أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 54 - الجزء الأول - صـ 773

جلسة 9 من يوليه سنة 2003

برئاسة السيد المستشار/ محمود عبد البارى نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد حسين مصطفى، إبراهيم الهنيدى نائبى رئيس المحكمة، على سليمان وربيع شحاته.

(103)
الطعن رقم 22936 لسنة 64 القضائية

(1) قصد جنائى. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إضرار غير عمدى. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". خطأ.
صور الخطأ الجسيم فى صدد تطبيق المادة 116 مكرر عقوبات؟
الخطأ العمدى فى الجرائم غير العمدية. مناط تحققه؟
الإهمال الجسيم فى نطاق الأموال والوظائف العامة. خطأ فاحش. ينبئ عن انحراف مرتكبه عن السلوك المألوف والمعقول للموظف العادى فى مثل ظروفه. وقوامه تصرف إرادى خاطئ يؤدى إلى نتيجة ضارة توقعها الجانى أو كان عليه توقعها ولكنه لم يقصد إحداثها ولم يقبل وقوعها.
السلوك العادى للموظف. تحكمه الحياة الاجتماعية والبيئة والعرف ومألوف الناس. قعوده عن بذل القدر الذى يبذله أكثر الناس تهاونًا. خطأ جسيم. تقدير ذلك. موضوعى.
مثال لتسبيب سائغ على تحقق الخطأ الجسيم فى جريمة الإضرار الغير عمدى بالمال العام.
(2) نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل".
المنازعة فى سلامة ما استخلصته المحكمة من أوراق الدعوى. جدل موضوعى فى تقدير الدليل غير جائز أمام محكمة النقض.
(3) حكم "ما لا يعيبه فى نطاق التدليل". تسهيل استيلاء على أموال عامة. إضرار غير عمدى.
التناقض الذى يعيب الحكم. ماهيته؟
مثال لما لا يعد تناقضًا مبطلاً للحكم فى جريمة الإضرار غير العمدى بمال عام.
(4) إثبات "شهود". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
حق المحكمة فى الإعراض عن قالة شهود النفى. ما دامت لا تثق بما شهدوا به.
(5) نقض "الصفة فى الطعن" "المصلحة فى الطعن" "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
قبول وجه الطعن. رهن بأن يكون متصلاً بشخص الطاعن.
مثال لنعى غير مقبول.
1 - لما كان المشرع فى صدد تطبيق المادة 116 مكررًا ب قد حدد للخطأ الجسيم ثلاث صور هى الإهمال الجسيم فى أداء الوظيفة وإساءة استعمال السلطة والإخلال الجسيم بواجبات الوظيفة وكان من المقرر أن الخطأ الذى يقع من الأفراد عمدًا فى الجرائم غير العمدية يتوافر فى تصرف الشخص تصرفًا لا يتفق والحيطة التى تقضى بها ظروف الحياة العادية وبذلك فهو عيب يشوب مسلك الإنسان لا يأتيه الرجل العادى المعتبر الذى أحاطت به ظروف خارجية مماثلة للظروف التى أحاطت بالمسئول والإهمال الجسيم فى نطاق الأموال والوظائف العامة هو صورة من صور الخطأ الفاحش ينبئ عن انحراف مرتكبه عن السلوك المألوف والمعقول للموظف العادى فى مثل ظروفه وقوامه تصرف إرادى خاطئ يؤدى إلى نتيجة ضارة توقعها الفاعل أو كان عليه أن يتوقعها ولكنه لم يقصد إحداثها ولم يقبل وقوعها والسلوك المعقول العادى للموظف تحكمه الحياة الاجتماعية والبيئية والعرف ومألوف الناس فى أعمالهم وطبيعة مهنتهم وظروفها - فإن قعد عن بذل القدر الذى يبذله أكثر الناس تهاونًا فى أمور نفسه كان تصرفه خطأ جسيم - وتقدير ذلك الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه هو مما يتعلق بموضوع الدعوى، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعنين من الواقع الذى استبان للمحكمة بما لها من سلطة التقدير أنهما أهملا إهمالاً جسيمًا فى أداء أعمال وظيفتهما وأغفلا ما تتطلبه واجبات عملهما بالبنك من حذر وحيطة وقد تسبب ذلك الخطأ الفاحش من الطاعنين فى خسارة البنك بمبلغ..... جنيه فإن هذا القدر الذى أورده الحكم سائغ ويستقيم به قضاءه وتندفع به دعوى القصور فى التسبيب.
