مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية والخمسون - الجزء الأول - من أول أكتوبر سنة 2005 إلى آخر مارس 2006 - صـ 218

(28)
جلسة 28 من ديسمبر سنة 2005م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد منير السيد أحمد جويفل - نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة وعضوية السادة
الأساتذة المستشارين/ سامي أحمد محمد الصباغ، وعبد الله عامر إبراهيم، والسيد أحمد محمد الحسيني، وحسن عبد الحميد البرعي - نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ سعيد عبد الستار محمود - مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ عصام سعد ياسين - سكرتير المحكمة

الطعن رقم 5855 لسنة 48 قضائية. عليا:

قرار إداري - أركانه - ركن السبب - لا يجوز تسبيب القرار بعبارات عامة ومرسلة.
القرار الإداري يجب أن يقوم على صحيح أسبابه المبررة له قانونًا بأن يكون هذا السبب له أصل ثابت في الواقع والقانون، ومستخلصًا استخلاصًا سائغًا من وقائع وظروف وملابسات الحال تفرزه وتنتجه حتمًا كحالة واقعية تحرك جهة الإدارة لاتخاذ قرارها الإداري مستهدفة به تحقيق غاية وحيدة هي الصالح العام، فإذا صدر القرار بلا سبب يبرره قانونًا أو لم يكن لهذا السبب أصل في الوجود أو يدحضه الواقع أو تم انتزاعه من أوراق ومستندات لا تنتجه وكانت الحالة الواقعية لا تحرك جهة الإدارة لإصداره وإنما ادعت في عبارات عامة ومرسلة مخالفة أحكام القانون أو عدم توافر الاشتراطات دونما بيان لتلك الأحكام أو الشروط التي وقعت المخالفة لها أو التي لم يتم استيفاؤها، كان قرارها في مثل هذه الحالات مترديًا في هاوية اللامشروعية ساقطًا في حمأتها لقيامه على غير صحيح أسبابه باعتبار أن السبب هو أحد الأركان الجوهرية للقرار الإداري والذي لا تقوم له بدونه قائمة - تطبيق.


الإجراءات

في يوم الخميس الموافق 28/ 3/ 2002 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة تقريرًا بالطعن على الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة في الدعوى رقم 329 لسنة 55 ق بجلسة 29/ 1/ 2002 والذي قضى في منطوقه بالآتي: "بقبول الدعوى شكلاً، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات، وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعها".
وطلب الطاعنون للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وبقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وقد أعلن تقرير الطعن وفقًا للثابت بالأوراق.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني في الطعن انتهت فيه - للأسباب الواردة به - إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع برفضه وإلزام الطاعنين المصروفات.
ونظرت الدائرة السادسة فحص طعون بالمحكمة الإدارية العليا الطعن بعدة جلسات.
وبجلسة 19/ 4/ 2005 قررت إحالته إلى الدائرة السادسة موضوع لنظره بجلسة 25/ 5/ 2005، ونفاذًا لذلك ورد الطعن إلى هذه المحكمة ونظرته بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها حتى قررت إصدار الحكم بجلسة 30/ 11/ 2005، ثم مد أجل الحكم لجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونًا.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص في أنه بتاريخ 17/ 10/ 2000 أودع المطعون ضده قلم كتاب محكمة القضاء الإدارة بالقاهرة صحيفة الدعوى رقم 329 لسنة 55 ق طالبًا في ختامها الحكم بوقف تنفيذه ثم إلغاء القرار السلبي بامتناع الجهة الإدارية عن إصدار تجديد الترخيص لتشغيل المشروع محل الدعوى، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات على أن ينفذ الحكم بمسودته بدون إعلان.
وقال المدعى - شرحًا لدعواه - إنه بتاريخ 6/ 8/ 1991 صدر الترخيص رقم 19 لسنة 91 للشركة التي يرأس مجلس إدارتها وذلك لإقامة مرسى على مساحة 935 مترًا شاملة الميول حيث أقيم به مطعم سياحي عائم باسم (كوكياج) بمقره بجزيرة الزمالك أمام نادي القاهرة الرياضي وتم تجديد هذا الترخيص برقم 31 لسنة 1996 ورغبة منه في تجديد المطعم عام 1997 تقدم بطلب لإدارة الملاحة الداخلية بمحافظة القاهرة لتعديل وتجديد منطقة المرسى والمركب العائم وأرفق بالطب الرسومات الهندسية وقام بكافة الأعمال المطلوبة منه وبتاريخ 4/ 12/ 1997 أعدت رئاسة حي غرب القاهرة مذكرة للعرض على المحافظ لتجديد الترخيص للمرسى والمطعم العائم فأشر سيادته عليها بأنه لا مانع إلا أن الجهة الإدارية امتنعت عن تجديد الترخيص.
ونعى المدعى على هذا القرار مخالفة القانون لعدم استناده لأي سبب، كما أنه يمثل إساءة استعمال السلطة.
واختتم المدعى صحيفة الدعوى بطلب الحكم بطلباته.
وبجلسة 29/ 1/ 2002 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه تأسيسًا على أن البادي من ظاهر الأوراق أن المدعي تقدم بطلب تجديد الترخيص الخاص بالمرسى والمطعم العائم (كوكياج) مستوفيًا الشروط والمستندات وسدد الرسوم المقررة وبعرض مذكرة على المحافظ بتاريخ 20/ 1/ 1998 أشر بالموافقة على التجديد غير أنه بتاريخ 2/ 6/ 1999 أشر على مذكرة أخرى بذات الخصوص بأن المكان لا يصلح وأن هذه التأشيرة جاءت مجرد قول مرسل ولم يوضح أسباب عدم صلاحية المكان سيما وأن المدعى استصدر ترخيصًا منذ عام 1991 وقام بتجديده حتى عام 1996 وذلك بموجب الترخيص رقم 31 لسنة 1996، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه مفتقرًا لسببه المبرر له قانونًا ويجعله مرجح الإلغاء عند لفصل في الموضوع مما يتوافر معه ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ وكذلك ركن الاستعجال لما يترتب على تنفيذه من نتائج يتعذر تداركها تتمثل في حرمان المدعي من استثمار أمواله ومورد رزقه.
وانتهت المحكمة إلى قضائها المتقدم.
لم يلقَ هذا القضاء قبولاً لدى جهة الإدارة فأقامت طعنها الماثل ناعية عليه مخالفة أحكام القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله حيث إن جهة الإدارة سبق لها أن أصدرت ترخيص تشغيل انتهى في عام 1996 ولم يوال المطعون ضده إجراءات تجديده في الميعاد، كما صدرت بعد انتهاء هذا الترخيص قرارات منظمة لشغل شواطئ النيل بما يكفل الحماية من ضرورة عرض التراخيص على اللجنة المشكلة وفقًا للقرارين رقم 177 و416 لسنة 1999، وأن الترخيص بطبيعته مؤقت وقدرت اللجنة بعد دراسة الطلب عدم توافر الاشتراطات المنصوص عليها في القوانين وعدم صلاحية المكان ومخالفتها لأحكام قانون الري واشتراطات حماية النيل وعدم حصول المطعون ضده على موافقة الإدارة العامة لحماية النيل لذلك تم رفض الطلب.
واختتمت الجهة الإدارية تقرير طعنها بطلب الحكم بطلباتها.
من حيث إن المستقر عليه أن القرار الإداري يجب أن يقوم على صحيح أسبابه المبررة له قانونًا بأن يكون هذا السبب له أصل ثابت في الواقع والقانون مستخلصًا استخلاصًا سائغًا من وقائع وظروف وملابسات الحال تفرزه وتنتجه حتمًا كحالة واقعية تحرك جهة الإدارة لاتخاذ قرارها الإداري مستهدفة به تحقيق غاية وحيدة هي الصالح العام، فإذا صدر القرار بلا سبب يبرره قانونًا أو لم يكن لهذا السبب أصل في الوجود أو يدحضه الواقع أو تم انتزاعه من أوراق ومستندات لا تنتجه وكانت الحالة الواقعية لا تحرك جهة الإدارة لإصداره وإنما ادعت في عبارات عامة مرسلة مخالفة أحكام القانون أو عدم توافر الاشتراطات دونما بيان لتلك الأحكام أو الشروط التي وقعت المخالفة لها أو التي لم يتم استيفاؤها كان قراراها في مثل هذه الحالات مترديًا في هاوية اللامشروعية ساقطًا في حمأتها لقيامه على غير صحيح أسبابه باعتبار أن السبب هو أحد الأركان الجوهرية للقرار الإداري والذي لا تقوم له بدونه قائمة.
ومن حيث إنه هديًا بما تقدم فإنه لما كان البادي من ظاهر الأوراق والقدر اللازم للفصل في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، أن المطعون ضده سبق وأن حصل على ترخيص مرسى ومطعم عائم (كوكياج) عام 1991 وذلك على الجانب الغربي للجزيرة أمام نادي القاهرة الرياضي وظل يتجدد حتى عام 1996 وإنه في عام 1993 أجرى بعض التعديلات في هذا المطعم، حيث تقدم بالرسومات وبعد المعاينة وسداد الرسوم صدر له الترخيص رقم 45 لسنة 1994 بالموافقة على هذه الأعمال وتم عرض الأمر على المحافظ المتخصص في 20م 1م 1998، حيث أشر سيادته بالموافقة غير أن المسئول بحي غرب القاهرة امتنع عن إصدار الترخيص رغم تكبد الطاعن ملايين الجنيهات لإنشائه ومعاناته في تجهيزه وإعداده وارتطامه بالتعقيدات الإدارية والبيروقراطية للحصول على موافقات العديد من الجهات، والبادي من الأوراق أن امتناع الحي عن تجديد الترخيص حسبما أفصحت الجهة الإدارية كان بسبب تأشيرة السيد المحافظ المؤرخة 2/ 6/ 1996 بأن المكان لا يصلح والتزمت اللجان التي شكلها السيد المحافظ بهذه التأشيرة وأحجمت جهة الإدارة عن تجديد الترخيص، ولما كانت هذه العبارة "المكان لا يصلح" لا تصلح لأن تكون سببًا لامتناع جهة الإدارة عن تجديد الترخيص ذلك لأنها جاءت عامة مرسلة لا يساندها الواقع أو القانون حيث لم تبين كيف أصبح هذا المكان فجأة لا يصلح أو سبب عدم الصلاحية لاسيما وأن المطعم منشأ في ذات المكان ومرخص له منذ سنوات اعتبارًا من عام 1991 مما يضحى معه القرار المطعون فيه بحسب ظاهر المستندات مفتقرًا لسبب قانوني أو واقعي يبرره ويتوافر بالتالي ركنا الجديد والاستعجال في طلب وقف تنفيذه وهو ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه فيكون بالتالي مطابقًا لصحيح حكم القانون.
ولا ينال مما تقدم ما ساقته الجهة الإدارية في تقرير الطعن من أن الترخيص بطبيعته مؤقت حيث إن ذلك لا يعنى عدم تجديده في الميعاد طالما لم يجد جديد يحول دون هذا التجديد.
كما لا ينال منه القول بأن المطعون ضده لم يوال تجديد الترخيص بعد انتهاء مدته عام 1996، حيث إن ظاهر المستندات تقطع بعكس ذلك، حيث إنه بعد التعديلات التي أجراها على المطعم خلال عام 1992 تقدم بطلب لإدارة الملاحة الداخلية بالمحافظة التي قامت بالمعاينة وفحص الرسومات وصرحت له بها، كما وافقت وزارة السياحة وصدر له الترخيص رقم 45 لسنة 1994 وسدد الرسوم والمصاريف لتعديل الشبكات الرئيسية "مياه وصرف صحي وكهرباء" ثم حصل على موافقة الجهات الرسمية بما فيها إدارة المرور، وإدارة التخطيط والبحوث بل إن المحافظ بتاريخ 20/ 1/ 1998 أشر بأنه لا مانع أي بالموافقة، فكيف يتسنى - إذن - القول بأن المطعون ضده لم يوال تجديد الترخيص بعد عام 1996.
ولا ينال منه كذلك القول بأن اللجنة المختصة بعد دارسة الطلب قدرت عدم توافر الاشتراطات المنصوص عليها في القوانين وعدم صلاحية المكان ومخالفتها لقانون الري واشتراطات حماية النيل، حيث إن ذلك كله مردود بأن تلك اللجنة تم تشكيلها عام 1999 وواقعة الامتناع عن تجديد الترخيص قبل هذا العام بأعوام، فضلاً عن أن أقوالها جاءت عامة مرسلة، حيث لم تبين بالتحديد نصوص القوانين أو تلك الاشتراطات التي تمت مخالفتها حتى يبسط القضاء الإداري رقابته على هذا السبب وتقرير مدى مشروعيته، بالإضافة إلى أن الثابت من المستندات المقدمة من جهة الإدارة أنه بعرض مذكرة بالموضوع على السيد المحافظ أشر سيادته بتاريخ 2/ 6/ 1999 بالعرض على تلك اللجنة التي شكلها سيادته وذكر في ذات التأشيرة بأن المكان لا يصلح فالتزمت اللجنة واللجان الأخرى بالمحافظة بتلك التأشيرة التي قررت النتيجة قبل المعاينة أو الدراسة الجادة وما كان لهذه اللجنة أو غيرها إلا الالتزام بما ارتآه السيد المحافظ.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم بمصاريفه عملاً بنص المادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة

بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعًا، وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.