مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا - السنة الحادية والخمسون
الجزء الأول - من أول أكتوبر سنة 2005 إلى آخر مارس 2006 - صـ 45

(4)
جلسة 4 من فبراير سنة 2006م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز - رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين: السيد محمد السيد الطحان، وأحمد عبد العزيز إبراهيم أبو العزم، وحسن سلامة أحمد محمود، ومحمد أحمد محمود محمد - نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السادة الأساتذة الشخصيات العامة/ أ. إسماعيل محمد عبد الرسول سليمان، وأ. د هاني عبد الرؤوف مطاوع، وأ. د محمد زكى عبد الحميد، وأ. د سمير محمد عبد العزيز، والسفير: أحمد عبد الفتاح حجاج.
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ فريد نزيه حكيم تناغو - نائب رئيس مجلس الدولة ومفوض الدولة
وحضور السيد/ كمال نجيب مرسيس - سكرتير المحكمة

الطعن رقم 1804 لسنة 51 قضائية. عليا:

أحزاب سياسية - حزب التقدم العربي - شرط تميز برنامج الحزب.
مضمون شرط التميز طبقًا لأحكام القانون رقم 40 لسنة 1977 بشأن الأحزاب السياسية أن يكون للحزب بصمة ظاهرة أو ملامح حزبية تعبّر عن فلسفة سياسية وتوجه فكري معين في مواجهة المشاكل الدولية والإقليمية والمحلية بكافة عناصرها ومقوماتها واختيار الحلول لها من بين البدائل المتعددة بحيث يُعرف بها الحزب ولا يكون نسخة مقلة من البرامج والسياسات والأساليب الموجودة على الساحة السياسية، وإلاّ فقد الحزب تحت التأسيس شرط التميز - لجنة شئون الأحزاب السياسية حينما تذكر أن ما يطرحه حزب من الأحزاب السياسية تحت التأسيس يمثل سياسات أو خططًا تنتهجها الحكومة، لا يعنى ذلك خروج اللجنة على مبدأ المقارنة بين برامج الأحزاب السياسية بعضها البعض، إذ لا يكفى أن يكون برنامج الحزب تحت التأسيس متميزًا عن برامج الأحزاب الأخرى فحسب، وإنما ينبغي أن يكون متميزًا - أيضًا في ذاته بأن يأتي بمناهج وسياسات مبتكرة تعد إضافة جادة للعمل السياسي وتبرر انضمام الحزب لحلبة النضال السياسي - لا تثريب على لجنة شئون الأحزاب أن تقّييم برنامج الحزب تحت التأسيس من خلال صلته بالأفكار والمناهج القائمة أو المطروحة على الساحة السياسية - سواء كانت تتبناها الحكومة أو غيرها - وذلك للكشف عن أوجه التميز فيه - تطبيق.


الإجراءات

في يوم الأربعاء الموافق 21/ 11/ 2004 أودع الأستاذ/ محمد أبو الفضل الجيزاوي، المحامى بالنقض بصفته وكيلاً عن الطاعن، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن - قيد برقم 1804 لسنة 51 قضائية عليا - طلب في ختامه - للأسباب الواردة بالتقرير - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من لجنة شئون الأحزاب السياسية في 27/ 10/ 2004 بالاعتراض على تأسيس حزب التقدم العربي، وما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات.
