مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية والخمسون - الجزء الأول - من أول أكتوبر سنة 2005 إلى آخر مارس 2006 - صـ 15

(2)
جلسة 10 من يونية سنة 2006م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز - رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ محمد أحمد الحسيني عبد المجيد مسلم، ومحمد رضا محمود سالم، وإسماعيل صديق محمد راشد، وكمال زكي عبد الرحمن اللمعي، ومحمد منير السيد جويفل، ومنصور حسني علي غربي، والسيد محمد السيد الطحان، وغبريال جاد عبد الملاك، ود. حمدي محمد أمين الوكيل، وإدوارد غالب سيفين، وسامي أحمد محمد الصباغ، وعبد الله عامر إبراهيم، وأحمد عبد العزيز إبراهيم أبو العزم - نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ ألهم محمود أحمد - مفوض الدولة
وحضور السيد/ كمال نجيب مرسيس - سكرتير المحكمة

الطعن رقم 7471 لسنة 45 قضائية. عليا:

دعوى - الحكم في الدعوى - تسبيب الحكم - عدم جواز الإحالة إلى الأسباب الواردة في تقرير هيئة مفوضي الدولة كأسباب للحكم.
ناط المشرع في المادة (27) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 بهيئة مفوضي الدولة تحضير الدعوى وتهيئتها للمرافعة وإيداع تقرير فيها يحدد وقائعها والمسائل التي يثيرها النزاع وإبداء رأى قانوني مسبب فيها وإلا كان الحكم باطلاً، وعليه فإن هيئة مفوضي الدولة لا تفصل في أية منازعة وإنما تطرح رأيًا استشاريًا، للمحكمة أن تأخذ به كله أو بعضه، أو تطرحه كله أو بعضه؛ لذا فإنه لا يجوز الإحالة إلى الأسباب الواردة في تقرير هيئة مفوضي الدولة كأسباب للحكم - أساس ذلك: أن هذا التقرير يعد في مسائل قانونية بحتة، وأن هذه المسائل من صميم ولاية المحكمة - تطبيق.


الإجراءات

في يوم الأربعاء الموافق 4/ 1/ 1999 أودعت هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 7471 لسنة 45 قضائية عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالمنصورة بجلسة 12 من يونية سنة 1999 في الدعوى رقم 1357 لسنة 13 ق المقامة من: 1- البكري الصديق علي جمعة 2 - علي المتولي إبراهيم سليمان 3 - فهيمة علي علي عبد العال ضد: 1 - محافظ الدقهلية 2- رئيس الوحدة المحلية لمركز المنزلة 3 - رئيس الوحدة المحلية لميت سلسيل مركز المنزلة 4 - فتحي محمود السيد مطاوع 5 - فاطمة السيد محمد مطاوع 6 - المرسي المرسي حبيب
7 - أم محمد محمد المتولي 8 - نجاة علي محمد سعيد 9 - عايدة رجب محمد حبيب 10 - زمرة محمود البزاري.
والقاضي بقبول الدعوى شكلاً، وبقبول تدخل المدعى عليهم من الرابع حتى العاشر خصومًا منضمين إلى جانب الجهة الإدارية المدعى عليها، وفي الموضوع برفض الدعوى وإلزام المدعين المصروفات.
وطلبت الهيئة الطاعنة - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري بالمنصورة للفصل فيها مجددًا، مع إبقاء الفصل في المصروفات.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا مسببًا بالرأي القانوني في الطعن ارتأى فيه الحكم بذات الطلبات الواردة بتقرير الطعن.
وقد تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا (الدائرة السادسة) جلسة 17 من أكتوبر سنة 2000، وتدوول نظره أمامها على النحو المبين بمحاضر جلساتها، وبجلسة 5/ 3/ 2002 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة السادسة) لنظره بجلسة 20/ 3/ 2003 وتدوول نظره لجلساتها، وبجلسة 30/ 4/ 2003 قضت المحكمة بإحالة الطعن إلى دائرة توحيد المبادئ المشكلة طبقًا للمادة (54 مكررًا) من القانون رقم 36 لسنة 1984 بتعديل القانون رقم 47 لسنة 1972 في شأن مجلس الدولة. بعدها تقدمت هيئة مفوضي الدولة بتقرير مسبب بالرأي القانوني اقترحت فيه الحكم بعدم جواز الإحالة إلى الأسباب الواردة في تقارير هيئة مفوضي الدولة كأسباب للحكم المطعون فيه.
