أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 54 - الجزء الأول - صـ 720

جلسة 5 من يونيه سنة 2003

برئاسة السيد المستشار/ عادل عبد الحميد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ حسن أبو المعالى أبو النصر، أحمد عبد القوى أيوب، عاطف خليل نواب رئيس المحكمة وأحمد مصطفى محمد.

(94)
الطعن رقم 33006 لسنة 69 القضائية

(1) قذف. جريمة "أركانها". قصد جنائى.
لم يتطلب القانون فى جريمة القذف قصدًا جنائيًا خاصًا بل اكتفى بتوافر القصد الجنائى العام الذى يتوافر بنشر القاذف أو إذاعة الأمور المتضمنة للقذف وهو عالم أنها لو كانت صادقة لأوجبت عقابه أو احتقاره عند الناس. ولا يؤثر فى توافر هذا القصد أن يكون القاذف حسن النية.
(2) عقوبة موانع العقاب "الإعفاء من العقوبة". موظفون عموميون.
شروط الإعفاء من العقاب فى حق الموظف العام أو الأشخاص ذوى الصفة النيابية العامة أو المكلفين بخدمة عامة.
(3) قذف. جريمة "أركانها". قصد جنائى. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
القصد الجنائى فى جريمة القذف. متى يتحقق؟
(4) سب. قذف. جريمة "أركانها". قصد جنائى.
القصد الجنائى فى جريمة السب أو القذف يتوافر إذا كانت المطاعن الصادرة من الساب أو القاذف محشوة بالعبارات الخادشة للشرف والألفاظ الماسة بالاعتبار. افتراض علمه فى هذه الحالة.
النقد المباح: هو مجرد إبداء الرأى فى أمر أو عمل دون أن يكون فيه مساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته. تجاوزه هذا الحد. وجوب العقاب عليه باعتباره مكونًا لجريمة السب أو القذف.
(5) قذف. قصد جنائى. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
متى لا يفيد المتهم بالقذف فى حق موظف احتجاجه بحسن نيته؟
(6) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". سب.
لمحكمة الموضوع أن تتبين حقيقة الواقعة من جماع الأدلة المطروحة سواء أكانت مباشرة أم غير مباشرة متى كان ما حصله الحكم منها لا يخرج عن الاقتضاء العقلى والمنطقى.
(7) محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تحوط الجانى بعدم ذكره اسم المجنى عليه صراحة فى العبارات المنشورة لا يمنع المحكمة من أن تتعرف على الشخص المقصود بها.
الجدل الموضوعى فى تقدير الدليل غير جائز أمام النقض.
(8) موظفون عموميون. قذف. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
شرط عدم العقاب على القذف الموجه إلى موظف عام؟
الجدل الموضوعى فى تقدير الدليل غير جائز أمام النقض.
(9) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
التناقض الذى يعيب الحكم. ماهيته؟
(10) دعوى مدنية "نظرها والحكم فيها". نقض "ما لا يجوز الطعن فيه من الأحكام".
الحكم بإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة غير مانع من السير فيها. الطعن فيه بطريق النقض. غير جائز.
(11) دعوى مباشرة. دفوع "الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة".
مناط إباحة تحريك الدعوى بالطريق المباشر من المدعى بالحقوق المدنية؟
انحسار وصف المضرور من الجريمة عن المدعى بالحقوق المدنية. أثره؟
(12) محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم جواز النعى على المحكمة قضاءها بناء على احتمال ترجح لديها بدعوى قيام احتمالات أخرى قد تصح لدى غيرها.
(13) استجواب. بطلان. دعوى جنائية "عدم قبولها". دعوى مدنية "عدم قبولها". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
عدم تعويل الحكم فى قضائه بعدم قبول الدعويين المدنية والجنائية على ما أسفر عنه الاستجواب المدعى ببطلانه. مؤدى ذلك التفات المحكمة عنه وأنه لم يكن له تأثير فى قضائها.
1 - لما كان ذلك، وكان القانون لا يتطلب فى جريمة القذف قصدًا جنائيًا خاصًا بل يكتفى بتوافر القصد الجنائى العام الذى يتحقق فيها متى نشر القاذف أو أذاع الأمور المتضمنة للقذف وهو عالم أنها لو كانت صادقة لأوجبت عقاب المقذوف فى حقه أو احتقاره عند الناس ولا يؤثر فى توافر هذا القصد أن يكون القاذف حسن النية معتقدًا صحة ما رمى المجنى عليه من وقائع قذف.