وقال الطاعن - بيانًا لطعنه - إنه بتاريخ 18/ 7/ 2004 تقدم بطلب إلى لجنة شئون الأحزاب السياسية للمرافقة على تأسيس حزب جديد باسم "حزب التقدم العربي" أرفق به برنامج الحزب وتوكيلات المؤسسين له، منها 34 توكيلاً للفئات، و48 توكيلاً للعمال والفلاحين، وبجلسة 27/ 10/ 2004 قررت اللجنة الاعتراض على طلب تأسيس الحزب، وإذ جاء هذا القرار مخالفًا للقانون فإنه يطعن عليه لعدة أسباب حاصلها: أن اللجنة ركزت في اعتراضها على قيام الحزب على أن برامج الحزب وأهدافه لا تختلف عن مبادئ وأهداف وأساليب وسياسات الأحزاب الأخرى والحكومة، وهذا الذي ذهبت إليه اللجنة غير صحيح على إطلاقه، ذلك أن الملاحظ على قرار اللجنة أنه يشير دائمًا في اعتراضه على أي مبدأ من مبادئ الحزب، إلى أنه موجود في برامج الأحزاب الأخرى ومنها الوفد ومصر الفتاة والتجمع وحزب مصر، وإذا صح ذلك فكيف صرحت اللجنة بقيام هذه الأحزاب ما دامت متماثلة في برامجها ولا تمايز بينها، كما أن القانون لم يتطلب أن يتميز برنامج الحزب عن برامج الحكومة، ولكنة يستلزم فقط أن يتميز برنامج الحزب عن برامج الأحزاب الأخرى دون الحكومة.
وأضاف الطاعن أن اللجنة اعترضت على الباب الأول من برنامج الحزب والخاص بالدول العربية المتحدة، بمقولة إن إنشاء هذا الكيان الجديد ليكون بديلاً عن جامعة الدول العربية، إنما يمس سيادة كل دولة من دول الجامعة، ويقتضى موافقة جميع هذه الدول على مشروع المعاهدة الدستورية التي يطرحها الحزب، بينما يقتضى الأمر دعم الجامعة العربية والتمسك بها باعتبارها التنظيم الوحيد الذي يجمع الدول الأعضاء وتمثل عروبتها، كما أن مصلحة الشعوب العربية تستلزم في الوقت الحالي تدعيمها وإصلاحها بتعديل ميثاق الجامعة العربية ليكون أكثر فاعلية بدلاً من هدمها وإنشاء كيان جديد يصعب التنبؤ بإمكان قيامه من عدمه، وردًا على هذا الاعتراض يرى الحزب ضرورة قيام الدول العربية المتحدة ليتواجد كيان عربي مركزي للدول العربية، من حيث الرئاسة أو القوات المسلحة أو البنك العربي المركزي أو مجلس الشعب العربي أو الموازنة، ليكون الملاذ للخروج من المأزق على المستوى العربي في ظل التكتلات الجديدة وتحديات العولمة، وليستطيع هذا الكيان بقوة جيش الدفاع العربي فرض السلام العادل وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل لسلامة الأمن القومي العربي.
كما أضاف الطاعن أن لجنة شئون الأحزاب ذكرت في أسباب اعتراضها أنه ورد في خطاب رئيس الجمهورية في الاجتماع المشترك لمجلسي الشعب والشورى أن مصلحة جميع الأقطار العربية أن تمضى قدمًا في اتخاذ الخطوات التي تؤدي إلى قيام السوق العربية المشتركة بحيث تصبح واقعًا ملموسًا تجنى ثماره الجماهير العربية، بينما يرى الحزب أن ما تضمنه برنامجه بخصوص الاستثمارات العربية المشتركة هو الحل العملي والواقعي لتكون الاستثمارات العربية المركزية هي البديل للسوق العربية المشتركة التي يصعب تحقيق إقامتها، وأنه من خلال هذه الاستثمارات يتم ميلاد كيان اقتصادي قوى للدول العربية المتحدة، يعمل على توفير المنتج للسوق العربية القادرة على المنافسة وتوفير فرص العمل للشباب وخلق المناخ المناسب لجذب الأموال العربية، وهذا المشروع الذي طرحه الحزب هو تميز ظاهر ينفرد به برنامج الحزب عن برامج الأحزاب الأخرى، إلى جانب ما طرحه الحزب عن إصدار الدينار العربي ليحل محل العملات العربية بعد فترة زمنية والذي لم توجه إليه اللجنة أي نقد.