وبعد تداول الطعن أمام المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، قررت إصدار الحكم بجلسة 14/ 1/ 2006، ثم مد أجل النطق بالحكم لجلسات بالية موضحة بمحاضرها، إلى أن تقرر إصداره بجلسة اليوم، حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونًا.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعة الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تجمل - حسبما يبين من الأوراق - في أن المدعين أقاموا الدعوى رقم 1357 لسنة 13 ق أمام محكمة القضاء الإداري بالمنصورة طالبين الحكم بإلغاء القرار الإداري رقم 362 لسنة 1989 الصادر من الوحدة المحلية لمركز المنزلة، وما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام الجهة الإدارية المدعى عليها المصروفات.
وأورد المدعون - شرحًا لدعواهم - أنه بتاريخ 26/ 8/ 1989 أصدرت الوحدة المحلية القرار المشار إليه متضمنًا إزالة التعدي الواقع منهم بين منازلهم بعرض أربعة أمتار والمتصل بالطريق الزراعي بناحية ميت سلسيل مركز المنزلة، ونعى المدعون على هذا القرار مخالفته للقانون؛ لأنه لا يوجد شارع بين منازلهم، وإنما هو منور لكل منزل مقام بواسطة جدار فاصل بين ملكية كل منهم وذلك منذ أكثر من خمسة وعشرين عامًا، وهو ملكية خاصة لا يحق للجهة الإدارية التدخل فيها إلا بالطرق التي حددها القانون لنزع الملكية، والتي لم تتوافر أسبابها في هذه الحالة.
وتدوولت الدعوى بالجلسات وتقدم أطرافها بالمذكرات والمستندات، وبجلسة 8/ 12/ 1990 أصدرت بمحكمة القضاء الإداري بالمنصورة حكمها المطعون فيه الذي قضى بقبول الدعوى شكلاً، وبقبول تدخل المدعى عليهم من الرابع حتى العاشر خصومًا منضمين إلى جانب الجهة الإدارية المدعى عليها، وفي الموضوع برفض الدعوى وإلزام المدعين المصروفات، وذلك على سند من القول بأنه إذا كان المقرر قانونًا أنه يجوز للمحكمة أن تستند في حكمها إلى ما ورد بتقرير الخبير المنتدب في الدعوى والإحالة إليه في أسباب حكمها بحيث يصبح هذا التقرير جزءًا متممًا للحكم ويعتبر الحكم معه مسببًا تسبيبًا كافيًا. إذا كان هذا هو الشأن بالنسبة لتقارير الخبراء في الدعاوى، فإنه يصدق من باب أولى في شأن التقارير التي تعدها هيئة مفوضي الدولة في الدعاوى، وهي هيئة موازية تمامًا للمحكمة ولها ذات الضمانات المقررة لأعضاء المحكمة، ومن ثَمَّ فإنه يجوز للمحكمة أن تعتمد في أسباب حكمها على ما انتهى إليه تقرير هيئة مفوضي الدولة المقدم في الدعوى من نتائج متى اطمأنت إلى صحة الأسباب التي تقوم عليها وأنها مستخلصة استخلاصًا سائغًا من الأوراق والمستندات ويكفى في هذا الشأن الإحالة إليها، لما كان ذلك وكان التقرير المقدم من هيئة مفوضي الدولة في الدعوى، وقد انتهى - للأسباب التي تأخذ بها المحكمة وتحيل إليها - إلى أن القرار المطعون فيه والصادر بإزالة التعدي الواقع من المدعين على الشارع العام الواقع بين منازلهم قد استقام على أسبابه المبررة له وصدر مطابقًا لأحكام القانون، فإن طلب المدعين الحكم بإلغائه يغدو غير قائم على سند صحيح من الواقع والقانون.