2 - لما كان القانون - فى سبيل تحقيق مصلحة عامة - قد استثنى من جرائم القذف بنص صريح فى المادة 302 من قانون العقوبات. وأباح الطعن فى أعمال الموظفين العموميين أو الأشخاص ذوى الصفة النيابية العامة أو المكلفين بخدمة عامة متى توافرت فيه ثلاثة شروط: الأول: أن يكون الطعن حاصلاً بسلامة نية أى لمجرد خدمة المصلحة العامة مع الاعتقاد بصحة المطاعن وقت إذاعتها. والثانى: ألا يتعدى الطاعن أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة. والثالث: أن يقوم الطاعن بإثبات حقيقة كل أمر أسنده إلى المطعون ضده. فكلما اجتمعت هذه الشروط تحقق غرض الشارع ونجا الطاعن من العقاب، أما إذا لم يتوافر واحد منها فلا يتحقق هذا الغرض ويحق العقاب.
3 - من المقرر أن القصد الجنائى فى جرائم القذف ليس إلا علم القاذف بأن ما أسنده للمقذوف من شأنه لو صح أن يلحق بهذا الأخير ضررًا ماديًا أو أدبيًا. وهذا الركن وإن كان يجب على النيابة العامة طبقًا للقواعد العامة إثبات توافره لدى القاذف إلا أن العبارات ذاتها قد تكون من الصراحة والوضوح بحيث يكون من المفروض علم الطاعن بمدلولها وبأنها تمس المجنى عليه فى سمعته أو تستلزم عقابه، فلا تكون النيابة عندئذ بحاجة إلى أن تقدم دليلاً خاصًا على توافر هذا الركن، ولكن يبقى للمتهم حق إدحاض هذه القرينة المستخلصة من وضوح ألفاظ المقال وإثبات عدم توافر القصد الجنائى فيما كتب.
4 - من المقرر أن القصد الجنائى فى جريمة السب أو القذف يتوافر إذا كانت المطاعن الصادرة من الساب أو القاذف محشوة بالعبارات الخادشة للشرف والألفاظ الماسة بالاعتبار فيكون علمه عندئذ مفترضًا - ومتى تحقق القصد فلا يكون هناك ثمة محل للتحدث عن النقد المباح الذى هو مجرد إبداء الرأى فى أمر أو عمل دون أن يكون فيه مساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته فإذا تجاوز النقد هذا الحد - كما هو الحال فى الدعوى المطروحة - وجب العقاب عليه باعتباره مكونًا لجريمة السب أو القذف.
5- من المقرر أن القصد الجنائى فى جريمة القذف لا ينفيه سلامة نية القاذف واعتقاده صحة الواقعة التى أسندها إلى المقذوف فى حقه. فضلاً عن أنه لا مصلحة للطاعن فى الاحتماء بحسن النية بعد أن عجز عن إثبات صحة الواقعة المسندة للمطعون ضده. وظاهر أن حسن النية لا يعفى من العقاب إلا إذا اقترن بإثبات صحة الواقعة المسندة إلى المجنى عليه، فليس للطاعن إذن سبيل إليه.
6 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تتبين حقيقة الواقعة من إجماع الأدلة المطروحة، وهى ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة، بل لها أن تستخلص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة، متى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلى والمنطقى.
7 - متى كان الجانى قد احتاط ولم يذكر اسم المجنى عليه صراحة فى العبارات المنشورة، فإن لمحكمة الموضوع أن تتعرف على شخص من وجهت إليه من واقع العبارات ذاتها وظروف الواقعة والملابسات التى اكتنفتها، ولما كانت مدونات الحكم المطعون فيه تفيد أن المحكمة قد استخلصت أن المدعى بالحقوق المدنية هو المقصود بعبارات القذف، وكانت العبارات التى أوردها الحكم تسوغ النتيجة التى رتبها الحكم عليها، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً فى تقدير أدلة الدعوى مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب.
8 - من المقرر أن القانون يشترط لعدم العقاب على القذف الموجه إلى الموظف العمومى أو من فى حكمه، إثبات القاذف صحة وقائع القذف كلها، وأنه إذا كان القاذف قد أقدم على القذف ويده خالية من الدليل معتمدًا على أن يظهر له التحقيق دليلاً، فهذا ما لا يجيزه القانون. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من أنه أثبت صحة ما قذف به المطعون ضده بما هو مستفاد من إقرار..... أمام مجلس الشورى ومما نشرته الصحف ضبطًا لجلسة المجلس الشعبى المحلى لمركز.... ومن محرر خطى قدمه للمحكمة، مردودًا بأن الفصل فى ذلك من الأمور الموضوعية البحتة التى تستقل بها محكمة الموضوع دون معقب عليها فيه، وقد خلص الحكم المطعون فيه إلى أن الطاعن عجز عن إثبات صحة وقائع القذف - التى ساءله عنها - ودلل على ذلك تدليلاً سائغًا وسليمًا، ومن ثم فإن دعوى الطاعن فى هذا الشأن لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعيًا فى تقدير المحكمة لأدلة الدعوى مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.
