مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية والخمسون - الجزء الأول - من أول أكتوبر سنة 2005 إلى آخر مارس 2006 - صـ 347

(45)
جلسة 28 من يناير سنة 2006م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز - رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ السيد محمد السيد الطحان، وأحمد عبد العزيز إبراهيم أبو العزم، وأحمد عبد الحميد حسن عبود، ومحمود أحمد محمود محمد - نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ عبد الجيد مسعد العوامي - مفوض الدولة
وحضور السيد/ كمال نجيب مرسيس - سكرتير المحكمة

الطعن رقم 7019 لسنة 45 قضائية. عليا:

تعويض - المجند - تقرير الحق في التعويض طبقًا للقانون رقم 90 لسنة 1975 لا يحول دون مطالبة المضرور بحقه في التعويض طبقًا للقواعد العامة.
التعويض الذي قدره المشرع في القانون رقم 90 لسنة 1975 للمجند الذي يصاب بعجز كلي أو جزئي بسبب الخدمة العسكري، إنما قدره بمراعاة ظروف ومخاطر هذه الخدمة والتي يمكن أن يتعرض لها المجند بلا خطأ جسيم من الجهة الإدارية، ونتيجة لخطأ المرفق الممكن وقوعه في أحوال واحتمالات الممارسة الجارية لنشاطه، دون ظروف ومخاطر الخدمة التي تشكل الخطأ العمدى أو الخطأ الجسيم، إذا في هذه الحالة الأخيرة لا يكون التعويض وغيره من الحقوق التي قدرها وقررها المشرع كافيًا لتغطية الضرر الذي أصاب المجند، وإنما يكون طرف العمد أو الخطأ الجسيم مقتضيًا لتعويض مكمل لحجم الضرر إلى جانب ما قدره القانون للمستحقين من حقوق، وعلى ذلك فإنه إذا كان لا يشترط لاستحقاق الحقوق التأمينية المقررة لأفراد القوات المسلحة المخاطبين بأحكام القانون رقم 90 لسنة 1975 عند الوفاة أو الإصابة بالعجز أثناء الخدمة العسكرية أو بسببها، ثبوت خطأ منسوب إلى جهة الإدارة، إلا أن تقرير تلك الحقوق لا يحول دون مطالبة المضرور بحقه في التعويض الجابر للضرر طبقًا للقواعد العامة استنادًا إلى المسئولية التقصيرية الواردة في المادة (163) من القانون المدني والتي يقتضي قيامها اجتماع أركانها الثلاثة: الخطأ، والضرر، وعلاقة السببية المباشرة بينهما، ويقع على عاتق المضرور عبء إثبات توافر أركان تلك المسئولية، ويكفي أن الفعل الضار وقع من التابع حال تأدية وظيفته أو بسببها ولو لم يكن المتبوع حرًا في اختيار تابعة متى كانت له عليه سلطة فعلية في رقابته وتوجيهه، حيث إن مسئولية المتبوع عن فعل تابعه مسئولية مفترضة نزولاً على مقتضى حكم المادة (174) من القانون المدني - تطبيق.


