أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 54 - الجزء الثانى - صـ 952

جلسة 11 من أكتوبر سنة 2003

برئاسة السيد المستشار/ محمد شتا نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ حسن أبو المعالى، مصطفى صادق نائبى رئيس المحكمة، خالد مقلد وممدوح عبد الحى.

(126)
الطعن رقم 27397 لسنة 64 القضائية

(1) تزوير "أوراق رسمية". جريمة "أركانها". قصد جنائى. محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل".
القصد الجنائى فى جريمة التزوير. مناط تحققه؟
استخلاصه. موضوعى. تحدث الحكم استقلالاً عن توافره. غير لازم.
(2) تزوير "أوراق رسمية". فاعل أصلى. اشتراك. محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". اتفاق.
الاشتراك بالاتفاق يتكون من اتحاد نية الفاعل والشريك على ارتكاب الفعل المتفق عليه. النية من مخبآت الصدور ودخائل النفس التى لا تقع تحت الحس وليس لها أمارات ظاهرة. للقاضى الجنائى الاستدلال على الاتفاق بطريق الاستنتاج والقرائن إذا لم يقم عليه دليل مباشر. مادام سائغًا.
(3) تزوير "أوراق رسمية" "الاشتراك فى التزوير". اشتراك. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الاشتراك فى التزوير تمامه دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة.
كفاية اعتقاد المحكمة حصوله من ظروف الدعوى. ما دام سائغًا.
الجدل الموضوعى فى تقدير الدليل. غير جائز أمام محكمة النقض.
مثال.
(4) إثبات "شهود". حكم " تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل".
تناقض أقوال الشهود لا يعيب الحكم. مادام قد استخلص الإدانة منها استخلاصًا سائغًا لا تناقض فيه.
المنازعة فى القوة التدليلية لأقوال المجنى عليها. جدل موضوعى. غير جائز أمام النقض.
(5) استدلالات. محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير جدية التحريات".
للمحكمة التعويل فى عقيدتها على تحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة.
(6) إثبات "اعتراف". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل".
عدم التزام المحكمة نص اعتراف المتهم وظاهره. لها أن تجزئه وأن تستنبط منه الحقيقة كما كشف عنها. ورود الاعتراف على الواقعة بكافة تفاصيلها. غير لازم. كفاية وروده على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقى عناصر الدعوى اقتراف الجانى للجريمة.
مثال.
(7) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير أقوال الشهود". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
حق المحكمة الإعراض عن قالة شهود نفى ما دامت لم تثق فى أقوالهم. عدم التزامها بالإشارة إلى أقوالهم. طالما لم تستند إليها.
(8) إجراءات "إجراءات المحاكمة". إثبات "شهود".
إعراض المحكمة عن سماع شهود نفى لم يعلنوا وفقًا للمادة 214 مكرر أ/ 2 إجراءات جنائية. لا تثريب عليها. علة ذلك؟
(9) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إجراءات "إجراءات المحاكمة". محاماة.
جواز تولى محام واحد واجب الدفاع عن متهمين متعددين فى جناية واحدة. شرط ذلك؟
مناط التعارض الحقيقى المخل بحق الدفاع أن لا يترتب على القضاء بإدانة أحدهما براءة الآخر.
مثال.
(10) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". إجراءات "إجراءات التحقيق".
النعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها. غير مقبول.
(11) عقوبة "عقوبة الجرائم المرتبطة". تزوير "أوراق رسمية" "استعمال أوراق مزورة". تقليد. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "المصلحة فى الطعن". ارتباط.
انتفاء مصلحة الطاعنة فى النعى على الحكم بشأن جريمة استعمال المحرر المزور مادام أنه أوقع عقوبة الجرائم المرتبطة لجريمتى الاشتراك فى تزوير محرر رسمى وتقليد الأختام وفقًا للمادة 32 عقوبات.
1 - القصد الجنائى فى جريمة التزوير يتحقق من تعمد الجانى تغيير الحقيقة فى المحرر مع انتواء استعماله فى الغرض الذى من أجله غيرت الحقيقة فيه واستخلاص هذا القصد من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التى تفصل فيها محكمة الموضوع فى ضوء الظروف المطروحة عليها وليس بلازم أن يتحدث الحكم عنه صراحة وعلى استقلال مادام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه وهو ما وفره الحكم المطعون فيه.