9 - من المقرر أن التناقض الذى يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة والذى من شأنه أن يجعل الدليل متهادمًا متساقطًا لا شيء فيه باقيًا يمكن أن يعتبر قوامًا لنتيجة سليمة يصح الاعتماد عليها وهو ما خلا الحكم منه وأن ما أورده الحكم فى مدوناته لحمل قضائه بإدانة الطاعن عن بعض ما أسنده إلى المطعون ضده من وقائع وتبرئته من جزء منها لا تناقض فيه، ومن ثم يكون منعى الطاعن فى هذا الخصوص لا محل له.
10 - لما كانت المادة 31 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 قد نصت على أنه "لا يجوز الطعن بطريق النقض فى الأحكام الصادرة قبل الفصل فى الموضوع إلا إذا انبنى عليها منع السير فى الدعوى "وكان الحكم المطعون فيه - فيما قضى به فى خصوص الدعويين...،... لسنة.... لم يفصل فى موضوع الدعوى المدنية، كما أنه ليس مانعًا من السير فيها إذا اتصلت بالمحكمة المختصة اتصالاً صحيحًا، فإن الطعن فيه بطريق النقض لا يكون جائزًا.
11 - لما كان مناط الإباحة فى تحريك الدعوى بالطريق المباشر من المدعى بالحقوق المدنية أن يكون طلب التعويض عن ضرر لحقه مباشرة من الفعل الخاطئ المكون للجريمة موضوع الدعوى الجنائية فإذا لم يكن الضرر الذى لحق به ناشئًا عن جريمة سقطت هذه الإباحة، وانحسر عنه وصف المضرور من الجريمة وأضحت دعواه المباشرة فى شقيها الجنائى والمدنى غير مقبولة، فإن الحكم المطعون فيه، وقد قضى على أساس الاعتبارات التى أوردها والتى من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها، بعدم قبول دعوى الطاعن لأن الضرر الذى يدعيه ليس شخصيًا محققًا، يكون قد اقترن بالصواب.
12 - من المقرر أنه لا يصح النعى على المحكمة أنها قضت بناء على احتمال ترجح لديها بدعوى قيام احتمالات أخرى قد تصح لدى غيرها لأن ملاك الأمر كله يرجع إلى وجدان قاضيها وما يطمئن إليه مادام قد أقام قضاءه على أسباب تحمله - كما هو الحال فى الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن فى هذا الخصوص لا يكون سديدًا.
13- لما كان البين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه لم يعول فى قضائه بعدم قبول الدعويين المدنية والجنائية على شيء مما أسفر عنه الاستجواب المدعى ببطلانه وكان مؤدى ذلك أن المحكمة قد التفتت عنه ولم يكن له تأثير فى قضائها، فإن ما ينعاه الطاعن فى هذا الشأن يكون غير سديد.


الوقائع

أقام المدعى بالحقوق المدنية دعواه بطريق الادعاء المباشر أمام محكمة جنايات.... بوصف أن المتهم أسند إليه بواسطة النشر أمورًا لو كانت صادقة لأوجبت احتقاره عند أهل وطنه وذلك حال كون الطالب موظفًا عامًا. وطلب عقابه بالمواد171، 302، 303، 307 من قانون العقوبات وإلزامه والمسئول عن الحقوق المدنية متضامنين فى كل بأن يؤديا له مبلغ ثلاثة ملايين جنيه على سبيل التعويض.
والمحكمة المذكورة قضت حضوريًا فى..... من..... سنة..... أولاً: فى موضوع الدعويين رقمى.....،..... بتغريم... مبلغ..... عما أسند إليه من وقائع مشار إليها بأسباب هذا الحكم وبعدم قبول الدعوى فيما عداها لرفعها من غير ذى صفة وأحالت الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة. ثانيًا: فى موضوع الدعوى رقم... بعدم قبولها لرفعها من غير ذى صفة.
فطعنت الأستاذة/ ..... المحامية فى هذا الحكم بطريق النقض فى.....، كما طعن الأستاذ/ ..... المحامى بصفته وكيلاً عن المدعى بالحقوق المدنية..... إلخ.