2 - من المقرر أن المنازعة فى سلامة ما استخلصته المحكمة من واقع أوراق الدعوى والتحقيقات التى تمت فيها فإنه لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعيًا فى تقدير الدليل وفى سلطة محكمة الموضوع فى وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
3 - من المقرر أن التناقض الذى يعيب الحكم ويبطله هو الذى يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة وإذ كان لا يوجد ثمة تعارض بين ما حصله الحكم فى معرض بيانه لواقعة الدعوى وأقوال الشهود وتقرير الخبير من جريمة الاستيلاء وما وقر فى يقين المحكمة من استبعاد تهمة تسهيل الاستيلاء وإدانة الطاعنين عن الإضرار غير العمدى ومن ثم فإن قالة التناقض والتخاذل تنحسر عن الحكم المطعون فيه.
4 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعرض عن قالة شهود النفى ما دامت لا تثق بما شهدوا به وفى قضائها بالإدانة لأدلة الثبوت التى أوردتها دلالة على أنها لم تطمئن لأقوال هؤلاء الشهود فأطرحتها.
5 - لما كان الأصل أنه لا يقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلاً منها بشخص الطاعن وكان ما ينعاه الطاعنان على الحكم من قصور وإخلال بحق الدفاع إذ دان المحكوم عليهما الثالث والرابع بالاشتراك بطريقى الاتفاق والمساعدة فى جريمة الإهمال الجسيم إذ أنه غير متصور أن الجريمة غير عمدية، لا يتصل بشخص الطاعنين ولا مصلحة لهما فيه فإن ما يثيراه فى هذا الشأن لا يكون مقبولاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من (1)..... (2)..... (3)..... (4)... فى قضية الجناية رقم... بوصف أنهم فى خلال الفترة من... حتى... أولاً: المتهمان الأول والثانى: - بصفتهما موظفين عامين "الأول... والثانى... فى إحدى الشركات التى تساهم فيها وحدات القطاع العام... سهلا للمتهمين الثالث والرابع الاستيلاء على مبلغ... جنيه المملوك... سالفة الذكر بأن تعمدا عدم إثبات بعض المعلومات عن المتهمين الثالث والرابع الاستيلاء على مبلغ.... جنيه المملوك.... سالفة الذكر بأن تعمدا عدم إثبات بعض المعلومات عن المتهمين الأخيرين فى الدراسات الائتمانية الخاصة بمنحهما تسهيلات والحصول على أموال.... بعد انتهاء أجلها على النحو المبين تفصيلاً بالتحقيقات. ثانيًا: المتهمان الثالث والرابع:- اشتركا بطريقى الاتفاق والمساعدة مع المتهمين الأولين فى ارتكاب الجريمة السابقة بأن اتفقا معهما على ذلك وساعداهما بأن أمداهما ببياناتهما اللازمة لمنح التسهيلات الائتمانية وقاما باستخدامهما وحصلا على المبلغ الموضح آنفًا فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة.
وأحالتهم إلى محكمة جنايات أمن الدولة العليا..... لمحاكمتهم طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت حضوريًا للأول والثانى وغيابيًا للثالث والرابع بمعاقبة كل منهم بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وأمرت بإيقاف تنفيذ العقوبة بالنسبة للمتهمين الأول والثانى لمدة ثلاث سنوات وجعل الإيقاف شاملاً لجميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم.
فطعن الأستاذ/ ... المحامى بصفته وكيلاً عن المحكوم عليهم الأول والثانى فى هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