ولم يصادف هذا القضاء قبولاً لدى هيئة مفوضي الدولة الطاعنة، فأقامت في هذا الطعن ناعية على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون استنادًا إلى أن الثابت من الأوراق أن مسودة الحكم المطعون فيه لم تشتمل على الأسباب التي بني عليها، بل تضمنت إحالة إلى أسباب التقرير المقدم من هيئة مفوضي الدولة في ذات الدعوى المطعون في حكمها، وبالتالي يكون الحكم المطعون فيه غير مشتمل في مسودته على الأسباب التي بني عليها، ومن ثَمَّ يكون باطلاً طبقًا لحكم المادة (176) وما بعدها من قانون المرافعات ويتعين الحكم ببطلانه والأمر بإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري لتصدر حكمها في النزاع مستوفية أسبابه في المسودة الخطية وباقي شرائطه القانونية مع إبقاء الفصل في المصروفات للحكم الذي تنتهي به الخصومة طبقًا لحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
بعدها نُظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا، حيث قررت إحالته إلى هذه المحكمة "الدائرة السادسة" والتي أحالته بدورها إلى دائرة توحيد المبادئ المشكَّلة طبقًا للمادة (54 مكررًا) من القانون رقم 47 لسنة 1972 في شأن مجلس الدولة، ذلك أن الدائرة السادسة بالمحكمة الإدارية العليا في حكمها بإحالة هذا الطعن إلى دائرة توحيد المبادئ قد لاحظت أن ثمة اتجاهين يتجاذبان المنازعة محل الطعن.. الاتجاه الأول: وهو ما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا من أنه يتعين تسبيب الأحكام الصادرة من محاكم مجلس الدولة إعمالاً لمقتضى نصي المادتين (176)، (178) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1996، ومن ثمَّ فلا يجوز للمحكمة أن تحيل في حكمها إلى الأسباب الواردة في تقرير هيئة مفوضي الدولة وتعتبرها أسبابًا للحكم، والاتجاه الآخر هو جواز إحالة الحكم إلى الأسباب الواردة في تقرير هيئة مفوضي الدولة اعتبارها بمثابة أسباب للحكم قياسًا على الإحالة إلى الأسباب الواردة في تقارير الخبراء الذين قد تستعين بهم المحاكم إذا ما رأت أن المنازعات المطروحة أمامها تحتاج إلى إعمال الخبرة لإجلاء الجوانب الفنية لوقائع المنازعات أو بعضها.
وهو الاتجاه الذي اعتنقه الحكم المطعون فيه، والذي يثير في الوقت ذاته احتمال عدول المحكمة الإدارية العليا عما استقر عليه قضاؤها في هذا الشأن على سند من أن الأخذ بهذا الاتجاه يحقق فائدة جلية في سرعة إنجاز الأحكام.
لذا فإن مقطع النزاع المعروض للفصل فيه إنما يكمن في جواز الإحالة إلى الأسباب الواردة في تقرير هيئة مفوض الدولة كأسباب للحكم المطعون فيه من عدمه.
وحيث إن المادة (54 مكررًا) من القانون رقم 47 لسنة 1972 الصادر في شأن مجلس الدولة تنص على أنه "إذا تبين لإحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا عند نظر أحد الطعون أنه صدرت منها أو من إحدى دوائر المحكمة أحكام سابقة يخالف بعضها البعض أو رأت العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة صادرة من المحكمة الإدارية العليا تعين عليها إحالة الطعن إلى هيئة تشكلها الجمعية العامة لتلك المحكمة في كل عام قضائي من أحد عشر مستشارًا برئاسة رئيس المحكمة..... إلخ، وعليه فإنه متى أحيل الطعن إلى هذه المحكمة بالتطبيق لحكمة المادة (54 مكررًا) آنفة الإيراد فإن منازعة الطعن برمتها تكون معروضة عليها، ولا يكون ثمة حائل بين هذه المحكمة وبين الفصل في الطعن بكل أجزائه متى ارتأت ذلك شريطة أن يكون صالحًا للفصل فيه ومهيئًا للحكم، حيث تحسم النزاع وتقول في موضوع الطعن كلمة الحق والقانون، كما يكون لهذه المحكمة أن تقتصر في حكمها على البت في المسألة القانونية التي تكشف أوراق الدعوى والطعن عن أنها كانت محلاً لتناقض الأحكام الصادرة من المحكمة الإدارية العليا أو فصلت فيها أحكام سابقة على نحو معين، ثم رُئي العدول عن مبدأ قانوني قررته هذه الأحكام، وبعدها تحيل الطعن إلى دائرة المحكمة المختصة لتفصل في موضوع الطعن على هدى ما أصدرته من قضاء في المسألة القانونية التي تقول كلمتها فيها.