المحكمة

أولاً: عن الطعن المقدم من المحكوم عليه.....:
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم فيه أنه إذ دانه بجريمة القذف علنًا بطريق النشر فى إحدى الجرائد فى حق موظف عمومى، قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه وتأويله وشابه فساد فى الاستدلال وقصور وتناقض فى التسبيب، ذلك بأنه لم يفطن إلى معنى حسن النية التى عناها الشارع كسبب للإباحة ومدى توافرها فى حق الطاعن، وقد أورد الحكم - فى موضع منه - أن الطاعن كان حسن النية فيما كتب من مقالات - اعتبرها المطعون ضده (المدعى بالحقوق المدنية) قذفًا فى حقه - ثم عاد - فى موضع آخر - ودانه بتهمة القذف غير مقدر مرامى العبارات ومقتضيات حق النقد المباح بغية المصلحة العامة متخذًا من حدة بعض الألفاظ دليلاً على توافر القصد الجنائى لديه، كما أن الحكم فسد استدلاله على مقارفة الطاعن للجريمة حين أخذه عن المقال الذى تحدث فيه عن تسخير المدعى بالحقوق المدنية إمكانيات وحدة الخدمة البستانية لصالح البورصة الزراعية وعن صفقة البطاطس التى كانت متجهة إلى العراق وتحول مسارها إلى مصر بعد أن لوثها الموساد برغم عدم ذكر اسم المدعى بالحقوق المدنية فى عملية التحويل هذه، فضلاً عن أن الطاعن أثبت صحة ما أسنده إلى المطعون ضده، بدليل ما قرره.... أمام مجلس الشورى وما نشرته الصحف ضبطًا لما دار بجلسة المجلس الشعبى المحلى لمركز... وما قدمه الطاعن للمحكمة من محرر خطى بيد أن الحكم اطرح دفاعه برد قاصر غير سائغ، وأخيرًا عرض الحكم فى موضعين منه إلى المقال الذى تحدث فيه الطاعن عن واقعة استيراد تقاوى ملوثة بالأمراض وفرضها قسرًا على المزارعين ومع ذلك دانه عن جزء منها وبرأه عن الجزء الآخر. كل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القذف التى دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان القانون لا يتطلب فى جريمة القذف قصدًا جنائيًا خاصًا بل يكتفى بتوافر القصد الجنائى العام الذى يتحقق فيها متى نشر القاذف أو أذاع الأمور المتضمنة للقذف وهو عالم أنها لو كانت صادقة لأوجبت عقاب المقذوف فى حقه أو احتقاره عند الناس ولا يؤثر فى توافر هذا القصد أن يكون القاذف حسن النية معتقدًا صحة ما رمى المجنى عليه من وقائع قذف. وكان القانون - فى سبيل تحقيق مصلحة عامة - قد استثنى من جرائم القذف بنص صريح فى المادة 302 من قانون العقوبات. وأباح الطعن فى أعمال الموظفين العموميين أو الأشخاص ذوى الصفة النيابية العامة أو المكلفين بخدمة عامة متى توافرت فيه ثلاثة شروط: الأول: أن يكون الطعن حاصلاً بسلامة نية أى لمجرد خدمة المصلحة العامة مع الاعتقاد بصحة المطاعن وقت إذاعتها. والثانى: ألا يتعدى الطاعن أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة. والثالث: أن يقوم الطاعن بإثبات حقيقة كل أمر أسنده إلى المطعون ضده. فكلما اجتمعت هذه الشروط تحقق غرض الشارع ونجا الطاعن من العقاب، أما إذا لم يتوافر واحد منها فلا يتحقق هذا الغرض ويحق العقاب. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القصد الجنائى فى جرائم القذف ليس إلا علم القاذف بأن ما أسنده للمقذوف من شأنه لو صح أن يلحق بهذا الأخير ضررًا ماديًا أو أدبيًا. وهذا الركن وإن كان يجب على النيابة العامة طبقًا للقواعد العامة إثبات توافره لدى القاذف إلا أن العبارات ذاتها قد تكون من الصراحة والوضوح بحيث يكون من المفروض علم الطاعن بمدلولها وبأنها تمس المجنى عليه فى سمعته أو تستلزم عقابه، فلا تكون النيابة عندئذ بحاجة إلى أن تقدم دليلاً خاصًا على توافر هذا الركن، ولكن يبقى للمتهم حق إدحاض هذه القرينة المستخلصة من وضوح ألفاظ المقال وإثبات عدم توافر القصد الجنائى فيما كتب والواقع فى هذه الدعوى أن الحكم المطعون فيه قد استظهر على أساس وضوح ألفاظ المقال ركن القصد الجنائى فقال بشأنه: "..... وما أشار إليه بشأن صفقة البطاطس بمقولة أنها كانت مرسلة أصلاً للعراق وأن الموساد لوثها ومع ذلك تم إدخالها البلاد وعبر المتهم عن ذلك باندفاع فى القول وغليظ العبارات حين اتخذ من قوله: سطو شركة البورصة على رسالة بطاطس، وارتكب أبشع وأقذر الصفقات على حساب معايير وقيم يأباها الضمير الإنسانى مدخلاً لمقاله، وهى وقائع تنطوى على الإساءة من جانب المدعى إلى شعب عربى شقيق يعانى من ويلات الحصار ومن شأنها لو صحت لأوجبت احتقاره لدى عامة الناس وخاصتهم..". واستطرد الحكم - فى وضع آخر منه - قائلاً: "وحيث إن المتهم أسند إلى المدعى المدنى فى عبارات هذا المقال استيراد