وذكر الطاعن أن لجنة شئون الأحزاب السياسية أشارت في أسباب اعتراضها على تأسيس الحزب، إلى ما يؤكد على تميز برنامج الحزب من خلال طرحه لمشروع المعاهد الدستورية للدول العربية المتحدة، إذ ذكرت بأن الشعوب العربية ومنها الشعب المصري على يقين بأن الوحدة العربية نداء تاريخ ودعوة مستقبل وضرورة مصير، وأنها باتت ضرورة ملحة في ظل سيطرة العولمة القادمة على العالم، كما ينادي بها أصحاب الرأي الواعي المستنير في كافة الدول العربية ويتطلع إليها الشعب العربي، وأضاف بأن الحزب يؤكد على أن ما يطرحه برنامجه في محاوره الاقتصادية والسياسية والعسكرية من حل عملي، يجعله متميزًا عن برامج الأحزاب الأخرى في الشكل والموضوع، ولم يطرح برنامج ألاّ حزب من الأحزاب التي أشارت إليها اللجنة مشروعًا متكامل الأركان مثلما هو مطروح ببرنامج حزب التقدم العربي.
وخلص الطاعن إلى أن حيثيات قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية على الباب الأول من برنامج الحزب والمعنون "الدول العربية المتحدة " تعد موافقة ضمنية وصريحة على تميزه؛ لأنها لم تعترض على مشروع المعاهد الدستورية من حيث تكوينه أو أركانه أو بنوده، وإنما أقرت بأنه يشترط لتنفيذه موافقة جميع الدول العربية، بينما يرى الحزب أن تنفيذ هذا المشروع يتطلب موافقة عدد وليس جميع الدول العربية، وأن مهمة الحزب بعد تأسيسه العمل على تحقيق أهدافه من خلال توعية وتعبئة الجماهير.
واستطرد الطاعن في مجال تفنيده لاعتراضات لجنة شئون الأحزاب السياسية على الباب الثاني من برنامج الحزب وعنوانه "التنمية في جمهورية مصر العربية" قائلاً: إن اعتراضات اللجنة على الفصل الأول والخاص بالإصلاح الوطني قد جاءت ردًا تقليديًا مشوبًا بالقصور؛ حيث دأبت اللجنة على استخدام عبارة "ما تضمنه البرنامج في هذا الصدد عبارات إنشائية مرسلة دون سياسة واضحة، فضلاً عن أنه لا يقدم جديدًا عما هو قائم فعلاً وجاري تنفيذه ومحل دراسة وتخطيط من جانب الحكومة". كما أن قرار اللجنة قد أصابه القصور في الفهم الصحيح الذي يطرحه برنامج الحزب في شأن الإصلاحات السياسية باعتبارها المدخل الحقيقي للتنمية في جمهورية مصر العربية، وأن اللجنة قد تجاهلت رؤية الحزب في تعظيم منصب رئيس الجمهورية باعتباره رئيسًا لكل الشعب ولا يكون رئيسًا لأي حزب، وقرر الطاعن أن ما ذكرته اللجنة عن أن ما يدعو إليه الحزب أمر قائم بالفعل أو مطروح على الساحة، إنما يؤكد على أن لجنة شئون الأحزاب ترفض من أجل الرفض قيام أحزاب جديدة متأثرة بتشكيلها الذي يضم أعضاءً من الحكومة.
وأضاف الطاعن أن اللجنة ارتكبت خطأ فادحًا عندما عرضت ملخصًا للفصل الثاني من برنامج الحزب بالإصلاح الاقتصادي المصري، وذكرت أن برامج الأحزاب القائمة تدعوا إلى ما يدعو إليه برنامج الحزب، وذكرت من بين هذه الأحزاب (حزب الغد) الذي وافقت على تأسيسه في ذات جلسة الاعتراض على تأسيس حزب التقدم العربي والذي استوفى الشروط القانونية لتأسيس حزب سياسي جديد يطرح برنامجًا متميزًا على المحور العربي والوطني، مما يؤكد أنه فصيل من الفصائل الوطنية ولون جديد من ألوان الطيف السياسي.