الإجراءات

في يوم الثلاثاء الوافق 20 من يوليه سنة 1999 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعنين، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن - قيد برقم 7019 لسنة 45 قضائية عليا - في الحكم المشار إليه بعاليه، القاضي في منطوقه بإلزام المدعي عليهما بأن يدفعا للمدعي تعويضًا مقدراه عشرون ألف جنيه عن الضرار التي أصابته والمصروفات.
وطلبت الطاعنان - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - تحديد أقرب جلسة أمام دائر فحص الطعون لتأمر بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، ثم بإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضى بقبوله شكلاً، وفي الموضع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة للمدعي عليه الثاني (قائد قوات الدفاع الجوى)، ويرفض الدعوى، وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
وأعد هيئة مفوضي الدولة تقريرًا برأيها القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 3/ 3/ 2004، وتدوول بجلسات المرافعة على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 4/ 7/ 2004 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى دائرة الموضوع لنظره بجلسة 12/ 12/ 2004.
ونظرت المحكمة الطعن على الوجه الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 19/ 11/ 2005 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، حيث صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 1/ 11/ 1993 أقام المطعون ضده الدعوى رقم 3401 لسنة 48 ق - المطعون على حكمها - أمام محكمة القضاء الإداري/ الدائرة الثالثة بالإسكندرية، طالبًا الحكم بإلزام المدعى عليهما بأن يؤديا له مبلغ أربعمائة ألف جنيه تعويضًا له عن الأضرار التي لحقت به من جراء الإصابة التي حدثت له أثناء وبسبب الخدمة العسكرية، مع إلزامها بالمصروفات، وذلك للأسباب المبينة بصحيفة الدعوى.
وبجلسة 31/ 5/ 1999 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها المطعون فيه بإلزام المدعى عليهما بأن يدفعها للمدعي تعويضًا مقداره عشرون ألف جنيه عن الأضرار التي أصابته، وشيدت المحكمة قضاءها على أن الثابت من الأوراق أن المحكمة العسكرية بمطروح قضت في الجناية رقم 418 لسنة 1990 بمعاقبة الجندي/ ........ بالحبس مع الشغل والنفاذ لمدة سنة، لاتهامه بقيادة إحدى السيارات العسكرية بحالة تعرض حياة الأفراد والأموال للخطر، مما تسبب في إتلاف السيارة ووفاة بعض الأشخاص وإصابة البعض الآخر، ومنهم المدعي الذي أصيب بحالة بتر تحت الركبة وكسر سيئ الالتحام وندبه مشوه بالساق، مما ترتب عليه إنهاء خدمته العسكرية لعدم اللياقة الطبية بنسبة عجز 75% وإذا كان خطأ الجندي المذكور ثابتًا قبله بصدور الحكم المشار إليه، ومن ثم فإن وزارة الدفاع تكون مسئولة عن تعويض المدعى عن الضرر الذي أحدثه تابعها بعمله غير المشروع طبقًا لأحكام المادة (174) من القانون المدني.
بيد أن الحكم المذكور لم يلقَ قبولاً من الجهة الإدارية المدعى عليها فأقامت طعنها الماثل تنعى فيه على الحكم مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، وذلك على سند من القول بأن قوات الدفاع الجوى هي مجرد إدارة تابعة للقوات المسلحة وليس لها استقلال ذاتي عن وزارة الدفاع، ومن ثم يكون توجيه الخصومة إلى قائد هذه القوات رفعا للدعوى على غير ذي صفة، كما أنه لا يجوز الجمع بين التعويض الخاص المقرر طبقًا للقانون رقم 90 لسنة 1975 في شأن التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الذي حصل عليه المطعون ضده وبين التعويض وفقًا لأحكام المادتين (174) و(187) من القانون المدني، فضلاً عن المغالاة في التعويض لعدم تناسب المبلغ الذي قضى به للمطعون ضده مع الضرر الذي أصابه.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول من الطعن - وهو عدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة لقائد قوات الدفاع الجوي، فإنه لما كان اختصام المطعون ضده لهذا الأخير قد جاء بصفة تبعية إلى جانب اختصام صاحب الصفة الأصلية وهو وزير الدفاع، وقد استهدف باختصامه أن يكون للحكم الذي يصدر لصالحه حجية في مواجهته فيلتزم بتنفيذه، وإنه لا تثريب على المطعون ضده في ذلك ما دام قد اختصم صاحب الصفة الأصلية في النزاع، ومن ثم فإن هذا الوجه من الطعن يكون على غير أساس من القانون ولا يعتد به.