تقاوى ملوثة بالأمراض وفرضها قسرًا على المزارعين عن طريق أعمال البلطجة، وحرمان جمعية البطاطس والاتحاد من الاشتراك فى تسويقها عبر تلاعبات قام بها المدعى عن طريق الحجز الزراعى ووحدة الخدمات البستانية وإذ كان تعبير البلطجة قد أضحى فى ذاته يشكل فى القانون جريمة مستقلة وهو يعنى استخدام القوة فى الوصول لأغراض غير مشروعة، كما أن تعبير التلاعب يعنى فى ذهن القارئ الوسائل الاحتيالية التى يمارسها المرء للوصول إلى هدف غير مشروع وإذ أسند المتهم هذين النعتين للمدعى عليه وهو معرض التدليل على أنه يتغيا احتكار البورصة الزراعية التى يرأس مجلس إدارتها لتسويق تقاوى البطاطس دون أن يقدم دليلاً تقدر المحكمة كفايته على هذا أو ذاك، وكانت الوقائع المشار إليها على النحو المتقدم من شأنها لو صحت لأوجبت عقاب المدعى واحتقاره لدى أهل وطنه وتشكل من ثم قذفًا فإنه يسأل عنه جنائيًا كما أضاف الحكم: وحيث إن المتهم أسند إلى المدعى المدنى فشله الذريع فى إنتاج تقاوى البطاطس رغم استعانته بالخبراء الإسرائيليين، وبعد فشله هذا عاد يستورد هذه التقاوى بمعرفة الصهاينة أيضًا، ومفهوم ذلك بطريق اللزوم هو نعت للمدعى بالفشل فى أداء واجبه ثم إصراره على الفشل باتباع ذات الأساليب التى أدت إليه وهو ما يحط من قدره وظيفيًا ويوجب مساءلته لو صح ذلك تأديبيًا إن لم يكن على مجرد الخطأ الذى أدى إلى الفشل يكون على التمادى فيه، ومن المقرر أن القانون يحمى الاعتبار المهنى وأهلية ممارسة المهنة وإذ لم يقدم المتهم ما ينهض - فى تقدير المحكمة - سندًا على إقامة المشروع ثم فشله رغم اعتماد المدعى المدنى على الخبراء الإسرائيليين ثم عودته لاستيراد التقاوى منهم فإن الواقعة على النحو المتقدم توجب مؤاخذته عنها جنائيًا". وواضح من هذا أن محكمة الجنايات استظهرت القصد الجنائى من نفس ألفاظ المقال وهذا من حقها الذى لا جدال فيه واستخلصت توافره لدى الطاعن استخلاصًا سديدًا فى القانون، وما يثيره الطاعن فى هذا الصدد يكون جدلاً موضوعيًا مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. ذلك بأنه من المقرر أن القصد الجنائى فى جريمة السب أو القذف يتوافر إذا كانت المطاعن الصادرة من الساب أو القاذف محشوة بالعبارات الخادشة للشرف والألفاظ الماسة بالاعتبار فيكون علمه عندئذ مفترضًا - ومتى تحقق القصد فلا يكون هناك ثمة محل للتحدث عن النقد المباح الذى هو مجرد إبداء الرأى فى أمر أو عمل دون أن يكون فيه مساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته فإذا تجاوز النقد هذا الحد - كما هو الحال فى الدعوى المطروحة - وجب العقاب عليه باعتباره مكونًا لجريمة السب أو القذف. لما كان ذلك، وكان الحكم قد تحدث عن سلامة النية فى مقام التدليل على اعتبار ما وقع من الطاعن - غير مدلول عليه - طعنًا معاقبًا عليه قانونًا إذ قال "وما نشره المتهم على ما سيجيئ بيانه إنما قصد به صيحة نذير ينبه فيها ولاة الأمور وعامة الناس إلى ما فيه خير الأمة ودرء الشر عنها واعتقد صحته وقدر كفايته فحق له الاستفادة من إباحة حق النقد فيما يقدم دليله من وقائع ومؤاخذته عقابيًا عما كتب ويداه خاليتان من الدليل". كما تحدث عنها - أيضًا - فى مقام تقدير موجبات الرأفة بقوله: ".. إن المواءمة بين حق الموظف العام فى صيانة شرفه واعتباره الوظيفى، وبين حق المجتمع فى الوقوف على مواطن الخلل فى هذا الأداء ما يتيح مواجهته ودرء خطره - توجب النأى بالمتهم عن أى عقوبة سالبة للحرية متى حسنت نيته واعتقد صحة الوقائع محل القذف وعجز عن إثباتها والاكتفاء بالعقوبة المالية التى نص عليها القانون فى حدها الأدنى.. ". وقوله هذا سديد لا يصح معه الادعاء بوجود تناقض فى الحكم، لأن القصد الجنائى فى جريمة القذف لا ينفيه سلامة نية القاذف واعتقاده صحة الواقعة التى أسندها إلى المقذوف فى حقه. فضلاً من أنه لا مصلحة للطاعن فى الاحتماء بحسن النية بعد أن عجز عن إثبات صحة الواقعة المسندة للمطعون ضده. وظاهر أن حسن النية لا يعفى من العقاب إلا إذا اقترن بإثبات صحة الواقعة المسندة إلى المجنى عليه، فليس للطاعن إذن سبيل إليه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تبين حقيقة الواقعة من إجماع الأدلة المطروحة، وهى ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة، بل لها أن تستخلص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة، متى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلى والمنطقى، فإذا كان الجانى قد احتاط ولم يذكر اسم المجنى عليه صراحة فى العبارات