أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
السنة 55 - صـ 708

جلسة 18 من سبتمبر سنة 2004

برئاسة السيد المستشار/ محمد ممتاز متولى نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد برهام عجيز، عبد الصبور خلف الله، عطاء محمود سليم ومحمد رشاد أمين نواب رئيس المحكمة.

(129)
الطعن رقم 7155 لسنة 64 القضائية

(1 - 3) إثبات "الإثبات بالكتابة: حجية التوقيع" "الادعاء بالتزوير". تزوير "إجراءات الادعاء بالتزوير" "التزوير المعنوى".
(1) وجوب التفرقة بين التصرف والدليل المعد لإثباته. ثبوت صحة التوقيع على الورقة العرفية لا يعنى صحة التصرف المثبت بها. جواز الطعن فى التصرف القانونى بالغلط أو التدليس أو الإكراه أو عدم مشروعية السبب أو بأى دفع موضوعى أو شكلى آخر. امتناع ذلك بالنسبة للورقة.
(2) الادعاء بالتزوير. اعتباره دفاعًا فى الدعوى. مؤداه. عبء إثباته على من تمسك به وبالطريقة التى يراها أوفى بمقصوده. عدم التزامه بإثبات ادعائه عن طريق الإحالة للتحقيق. وجوب بيانه فى مذكرة شواهد التزوير أدلته أو يطلب تمكينه من إثبات صحة ادعائه بالطريقة المناسبة.
(3) تمسك الطاعنين فى تقرير الطعن بالتزوير وإعلان شواهده بتزوير عقد البيع موضوع الدعوى صلبًا وتوقيعًا لعدم انصراف إرادة مورثهم إلى بيع المساحة محل العقد وباختلاس توقيع مورثهم المقضى بصحته فى العقد. دفاع جوهرى. قضاء الحكم المطعون فيه بصحة العقد على سند من ثبوت صحة ذلك التوقيع رغم عدم حيازته حجية مانعة من نظر التزوير المعنوى المشار إليه. إعراضه عن بحث ذلك الدفاع. قصور.
(4) نقض "أثر الطعن بالنقض للمرة الثانية قبل العمل بق 76 لسنة 2007".
تصدى محكمة النقض للفصل فى الموضوع عند نقض الحكم للمرة الثانية. م 269/ 4 مرافعات. شرطه. أن ينصب الطعن فى المرة الثانية على ما طعن عليه فى المرة الأولى.
1 - المقرر - فى قضاء محكمة النقض - أنه يجب التفرقة بين التصرف فى حد ذاته وبين الدليل المعد لإثباته، فثبوت صحة التوقيع على الورقة العرفية لا يعنى صحة التصرف المثبت بها، ولا يحول دون الطعن فى التصرف القانونى - لا فى الورقة - بالغلط أو التدليس أو الإكراه أو عدم مشروعية السبب أو بأى دفع موضوعى أو شكلى آخر.
2 - المقرر - فى قضاء محكمة النقض - أن النص فى المادتين 49، 52 من قانون الإثبات - وفى ضوء ما ورد بالمذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات السابق الذى نقل عنه قانون الإثبات نصوص الادعاء بالتزوير كلها - يدل على أن الادعاء بالتزوير لا يعدو أن يكون دفاعًا فى الدعوى يقع على من تمسك به عبء إثباته بالطريقة التى يراها أوفى بمقصوده، وهو ليس ملزمًا بأن يطلب إثبات ادعائه عن طريق الإحالة إلى التحقيق، وإنما غاية ما فى الأمر أن المشرع قدر أن من شأن تحقيق الادعاء بالتزوير أن يؤخر الفصل فى الدعوى فأراد حث المدعى على التعجيل فى إثبات صحة ادعائه، فألزمه أن يبين فى مذكرة شواهد التزوير ما لديه من أدلة أو أن يطلب تمكينه من صحة ادعائه بالطريقة المناسبة دون أن يلزمه بدليل بعينه، أو يطلب اتخاذ إجراء بعينه لإثبات ادعائه.