2 - الاشتراك بالاتفاق إنما يتكون من اتحاد نية الفاعل والشريك على ارتكاب الفعل المتفق عليه وهذه النية من مخبآت الصدور ودخائل النفس التى لا تقع عادة تحت الحس وليس لها أمارات ظاهرة، وللقاضى الجنائى إذا لم يقم على الاتفاق دليل مباشر أن يستدل على ذلك بطريق الاستنتاج والقرائن التى تقوم لديه مادام هذا الاستنتاج سائغًا وله من ظروف الدعوى ما يبرره.
3 - ومن المقرر أن الاشتراك فى التزوير يتم غالبًا دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه، ومن ثم يكفى لثبوته أن تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها، وأن يكون اعتقادها سائغًا تبرره الوقائع التى أثبتها الحكم، وكان الحكم المطعون فيه فى سرده لوقائع الدعوى ومؤدى أدلة الثبوت فيها قد أورد من الأدلة القولية والفنية ما يكشف عن اعتقاد المحكمة باشتراك الطاعنات على ارتكاب جريمتى التزوير وتقليد الأختام فإن هذا حسبه ليستقيم قضاؤه، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنات فى هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعى فى تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب. ويضحى النعى على الحكم بقالة القصور فى التسبيب لعدم استظهار عناصر الاشتراك والتدليل على توافره وكذا أركان جريمة التقليد فى حقهن غير قويم.
4 - من المقرر أن تناقض الشاهد - وبفرض حصوله - لا يعيب الحكم مادام قد استخلص الإدانة من أقواله استخلاصًا سائغًا لا تناقض فيه - كما هو الحال فى هذه الدعوى - فإن منازعة الطاعنات فى القوة التدليلية لشهادة المجنى عليها على النحو الذى ذهبن إليه فى طعنهن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيًا فى تقدير المحكمة للأدلة القائمة فى الدعوى وهو من اطلاقاتها ولا يجوز مصادرتها فيه لدى محكمة النقض.
5 - للمحكمة أن تعول فى عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة مادام أنها اطمأنت لجديتها، فإن النعى على الحكم فى هذا الخصوص لا يكون مقبولاً.
6 - من المقرر أن المحكمة ليست ملزمة فى أخذها باعتراف المتهم أن تلتزم نصه وظاهره بل أن تجزئه وتستنبط منه الحقيقة كما كشف عنها ولا يلزم أن يرد الاعتراف على الواقعة بكافة تفاصيلها بل يكفى أن يرد على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقى عناصر الدعوى بكافة الممكنات العقلية والاستنتاجية اقتراف الجانى للجريمة. لما كان ذلك، وكانت الطاعنات لا ينازعن - فى أسباب طعنهن - أن ما حصله الحكم من اعترافاتهن بمحضرى الضبط والتحقيقات له أصله الثابت بالأوراق، ولم يحد عن نص ما أدلين به من أقوال بتلك التحقيقات، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى صحة تلك الاعترافات ومطابقتها للحقيقة، فإنه لا محل للنعى على الحكم فى هذا الشأن.
7 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعرض عن قاله شهود النفى مادامت لا تثق بما شهدوا به، وهى غير ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم مادامت لم تستند إليها، وفى قضائها بالإدانة لأدلة الثبوت التى أوردتها دلالة على أنها لم تطمئن إلى أقوال هؤلاء الشهود فاطرحتها، فإن النعى على الحكم فى هذا الخصوص يكون غير مقبول.
8 - لما كانت الطاعنات يسلمن فى أسباب طعنهن أن أى منهن لم تتبع الطريق الذى رسمه قانون الإجراءات الجنائية فى المادة 214 مكرر أ/ 2 المضافة بالقانون 170 سنة 1981 لإعلان الشهود الذين يطلبن سماع شهادتهم أمام محكمة الجنايات ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إذا هى أعرضت عن طلب سماع شهود النفى الذين طلبن سماعهم بجلسة المحاكمة ولم تستجب إليهن.