المنشورة، فإن لمحكمة الموضوع أن تتعرف على شخص من وجهت إليه من واقع العبارات ذاتها وظروف الواقعة والملابسات التى اكتنفتها، ولما كانت مدونات الحكم المطعون فيه تفيد أن المحكمة قد استخلصت أن المدعى بالحقوق المدنية هو المقصود بعبارات القذف، وكانت العبارات التى أوردها الحكم تسوغ النتيجة التى رتبها الحكم عليها، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً فى تقدير أدلة الدعوى مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب. لما كان ذلك، وكان القانون يشترط لعدم العقاب على القذف الموجه إلى الموظف العمومى أو من فى حكمه، إثبات القاذف صحة وقائع القذف كلها، وأنه إذا كان القاذف قد أقدم على القذف ويده خالية من الدليل معتمدًا على أن يظهر له التحقيق دليلاً، فهذا ما لا يجيزه القانون. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من أنه أثبت صحة ما قذف به المطعون ضده بما هو مستفاد من إقرار... أمام مجلس الشورى ومما نشرته الصحف ضبطًا لجلسة المجلس الشعبى المحلى لمركز... ومن محرر خطى قدمه للمحكمة، مردودًا بأن الفصل فى ذلك من الأمور الموضوعية البحتة التى تستقل بها محكمة الموضوع دون معقب عليها فيه، وقد خلص الحكم المطعون فيه إلى أن الطاعن عجز عن إثبات صحة وقائع القذف - التى ساءله عنها - ودلل على ذلك تدليلاً سائغًا وسليمًا، ومن ثم فإن دعوى الطاعن فى هذا الشأن لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعيًا فى تقدير المحكمة لأدلة الدعوى مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن التناقض الذى يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة والذى من شأنه أن يجعل الدليل متهادمًا متساقطًا لا شيء فيه باقيًا يمكن أن يعتبر قوامًا لنتيجة سليمة يصح الاعتماد عليها وهو ما خلا الحكم منه وأن ما أورده الحكم فى مدوناته لحمل قضائه بإدانة الطاعن عن بعض ما أسنده إلى المطعون ضده من وقائع وتبرئته من جزء منها لا تناقض فيه، ومن ثم يكون منعى الطاعن فى هذا الخصوص لا محل له. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا ومصادرة الكفالة.
ثانيًا: عن الطعن المقدم من المدعى بالحقوق المدنية.... فيما قضى به الحكم المطعون فيه من عدم قبول الدعويين رقمى...،...:- من حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعى بالحقوق المدنية - الطاعن - أقام الدعاوى أرقام.....،..... بالطريق المباشر ضد المطعون ضدهما الأول والثانى بوصف أن الأول قذف فى حقه بصفته موظفًا عامًا بطريق النشر فى إحدى الجرائد وأن الثانى رئيس مجلس إدارة الصحيفة المسئول عن الحقوق المدنية، وطلب إلزامهما فى كل منها - بمبلغ... جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة الجنايات قضت حضوريًا - بعد ضم الدعاوى الثلاث - أولاً: فى موضوع الدعويين رقمى.....،... بتغريم المطعون ضده الأول.... مبلغ.... عما أسند إليه من وقائع مشار إليها بأسباب هذا الحكم وبعدم قبول الدعوى فيما عداه لرفعها من غير ذى صفة، وأحالت الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة وقالت فى أسباب حكمها ما نصه: "وحيث إن المحكمة عرضت لكافة الوقائع التى تساند إليها المدعى المدنى فى صحف دعواه الثلاث سواء تلك التى اعتبرته من الغير بالنسبة لها، أو ما أقام الدليل عليها، أو ما أخفق فى إقامة دليله بحسبان أن الدعوى أقيمت أساسًا بطلب التعويض وأن الحكم الجنائى يشكل حدود الخطأ فى المسئولية التقصيرية وبقدر جسامته ومدى الضرر الناشئ عنه يتم تقدير التعويض الذى ترى المحكمة أن تقديره يستلزم تحقيقًا خاصًا من شأنه إرجاء الفصل فى الدعوى الجنائية، ومن ثم تقضى المحكمة بإحالة طلب التعويض فى الدعويين.....،..... إلى المحكمة المدنية المختصة عملاً بالمادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية. لما كان ذلك، وكانت المادة 31 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 قد نصت على أنه "لا يجوز الطعن بطريق النقض فى الأحكام الصادرة قبل الفصل فى الموضوع إلا إذا انبنى عليها منع السير فى الدعوى" وكان الحكم المطعون فيه - فيما قضى به فى خصوص الدعويين.....،..... لم يفصل فى موضوع الدعوى المدنية، كما أنه ليس مانعًا من السير فيها إذا اتصلت بالمحكمة المختصة اتصالاً صحيحًا، فإن الطعن فيه بطريق النقض لا يكون جائزًا. لما كان ذلك، فإنه يتعين القضاء بعدم جواز الطعن فى الحكم فيما قضى به - فى خصوص الدعويين....،.... - ومصادرة الكفالة وإلزام الطاعن المصاريف المدنية.
