
ومن حيث إنه عن الدفع ببطلان تفتيش مسكن المتهم الأول لحدوثه بطريق الحيلة والخداع بأن انتحل الشاهد الثانى صفة طبيب لكى يتمكن من دخول المسكن، فإنه مردود بأنه من المقرر أن لمأمورى الضبط القضائى إذا ما صدر إليهم إذن من النيابة العامة بإجراء تفتيش أن يتخذوا ما يرونه كفيلاً بتحقيق الغرض منه دون أن يلتزموا فى ذلك طريقة بعينها ماداموا لا يخرجون فى إجراءاتهم على القانون، ويكون لهم تخير الظرف المناسب لإجرائه وبطريقة مثمرة، ومن ثم فلا تثريب على مأمور الضبط القضائى المنتدب للتفتيش - فى هذه الدعوى - فيما قام به لتنفيذ الإذن مادام قد رأى ذلك وسيلة مثمرة لدخول مسكن المتهم الأول المأذون بتفتيشه.
ومن حيث إنه عن كافة الدفوع المبداة من الدفاع عن المتهمين ببطلان التسجيلات الهاتفية والدليل المستمد منها على اختلاف أسانيدها، فإنها مردودة بأن المحكمة غير ملزمة بالتحدث فى حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر فى تكوين عقيدتها، ولما كانت المحكمة لم تعول فى قضائها على أى دليل مستمد من تلك التسجيلات فإنها ليست بحاجة للرد على هذه الدفوع.
ومن حيث إنه عن الدفع ببطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات التى بنى عليها استنادًا إلى القول بأنها جاءت قاصرة وخلت من الإشارة إلى وجود أى دور للمتهمين الخامس والسادس بالواقعة، أو وجود صلة بين المتهمين الثانى والثالث وبين المتهمين من الرابع حتى الأخير، وأنه صدر لضبط جريمة مستقبلة، فهذا الدفع بشقيه مردود بأنه لما كان الأصل فى القانون أن الإذن بالتفتيش هو إجراء من إجراءات التحقيق لا يصح إصداره إلا لضبط جريمة جناية أو جنحة واقعة بالفعل وترجحت نسبتها إلى متهم معين وأن هناك من الدلائل ما يكفى للتصدى لحرمة مسكنه أو لحريته الشخصية. لما كان ذلك، وكان مفاد نص المادتين 103، 104 من قانون العقوبات، أنه إذا توافر اتفاق بين الموظف وصاحب المصلحة على أداء العمل مقابل الجعل، فإن جريمة الرشوة تكون قد وقعت، يستوى فى ذلك أن يكون العطاء سابقًا أو معاصرًا لأداء العمل أو لاحقًا عليه مادام أداء العمل كان تنفيذًا لاتفاق سابق، إذ أن نية الاتجار بالوظيفة فى هذه الحالة تكون قائمة من البداية. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لتسويغ الأمر بالتفتيش هو من الموضوع الذى يستقل به قاضيه بغير معقب، وكانت هذه المحكمة قد اقتنعت بتوافر مسوغات إصدار هذا الأمر بعد أن أوردت التحريات قيام المتهم الأول الموظف بمصلحة دمغ المصوغات والموازين بالاتفاق مع بعض تجار الذهب ومن بينهم المتهم الرابع والمتهم الذى سبق الحكم بإدانته على دمغ كمية من المشغولات الذهبية بطريقة غير مشروعة مقابل جُعل وأنه سيقوم بارتكاب هذا الفعل بمسكنه بمعاونة بعض زملائه من موظفى المصلحة، ولا يقدح فى جدية هذه التحريات عدم تحديدها لأشخاص بعض المتهمين واكتشاف شخصياتهم فيما بعد، إذ أنه من المقرر أن الأعمال الإجرائية محكومة من جهة الصحة والبطلان بمقدماتها لا بنتائجها، ومن ثم تخلص المحكمة إلى جدية التحريات وأن الأمر بالتفتيش إنما صدر لضبط جريمة تحقق وقوعها من مقارفيها لا لضبط جريمة مستقبلة، ذلك لأن نية الاتجار بالوظيفة فى واقعة الدعوى كانت قائمة من البداية حال تقدم رجل الضبط بهذه التحريات. ومن حيث إنه عما أثاره المتهم الخامس... من أنه لم يطلب من المتهم الأول.... دمغ المشغولات الذهبية أجنبية الصنع المسلمة إليه خارج نطاق مصلحة دمغ المصوغات والموازين فإنه مردود بأن المحكمة ليست ملزمة فى أخذها بأقوال المتهم أن تلتزم نصها وظاهرها بل لها أن تأخذ منها ما تراه مطابقًا للحقيقة، وكانت المحكمة تطمئن إلى قيام المتهم الخامس بتسليم المتهم الأول كمية من المشغولات الذهبية لدمغها خارج نطاق المصلحة على نحو ما أسفرت عنه التحريات وأقوال مجريها ومن اعتراف المتهم الأخير بذلك ومن ثم يكون دفاع المتهم فى هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى مادام استخلاصها سائغًا مستندًا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق، وترتيبًا على ما تقدم فإن المحكمة تستخلص قيام المتهمين من الرابع حتى الأخير ومعهم المتهم الذى سبق الحكم بإدانته بتسليم المتهم الأول المشغولات الذهبية المضبوطة لدمغها بطريقة غير مشروعة خارج نطاق مصلحة دمغ المصوغات والموازين لقاء جُعل.