وذكر الطاعن أن لجنة شئون الأحزاب السياسية عرضت ملخصًا مقتضبًا للفصل الثالث وعنوانه (السياسات المالية والاقتصادية والإنتاجية)، وجاءت حيثيات اعتراضها على ما ورد بهذا الفصل عبارة عن دفاع عن سياسات وبرامج وخطط الحكومة، وتغاضت عن أن برنامج الحزب كرؤية متكاملة متميزة يجب ألا يقارن بسياسات أو أعمال الحكومة، علمًا بأن ما طرحه الحزب من رؤى للمشاركة في حل مشاكل المواطنين ورفع المعاناة عنهم، يكفي لتأكيد ملامح الشخصية المتميزة للحزب، بالإضافة إلى التميز في وسائل الحزب من حيث دوره في الرقابة الشعبية على أعمال الحكومة، وليس بشرط الاختلاف الدائم بين الحزب وما تقوم به الحكومة من تنفيذ، وأنه حال تكليف الحزب تشكيل الحكومة سوف يضع البرامج التفصيلية والتنفيذية وفقًا لرؤيته مع إمكانات الدولة المتاحة للعمل على تنفيذها.
وأضاف الطاعن أن الحزب عرض في الفصل الرابع الخاص بالتنمية والخدمات الاجتماعية رؤيته في العديد من المجالات التنموية، ومنها التنمية الاجتماعية في الريف، والمشاركة الشعبية في عملية التنمية، ودور الأسرة والتربية، والصحة والسكان، والإسكان والتعمير.......... إلخ. وقد اعترضت لجنة شئون الأحزاب السياسية على برنامج الحزب في جميع هذه القضايا، بأنها محل اهتمام الحكومة، وقرر بأن قيام اللجنة بعرض ملخص لما طرحه الحزب في هذا المجال، إنما يعني إقرارها بتميز برنامج الحزب.
وذكر الطاعن أن لجنة شئون الأحزاب اعترضت على ما جاء بالفصل الخامس المعنون (التعليم والبحث العلمي (بأن الحكومة تقوم بإصلاح كامل لنظام التعليم في كل مستوياته ومراحله ليكون أكثر توافقًا مع عصر جديد، بينما يطرح الحزب رؤية شاملة لتطوير التعليم والبحث العلمي، ويرى أن نهضة البلاد لن تتحقق إلا بحدوث تطوير حقيقي للتعليم والاهتمام بالتعليم النوعي وحل مشاكله، كما ذكر الطاعن - أيضًا - أن برنامج الحزب عرض في الفصل السادس رؤيته لتطوير السياسات الثقافية والإعلامية، وجاء اعتراض اللجنة على هذا الفصل بمثابة تأكيد على وجود ملامح الشخصية المتميزة، وعلى أن رؤية الحزب لا تخالف الدستور والقانون.
وخلص الطاعن في ختام صحيفة طعنه إلى طلباته سالفة البيان.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا مسببًا برأيها القانوني في الطعن، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعًا، مع إلزام الطاعن المصروفات.