9 - لما كان البين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن محاميًا واحدًا حضر عن الطاعنتين الأولى والثانية وأبدى دفاعًا واحدًا عنهما يرتكز أساسه على إنكارهما الفعل المسند إليهما، وكان قضاء محكمة النقض قد جرى على أن القانون لا يمنع من أن يتولى محام واحد واجب الدفاع عن متهمين متعددين فى جناية واحدة مادامت ظروف الواقعة لا تؤدى إلى القول بقيام تعارض حقيقى بين مصالحهم، وكان الثابت من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه انتهى إلى أن الطاعنتين الأولى والثانية ارتكبتا معًا جريمتى الاشتراك فى التزوير فى محرر رسمى هو عقد تمليك شقة وتوكيل مصدق.... وكان القضاء بإدانة أحدهما - كما يستفاد من الحكم - لا يترتب عليه القضاء ببراءة الآخر وهو مناط التعارض الحقيقى المخل بحق الدفاع، وإذ كان المتهمتان لم تتبادلا الاتهام والتزمتا جانب الإنكار، وكان تعارض المصلحة الذى يوجب إفراد كل منهما بمحام خاص يتولى الدفاع عنه أساسه الواقع ولا ينبنى على احتمال ما كان بوسع كل منهما أن يبديه من أوجه الدفاع مادام لم يبده بالفعل فإن مصلحة كل من الطاعنتين فى الدفاع لا تكون متعارضة ويكون منعاهما على الحكم فى هذا الخصوص غير سديد.
10 - لما كان البين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن أى من الطاعنات لم يطلبن إلى المحكمة تحقيقًا معينًا بصدد واقعة الدعوى فليس لأى منهن من بعد أن تنعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها.
11 - لما كان لا مصلحة للطاعنة الثانية مما تنعاه على الحكم المطعون فيه بالنسبة لجريمة استعمال محرر مزور مادام البين من مدوناته أنه طبق المادة 32 من قانون العقوبات وأوقع على الطاعنة عقوبة واحدة عن كافة الجرائم التى دانتها بها تدخل فى حدود العقوبة المقررة لجريمتى الاشتراك فى تزوير محرر رسمى وتقليد الأختام.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين فى الجناية رقم.... بأنهم (1) اشتركوا بطريق الاتفاق فيما بينهم وبطريقى الاتفاق والمساعدة مع آخر مجهول ليس من أرباب الوظائف العمومية فى ارتكاب تزوير فى محرر رسمى هو التوكيل الخاص ومحضر التصديق الخاص به رقم..... والمنسوب صدوره إلى مكتب توثيق.... وكان ذلك بطريق الاصطناع بأن اتفقوا فيما بينهم مع ذلك المجهول على إنشائه على غرار المحررات الصحيحة التى تصدرها الجهة سالفة الذكر وساعدوه بأن أمدوه بالبيانات المراد إثباتها فقام ذلك المجهول بتدوينها ومهرها بأختام وتوقيعات مزورة على تلك الجهة والعاملين بها وبصمة ببصمة مزورة على... فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة (2) اشتركوا بطريق الاتفاق فيما بينهم وبطريقى الاتفاق والمساعدة مع آخر مجهول ليس من أرباب الوظائف العمومية فى ارتكاب تزوير فى محرر رسمى هو..... المنسوب صدوره إلى.... وكان ذلك بطريق الاصطناع بأن اتفقوا فيما بينهم مع ذلك المجهول على إنشائه على غرار المحررات الصحيحة التى تصدرها الجهة سالفة الذكر. وساعدوه بأن أمدوه بالبيانات المراد إثباتها فقام ذلك المجهول بتدوينها ومهرها بتوقيع مزور على العاملين بتلك الجهة وبصمه ببصمة مزورة على... فتمت الجريمة بناءً على هذا الاتفاق وتلك المساعدة (3) قلدوا بواسطة الغير بصمة خاتم شعار الجمهورية والخاتم الكودى لمكتب توثيق.... بأن اصطنعوا خاتمين مقلدين على غرار الأختام الصحيحة لتلك الجهة واستعملوهما بأن بصموا بهما على المحرر المزور المنوه عنه بوصف الاتهام الأول (4) المتهمة الثانية استعملت المحررين المزورين المنوه عنهما بوصفى الاتهام الأول والثانى بأن قدمته كسند ملكية فى القضية موضوع التحقيق مع علمها بتزويرهما. وأحالتهم إلى محكمة جنايات..... لمعاقبتهم طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة وادعت المجنى عليها... مدنيًا قبل المتهمين بمبلغ... جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
والمحكمة المذكورة قضت حضوريًا فى... عملاً بالمواد 40/ 2، 3، 41/ 1، 206/ 3، 4، 211، 212، 214 من قانون العقوبات مع إعمال المادتين 17، 32/ 2 من ذات القانون بمعاقبة المتهمة الأولى بالسجن لمدة ثلاث سنوات وكل من المتهمة الثانية والمتهمة الثالثة بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة عما أسند إليهن وبمصادرة المحررين المزورين المضبوطين وبإلزامهن متضامنين بأن يؤدوا للمدعية بالحقوق المدنية مبلغ.... جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
فطعنت المحكوم عليها الأولى فى هذا الحكم بطريق النقض كما طعن الأستاذ/ .. المحامى نيابة عن المحكوم عليهما الثانية.....الخ.