ثالثًا: عن الطعن المقدم من المدعى بالحقوق المدنية... فيما قضى به الحكم المطعون فيه فى موضوع الدعوى رقم.....:- من حيث إن الطعن - فى خصوص هذا الشق - قد استوفى الشكل المقرر فى القانون.
وحيث إن الطاعن - المدعى بالحقوق المدنية - ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بعدم قبول الدعوى رقم..... لرفعها من غير ذى صفة - قد شابه فساد فى الاستدلال وقصور فى التسبيب وخالف القانون وأخطأ فى تطبيقه كما اعتراه بطلان فى الإجراءات أثر فيه ذلك أنه برر قضاءه بأسباب غير سائغة خاطئة فى القانون والواقع ولم يفطن إلى أن شخص الطاعن هو المقصود بعبارات المقال الذى نشره المطعون ضده بجريدة الشعب فى عددها رقم..... الصادر فى.... - محل الدعوى الماثلة - والذى تضمن قذفًا فى حقه فى ست وقائع رأى الحكم - بغير حق وبرغم وضوح الإسناد إليه - أن خمسًا منها لا تتعلق به وإنما بسواه وغض الطرف عن الواقعة السادسة فلم يعرض لها فى قضائه مع أن احتياط الجانى بعدم ذكر اسم المجنى عليه صراحة لا يمنع محكمة الموضوع من أن تتعرف على شخص من وجهت إليه. كما أن الدفاع الحاضر عن الطاعن تمسك بعدم استدعائه لمناقشته لأن القاذف لا يقدم ويداه خالية من الدليل ويطلب من المحكمة أن تتولى عنه الإثبات، إلا أنها ضربت صفحًا عن اعتراضه بقرار أصدرته بإعلان الطاعن للحضور فمثل أمامها، ثم سارت إجراءات المحاكمة، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن أورد واقعة الدعوى - أقام قضاءه بعدم قبول الدعوى.. على قوله: ".. فإن العبارات آنفة البيان بتفاصيلها الواردة بأسباب هذا الحكم أخذًا من صحف الدعاوى الثلاث والصحف المنشور بها تلك العبارات لا تتصل بالمدعى المدنى من قريب أو بعيد وسواء كانت تشكل قذفًا أو لا تكتمل بها أركانه، ولا ترى المحكمة فيما أثاره المدعى فى صحيفة دعواه من أنه إذ نعته المتهم بأنه الساعد الأيمن للدكتور... فإن كل ما يوجه إلى الأخير من وقائع قد تشكل قذفًا تنصرف إليه شخصيًا إذ لو جاز للمرء أن يئن لأوجاع غيره فإنه من المقرر أن شرط قبول الادعاء المباشر أن تكون الدعوى المدنية مقبولة وهى لا تقبل إذا رفعت من غير ذى صفة، وصاحب الصفة فى الدعوى المدنية هو المضرور وحده ولا تقبل من سواه ولو كان مجنيًا عليه إذ المناط فى صفة رافع الدعوى أن تكون عبارات القذف قد أضرت به وهى لا تكون كذلك إذ كانت قد نسبت لسواه ولم يصبه منها ضرر يمس شرفه واعتباره، ومن ثم تعين عدم قبول الادعاء القائم على أساس من الواقع آنف البيان. وحيث إن معاهدة السلام المبرمة بين جمهورية مصر العربية وإسرائيل - والمقدم صورتها ضمن حافظة مستندات المدعى - نصت فى مادتها الأولى على أن تنتهى حالة الحرب بين الطرفين ويقام السلام بينهما عند تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة ونصت المادة الثالثة فى فقرتها الثالثة على أن يتفق الطرفان على أن العلاقات الطبيعية التى ستقام بينهما ستتضمن الاعتراف الكامل والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية وإنهاء المقاطعة الاقتصادية والحواجز ذات الطابع التمييزى، ثم صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 153 لسنة 1979 فى 5/ 4/ 1979 بالموافقة على معاهدة السلام بين جمهورية مصر العربية وإسرائيل وملحقاتها، ونصت المادة 151 من دستور جمهورية مصر العربية على أن: "رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان وتكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفق الأوضاع المقررة، على أن