وحددت لنظر الطعن أمام المحكمة جلسة 5/ 3/ 2005، وتدوول بجلسات المرافعة على الوجه الثابت بمحاضر الجلسات، حيث قدمت الجهة الإدارية مذكرتين بدفاعها، وبجلسة 3/ 12/ 2005 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، حيث صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر النزاع تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 18/ 7/ 2004 قدم السيد/ محمد فتحي محمد شريف طلبًا إلى رئيس مجلس الشورى ورئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية، يطلب فيه بصفته وكيلاً للمؤسسين الموافقة على تأسيس حزب جديد باسم "حزب التقدم العربي"، وأرفق بطلبه برنامج الحزب وتوكيلات الأعضاء المؤسسين وعددها 82 توكيلاً تشمل 34 توكيل فئات و48 توكيل عمال وفلاحين، وإعمالاً لنص المادة الخامسة من قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977، قام رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية بإبلاغ رئيسي مجلس الشعب والشورى بأسماء المؤسسين، كما قام بنشرها في صحيفتين يوميتين، وقد عرض الطلب على لجنة شئون الأحزاب السياسية بجلستها المعقودة بتاريخ 18/ 7/ 2004، فقررت اللجنة الاعتراض على تأسيس الحزب المذكور، استنادًا إلى أن الحزب لم يضمن برنامجه أي جديد يكسبه ملامح الشخصية الحزبية المتميزة، والتي تشكل إضافة جادة للعمل السياسي وتميزه تميزًا ظاهرًا عن برامج الأحزاب القائمة، إذ جاء البرنامج في جملته ترديدًا لبرامج وخطط سياسية قائمة أو يجرى تنفيذها فعلاً، وتناول مجالات لا جديد فيها ومطروحة سلفًا على الساحة، وعرضت لها برامج الأحزاب السياسية القائمة، فضلاً عن أن أغلب المبادئ التي وردت بالبرنامج جاءت في عبارات عامة ومرسلة لا تحمل أية سياسة واضحة أو محددة، وهو ما يعني أن الحزب المطلوب تأسيسه لا تتوافر فيه الشروط المنصوص عليها في المادة الثانية والبند ثانيًا من المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 بشأن الأحزاب السياسية، وذلك كله على النحو المبين تفصيلاً بأسباب وحيثيات قرار اللجنة.
ومن حيث إن المادة الثانية من القانون رقم 40 لسنة 1977 المشار إليه، تنص على أن "يقصد بالحزب السياسي كل جماعة منظمة تؤسس طبقًا لأحكام القانون، وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة، وتعمل بالوسائل السياسية الديمقراطية لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، وذلك عن طريق المشاركة في مسئوليات الحكم".
كما تنصص المادة الرابعة من القانون المذكور على أنه "يشترط لتأسيس أو استمرار أي حزب سياسي ما يلي:
(أولاً):........ (ثانيًا): تميز برامج الحزب وسياساته أو أساليبه في تحقيق هذا البرنامج تميزًا ظاهرًا عن الأحزاب الأخرى".
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى في تحديده لمضمون التميز كشرط لقيام حزب سياسي جديد طبقًا للبند (ثانيًا) من المادة الرابعة من قانون الأحزاب السياسية سالف الذكر، أن يكون للحزب بصمة ظاهرة أو ملامح حزبية متميزة تعبّر عن فلسفة سياسية وتوجه فكري معين في مواجهة المشاكل الدولية والإقليمية والمحلية بكافة عناصرها ومقاوماتها، واختيار الحلو لها من بين البدائل المتعددة بحيث يُعرف بها الحزب ولا يكون نسخة مقلدة من البرامج والسياسات والأساليب الموجودة على الساحة السياسية، وإلا فقد الحزب تحت التأسيس شرط التميز وأضحى غير جدير بالانضمام إلى حلبة النضال السياسي مع باقي الأحزاب القائمة.