3 - إذ كان البين من تقرير الطعن بالتزوير المؤرخ 19/ 1/ 1986 ومن إعلان شواهده أن الطاعنين تمسكوا بتزوير عقد البيع موضوع الدعوى صلبًا وتوقيعًا، ولم تنصرف إرادة مورثهم إلى بيع المساحة محل العقد، وأنه لكونه أميًا كان ينيب مورث المطعون ضده الأول فى التعامل مع الجمعية الزراعية وكان الأخير يستوقعه على أوراق تسهيل هذا التعامل، وأنه إذا بان صحة توقيع مورثهم على العقد موضوع الدعوى فإنه يكون مختلسًا منه، ولم يتنازل الطاعنون عن الادعاء بالتزوير المعنوى على هذا العقد، وكان قضاء محكمة الاستئناف بتاريخ 17/ 5/ 1990 بصحة العقد على سند من ثبوت صحة توقيع المورث عليه دون أن تتطرق لبحث صحة التصرف فى حد ذاته من عدمه لا يحوز حجية مانعة من نظر الادعاء بالتزوير المعنوى ومدى انصراف إرادة مورث الطاعنين لإبرام التصرف المنسوب إليه فى الورقة الممهورة بتوقيعه، وكان تمسك الطاعنين بالتزوير المعنوى - على هذا النحو - دفاعًا جوهريًا يتغير به - إن صح - وجه الرأى فى الدعوى وأعرضت محكمة الاستئناف عن بحثه، فإن حكمها يكون معيبًا بالقصور.
4 - المقرر - فى قضاء محكمة النقض - أن المادة 269/ 4 من قانون المرافعات توجب على محكمة النقض عند نقض الحكم المطعون فيه وكان الطعن للمرة الثانية أن تحكم فى الموضوع، إلا أن التصدى لموضوع الدعوى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يقتصر على ما إذا كان الطعن للمرة الثانية ينصب على ذات ما طعن عليه فى المرة الأولى.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المطعون ضده الأول أقام الدعوى رقم..... لسنة 1983 كلى مدنى جنوب القاهرة على مورث الطاعنين وباقى المطعون ضدهم للحكم بصحة ونفاذ عقد البيع العرفى المؤرخ 20/ 8/ 1982 المتضمن بيع المورث المذكور الأطيان الزراعية المبينة بالصحيفة والعقد مع التسليم، وقال بيانًا لدعواه إنه بموجب هذا العقد اشترى المساحة المبينة به من المورث سالف الذكر، وإذ تقاعس عن تسليمها واتخاذ الإجراءات اللازمة لنقل ملكيتها، فقد أقام الدعوى. وبتاريخ 28/ 4/ 1983 حكمت المحكمة بصحة ونفاذ العقد والتسليم. استأنف المورث هذا الحكم بالاستئناف رقم... لسنة 100 ق القاهرة. ادعى الطاعنون والمطعون ضدهم عدا الأول بتزوير العقد موضوع الدعوى، فقضت المحكمة بتاريخ 17/ 5/ 1990 برفض الطعن بالتزوير وبصحة العقد. كما ادعوا تزوير ما تضمنه دفتر إخطارات قلم محضرى محكمة بندر دمياط يومى 2/ 3 و 11/ 4/ 1983، وكذا الصورة المعلنة من صحيفة افتتاح الدعوى وإعادة إعلانها. وبتاريخ 17/ 7/ 1991 قضت المحكمة بعدم قبول الطعن بالتزوير وبتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون فى هذا الحكم بطريق النقض رقم 4476 لسنة 61 ق، فنقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وأحالت القضية إلى محكمة الاستئناف، وادعى الطاعنون والمطعون ضدهم عدا الأول مرة أخرى بالتزوير على ما تضمنه دفتر إخطارات قلم محضرى بندر دمياط المشار إليه آنفًا، وفى 16/ 2/ 1994 قضت المحكمة بعدم قبول الطعنين بالتزوير. وبتاريخ 16/ 6/ 1994 قضت بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون فى هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأى برفض الطعن. عُرض الطعن على المحكمة فى غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب، وفى بيان ذلك يقولون: إنهم تمسكوا أمام محكمة الاستئناف بوجود تزوير معنوى فى عقد البيع موضوع الدعوى باختلاس توقيع مورثهم بالختم والبصمة على العقد. وإذ انتهت المحكمة إلى