معاهدات الصلح، والتحالف والتجارة والملاحة وجميع المعاهدات التى يترتب عليها تعديل فى أراضى الدولة أو تتعلق بحقوق السيادة أو التى تحمل خزانة الدولة شيئًا من النفقات غير الواردة فى الموازنة يجب موافقة مجلس الشعب عليها. وحيث إنه متى كان ذلك فإن المعاهدة تكون وفقًا للدستور شأنها شأن القانون الداخلى يلتزم بها الجميع حكامًا ومحكومين، على أن الأمر لم يمنع المثقفين والكتاب ورجال الفكر والسياسة من أن يعرضوا للعلاقات الاقتصادية والثقافية وكافة أوجه التعاون - وهو ما اصطلح على تسميته بالتطبيع - ما بين مؤيد دون تحفظ وما بين معارض له واتجاه وسط يرى أن يواكب التطبيع تقدم المفاوضات على مستوى المسارات العربية الأخرى، وهو اجتهاد محمود، واختلاف مرغوب ودليل حيوية إذ يشهد التاريخ أن سيادة الرأى الأوحد فى الأمور القومية كان نذير شؤم على مستقبل الأمم ولا يتصور خيانة لمن يعتنق هذا الاتجاه أو ذاك إذ تصب كلها فى مصلحة الأمة وإن اختلفت الرؤى، ومتى كان ذلك فلا ترى المحكمة فى نعت الصحيفة للمدعى أو غيره بأنه رجل التطبيع، أو أنه يستعين فى شرق العوينات بالشتلات والخبرة الإسرائيلية، أو أن الأفكار الإسرائيلية فى مجال الزراعة لا يمكن تطبيقها إلا بالتطبيع، إذ إنه تم ربط شركة البورصة بشبكة معلومات على اتصال مباشر بالأسواق الصهيونية، إلا انعكاسًا لاختلاف الرؤى حول مسألة قومية، ولا يسوغ قانونًا وبحكم الدستور اعتبار هذه العبارات حيث تنسب إلى مسئول بمناسبة تأدية وظيفته أنها توجب عقابه قانونًا، أو احتقاره بين أهل وطنه بعد أن تضمنتها معاهدة نافذة وصدر بها قرار جمهورى ونص الدستور على اعتبارها فى قوة القانون بل إن القول بغير ذلك هو فى حقيقته دعوى لكل مسئول تنفيذى لمناهضة وتعطيل لاتفاقية دولية من غير الطرق الشرعية تفاديًا للعقاب أو الاحتقار، ومن ثم لا ترى المحكمة فيما تقدم إلا تعبيرًا عن رؤية سياسية فى مسألة قومية لها من يؤيدها ومن يعارضها". لما كان ذلك، وكان مناط الإباحة فى تحريك الدعوى بالطريق المباشر من المدعى بالحقوق المدنية أن يكون طلب التعويض عن ضرر لحقه مباشرة من الفعل الخاطئ المكون للجريمة موضوع الدعوى الجنائية فإذا لم يكن الضرر الذى لحق به ناشئًا عن جريمة سقطت هذه الإباحة، وانحسر عنه وصف المضرور من الجريمة وأضحت دعواه المباشرة فى شقيها الجنائى والمدنى غير مقبولة، فإن الحكم المطعون فيه، وقد قضى على أساس الاعتبارات التى أوردها والتى من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها، بعدم قبول دعوى الطاعن لأن الضرر الذى يدعيه ليس شخصيًا محققًا، يكون قد اقترن بالصواب، وكان لا يصح النعى على المحكمة أنها قضت بناء على احتمال ترجح لديها بدعوى قيام احتمالات أخرى قد تصح لدى غيرها لأن ملاك الأمر كله يرجع إلى وجدان قاضيها وما يطمئن إليه مادام قد أقام قضاءه على أسباب تحمله - كما هو الحال فى الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن فى هذا الخصوص لا يكون سديدًا. لما كان ذلك، وكان البين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه لم يعول فى قضائه بعدم قبول الدعويين المدنية والجنائية على شيء مما أسفر عنه الاستجواب المدعى ببطلانه وكان مؤدى ذلك أن المحكمة قد التفتت عنه ولم يكن له تأثير فى قضائها، فإن ما ينعاه الطاعن فى هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن هذا الطعن يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا مع مصادرة الكفالة وإلزام الطاعن المصاريف المدنية.