ومن حيث إنه بالاطلاع على برنامج الحزب الطاعن، تبين أنه يحتوي على بابين، يضم كل منهما عدة فصول: الباب الأول بعنوان"الدول العربية المتحدة"، ويضم في الفصل الأول "مشروع المعاهدة الدستورية للدول العربية المتحدة"، وفي الفصل الثاني "الاستثمارات العربية المركزية"، وفي الفصل الثالث "الأمن القومي العربي". أما الباب الثاني وعنوانه "التنمية في جمهورية مصر العربية" فإنه يضم ستة فصول: الأول "الإصلاح الوطني هو المدخل الحقيقي للتنمية الشاملة"، والثاني "إصلاح الاقتصاد المصري"، والثالث "تطوير السياسات المالية والاقتصادية والإنتاجية"، والرابع "التنمية والخدمات الاجتماعية"، والخامس "تطوير التعليم والبحث العلمي"، والسادس "تطوير السياسات الثقافية والإعلامية". وقد بدا جليًا من ثنايا هذا البرنامج وما ساقه الحزب الطاعن من أوجه دفاع ومطاعن على قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية بالاعتراض على تأسيس الحزب، أن أهم عناصر التميز التي يتمسك بها الحزب والتي يعبر عنها اسمه هو ما أورده الحزب تحت عنوان "مشروع المعاهدة الدستورية للدول العربية" وما يتضمنه هذا المشروع من رؤى وأفكار للحزب تتمثل في إنشاء الكيان الاقتصادي المركزي، والكيان السياسي المركزي فيما يحتويه من عناصر تتمثل في: مجلس الشعب العربي، ومجلس الشورى العربي، ورئيس الدول العربية المتحدة، وجيش الدفاع والمخابرات العربية المركزية، والأحزاب السياسية العربية، والمحكمة العربية العليا، بالإضافة إلى أحكام عامة وانتقالية، بيد أن لجنة شئون الأحزاب السياسية قد اعترضت على رؤية الحزب في طرحه لمشروع المعاهد الدستورية المشار إليه، استنادًا إلى أن الحزب طرح هذا المشروع ليكون بديلاً لجامعة الدول العربية، وأنه يمس سيادة كل دولة من دول الجامعة، ويقتضي موافقتها جميعًا على مستوى المعاهدة وليس دولة واحدة أو عدة دول، وأضافت أنه إذا كانت الجامعة قد أصابها الوهن في الفترة الأخيرة نتيجة للتدخلات الخارجية، فإن الأمر يقتضى بذل الجهد لتدعيمها والتمسك بها اعتبارها التنظيم الوحيد الذي يجمع الدول العربية ويمثل عروبتها، كما أن مصلحة الشعوب العربية تستلزم في الوقت الحالي إصلاح الجامعة بتعديل ميثاقها ليكون أكثر فاعلية بدلاً من هدمها وإنشاء كيان جديد يصعب التنبؤ بإمكان قيامه من عدمه، كما أن كافة الأحزاب السياسية القائمة تدعو إلى وحدة عربية شاملة على أساس من التكامل السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي.
ومن حيث إنه ولئن كانت رؤية حزب التقدم العربي (تحت التأسيس) عن إنشاء كيان باسم "الدول العربية المتحدة" تمثل مقترحًا جديرًا بالاهتمام وأن تنفيذه على أرض الواقع ليس مستحيلاً عملاً، ذلك أن الوحدة العربية أو التوحد العربي هو أمل كبير يراود الجميع، بل هو ضرورة ملحة في الوقت الحاضر الذي تواجه فيه الأمة العربية أخطارًا خارجية جمة تهدد أمنها القومي ومصالحها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مما لا يسوغ معه البتة فقدان الأمل أو تسرب اليأس والإحباط إلى الشعور العربي في إمكانية تحقيق مثل هذا الاقتراح، فلعله يأتي اليوم الذي يلامس فيه أرض الواقع، لكن ذلك وحدة لا يكفى، بل يتطلب الأمر وضع الحلول والآليات التي تتجاوز الصعوبات والمعوقات التي حالت في الماضي دون قيام هذه الوحدة، وتقضى على المخاوف والمحاذير التي تنتاب البعض من هذا التوجه، وذلك بابتكار الوسائل والأساليب ذات الفاعلية و التركيز في إقناع الكافة بهذا التوحد، والتي بواسطتها تنتقل الرؤية التي يطرحها الحزب من حيز الفكر إلى عالم الواقع والمشاهدة، وإلا أصبحت الرؤية مجرد حلم وضرب من الأماني لا سبيل إلى تجسيده أو معايشته.