المحكمة

ومن حيث إن الطاعنات تنعين - بمذكرتى أسبابهن - على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهن بجرائم الاشتراك بطريق الاتفاق والمساعدة فى تزوير محررات رسمية واستعمالها وتقليد أختام قد شابه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ذلك بأنه لم يستظهر أركان الجرائم التى دانهن بها ولم يدلل على ارتكابهن لها وطرق مشاركتهن فيها وعول الحكم فى الإدانة على أقوال المجنى عليها رغم تناقضها، كما استند فى قضاءه على تحريات الشرطة رغم أنها لا تصلح دليلاً وتساند إلى إقرارهن بمحضر الضبط والتحقيقات على الرغم من عدم اعتراف أى منهن بارتكاب ما نسب إليهن وإنما انصرفت أقوالهن إلى مجرد شراء الشقة والتوسط فى شرائها. وأغفلت المحكمة الإشارة إلى أقوال شاهدة النفى... ولم يعرض لها بالإيراد أو الرد. وعدلت عن قرارها بسماع شهود نفى دون أن تبين سبب ذلك وأن المحكمة لم تجر تحقيق فى واقعة الدعوى. وسمحت لمحام واحد بالدفاع عن الطاعنتين الأولى والثانية رغم تعارض مصلحتيهما. وأخيرًا دان الطاعنة الثانية بجريمة استعمال المحرر المزور رغم عدم توافر أركان تلك الجريمة فى حقها مما يعيبه ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التى دان الطاعنات بها وأورد على ثبوتها فى حقهن أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وما ثبت من خطاب مكتب توثيق... وتقرير المعمل الجنائى وخبير البصمات بوزارة الداخلية وتحريات الشرطة ومن الاطلاع على المستندين المزورين المضبوطين ومن إقرار المتهمات الثلاث بمحضر الضبط والتحقيقات. وكان القصد الجنائى فى جريمة التزوير يتحقق من تعمد الجانى تغيير الحقيقة فى المحرر مع انتواء استعماله فى الغرض الذى من أجله غيرت الحقيقة فيه واستخلاص هذا القصد من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التى تفصل فيها محكمة الموضوع فى ضوء الظروف المطروحة عليها وليس بلازم أن يتحدث الحكم عنه صراحة وعلى استقلال مادام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه وهو ما وفره الحكم المطعون فيه. وكان الاشتراك بالاتفاق إنما يتكون من اتحاد نية الفاعل والشريك على ارتكاب الفعل المتفق عليه وهذه النية من مخبآت الصدور ودخائل النفس التى لا تقع عادة تحت الحس وليس لها أمارات ظاهرة، وللقاضى الجنائى إذا لم يقم على الاتفاق دليل مباشر أن يستدل على ذلك بطريق الاستنتاج والقرائن التى تقوم لديه مادام هذا الاستنتاج سائغًا وله من ظروف الدعوى ما يبرره. ومن المقرر أن الاشتراك فى التزوير يتم غالبًا دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه، ومن ثم يكفى لثبوته أن تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها، وأن يكون اعتقادها سائغًا تبرره الوقائع التى أثبتها الحكم، وكان الحكم المطعون فيه فى سرده لوقائع الدعوى ومؤدى أدلة الثبوت فيها قد أورد من الأدلة القولية والفنية ما يكشف عن اعتقاد المحكمة باشتراك الطاعنات على ارتكاب جريمتى التزوير وتقليد الأختام فإن هذا حسبه ليستقيم قضاؤه، ومن ثم فإن ما تثيره الطاعنات فى هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعى فى تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب، ويضحى النعى على الحكم بقالة القصور فى التسبيب لعدم استظهار عناصر الاشتراك والتدليل على توافره وكذا أركان جريمة التقليد فى حقهن غير قويم. لما كان ذلك، وكان تناقض الشاهد - وبفرض حصوله - لا يعيب الحكم مادام قد استخلص الإدانة من أقواله استخلاصًا سائغًا بلا تناقض فيه - كما هو الحال فى هذه الدعوى - فإن منازعة الطاعنات فى القوة التدليلية لشهادة المجنى عليها على النحو الذى ذهبن إليه فى طعنهن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيًا فى تقدير المحكمة للأدلة القائمة فى الدعوى وهو من إطلاقاتها ولا يجوز مصادرتها