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أيضًا أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم فى مناحى دفاعه الموضوعى وفى كل شبهة يثيرها والرد على ذلك مادام الرد يستفاد ضمنًا من القضاء بالإدانة استنادًا إلى أدلة الثبوت السائغة التى أوردتها، ومن ثم فإن المحكمة ليست بحاجة للرد على دفاع المتهمين الموضوعى. ومن حيث إنه عما أثاره المدافع عن المتهم الأول من عدم توافر جريمة الرشوة فى حقه استنادًا إلى القول بأنه لا يختص بدمغ المشغولات وأن عمله مجرد وزان، فإنه فى غير محله، ذلك لأنه من المقرر أنه لا يشترط فى جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التى يطلب من الموظف أداؤها داخله فى نطاق الوظيفة مباشرة بل يكفى أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها وأن يكون من طلب منه الرشوة قد اتجر معه على هذا الأساس، وإذ كان المتهم الأول يعمل وزانا بمصلحة دمغ المصوغات والموازين وأن القسم الذى يعمل به يتلقى فى البدء المشغولات الذهبية المراد دمغها ويقوم بوزنها قبل عرضها على الأقسام الأخرى لاتخاذ بعض الإجراءات الفنية ثم ترسل أخيرًا إلى قسم توقيع الدمغة لدمغها، وكان الثابت مما سلف إيراده من أدلة فى الدعوى أن المتهم الأول قد اتفق مع المتهمين الثانى والثالث العاملين بقسم توقيع الدمغة بذات المصلحة التى يعمل بها على دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة بطريقة غير مشروعة لقاء جُعل متفق عليه مع المتهمين من الرابع حتى الأخير، فإن ذلك يعقد له الاختصاص بما قبل الرشوة من أجله. ومن حيث إنه عما أثاره المتهم السادس من أن ما أسند إليه فى تهمة الرشوة هو فعل بمنأى عن التأثيم تأسيسًا على القول بأن القانون لا يعاقب على جريمة عرض رشوة إلا إذا كان العرض لم يقبل عملاً بنص المادة 109 مكررًا من قانون العقوبات، فإنه مردود بأنه لما كان الشارع قد تغيا من النصوص فى الباب الثالث من الكتاب الثانى من قانون العقوبات الخاص بالرشوة، تجريم الاتجار بالوظيفة العامة، وأن مقتضى فكرة الرشوة تواجد طرفين هما المرتشى وهو الموظف العام، والراشى وهو صاحب المصلحة، ولا تتم قانونًا إلا بإيجاب من الراشى وقبول من جانب المرتشى، وتعتبر الجريمة فى هذا الصدد مشروعًا إجراميًا واحدًا فاعلها هو المرتشى، أما الراشى فهو ليس إلا شريكًا فيها يستمد إجرامه من الفعل الذى يساهم فيه، وهو ما أراده الشارع من اقتصاره فى النص فى المادة 107 مكررًا من قانون العقوبات على عقوبة الراشى دون التعريف بجريمته، اكتفاءً بالرجوع إلى القواعد العامة من اعتباره شريكًا فى جريمة الرشوة التى قبلها الموظف العام، وأن ما أورده الشارع فى المادة 109 مكررًا من قانون العقوبات بالنص على أنه "من عرض رشوة ولم تقبل منه يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه وذلك إذا كان العرض حاصلاً لموظف عام.... " فهو رغبة المشرع فى إيراد هذه الجريمة الخاصة، اعتبر الراشى فيها فاعلاً أصليًا فى جريمة مستقلة هى جريمة عرض رشوة دون قبولها، وهى جريمة لا يساهم الموظف العام فيها بأى دور وقصد منها محاربة السعى إلى إفساد ذمته وهى غير الصورة الواردة بواقعة الدعوى والمؤثمة بنص المادتين 104، 107 مكررًا من قانون العقوبات والتى تتحصل فى قيام المتهمين الثلاثة الأول - موظفى مصلحة دمغ المصوغات والموازين - بالإخلال بواجبات الوظيفة لقاء جُعل من المتهمين من الرابع حتى الأخير، ومن ثم فلا مجال لتطبيق نص المادة 109 مكررًا من قانون العقوبات.