وحيث إن ما ينعاه الطاعنين على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة الإضرار غير العمدى قد شابه القصور فى التسبيب والتناقض والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن دفاع الطاعنين قام على انتفاء الخطأ فى جانبهما بانتفاء الضرر بأموال البنك وقدما المستندات الدالة على ذلك وأعرض الحكم عن هذا الدفاع الجوهرى إيرادًا وردًا، كما حصل الحكم واقعة الدعوى وأدلة الثبوت على أنها تسهيل استيلاء بالنسبة للطاعنين ثم انتهى إلى إدانتهما عن جريمة الإضرار غير العمدى بالمال العام مما يعد تناقضًا، فضلاً عن أخذ الحكم بمبدأ الاشتراك فى الخطأ بطريقى الاتفاق والمساعدة بالنسبة للمحكوم عليهما الثالث والرابع وهو غير متصور فى الجرائم غير العمدية مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى فى قوله "وحيث إنه يبين للمحكمة من استقراء وقائع الدعوى وبعد الإحاطة بعناصرها وأدلة الثبوت السابق إيرادها فيما تقدم من مدونات هذا الحكم بما فى ذلك تقرير مكتب خبراء وزارة العدل بالإسكندرية وأقوال رئيس لجنة الخبراء أمام هذه المحكمة قد توافرت لها مقومات الصحة اللازمة لإدانة المتهمين نظرًا لتكاملها وتساندها وصدق ما انطوت عليه من أسانيد وأدلة تبعث على ثقة المحكمة بها واطمئنانها إليها ولا يجدى المتهمان الأول والثانى إنكارهما لما اقترفاه من جرم تمثل فى خطئهما وإهمالهما فى أداء وظيفتهما الذى أدى إلى ضياع أموال البنك الذى يعملان به إذ لا يعدو هذا الإنكار أن يكون قولاً مرسلاً لا سند يؤازره فى الأوراق تغيا به درء الاتهام والإفلات من المساءلة والعقاب سيما وقد جاء مجافيًا لأدلة الثبوت القويمة والسديدة - سالفة الذكر - والتى اطمأنت إليها المحكمة كل الاطمئنان كما تعرض المحكمة ملتفتة عن مناحى دفاعهما الموضوعى على تلك الأدلة وقد اطمأنت إليها المحكمة وتأخذهما والمتهمين الثالث والرابع بما خلصت إليه ومؤداه أنهم قارفوا الجريمة التى حصرت فى استخلاص المحكمة للواقعة على النحو المتقدم ولا تساير المحكمة النيابة فيما ذهبت إليه تكييفًا للاتهام المسند إلى المتهمين، ولما وقر فى يقين المحكمة، على نحو ما تقدم من مدونات هذا الحكم من تخلف ركن العمد لدى أى منهما فيما لحق البنك من ضرر جسيم تمثل فى ضياع حقه فى اقتضاء قيمة التسهيلات الائتمانية الممنوحة للمتهمين الثالث والرابع ولما كشفت عنه أدلة الثبوت سالفة البيان خاصة ما أوضحه رئيس لجنة الخبراء من أن مرد المخالفات التى ارتكبها المتهمين الأول والثانى كان نتيجة إهمالهما فى أداء وظيفتهما نافيًا ركن العمد قبلهما". لما كان ذلك، وكان المشرع فى صدد تطبيق المادة 116 مكررًا ب قد حدد للخطأ الجسيم ثلاث صور هى الإهمال الجسيم فى أداء الوظيفة وإساءة استعمال السلطة والإخلال الجسيم بواجبات الوظيفة وكان من المقرر أن الخطأ الذى يقع من الأفراد عمدًا فى الجرائم غير العمدية يتوافر فى تصرف الشخص تصرفًا لا يتفق والحيطة التى تقضى بها ظروف الحياة العادية وبذلك فهو عيب يشوب مسلك الإنسان لا يأتيه الرجل العادى المعتبر الذى أحاطت ظروف خارجية مماثلة للظروف التى أحاطت بالمسئول والإهمال الجسيم فى نطاق الأموال والوظائف العامة هو صورة من صور الخطأ الفاحش ينبئ عن انحراف مرتكبه عن السلوك المألوف والمعقول للموظف العادى فى مثل ظروفه وقوامه تصرف إرادى خاطئ يؤدى إلى نتيجة ضارة توقعها الفاعل أو كان عليه أن يتوقعها ولكنه لم يقصد إحداثها ولم يقبل وقوعها والسلوك المعقول العادى للموظف تحكمه الحياة الاجتماعية والبيئية والعرف ومألوف الناس فى أعمالهم وطبيعة مهنتهم وظروفها - فإن قعد عن بذل القدر الذى يبذله أكثر الناس تهاونًا فى أمور نفسه كان تصرفه خطأ جسيم - وتقدير ذلك الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه هو مما يتعلق بموضوع الدعوى، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعنين من الواقع الذى استبان للمحكمة بما لها من سلطة التقدير أنهما أهملا إهمالاً جسيمًا فى أداء أعمال وظيفتهما وأغفلا ما تتطلبه واجبات عملهما بالبنك من حذر وحيطة وقد تسبب ذلك الخطأ الفاحش من الطاعنين فى خسارة البنك لمبلغ... جنيه فإن هذا القدر الذى أورده الحكم سائغ ويستقيم به قضاءه وتندفع به دعوى القصور فى التسبيب أما ما يثيره الطاعن من منازعة فى سلامة ما استخلصته المحكمة من واقع أوراق الدعوى والتحقيقات التى تمت فيها فإنه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيًا فى تقدير الدليل وفى سلطة محكمة الموضوع فى وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن التناقض الذى يعيب الحكم ويبطله هو الذى يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة وإذ كان لا يوجد ثمة تعارض بين ما حصله الحكم فى معرض بيانه لواقعة الدعوى وأقوال الشهود وتقرير الخبير من جريمة الاستيلاء وما وقر فى يقين المحكمة من استبعاد تهمة تسهيل الاستيلاء وإدانة الطاعنين عن الإضرار غير العمدى ومن ثم فإن قالة التناقض والتخاذل تنحسر عن الحكم المطعون فيه. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تعرض عن قالة شهود النفى ما دامت لا تثق بما شهدوا به وفى قضائها بالإدانة لأدلة الثبوت التى أوردتها دلالة على أنها لم تطمئن لأقول هؤلاء الشهود فأطرحتها فإن منعى الطاعنين بشأن عدم التفات الحكم لشاهدة النفى مديرة الائتمان بالبنك..... يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكان الأصل أنه لا يقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلاً منها بشخص الطاعن وكان ما ينعاه الطاعنين على الحكم من قصور وإخلال بحق الدفاع إذ دان المحكوم عليهما الثالث والرابع بالاشتراك بطريقى الاتفاق والمساعدة فى جريمة الإهمال الجسيم إذ أنه غير متصور أن الجريمة غير عمدية، لا يتصل بشخص الطاعنين ولا مصلحة لهما فيه فإن ما يثيراه فى هذا الشأن لا يكون مقبولاً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا.