مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخمسون - الجزء الثاني - من أول إبريل سنة 2005 إلى آخر سبتمبر سنة 2005 - صـ 900

(131)
جلسة 9 من إبريل سنة 2005م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز - رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ السيد محمد السيد الطحان، وأحمد عبد الحميد حسن عبود، ود. محمد كمال الدين منير أحمد، ومحمد أحمد محمود محمد - نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ فريد نزيه حكيم تناغو - نائب رئيس مجلس الدولة ومفوض الدولة
وحضور السيد/ كمال نجيب مرسيس - سكرتير المحكمة

الطعن رقم 112 لسنة 37 قضائية عليا:

شهر عقاري - لا يجوز لمصلحة الشهر العقاري أن تصدر قرارات بعدم الاعتداد بمحرر تم شهره.
القانون رقم 114 لسنة 1946 بتنظيم الشهر العقاري.
المشرع لم يخول مصلحة الشهر العقاري أية سلطة في إلغاء التسجيلات بعد تمامها، وإنما رتب هذا الأثر على الأحكام التي تصدر من القضاء وحده، ومن ثم فلا يجوز القول بأن الشهر العقاري يملك إصدار قرارات بعدم الاعتداد بالمحررات المشهرة بعد تسجيلها قياسًا على سلطته في المفاضلة بين المحررات المخولة له قبل تمام التسجيل، ذلك أن اختصاصه يقف عند تمام التسجيل فيستنفد بذلك ولايته التي خولها له القانون، ولا يكون له سلطة على المحررات بعد الانتهاء من شهرها أو المساس بالتسجيلات بعد تمامها إلا بناءً على الأحكام القضائية الصادرة في شأن المحررات المشهرة كأن يستصدر صاحب الشأن حكمًا ببطلان التصرف الذي اشتمل عليه المحرر، وبطلان التسجيل، ويقوم بشهره على النحو الموضح بالقانون - تطبيق.


الإجراءات

في يوم السبت الموافق 3/ 11/ 1990 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعنين، قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن، قيد بجدولها بالرقم عالية، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالمنصورة في الدعوى رقم 1199 لسنة 8 ق بجلسة 5/ 9/ 1990، والقاضي في منطوقة "بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات".
وطلبت الجهة الطاعنة - للأسباب الواردة في تقرير الطعن - تحديد أقرب جلسة أمام دائرة فحص الطعون، لتأمر: أولاً: بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه. ثانيًا: بإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضى بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم برفض الدعوى، مع إلزام المطعون ضدهما المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
وجرى إعلان الطعن على النحو المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا مسببًا برأيها القانوني ارتأت فيه قبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعًا مع إلزام الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.
ونظرت دائرة فحص الطعون الطعن الماثل بجلسة 3/ 3/ 2003 وتداولت نظره بالجلسات، وبجلسة 4/ 7/ 2004 قررت إحالته إلى هذه الدائرة لنظره بجلسة 6/ 11/ 2004؛ حيث نظرته على النحو المبين بمحاضر جلساتها، إلى أن تقرر النطق بالحكم بجلسة اليوم، مع التصريح بمذكرات في شهر.
وبجلسة اليوم صدر الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانونًا.
من حيث إن الطعن استوفى في أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن المطعون ضدهما كانا قد أقاما الدعوى 1199 لسنة 8ق أمام محكمة القضاء الإداري بالمنصورة بتاريخ 3/ 4/ 1986 بطلب الحكم أولاً: وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وعدم تأثيره في حصول المدعين على شهادة عقارية، من مكتب الشهر العقاري بالزقازيق خالية من أية تحفظات أو تأشيرات هامشية إدارية، يكون من شأنها المساس بحجية المحررين رقمي 1931 و 2116 لسنة 1977 شرقية. ثانيًا: في الموضوع: أصليًا: بتقرير انعدام القرار المطعون فيه، واحتياطيًا: بإلغائه لبطلانه، واعتباره كأن لم يكن، وإلزام المدعى عليهما بصفتيهما المصروفات، ومقابل أتعاب المحاماة.
وذكرا - شرحًا لدعواهما - أنه بموجب عقدي بيع مسجلين برقمي 1931 و 2166 لسنة 1977 شرقية يمتلكان - بصفة كل منهما ولياً طبيعيًا على أولاده القصر - أراضى جملة مساحتها ثلاثة وثمانون فدانًا واثنا عشر قيراطًا، بحوض الجبل المستمد زمام مركز بلبيس بمحافظة الشرقية، واتفقا على غراسها حتى أضحت حديقة مغلقة ذات قيمة كبيرة، وقد ورد النص في العقدين على أن ما آل إلى القصر بطريق التبرع من الوالدين، فجاز لهما التعاقد على تلك الأراضي طليقًا من أحكام الولاية على المال، ولذلك قدم المدعيان العقدين في ائتمانهما لدى البنوك المتعاملة مع شركتهما الصناعية (شركة العوادلي للتجارة والهندسة)، وبتاريخ 27/ 7/ 1985 طلبا من مأمورية الشهر العقاري بالزقازيق شهادة عقارية، فامتنعت المأمورية عن إصدار هذه الشهادة إلا مقترنة بتحفظات من شأنها إهدار حجية العقدين، وإسقاط كل قيمة لهما في الائتمان، وأثبت في الشهادة أمام كل عقد وجود تأشير هامشي إداري بناءً على كتاب المصلحة رقم 1035 في 10/ 2/ 1985 مفاده "لا يؤخذ بهذا العقد كسند ملكية حتى يصدر حكم نهائي يفسخ هذا العقد"، وباستقصاء واقعة هذا التأشير الهامشي - أشار المدعيان - إلى أن شكوى كانت قد قدمت إلى مصلحة الشهر العقاري طعنًا في عقد البيع المسجل برقم 2259 في 7/ 5/ 1977 المتضمن بيع المدعيين بصفتيهما للسيدة/ حسنية أحمد حسن وآخرين ثلاثة أفدنة من الأراضي المبيعة لهما بالمسجلين رقمى 1931و 2116 لسنة 1977، وورد بالشكوى بأن المالك الأصلي لهذه الأراضي مات عقيمًا، بغير وارث، ومن ثم تئول ملكيته إلى بيت المال، وزعم الشاكي أن مصلحة الشهر العقاري تسترت على ذلك وأشهرت المحررات بالمخالفة للقانون، وكان بنك ناصر الذي يمثل بيت المال قد تقدم باعتراض على شهر العقار رقم 1931 لسنة 1971، وأخذًا بهذا الزعم، أوردت مصلحة الشهر العقاري ذلك التأشير الهامشي في الشهادة العقارية دون سند من القانون، ورغم التظلم من قرار المصلحة بالإبقاء على التحفظات إلا أن المصلحة رفضت تظلمها، وقد نعى المدعيان على القرار المطعون فيه انعدامه لما شابه من خطأ جسيم لكونه حبس الملكية الخاصة للمدعيين عن التعامل، وألحق بهما أضرارًا جسيمة.
وبجلسة 5/ 9/ 1990 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه تأسيسًا على أن الثابت من الأوراق أنه تم شهر المحررين رقمي 1931 و 2166 لسنة 1977 وتسجيلهما بمأمورية الشهر العقاري ببلبيس....... وقد تقدم المدعيان بصفتيهما مشتريين للمساحة موضوع العقد بطلب إعطائها شهادة عقارية بشأن هذه الملكية، فقررت مصلحة الشهر العقاري إضافة تحفظات في هذه الشهادة، وكان من شأن هذه التحفظات أن تؤثر في مدى الحجية التي كفلها القانون لمثلها، وكان سند المصلحة في ذلك ما قررته من أن مورثة البائعين للمدعين ترث ربع المساحة فقط، أما باقيها فتئول للدولة باعتبارها وراثة لمن لا وارث له دون أن تتخذ الإجراءات القانونية اللازمة لإثبات هذا الحق ثم شهره وتسجيله، ومن ثم فلا يجوز لمصلحة الشهر العقاري أن توقف التعامل بهذين المحررين أو تبدى أية تحفظات من شأنها التأثير فيها أو التقليل منها ما لم تستصدر حكمًا بذلك من القضاء المختص. وخلصت المحكمة في حكمها المطعون فيه إلى أن قرار المصلحة بإضافة تحفظات على هذين المحررين يكون مخالفًا للقانون حريًا بقبول طلب إلغائه.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل، أن الحكم المطعون فيه خالف أحكام القانون، وأخطأ في تطبيقه وتأويله ذلك أن مورث البائعة للمطعون ضدهما قد مات عقيمًا بغير وارث سوى زوجته، التي لا ترث سوى الربع فرضًا، ولا يرد عليها شيء من بقية تركة المتوفى، بل تئول باقي التركة إلى بيت المال، وذلك تمشيًا مع أحكام الشريعة الإسلامية، هذا فضلاً عن أن حق الإرث - محل التصرف - لم يتم شهره بالمخالفة لحكم المادة (13) من قانون الشهر العقاري رقم 114 لسنة 1946، ومن ثم فإن إشهار العقود محل التصرف قد تم بالمخالفة للقانون، وعلى ذلك فإن ما قامت به المصلحة بإضافة تحفظات على شهادة البيانات التي طلبها المطعون ضدهما ليس إلا تصحيحًا لوضع تم بالمخالفة للقانون، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه، قد صدر سليمًا ومتفقًا وصحيح حكم القانون، يضاف إلى ما تقدم أن المطعون ضدهما لم يختصما في صحيفة الدعوى بنك ناصر الاجتماعي بصفته الجهة الممثلة لبيت المال، رغم إقرارهما في صحيفة الدعوى ومذكرة دفاعهما المقدمة بجلسة 16/ 10/ 1989 أمام محكمة أول درجة بأن هناك اعتراضًا من بنك ناصر الاجتماعي على المحررين رقمي 1931 و 2116 لسنة 1977 شرقية، كما أن المحكمة قد أخطأت حينما أغفلت تكليف المطعون ضدهما بإدخال بنك ناصر الاجتماعي باعتباره الممثل القانوني لبيت المال مما يكون معه الحكم المطعون فيه مخالفًا للقانون، متعينًا القضاء بإلغائه.
ومن حيث إنه من المسلم به طبقًا لأحكام القانون رقم 114 لسنة 1946 بتنظيم الشهر العقاري - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن إجراءات الشهر العقاري في جملتها تمر بمرحلتين: تمهد الأولى منهما للثانية، وتبدأ الأولى بتقديم طلب إلى المأمورية المختصة، وتنتهي بتأشيره هذه المأمورية على مشرع المحرر بصلاحيته للشهر، وتبدأ المرحلة الثانية بتقديم المشروع إلى مكتب الشهر المختص بعد توثيقه وبعد التصديق على توقيعات ذوى الشأن فيه، ولتنتهي هذه المرحلة بشهره، فإذا ما بدا لمصلحة الشهر العقاري - بأجهزتها الفنية في أية مرحلة من مراحل الشهر، وإلى ما قبل إتمامه فعلاً - أنه قد شاب هذه العملية أية مخالفات قانونية، حق لها أن توقف الشهر إلى أن يتم تصحيح هذه المخالفة ضمانًا لسلامة عملية الشهر، وما يترتب عليها من حقوق والتزامات. أما إذا تم الشهر فعلاً فإن المشرع - وعلى ما يبين من استقراء نصوص القانون المشار إليه، ووفقًا لما استقر عليه إفتاء وقضاءً مجلس الدولة في هذا الشأن - لم يخول مصلحة الشهر العقاري أيه سلطة في إلغاء التسجيلات بعد تمامها، وإنما رتب هذا الأثر على الأحكام التي تصدر من القضاء وحده، ومن ثم فلا يجوز القول بأن الشهر العقاري يملك إصدار قرارات بعدم الاعتداد بالمحررات المشهرة بعد تسجيلها قياسًا على سلطته في المفاضلة بين المحررات المخولة له قبل تمام التسجيل، ذلك أن اختصاصه يقف عند تمام التسجيل، فيستنفد بذلك ولايته التي خولها له القانون، ولا يكون له سلطة على المحررات بعد الانتهاء من شهرها أو المساس بالتسجيلات بعد تمامها إلا بناءً على الأحكام القضائية الصادرة في شأن المحررات المشهرة، حيث أوجب التأشير بصحف الدعاوى التي تتناولها على هامش تسجيلها، ولم يجعل للأحكام التي تصدر بشأنها حجية على الغير، إلا إذا أشهر منطوقها.
ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم، ولما كان هدف المشرع من نظام الشهر توفير الثقة في المحررات بحيث ينهض التسجيل شاهدًا على صدق ما احتواه المحرر من بيانات، وصحة ما ورد به من واقعات، وسلامة ما بُني عليه من إجراءات، فإنه لا يكون لمصلحة الشهر العقاري أن تصدر قرارات بعدم الاعتداد بعقد تم شهره، أو بأن تتخذ أي إجراء أو عمل أو موقف من شأنه المساس بالحجية التي أضفاها المشرع على المحررات المشهرة بأن يقرر مثلاً عدم الاستناد إليها في المعاملات، كل ذلك ما لم يستصدر صاحب الشأن حكمًا ببطلان التصرف الذي اشتمل عليه المحرر، وبطلان التسجيل، ويقوم بشهره على النحو الموضح بالقانون.
لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن مصلحة الشهر العقاري قامت بشهر المحررين رقمي 1931 و 2116 لسنة 1977 ببلبيس في التواريخ المشار إليها سلفًا، ومن ثم كان يجوز لها - والحال كذلك - وقد طلب المطعون ضدهما منها بصفتيهما مشتريين للمساحة موضوع هذين المحررين إعطاءهما شهادة عقارية بشأن هذه الملكية، أن تقرر إضافة تحفظات في هذه الشهادة تنال من قيمة الحجية المقررة لها قانونًا بمناسبة ما أبلغت به من شكوى مفادها أن مورث البائعة لهما كان عقيمًا وأنها باعت لهما ما يزيد على نصيبها المقرر قانونًا، ذلك أن المصلحة قد استنفدت سلطتها في هذا الشأن ولم يرد بالأوراق ما يفيد صدور حكم قضائي يخولها القيام بهذا الإجراء، ومن ثم يكون قرارها الصادر في هذا الشأن مخالفًا صحيح حكم القانون حريًا بالإلغاء.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إذ التزم هذه الوجهة من النظر، فمن ثم يكون قد صدر متفقًا وصحيح حكم القانون، ويكون الطعن عليه مفتقدًا صحيح سنده، حريًا بالرفض، وهو ما تقضى به هذه المحكمة.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته، عملاً بحكم المادة (184) مرافعات.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة

بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعًا، وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.