ومن حيث إنه عن الدفع ببطلان اعتراف المتهم الأول..... بتحقيقات النيابة العامة نظرًا لإطالة أمد التحقيق وإرهاقه، وعدم إحاطته علمًا بأن النيابة العامة هى التى تباشر التحقيق، فإنه لما كان البين من محضر ضبط الواقعة وتحقيقات النيابة العامة أنه فى الساعة 7 من مساء يوم... جرى مداهمة مسكن المتهم الأول وتفتيشه، وحرر محضر ضبط الواقعة فى الساعة 10.45 من مساء اليوم ذاته واختتمه محرره بعرض المتهمين والأحراز على النيابة العامة، وبتاريخ... الساعة 10.45 صباحًا فتح محضر النيابة العامة بمقر هيئة الرقابة الإدارية بإثبات الاطلاع على محاضر التحريات وإذون التفتيش ومحضر ضبط الواقعة، ثم بدأ المحقق التحقيق بسؤال شاهد الإثبات الأول فى غيبة المتهمين ودون استدعائهم إلى حجرة التحقيق، وعقب الانتهاء من سؤال محرر محضر الضبط أورد المحقق أنه بمناسبة تواجد المتهمين بمقر هيئة الرقابة الإدارية، قد استدعى المتهم الثانى... وسأله مباشرة عن الواقعة دون إحاطته فى البدء بالتهمة المسندة إليه وبأن النيابة العامة هى التى تباشر التحقيق، وعقب الانتهاء من استجواب هذا المتهم أمر بإخراجه من حجرة التحقيق، ثم استدعى المتهم الأول حيث استجوبه مباشرة بالكيفية التى تمت مع المتهم السابق، حيث اعترف بما أسند إليه بعد أن كان منكرًا لذلك فى محضر ضبط الواقعة، وإذ انتهى من استجوابه اختتم محضره بالعبارة الآتية "ونظرًا لشعورنًا بالإرهاق حيث بلغت الساعة 2 من صباح يوم السبت لذلك قررنا استكمال التحقيق الساعة 9 صباحًا"، وقد حوت الأوراق أنه بتاريخ... أضرب المتهم الأول عن تناول الطعام فحررت إدارة السجن محضرًا بذلك سئل فيه المتهم الأول حيث قرر بأنه اتخذ هذا المسلك نظرًا لطلبه عدة مرات هو ومحاميه إعادة استجوابه للإدلاء بأقوال هامة حيث أن أقواله السابقة بتحقيق النيابة العامة جاءت بناء على تغرير به من أعضاء الرقابة الإدارية إلا إن النيابة لم تقم بإعادة سؤاله وأُشِر على طلباته فى هذا الصدد بالإرفاق، وإذ أصر المتهم على إضرابه عن الطعام صدر قرار النيابة العامة للشرطة بإسداء النصح للمتهم بالعدول عن موقفه، وإذ استمر يتم تغذيته صناعيًا. لما كان ذلك، وكان القضاء الدستورى قد جرى على أن حيدة القضاء تعتبر عنصرًا مكملاً لاستقلاله وتعتبر حقًا من حقوق الإنسان، ومبدأ أساسيًا من مبادئ القانون لأنها تؤكد الثقة فى القضاء، كما أن النيابة العامة وهى تباشر اختصاصاتها من خلال مباشرتها للدعوى الجنائية فإنها تتمتع أيضًا باستقلال القضاء وبحياده وأن تكون المصلحة العامة هى جوهر عملها، وأن يتم ذلك بموضوعية. لما كان ذلك، وكان من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن إطالة مدة التحقيق مع المتهم لا يمثل إكراها إلا إذا كان المتهم منكرًا للتهمة وتعمد المحقق إطالة مدة التحقيق لإرهاقه بغية الحصول منه على اعتراف، وكان نص الفقرة الأولى من المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية قد جرى على