ومن حيث إنه عن الوجه الثاني من الطعن، والمبنى على القول بعدم جواز الجمع بين التعويض الخاص المقرر طبقًا لأحكام القانون رقم 90 لسنة 1975 والتعويض وفقًا للقواعد العامة المنصوص عليها في القانون المدني، فإن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن التعويض الذي قدره المشرع في القانون رقم 90 لسنة 1975 للمجند الذي يصاب بعجز كلي أو جزئي بسبب الخدمة العسكرية، إنما قدره بمراعاة ظروف ومخاطر هذه الخدمة والتي يمكن أن يتعرض لها المجند بلا خطأ جسيم من جانب الجهة الإدارية، ونتيجة لخطأ المرفق الممكن وقوعه في أحوال واحتمالات الممارسة الجارية لنشاطه، دون ظروف ومخاطر الخدمة التي تشكل الخطأ العمدي أو الخطأ الجسيم، إذ في هذه الحالة الأخيرة لا يكون التعويض وغيره من الحقوق التي قدرها وقررها المشرع كافيًا لتغطية الضرر الذي أصاب المجند، وإنما يكون ظرف العمد أو الخطأ الجسيم مقتضيًا لتعويض مكمل لحجم الضرر إلى جانب ما قدره القانون للمستحقين من حقوق، وعلى ذلك فإنه إذا كان لا يشترط لاستحقاق الحقوق التأمينية المقررة لأفراد القوات المسلحة المخاطبين بأحكام القانون رقم 90 لسنة 1975 عند الوفاة أو الإصابة بالعجز أثناء الخدمة العسكرية أو بسببها، ثبوت خطأ منسوب إلى جهة الإدارة، إلا أن تقرير تلك الحقوق لا يحول دون مطالبة المضرور بحقه في التعويض الجابر للضرر طبقًا للقواعد العامة خارج ما هو منصوص عليه في القانون سالف الذكر، استنادًا إلى المسئولية التقصيرية المنصوص عليها في المادة (163) مدني، والتي يقتضي لقيامها اجتماع أركانها الثلاثة: الخطأ، والضرر، وعلاقة السببية المباشرة بينهما، ويقع على عاتق المضرور عبء إثبات توافر أركان تلك المسئولية، ويكفي أن يثبت أن الفعل الضار وقع من التابع حال تأدية وظيفته أو بسببها ولو لم يكن المتبوع حرًا في اختيار تابعه متى كانت له عليه سلطة فعلية في رقابته وتوجيهه، حيث إن مسئولية المتبوع عن فعل تابعة مسئولية مفترضة نزولاً على مقتضى حكم المادة (174) من القانون المدني.
ومن حيث إنه تطبيقًا لهذه المبادئ على واقعات النزاع الماثل، فإنه لما كان الثابت من الأوراق أن خطأ التابع وهو قائد السيارة العسكرية التي كان يستقلها المطعون ضده والذي نجم عنه إصابة هذا الأخير بالإصابات المنوه عنها بالحكم الطعين، ثابت في حقه بموجب الحكم الصادر في الجناية رقم 418 لسنة 1990 بحبسه لمدة سنة مع الشغل والنفاذ، وأن هذا الخطأ ترتب عليه إلحاق ضرر بالمطعون ضده تمثل في الحجز الذي تخلف عن الإصابة بنسبة 75%، وإعاقته عن العمل لتحصيل متطلبات معيشته، وكذلك احتياجه إلى الغير لمعاونته في مباشرة شئون حياته وهو ما زال بعد في سن الشباب مقبلاً على الحياة، ومن ثم فإن عناصر المسئولية التقصيرية وهو الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما تكون متوافرة في جانب الجهة الإدارية الطاعنة بوصفها المسئولة عن أعمال تابعيها، وبالتالي فإنها تلتزم بتعويض المطعون ضده عن هذا الضرر.
وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة وقدر التعويض المستحق عن الضرر المادي والأدبي الذي لحق بالمطعون ضده تعويضًا شاملاً بمبلغ عشرين ألف جنيه، وقد جاء هذا التقدير مناسبًا لحجم الضرر وفي نطاق السلطة التقديرية المقررة لمحكمة الموضوع دون تجاوز أو شطط، ومن ثم فإن الحكم المذكور يكون قد صادف صحيح حكم القانون ولا مطعن عليه، الأمر الذي يضحى معه هذا الطعن على غير سند من القانون خليقًا بالرفض.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم بمصروفات عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب
حكمة المحكمة

بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعًا، وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.