وحيث تنص المادة (176) من القانون رقم 13 لسنة 1968 بإصدار قانون المرافعات المدنية والتجارية على أنه "يجب أن تشتمل الأحكام على الأسباب التي بُنيت عليا وإلا كانت باطلة".
كما تنص المادة (178) من ذات القانون على أنه "يجب أن يبين الحكم المحكمة التي أصدرته وتاريخ إصداره ومكانه وما إذا كان صادرًا في مادة تجارية أو مسألة مستعجلة وأسماء القضاة الذين سمعوا المرافعة واشتركوا في الحكم وحضروا تلاوته، وأسماء الخصوم وألقابهم وصفاتهم وموطن كل منهم وحضورهم وغيابهم، كما يجب أن يشتمل الحكم على عرض مجمل لوقائع الدعوى، ثم طلبات الخصوم وخلاصة موجزة لدفوعهم ودفاعهم.. وأسباب الحكم ومنطوقه".
وحيث إن مقتضى نصي هاتين المادتين أنه يتعين أن تصدر الأحكام القضائية مسببة بأن تحدد الوقائع ومواد القانون ووجه الرأي الذي اعتنقته المحكمة بوضوح كافٍ يؤدى إلى منطوق الحكم منطقًا وعقلاً، بحيث يرتبط منطوق الحكم بالأسباب المحددة الواضحة التي تحمل هذا المنطوق وتبرره من حيث الواقع والقانون، وحتى يتمكن أطراف المنازعة من معرفة السند الواقعي والأساس القانوني الذي أقامت عليه المحكمة حكمها، وذلك إذا ما ارتأى أي طرف الطعن على الحكم وإبداء دفاعه بشأن ما أورده من منطوق ونهض عليه من أسباب وذلك أمام محكمة الطعن على نحو يمكن هذه المحكمة من ممارسة ولايتها القضائية في مراجعة الأحكام المطعون فيها أمامها ووزنها بميزان الحق والعدل بما هو مدون فيها من منطوق وأسباب واضحة ومحددة.
وحيث نظَّم القانون رقم 25 لسنة 1968 بإصدار قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية أعمال الخبرة باعتبارها طريقًا من طرق الإثبات ونوعًا من المعاينة الفنية التي تتم بواسطة أشخاص تتوافر فيهم الكفاءة من الجوانب الفنية والمهنية التي لا يستطيع قضاة الحكم الإلمام بها، وأجاز للمحكمة أن تستعين بأي من هؤلاء الخبراء في الحالات التي يتوقف فيها الفصل في النزاع على معرفة بعض النواحي الفنية التي لا يستطيع القاضي التوصل إليها من تلقاء نفسه، خاصة إذا لم تكن هناك وسائل لإثبات ادعاءات الخصوم ولم يكن في الدعوى ما يكفى من الأدلة لتكوين عقيدة المحكمة للفصل فيها، ومن ثمَّ قضى القانون رقم 25 لسنة 1968 في المادة (135) منه بأن للمحكمة عند الاقتضاء أن تحكمه بندب خبير واحد أو ثلاثة ويجب أن تذكر في منطوق حكمها بيانًا دقيقًا لمأمورية الخبير والأمانة التي يجب إيداعها لحساب مصروفاته، والأجل الذي يتعين على الخبير إيداع تقريره فيه.