فيه لدى محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان للمحكمة أن تعول فى عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة مادام أنها اطمأنت لجديتها، فإن النعى على الحكم فى هذا الخصوص لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة ليست ملزمة فى أخذها باعتراف المتهم أن تلتزم نصه وظاهره بل لها أن تجزئه وتستنبط منه الحقيقة كما كشف عنها ولا يلزم أن يرد الاعتراف على الواقعة بكافة تفاصيلها بل يكفى أن يرد على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقى عناصر الدعوى بكافة الممكنات العقلية والاستنتاجية اقتراف الجانى للجريمة. لما كان ذلك وكانت الطاعنات لا ينازعن - فى أسباب طعنهن - أن ما حصله الحكم من اعترافهن بمحضرى الضبط والتحقيقات له أصله الثابت بالأوراق، ولم يحد عن نص ما أدلين به من أقوال بتلك التحقيقات، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى صحة تلك الاعترافات ومطابقتها للحقيقة، فإنه لا محل للنعى على الحكم فى هذا الشأن. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تعرض عن قالة شهود النفى مادامت لا تثق بما شهدوا به، وهى غير ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم مادامت لم تستند إليها، وفى قضائها بالإدانة لأدلة الثبوت التى أوردتها دلالة على أنها لم تطمئن إلى أقوال هؤلاء الشهود فاطرحتها، فإن النعى على الحكم فى هذا الخصوص يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكانت الطاعنات يسلمن فى أسباب طعنهن أن أى منهن لم يتبع الطريق الذى رسمه قانون الإجراءات الجنائية فى المادة 214 مكررًا/ 2 المضافة بالقانون 170 سنة 1981 لإعلان الشهود الذين يطلبن سماع شهادتهم أمام محكمة الجنايات ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إذا هى أعرضت عن طلب سماع شهود النفى الذين طلبن سماعهم بجلسة المحاكمة ولم تستجب إليهن. لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن محاميًا واحدًا حضر عن الطاعنتين الأولى والثانية وأبدى دفاعًا واحدًا عنهما يرتكز أساسه على إنكارهما الفعل المسند إليهما، وكان قضاء محكمة النقض قد جرى على أن القانون لا يمنع من أن يتولى محام واحد واجب الدفاع عن متهمين متعددين فى جناية واحدة مادامت ظروف الواقعة لا تؤدى إلى القول بقيام تعارض حقيقى بين مصالحهم، وكان الثابت من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه انتهى إلى أن الطاعنتين الأولى والثانية ارتكبا معًا جريمتى الاشتراك فى التزوير فى محرر رسمى هو عقد تمليك شقة وتوكيل... وكان القضاء بإدانة إحداهما - كما يستفاد من الحكم - لا يترتب عليه القضاء ببراءة الأخرى وهو مناط التعارض الحقيقى المخل بحق الدفاع، وإذ كانت المتهمتان لم تتبادلا الاتهام والتزمتا جانب الإنكار، وكان تعارض المصلحة الذى يوجب إفراد كل منهما بمحام خاص يتولى الدفاع عنها أساسه الواقع ولا ينبنى على احتمال ما كان بوسع كل منهما أن يبديه من أوجه الدفاع مادام لم يبده بالفعل فإن مصلحة كل من الطاعنتين فى الدفاع لا تكون متعارضة ويكون منعاهما على الحكم فى هذا الخصوص غير سديد. لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن أى من الطاعنات لم يطلبن إلى المحكمة تحقيقًا معينًا بصدد واقعة الدعوى فليس لأى منهن من بعد أن تنعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها. لما كان ذلك، وكان لا مصلحة للطاعنة الثانية مما تنعاه على الحكم المطعون فيه بالنسبة لجريمة استعمال محرر مزور مادام البين من مدوناته أنه طبق المادة 32 من قانون العقوبات وأوقع على الطاعنة عقوبة واحدة عن كافة الجرائم التى دانتها بها تدخل فى حدود العقوبة المقررة لجريمتى الاشتراك فى تزوير محرر رسمى وتقليد الأختام. ولما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا.