مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخمسون - الجزء الثاني - من أول إبريل سنة 2005 إلى آخر سبتمبر سنة 2005 - صـ 921

(135)
جلسة 12 من أبريل سنة 2005م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ كمال زكي عبد الرحمن اللمعي - نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ محمود إبراهيم محمود علي عطا الله، ويحيى خضري نوبي محمد، وعبد المجيد أحمد حسن المقنن، وعمر ضاحي عمر ضاحي - نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ محمد إبراهيم عبد الصمد - مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ محمد عويس عوض الله - سكرتير المحكمة

الطعنان رقما 12761 و 12787 لسنة 48 قضائية عليا:

عقد إداري - إلغاء العقد - عدم مشروعية الإلغاء - أثر ذلك على التعويض بالنسبة للمتعاقد.
يجب التفرقة بين حالة إلغاء العقد قبل إبرامه بسبب امتناع السلطة المختصة عن التوقيع على العقد وبين حالة إلغاء العقد أثناء تنفيذه أي بعد إبرامه ودخوله حيز التنفيذ من حيث نطاق التعويض، ففي الحالة الأولى لم تتولد عن العقد أية مراكز ذاتية لانعدام وجود العقد الذي تحدد نصوصه حقوق والتزامات طرفيه، ومن ثم يقتصر نطاق التعويض عن الأضرار المباشرة التي أصابت مقدم العطاء بسبب التقدم إلى المناقصة وما تكبده من نفقات في هذا الشأن، وفى الحالة الأخرى فإن التعويض يشمل كل ضرر مباشر، كما يشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب - تطبيق.


الإجراءات

أولاً: إجراءات الطعن رقم 12761 لسنة 48 ق. عليا:
في يوم الاثنين الموافق 19/ 8/ 2002 أودع الأستاذ/ محمود مغازي محمد (المحامي) نائبًا عن الأستاذ/ محمد عبد المقصود جمعة (المحامي) بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرًا بالطعن قيد بجدولها العمومي تحت رقم 12761 لسنة 48 ق. عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري الدائرة الخامسة في الدعوى رقم 8071 لسنة 53ق بجلسة 20/ 6/ 2002، والقاضي منطوقه: "بإلزام الهيئة المدعى عليها بأن تؤدى للمدعى تعويضًا قدره 100.000 جنيه" مائة ألف جنيه والمصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وتعديل الحكم المطعون فيه ليكون بإلزام المطعون ضده بصفته بأن يؤدى للطاعن مبلغًا قدره 20133834 جنيهًا مصريًا مع إلزامه بصفته المصروفات.
ثانياً: إجراءات الطعن رقم 12787 لسنة 48 ق. عليا:
في يوم الاثنين الموافق 19/ 8/ 2002 أودع الأستاذ/ رأفت سيد عباس، المستشار بهيئة قضايا الدولة نائبًا عن الطاعن بصفته قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرًا بالطعن قيد بجدولها برقم 12787 لسنة 48ق. عليا في ذات الحكم.
وطلب الطاعن بصفته - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفى الموضوع بإلغائه والقضاء مجددًا برفض الدعوى المطعون في حكمها، وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
وجرى إعلان تقريري الطعن إلى أصحاب الشأن على النحو الثابت بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا مسببًا بالرأي القانوني في الطعنين رقمي 12761، 12787/ 48 ق. عليا ارتأت فيه الحكم بقبول الطعنين شكلاً، ورفضهما موضوعًا، وإلزام الطاعنين بالمصروفات مناصفة.
وعرض الطاعنان على دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة بجلسة 3/ 12/ 2003، وبجلسة 18/ 2/ 2004 قررت تلك الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) موضوع - وحددت لنظره أمامها جلسة 1/ 6/ 204، ونظرت المحكمة الطعنين بهذه الجلسة والجلسات التالية لها على النحو الثابت بمحاضرها؛ حيث قررت المحكمة ضم الطعن رقم 12787 لسنة/ 48 ق. عليا إلى الطعن رقم 12761 ق. عليا ليصدر فيهما حكم واحد.
وبجلسة 4/ 1/ 2005 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 12/ 4/ 2005 مع التصريح بتقديم مذكرات خلال شهر.
وبجلسة 12/ 4/ 2005 صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونًا.
من حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذا النزاع سبق بيانها بالحكم الطعين وهو ما تحيل إليه المحكمة في شأن هذه الوقائع عدا ما يقتضيه حكمها من بيان موجز حاصله أن المدعي (الطاعن في الطعن رقم 12761 لسنة 48ق. عليا) والدعوى رقم 8071 لسنة 53 ق أمام محكمة القضاء الإداري بموجب عريضة مودعة قلم كتابها بتاريخ 20/ 6/ 1999 بطلب الحكم بقبول الدعوى شكلاً وبصفة مستعجلة إلزام الهيئة المدعى عليها بتنفيذ التزاماتها التعاقدية وذلك باستلام الكميات المتعاقد عليها في المناقصة التي أعلنت عليها لتوريد تذاكر كرتون بدون طبع بمواصفات محددة وسداد ثمنها وتعويضه عن الإضرار التي لحقت به من جراء امتناع الهيئة المذكورة عن استلام الكميات المتعاقد عليها في ميعادها وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المدعى عليه بصفته المصروفات وأتعاب المحاماة على سند من القول إن الهيئة المدعى عليها أعلنت عن المناقصة المذكورة وتقدم المدعى بعطائه وأوصت لجنة البت بترسية المناقصة عليه وتم اعتماد قرارها، ثم قامت إدارة المشتريات بالهيئة بتاريخ 22/ 2/ 1999 بإخطار المدعى بقبول عطائه وإسناد التوريد إليه وقام بسداد التأمين النهائي وقام بتجهيز الدفعات الأولى من الكميات المتعاقد عليها إلا أن المخازن بالهيئة المدعى عليها رفضت استلامها ورغم إنذار الهيئة رسميًا في 3 ، 5/ 6/ 1999 لاستلام دفعة التوريد المتعاقد عليها مما أصابه بأضرار مادية جسيمة تمثلت في ثمن الخامات ومصروفات استئجار مخازن خاصة لها؛ حيث إنه يجب تخزين خامات الكرتون في درجات رطوبة محددة، واختتم المدعى دعواه بطلب الحكم بما تقدم.
وتدوول الشق العاجل من الدعوى أمام المحكمة المذكورة على النحو الثابت بمحاضر جلساتها وبجلستها المنعقدة في 21/ 11/ 1999 قضت بقبول الدعوى شكلاً وبرفض الطلب العاجل فيها وإلزام المدعى مصروفات هذا الطلب.
وبإحالة الشق الموضوعي في الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيره وإعداد تقرير بالرأي القانوني فيه وإبقاء الفصل في مصروفات هذا الطلب فطعن المدعى على هذا الحكم بالطعن رقم 1258 لسنة 46 ق. عليا، وبجلسة 8/ 5/ 2001 حكمت المحكمة الإدارية العليا بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعًا وإلزام الطاعن المصروفات.
وبجلسة 20/ 6/ 2002 أصدرت محكمة القضاء الإداري (الدائرة الخامسة) حكمها المطعون فيه.
وشيدت المحكمة قضاءها على أساس توافر أركان التعاقدية الموجبة للتعويض في حق الهيئة المدعى عليها، فالخطأ ثابت قبلها ذلك أن العقد موضوع الدعوى قد انعقد بالفعل بوصول الإخطار إلى المدعى بقبول عطائه في 22/ 2/ 1999 والذي تضمن نصًا يوجب على الهيئة تحرير العقد وجعل مدة التوريد عامًا واجدًا من تاريخ استلام العقد إلا أنها امتنعت عن تحرير العقد، ثم قامت بإخطار المدعى بتاريخ 9/ 8/ 1999 بعدم إتمام إجراءات التعاقد - وهو ما يشكل خطأ عقديًا في جانب الهيئة المدعي عليها. كما ترتب على هذا الخطأ أضرار مادية لحقت بالمدعي تمثلت فيما تكبده من نفقات كراسة الشروط وتكاليف الدراسة الفنية لهذه المناقصة ومصاريف إهدار خطاب ضمان التأمين الابتدائي وخطاب الضمان النهائي وما فاته من كسب متوقع وقدرت المحكمة التعويض الجابر لهذه الأضرار بمبلغ 100000 جنيه.