وحيث إن المشرع في المادة (27) من القانون رقم 47 لسنة 1972 في شأن مجلس الدولة قد ناط بهيئة مفوضي الدولة تحضير الدعوى وتهيئتها للمرافعة وإيداع تقرير فيها يحدد وقائعها والمسائل التي يثيرها النزاع وإبداء رأيها القانوني مسببًا فيها وإلا كان الحكم باطلاً، وحيث إن هيئة مفوضي الدولة لا تفصل في أية منازعة وإنما تطرح رأيًا استشاريًا للمحكمة أن تأخذ به كله أو بعضه أو تطرحه كله أو بعضه؛ لذا فإنه لا يجوز الإحالة إلى الأسباب الواردة في تقرير هيئة مفوضي الدولة كأسباب للحكم المطعون فيه باعتبار أن هذا التقرير يعد في مسائل قانونية بحتة، وأن هذه المسائل من صميم ولاية المحكمة.
وحيث إنه لا يجوز في هذا المجال قياس تقرير هيئة مفوضي الدولة في الدعوى أو المنازعة على تقرير الخبير المنتدب فيها للتوصل على القول بجواز الإحالة على الأسباب الواردة بتقرير هيئة مفوضي الدولة واعتبارها أسبابًا للحكم، حيث ثمة فروق جوهرية في الحالتين: فبينما يشترط في المنازعة الإدارية أن يتم تحضيرها وإيداع تقرير بالرأي القانوني فيها من قبل هيئة مفوضي الدولة وإلا كان الحكم الصادر فيها باطلاً، فإنه يمكن للمحكمة الفصل في المنازعة دون حاجة إلى ندب خيبر فيها ودون الاستعانة بأي عمل من أعمال الخبرة، طالما ارتأت المحكمة بموجب سلطتها التقديرية عدم الحاجة إلى مثل هذه الأعمال، بل إن محاكم مجلس الدولة عادة ما تفصل في أغلب المنازعات الإدارية المطروحة عليها دون حاجة إلى ندب خبراء ودون حاجة إلى الاستعانة بأعمال الخبرة فيها.
إضافةَ لذلك فإن تقرير الخبير - كما أشير آنفًا - إنما يكون في مسائل فنية تتصل بجوانب من وقائع المنازعة يستعصى على المحكمة تمحيصها والإلمام بها، وتحتاج إلى عمل من أعمال الخبرة لتجلية هذه الجوانب الفنية وتقصّي حقيقتها وتمهيد السبيل أمام المحكمة للفصل فيها، ومن هنا فإن عمل الخبير ومضمون ما ورد بتقريره يشكل عنصرًا من عناصر الإثبات في المنازعة.
أما تقرير هيئة مفوضي الدولة فهو يعرض لكافة وقائع المنازعة وللمسائل والأسانيد والنصوص القانونية الحاكمة لها ويقوم بإعمالها وتطبيقها توصلاً إلى الرأي القانوني فيها شأنه في هذا شأن الحكمة القضائي، بل إن تقرير هيئة مفوضي الدولة قد يقترح ندب خبير في الدعوى، وقد يستند في تحصيل وقائعها وفي إبداء الرأي القانوني فيها إلى ما أبداه الخبير المنتدب فيها من نتائج ومرئيات تتصل بجوانبها الفنية.
وإزاء هذه الفروق الجوهرية والشكلية بين تقرير هيئة مفوضي الدولة وتقرير الخبير، فإنه لا يجوز القياس في شأنهما للقول بجواز إحالة المحكمة إلى أسباب تقرير هيئة مفوضي الدولة واعتبارها أسبابًا للحكم في المنازعة، حيث يضحى القياس في هذه الحالة خاطئًا، وبالتالي تكون النتائج المترتبة عليه مخالفة لصحيح القانون.
وعليه فإنه يتعين أن يشتمل الحكمة المطعون فيه على الأسباب الكافية لحمله، ولا يجوز الإحالة في هذا الشأن إلى الأسباب الواردة بتقرير هيئة مفوضي الدولة كأسباب لهذا الحكم.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة

بعدم جواز الإحالة إلى الأسباب الواردة في تقرير هيئة مفوضي الدولة، باعتبارها أسبابًا للحكم المطعون فيه، وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة للفصل فيه في ضوء ذلك.