ومن حيث إنه لم يتبين للمحكمة من تفحص أوراق الطعن، وعلى الأخص برنامج الحزب، أن ثمة وسائل أو أساليب محددة قد رصدها الحزب لكفالة تحقيق الأهداف التي يبتغيها من طرح مشروع المعاهدة الدستورية، إذ اكتفى بالقول بأن دوره في مرحلة التأسيس هو طرح برنامج يتميز عن برامج الأحزاب تميزًا ظاهرًا: أما دوره بعد الإشهار فهو العمل بالوسائل السياسية الديمقراطية لتحقيق أهدافه، ثم وصول الدعوى إلى جماهير الشعب في مصر والدول العربية لتوفير المساندة الشعبية للحكام العرب لمواجهة الوهن والتصدي لأعداء الأمة العربية، وذلك دون أن يبين الحزب ماهية الوسائل السياسية الديمقراطية التي سيقدمها بعد إشهاره، إلى جانب أن دعوته للجماهير الشعبية إلى تبنى مشروع المعاهدة ليس هو الوسيلة الحاسمة للوصل إلى الهدف من الدعوة، فقد لا تلقى الدعوة استجابة أو تفاعلاً معها من الجماهير، نتيجة لاختلاف المذاهب والعقائد السياسية بين طبقات المجتمع العربي، وكذلك تباين المشارب والميول الفكرية من قطر عربي إلى آخر، ومن جهة أخرى فقد تناقض الحزب مع نفسه عندما أشار في تقرير الطعن (ص 5، 6) إلى ما يفيد ضرورة موافقة جميع الدول العربية على المعاهدة الدستورية، ثم عاد وقرر أنه يكفى موافقة عدد منها وليكن (6) دول على سبيل المثال، ثم يتوالى بعد ذلك انضمام باقي الدول، وبذلك تكون الانتقادات الموجهة إلى برنامج الحزب في هذا المجال قائمة على أساس من الواقع، بما مفاده أن فكرة إنشاء الدول العربية المتحدة التي ينادى بها حزب التقدم العربي هي فكرة مجردة من الآليات والوسائل التي تنقلها من عالم الفكر إلى عالم الواقع، وبالتالي فهي لا تعدو أن تكون حلمًا أو أمنية تداعب الأذهان والمشاعر ولا تصلح أن تكون برنامجًا لحزب يحمل رؤى وسياسات واقعية محددة، كما ذهبت إلى ذلك - وبحق - الجهة الإدارية المطعون ضدها، ولعل الشعار الذي صدر به الحزب فكرته هذه، والقائل "نداء أمل.. وحلم وعمل" يطابق هذه النتيجة ويؤكد صحة استخلاصها.
ومن حيث إنه ترتيبًا على ذلك فإن كل ما ساقه الطاعن من أدلة على وجود تميز ظاهر في الرؤى التي تضمنها برنامج الحزب في الباب الأول، ومنها الاستثمارات العربية كبديل للسوق العربية المشتركة، وإصدار الدينار العربي ليحل محل العملات العربية، وغيرها من الأفكار الأخرى، إنما يضحى غير مجدٍ طالما لم تتوافر للمعاهدة الدستورية التي يطرحها الحزب لإنشاء الدول العربية المتحدة مقومات تنفيذها على أرض الواقع حسبما سلف البيان، ومن ثمَّ يكون ما ذكرته لجنة شئون الأحزاب السياسية عن افتقاد حزب التقدم العربي لملامح الشخصية الحزبية المتميزة. قائمًا على أساس من القانون بالنسبة لهذا الجزء الجوهري من برنامج الحزب.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالجزء الثاني من برنامج الحزب، والخاص بالتنمية في جمهورية مصر العربية، فإن الثابت من اعتراض لجنة شئون الأحزاب عليه، أنها اعتبرت أن ما أورده الحزب في المجالات التي أدرجتها تحت هذا الباب من رؤى وأفكار، قد جاء في جملته ترديدًا لبرنامج وخطط سياسية قائمة أو يجرى تنفيذها فعلاً، ومطروحة على الساحة، وعرضت لها الأحزاب السياسية القائمة.