صحته على سند من صحة هذا التوقيع، ورتبت على ذلك قضاءها برفض تحقيق الادعاء بالتزوير المعنوى، ولم تمكنهم من اتخاذ إجراءاته تأسيسًا على أنها سبق وأن قضت فى 17/ 5/ 1990 بصحة العقد وبات هذا القضاء حجة مانعة من إعادة النظر فى هذا الشأن، فى حين أن حقيقة الحكم هو القضاء بصحة المحرر لسلامة التوقيع عليه وليس فصلاً فى الادعاء بالتزوير المعنوى الذى لم يتعرض له بما لا يحوز حجية فى صحة التصرف ذاته تمنع من تحقيق الادعاء بهذا التزوير، فإن حكمها يكون معيبًا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى فى محله، ذلك أن من المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أنه يجب التفرقة بين التصرف فى حد ذاته وبين الدليل المعد لإثباته، فثبوت صحة التوقيع على الورقة العرفية لا يعنى صحة التصرف المثبت بها، ولا يحول دون الطعن فى التصرف القانونى - لا فى الورقة - بالغلط أو التدليس أو الإكراه أو عدم مشروعية السبب أو بأى دفع موضوعى أو شكلى آخر. وأن النص فى المادتين 49 و 52 من قانون الإثبات - وفى ضوء ما ورد بالمذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات السابق الذى نقل عنه قانون الإثبات نصوص الادعاء بالتزوير كلها - يدل على أن الادعاء بالتزوير لا يعدو أن يكون دفاعًا فى الدعوى يقع على من تمسك به عبء إثباته بالطريقة التى يراها أوفى بمقصوده، وهو ليس ملزمًا بأن يطلب إثبات ادعائه عن طريق الإحالة إلى التحقيق، وإنما غاية ما فى الأمر أن المشرع قدر أن من شأن تحقيق الادعاء بالتزوير أن يؤخر الفصل فى الدعوى فأراد حث المدعى على التعجيل فى إثبات صحة ادعائه، فألزمه أن يبين فى مذكرة شواهد التزوير ما لديه من أدلة أو أن يطلب تمكينه من صحة ادعائه بالطريقة المناسبة دون أن يلزمه بدليل بعينه، أو يطلب اتخاذ إجراء بعينه لإثبات ادعائه. لما كان ذلك، وكان البين من تقرير الطعن بالتزوير المؤرخ 19/ 1/ 1986 ومن إعلان شواهده أن الطاعنين تمسكوا بتزوير عقد البيع موضوع الدعوى صلبًا وتوقيعًا، ولم تنصرف إرادة مورثهم إلى بيع المساحة محل العقد، وأنه لكونه أميًا كان ينيب مورث المطعون ضده الأول فى التعامل مع الجمعية الزراعية وكان الأخير يستوقعه على أوراق تسهيل هذا التعامل، وأنه إذا بان صحة توقيع مورثهم على العقد موضوع الدعوى فإنه يكون مختلسًا منه، ولم يتنازل الطاعنون عن الادعاء بالتزوير المعنوى على هذا العقد، وكان قضاء محكمة الاستئناف بتاريخ 17/ 5/ 1990 بصحة العقد على سند من ثبوت صحة توقيع المورث عليه دون أن تتطرق لبحث صحة التصرف فى حد ذاته من عدمه لا يحوز حجية مانعة من نظر الادعاء بالتزوير المعنوى ومدى انصراف إرادة مورث الطاعنين لإبرام التصرف المنسوب إليه فى الورقة الممهورة بتوقيعه، وكان تمسك الطاعنين بالتزوير المعنوى - على هذا النحو - دفاعًا جوهريًا يتغير به - إن صح - وجه الرأى فى الدعوى وأعرضت محكمة الاستئناف عن بحثه، فإن حكمها يكون معيبًا بالقصور بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقى أسباب الطعن.
وإذ كانت المادة 269/ 4 من قانون المرافعات توجب على محكمة النقض عند نقض الحكم المطعون فيه وكان الطعن للمرة الثانية أن تحكم فى الموضوع، إلا أن التصدى لموضوع الدعوى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يقتصر على ما إذا كان الطعن للمرة الثانية ينصب على ذات ما طعن عليه فى المرة الأولى، وكان البين أن الطعن المطروح لا ينصب على ما كان معروضًا فى الطعن الأول، ومن ثم تقضى المحكمة بالنقض مع الإحالة.