وإذ لم يلقَ هذا الحكم قبولاً لدى الطاعن فقد أقام الطعن رقم 12761 لسنة 48ق. عليا ناعيًا على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تفسيره وتأويله، فضلاً عن أنه قد شابه القصور في التسبيب للأسباب الواردة تفصيلاً بتقرير الطعن وتوجز في:
1 - إن التعويض المقضي به لا يتفق مع كم الخسائر والأضرار التي لحقت به ماديًا ومعنويًا ولا يتفق مع المستندات المقدمة من الطاعن.
2 - لم يقض الحكم الطعين بتعويضه عن الأضرار الأدبية المتمثلة في المساس بسمعته لما أثير من تواطئه وتحايله وتدليسه على الهيئة المطعون ضدها.
3 - استبعد الحكم الخسائر الضخمة الثابتة بالمستندات بخصوص الشحنات التي قام باستيرادها بمقولة إن الطاعن تسبب فيها بتسرعه في التنفيذ قبل استلام العقد وهو قول غير صحيح ويخالف أحكام القانون وخاصة أن الهيئة أخطرت الطاعن بقبول عطائه في 22/ 2/ 1999 وإسناد أمر التوريد إليه وأن شروط الهيئة حرف "ب" هي التي ستحكم التعاقد والبند رقم 17 من هذه الشروط يحسب بداية مدة التوريد من اليوم التالي لإخطاره بالقبول والإسناد وأنها سترسل له العقد بعد أن يودع التأمين النهائي.
4 - أغفل الحكم المطعون فيه أن الهيئة أسهمت عامدة في زيادة خسائر الطاعن إلى خمسة أمثالها، لأن الهيئة تسلمت تقرير هيئة الرقابة الإدارية في 14/ 4/ 1999، وبعد شهر قررت داخليًا في 9/ 5/ 1999 إلغاء العقود مع الطاعن، ثم انتظرت عامدة متعمدة ثلاثة أشهر لتبلغ الطاعن بإلغاء العقد معه في 9/ 8/ 1999 وتركت الطاعن مستمرًا في تنفيذ التزاماته التعاقدية في حين لو أبلغته بذلك حال استلامها تقرير الرقابة الإدارية في 14/ 4/ 1999 لأمكنه أن يطلب من المصنع الأوربي وقف باقي الإنتاج، وكذا وقف عملية الشحن بالنسبة لباقي كمية الكرتون ووقف عقد قرض التمويل، وكذا وقف استكمال عملية القص، كما كان لا يحتاج إلى المخازن الضخمة.
5- استعرض الطاعن عناصر الضرر المادي والأدبي على النحو الوارد تفصيلاً بتقرير الطعن ومحدداً إجمالي التعويض المطالب به بمبلغ 20133834 جنيهًا.
ومن حيث إن مبنى طعن الجهة الإدارية رقم 12787 لسنة 48ق. عليا مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله للأسباب المبينة تفصيلاً بتقرير الطعن وحاصلها أن الثابت من أوراق ومستندات الدعوى المطعون في حكمها وخصوصًا تقرير هيئة الرقابة الإدارية المقدم بحافظة مستندات الجهة الإدارية الطاعنة عدم صحة إجراءات المناقصة موضوع التداعي؛ حيث تبين أن شركة جيمكو جروب المنافسة للمكتب التجاري الدولي ((المطعون ضده)) يمتلكها/ محمد محمود عبد الرحمن "يعمل مديرًا للمبيعات بالمكتب التجاري الدولي "الشركة المطعون ضدها، وأن دخول شركة جيمكو جروب في المناقصة قد تم بالتواطؤ مع الشركة المطعون ضدها، لضمان ترسية المناقصة على المطعون ضده وعدم علم المسئولين بهيئة السكة الحديد بذلك وهذا ما أثبته تقرير هيئة الرقابة الإدارية، ومن ثم يثبت الغش والتدليس الذي سلكه المطعون ضده بصفته للوصول إلى التعاقد وترسية المناقصة عليه هو السبب في عدم تنفيذ العملية معه وتكون الجهة الإدارية لها الحق وفقًا لأحكام القانون في إلغاء المناقصة معه وتكون كافة الإجراءات والتصرفات التي قام بها المطعون ضده باطلة ويكون تصرف جهة الإدارة قد صادف صحيح القانون، وينتفي ركن الخطأ في جانبها، وبالتالي لا يستحق المطعون ضده التعويض المطالب به.