أنه "عند حضور المتهم لأول مرة فى التحقيق، يجب على المحقق أن يتثبت من شخصيته، ثم يحيطه علما بالتهمة المسندة إليه ويثبت أقواله فى المحضر"، مما مفاده أن القانون لم يرتب واجبًا على المحقق بأن ينبئ المتهم عن شخصيته. لما كان ذلك، وكان من المقرر - عملاً بمفهوم المادة 42 من الدستور والفقرة الأخيرة من المادة 302 من قانون الإجراءات الجنائية - أن الاعتراف الذى يعول عليه يتحتم أن يكون اختياريًا، صادرًا عن إرادة حرة، فلا يصح التعويل على الاعتراف - ولو كان صادقًا - متى كان وليد إكراه أو تهديد أو وعد أو وعيد، أو صادرًا عن إرادة غير حرة. لما كان ما تقدم، وكان البين من تحقيق النيابة العامة أنه جرى استجواب المتهم الأول بطريقة غير مألوفة، إذ استهل المحقق محضره بسؤال عضو الرقابة الإدارية ولم يقم باستدعاء المتهمين الثلاثة الأول إلى داخل حجرة التحقيق وإحاطتهم علمًا بالتهمة المسندة إليهم على ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية سالفة الإشارة، ثم استدعى المتهم الثانى وقام باستجوابه تاركًا المتهم الأول خارج حجرة التحقيق رغم أنه هو المتهم الرئيسى فى الدعوى، وهو الذى انصبت عليه التحريات فى البدء، وصدر الإذن بتفتيش مسكنه وجرى تفتيشه وضبط الواقعة، مما كان يؤذن للمحقق بالبدء فى استجواب هذا المتهم إلا أنه لم يتم ذلك إلا فى صباح اليوم الثالث لضبطه وبعد تركه ساعات طويلة بداخل مقر هيئة الرقابة الإدارية، وإرهاقه إلى حد أن المحقق ذاته قد سجل على نفسه هو شعوره بالإرهاق، مما تستخلص منه المحكمة أن إرادة المتهم الأول لدى استجوابه لم تكن إرادة حرة بريئة من كل تأثير، ومما ينبئ عن أن إجراءات التحقيق بمقر هيئة الرقابة الإدارية قد شابها الخروج على مبدأ حياد النيابة العامة والثقة فى إجراءاتها، مما يبطل استجواب المتهم الأول وكل ما ترتب عليه، يؤكد هذا النظر أنه وإن ولم يوجب القانون أن يحيط المحقق المتهم علمًا بأن النيابة العامة هى التى تباشر التحقيق، إلا أنه - فى خصوص الدعوى الراهنة ونظرًا لما أحاط بها من ظروف وملابسات - كان من المتعين على المحقق فى مستهل التحقيق فى مقر هيئة الرقابة الإدارية وبعد فترة طويلة من ضبط المتهم الأول وبقائه بمقر الهيئة بعيدًا عن حجرة التحقيق - أن يفصح للمتهم عن شخصيته ترسيخًا لمبدأ حياد النيابة العامة وبثًا للطمأنينة فى نفسه حتى يشعر بأنه قد أضحى بعيدًا عن كل ما قد يؤثر فى إرادته، كما كان يتعين على المحقق أن يستمع إلى الأقوال التى يريد المتهم إبدائها بصرف النظر عن صدق هذه الأقوال أو مخالفتها للحقيقة فالأمر أولاً وأخيرًا يخضع لتقدير النيابة العامة ومحكمة الموضوع من بعدها لهذه الأقوال، إذ أن فى ذلك تأكيد على أن النيابة العامة لا تبغى سوى حماية الحقوق والحريات سواء كانت للمتهم أو للمجتمع. ومن حيث إن جريمة الرشوة المنصوص عليها فى المادتين 104، 107 مكررًا من قانون العقوبات قد تكاملت أركانها بالنسبة إلى المتهمين الستة على نحو ما سلف إيراده عند الرد على دفاع المتهمين فى هذا الصدد وذلك بقيام المتهم الأول - وهو وزان بمصلحة دمغ المصوغات والموازين - بالاتفاق مع زميليه المتهمين الثانى والثالث - الموظفين بقسم توقيع الدمغة بذات المصلحة - على دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لحساب المتهمين من الرابع حتى الأخير والمتهم السابق الحكم بإدانته، مقابل جُعل يتقاضونه من الأخيرين، ومن ثم تكون الجريمة قد وقعت بمجرد تمام هذا الاتفاق وإخلال المتهمين الثلاثة الأول بواجبات وظائفهم فى عمل لهم نصيب فيه بحكم وظائفهم. ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم فإنه يكون قد استقر فى يقين المحكمة أن المتهمين........: أولاً: المتهمون الثلاثة الأول وآخر انقضت الدعوى الجنائية بالنسبة له بوفاته: بصفتهم موظفين عموميين أولهم وزان بمصلحة دمغ المصوغات والموازين وثانيهم وثالثهم موظفين بقسم توقيع الدمغة بذات المصلحة، طلبوا عطية للإخلال بواجبات وظيفتهم بأن طلبوا بواسطة المتهم الأول من المتهمين من الرابع حتى الأخير مبلغ جنيهين ونصف عن كل جرام مشغولات ذهبية على سبيل الرشوة مقابل دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة بطريقة غير مشروعة وبأختام مصلحة دمغ المصوغات والموازين. ثانيًا: المتهمون من الرابع حتى الأخير وآخر سبق الحكم عليه: قدموا للمتهمين الثلاثة الأول وعدًا بعطية للإخلال بواجبات وظائفهم بأن قدموا لهم عن طريق المتهم الأول وعدًا بدفع مبلغ جنيهين ونصف عن كل جرام على سبيل الرشوة مقابل قيامهم بدمغ المشغولات الذهبية المضبوطة والمملوكة لهم بأختام مصلحة دمغ المصوغات والموازين بطريقة غير مشروعة.
الأمر المؤثم والمعاقب عليه بالمواد 103، 104، 107 مكررًا من قانون العقوبات ومن ثم يتعين معاقبة المتهمين الخمسة الأول طبقًا لهذه المواد عملاً بالمادة 304/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية بعقوبتى السجن والغرامة المبينتين بمنطوق هذا الحكم فضلاً عن عزلهم من وظائفهم عملاً بحكم المادة 25 من قانون العقوبات ولا ينال من ذلك أن هذه المادة قد أوردت عبارة حرمان المحكوم عليه من القبول فى أى خدمة فى الحكومة، ولم تورد لفظ العزل، ذلك أن العزل يندرج بحكم اللزوم العقلى فى مفهوم هذا النص، يؤكد ذلك أن المادة 27 من قانون العقوبات قد نصت على أن "كل موظف ارتكب جناية مما نص عليه فى الباب الثالث والرابع والسادس والسادس عشر من الكتاب الثانى من هذا القانون عومل بالرأفة فحكم عليه بالحبس، يحكم عليه أيضًا بالعزل مدة لا تنقص عن ضعف مدة الحبس المحكوم بها عليه"، الأمر الذى لا يتصور معه أن يكون الشارع قد قصد عزل الموظف من وظيفته فى حالة معاملته بالرأفة فحسب، والقول بغير ذلك مؤداه أن يكون المتهم الذى يعامل بالرأفة فى وضع أسوأ من ذلك الذى لم تر المحكمة معاملته بالرأفة، وهو ما يتأبى على حكم المنطق والعقل ولا يتصور أن تكون إرادة الشارع قد اتجهت إليه.