ومن حيث إن ما أورده الحزب الطاعن من حجج وأسانيد لدفع اعتراضات لجنة شئون الأحزاب على برنامج الحزب في هذا المجال، لا يقوى في مجمله على دحض هذه الاعتراضات، إذ لم يبرز الحزب في ردوده الأفكار أو الرؤى التي يمكن الوقوف عندها للقول بتميز الحزب في عرضها عن باقي الأحزاب السياسية الأخرى؛ ولذا لجأ الحزب إلى أسلوب في الرد على الاعتراضات الموجهة إلى برنامجه في هذا القسم، يَنُمُّ عن افتقار برنامجه للتميز المطلوب، ومن ذلك ما ذكره من أن اعتراض اللجنة على الفصل الأول من الباب الثاني لا يعدو أن يكون ردًا تقليديًا يشوبه القصور في الفهم، كما تكرر من الحزب القول بأن تلخيص اللجنة لبعض الأفكار التي يطرحها الحزب يدل على تميز برنامجه، كذلك ذكر الحزب أن اللجنة إنما تتحدث باسم الحكومة متأثرة بتشكيلها الذي يضم ثلاثة من وزرائها، وكان الأجدر بالحزب أن يضع يد القارئ لبرنامجه على نقاط التميز فيه ويركز عليها بدلاً من التعلق بالشكل، يضاف إلى ذلك أن ما قال به الحزب عن تعظيم منصب رئيس الجمهورية باعتباره رئيسًا لكل الشعب، وألا يكون رئيسًا لأي حزب من الأحزاب، وعن تعديل المادة (76) من الدستور بإلغاء شرط موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشعب لاختيار رئيس الجمهورية، وكذلك تعيد المادة (148) من الدستور الخاصة بإعلان حالة الطوارئ، وإلغاء منصب المدعى العام الاشتراكي، جميعها في واقع الحال من الأفكار المتداولة والمطروحة على الساحة السياسية حسبما قالت به شئون الأحزاب، إلى جانب أن الحزب ينادى ببعض الأفكار المتعارضة أو المخالفة للدستور، فهو يطالب بإنشاء مجلس أعلى للأحزاب السياسية برئاسة رئيس الجمهورية، في الوقت الذي لا يقر فيه أن يكون رئيس الجمهورية رئيسًا لأي حزب سياسي، علمًا بأن المبادئ الديمقراطية تقضى باستقلال الأحزاب السياسية وعدم تبعيتها لأية سلطة في الدولة، كما أن الحزب يدعو بأن يتم الاستفتاء على رئيس الجمهورية من قبل مجلسي الشعب والشورى والمجالس الشعبية والمحلية، دون أن يكون الاستفتاء مطروحًا على الشعب بأكمله، بالمخالفة لأحكام الدستور التي تقضى بأن يعرض المرشح لرئاسة الجمهورية على الشعب للاستفتاء.
وأخيرًا تجدر الإشارة إلى أن لجنة شئون الأحزاب السياسية حينما تذكر أن ما يطرحه حزب من الأحزاب السياسية تحت التأسيس يمثل سياسات أو خططًا تنتهجها الحكومة، ولا يعنى ذلك خروج اللجنة على مبدأ المقارنة بين برامج الأحزاب السياسية بعضها البعض، إذ لا يكفى أن يكون برنامج الحزب تحت التأسيس متميزًا عن برامج الأحزاب الأخرى فحسب، وإنما ينبغي أن يكون متميزًا - أيضًا - في ذاته، بأن يأتي بمناهج وسياسات مبتكرة تعد إضافة جادة للعمل السياسي، وتبرر انضمام الحزب لحلبة النضال السياسي، ومن ثمَّ فإنه لا تثريب على لجنة شئون الأحزاب أن تقيّم برنامج الحزب تحت التأسيس من خلال صلته بالأفكار والمناهج القائمة أو المطروحة على الساحة السياسية - سواء كانت تتبناها الحكومة أو غيرها - وذلك للكشف عن أوجه التميز فيه.
ومن حيث إنه متى كان ما تقدم، فإن قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية المطعون فيه، والمتضمن الاعتراض على تأسيس حزب التقدم العربي، يكون - والحالة هذه - قد صادف صحيح حكم القانون ولا مطعن عليه، مما يضحى معه الطعن الماثل فاقدًا لسنده القانوني خليقًا بالرفض.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم بمصروفاته عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة

بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعًا، وألزمت الطاعن بصفته المصروفات.