ومن حيث إنه عن مصادرة المشغولات الذهبية المضبوطة، فإنه لما كان من المقرر أن المصادرة فى حكم المادة 30 من قانون العقوبات إجراء الغرض منه تمليك الدولة أشياء مضبوطة ذات صلة بالجريمة قهرًا عن صاحبها وبغير مقابل، وهى عقوبة اختيارية تكميلية فى الجنايات والجنح إلا إذا نص القانون على غير ذلك. لما كان ذلك، وكانت المادة 20 من القانون رقم 68 لسنة 1976 بشأن الرقابة على المعادن الثمينة - السارى على واقعة الدعوى - قبل تعديله بالقانون رقم 15 لسنة 2002، قد جرمت من يقوم بدمغ مشغولات ذهبية بطريقة غير مشروعة، ونصت على أنه "بعد صدور حكم نهائى تقوم المصلحة بتسليم المشغولات لأصحابها بعد كسرها، ولا يحكم بالمصادرة إلا فى حالة العود"، وإذ خلت الأوراق من توافر ظرف العود فى حق المتهمين فإن المحكمة لا تقضى بمصادرة المضبوطات إعمالاً للنص سالف الإشارة. ومن حيث إنه بالنسبة للمتهم السادس محمد جوهر عبد القادر صالح فإنه لما كان قد تقدم بجلسة المحاكمة الأخيرة باعتراف مفصل عن ارتكابه جريمة الرشوة بالاتفاق مع المتهم الأول الذى استلم منه نحو سبعة كيلو جرامات من المشغولات الذهبية الأجنبية لدمغها بختم المصلحة مقابل وعده بأن يدفع له مبلغ جنيهين ونصف عن كل جرام، وهو اعتراف يطابق الحقيقة فى الدعوى التى خلصت إليها المحكمة فإنه يتعين إعمال موجب نص الفقرة الثانية من المادة 107 مكررًا من قانون العقوبات بشأنه والقضاء بإعفائه من العقاب.
ومن حيث إن المحكمة تأخذ المتهمين بقسط من الرأفة فى حدود ما تسمح به المادة 17 من قانون العقوبات وعلى النحو المبين بمنطوق الحكم.
ومن حيث إنه عن المصروفات الجنائية فإن المحكمة تقضى بإلزام المحكوم عليهم الخمسة الأول بها عملاً بالمادة 313 من قانون الإجراءات الجنائية.
ومن حيث إنه لما كان من المقرر أن محكمة الموضوع لا تتقيد بالوصف القانونى الذى تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم، بل من واجبها أن تمحص الواقعة المطروحة عليها بجميع كيوفها وأوصافها وأن تطبق عليها نصوص القانون تطبيقًا صحيحًا، ذلك أنها وهى تفصل فى الدعوى لا تتقيد بالواقعة فى نطاقها المرسوم فى وصف التهمة المحال عليها بل إنها مطالبة بالنظر إلى الواقعة الجنائية كما رفعت بها الدعوى على حقيقتها كما تبينتها من الأوراق.
لما كان ذلك، وكانت المادة 20 من القانون رقم 68 لسنة 1976 بشأن الرقابة على المعادن الثمينة - السارى على واقعة الدعوى - قد عاقبت كل من دمغ مشغولات بطريقة غير مشروعة بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسين جنيهًا ولا تجاوز مائة وخمسين جنيهًا أو بإحدى هاتين العقوبتين، كما أوجبت الحكم بمصادرة المشغولات المضبوطة فى حالة العود، وكانت وحدة الفعل المادى المكون للجريمتين - جريمة الاستحصال بغير حق على أختام دمغ المشغولات واستعمالها استعمالاً ضارًا خارج المصلحة المؤثمة بالمادة 207 من قانون العقوبات وهى موضوع التهمة الثالثة، وجريمة دمغ المشغولات المضبوطة بطريقة غير مشروعة المؤثمة بالمادة 20 من قانون الرقابة على المعادن الثمينة سالف الإشارة والمنطبقة على واقعة الدعوى - مما كان يؤذن لهذه المحكمة أن تعطى الوقائع المعروضة عليها وصفها القانونى الصحيح دون حاجة إلى أن تلفت نظر الدفاع إلى ذلك مادامت لم تخرج فى الوصف الذى أعطته للواقعة عن الوقائع التى عرضت عليها وتناولها الدفاع، بل يصح لها إجراء هذا التعديل بعد الفراغ من سماع الدعوى، مادامت لم تضف عناصر جديدة للواقعة، إلا أن المحكمة ترى أنه من غير المجدى إجراء هذا التعديل بعد أن انتهت إلى إدانة المتهمين الخمسة الأول عن التهمة الأولى وهى جناية الرشوة ذات العقوبة الأشد بما يمتنع معه معاقبة هؤلاء المتهمين بعقوبة جنحة دمغ المشغولات بطريقة غير مشروعة - المرتبطة ارتباطًا لا يقبل التجزئة مع جريمة الرشوة - وذلك عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات، كما أنه من غير المجدى إجراء هذا التعديل بالنسبة إلى المتهم السادس الذى انتهت المحكمة إلى إعفائه من العقاب من جريمة الرشوة بعد تحقق موجب الإعفاء من العقاب فى حقه، لما هو مقرر فى قضاء هذه المحكمة من أن الإعفاء من العقاب ليس إباحة للفعل أو محوًا للمسئولية الجنائية، بل هو مقرر لمصلحة الجانى التى تحققت فى فعله وفى شخصه عناصر المسئولية الجنائية واستحقاق العقاب، كل ما للعذر المعفى من العقاب من أثر هو حط العقوبة عن الجانى بعد استقرار إدانته دون أن يمس ذلك قيام الجريمة فى ذاتها، وإذ كان مناط الارتباط فى حكم الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات هو كون الجرائم المرتبطة قائمة لم يقض فى إحداها بالبراءة، وإذ كانت المحكمة قد انتهت إلى توافر الارتباط الذى لا يقبل التجزئة بين جريمتى الرشوة ودمغ المشغولات بطريقة غير مشروعة فقد وجب اعتبارهما جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشدهما وهى جريمة الرشوة، فإذا أسفر تمحيص المحكمة لدفاع المتهم عن تحقق موجب الإعفاء فى جريمة الرشوة امتنع عليها توقيع عقوبة الجريمة الأخف وهى جريمة دمغ المشغولات بطريقة غير مشروعة.
ومن حيث إنه عن التهمة الثانية المسند إلى المتهمين ارتكابها وهى تهمة تسهيل الاستيلاء بغير حق على مال عام بالنسبة إلى المتهمين الثلاثة الأول، وجناية الاشتراك فى ارتكاب هذه الجريمة بالنسبة للمتهمين الثلاثة الأخر، فإنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه "كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة فى المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن"، فقد دلت فى صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال فى ملك الدولة عنصرًا من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام - أو من فى حكمه - بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة. لما كان ذلك، وكان البين من التحقيقات - وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام - أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد فى ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئة المتهمين الستة من هذه التهمة عملاً بنص المادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية. ومن حيث إنه عن تهمة استحصال المتهمين الثلاثة الأول بغير حق على أختام دمغ المشغولات الذهبية المملوكة لمصلحة دمغ المصوغات والموازين واستعمالها استعمالاً ضارًا بالمصلحة العامة، واشتراك المتهمين الثلاثة الأخر معهم فى ارتكاب هذه الجريمة، فإنه لما كانت المادة 207 من قانون العقوبات قد نصت على أنه "يعاقب بالحبس كل من استحصل بغير حق على أختام أو دمغات أو علامات حقيقية لإحدى المصالح الحكومية أو إحدى جهات الإدارة العمومية أو إحدى الهيئات المبينة فى المادة السابقة واستعمالها استعمالاً ضارًا بمصلحة عامة أو خاصة"، ولما كان ما نسب إلى المتهمين - على ما تبين من التحقيقات - هو إساءة استعمال أختام مصلحة دمغ المصوغات والموازين التى سلمت إلى المتهم الثانى تسليمًا صحيحًا بناء على اختصاصات وظيفته، وكانت المادة 207 من قانون العقوبات سالفة الإشارة قد دلت فى صريح عبارتها على أنها تشترط لقيامها أن يكون الفاعل قد استحصل على الأختام بغير وجه حق بأن سعى للحصول عليها ممن له حق فى حيازتها وهو ما لم يتحقق وقوعه من المتهمين ذلك لأن الأختام المستعملة كانت بحيازة المتهم الثانى بطريقة قانونية ومن ثم فإن التهمة الثالثة المسندة إليهم لا تندرج تحت نطاق نص المادة 207 من قانون العقوبات مما يتعين الحكم ببراءة المتهمين منها.