ومن حيث إنه بالنسبة لما أثارته الجهة الإدارية في طعنها رقم 12787 لسنة 48ق. عليا بشأن مشروعية قرار إنهاء العقد بدعوى ثبوت الغش والتدليس الذي سلكه المطعون ضده للوصول إلى التعاقد وترسية المناقصة عليه على نحو ما كشف عنه تقرير الرقابة الإدارية المؤرخ في 14/ 4/ 1999 المشار إليه فإنه لا وجه لذلك، فقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن العقد يعتبر منعقدًا بين جهة الإدارة ومقدم العطاء بمجرد إخطاره بقبول عطائه، كما أنه من المستقر عليه فقهًا وقضاءً أن للجهة الإدارية حق إنهاء العقود الإدارية بإرادتها المنفردة إذا قدرت أن الصالح العام يقتضى ذلك وليس للطرف الآخر المتعاقد معها إلا الحق في التعويض إن كان له وجه، هذا مع ملاحظة أنه ولئن كان من حق الجهة الإدارية سلطة تعديل العقد، فضلاً عن إنهائه إلا أنه ليس حقًا مطلقًا، بل إنه مشروط بشرطين: الأول: أن يقتضى الصالح العام أو صالح المرفق إنهاء العقد، والثاني: أن تتوافر لقرار الإنهاء كافة الشروط اللازمة لمشروعية الأعمال المبينة على سلطة تقديرية.
ومن حيث إنه على هدى ما تقدم فإنه لما كان الثابت من أوراق الطعن أن الجهة الإدارية قد قامت بإخطار الشركة المطعون ضدها بقبول عطائها بتاريخ 22/ 2/ 1999 ومن ثم يكون العقد قد انعقد صحيحًا بين طرفيه ومنتجًا لكافة آثاره القانونية، وإذا كان من المسلم به - كما سلف البيان - أن للإدارة حق إلغاء العقد الإداري إلا أن ادعاء الجهة الإدارية بوجود تواطؤ بين الشكة المطعون ضدها وشركة جيمكو جروب نظرًا لوجود علاقة بينهما فاشتركا في المناقصة بقصد التحايل لضمان ترسية المناقصة بأسعار تزيد على الأسعار السائدة في السوق، فإن هذا الادعاء عارٍ من الصحة إذ تخلو الأوراق مما يفيد ذلك، كما أن جهة الإدارة لم تقدم دليلاً عليه، فضلاً عن ذلك فإنه بافتراض أن أسعار هاتين الشركتين الواردة في عطائهما تزيد على الأسعار السائدة في السوق، فإنه طالما ثبت أن هذا التعاقد تم بناءً على مناقصة عامة وأن لكل شركة منهما كيانًا قانونيًا مستقلاً وأنه لا يوجد ثمة نص قانوني يمنع أن تتقدم كل شركة بعطائها، فضلاً عن أنه لا يتصور أن تفرض الشركة المطعون ضدها على الجهة الإدارية قبول أسعارها أو أن توهم المسئولين بها بأن الأسعار التي تتعاقد بها أسعار مجزية، كما أن ذلك لا يُعتبر تدليسًا في مفهوم حكم المادة (125) من القانون المدني يبرر إبطال العقد، ذلك أن الفقرة الأولى من هذه المادة تتطلب في التدليس الذي يجوز إبطال العقد بسببه أن تكون ثمة طرق احتيالية لجأ إليها أحد المتعاقدين من الجسامة، بحيث لولاها لما أبرم العقد ومجرد تقدم مقدمي العطاءات في مناقصة عامة عن توريد الأصناف المعلن عنها وتحديد سعر كل صنف من الأصناف المطلوب توريدها على النحو الوارد بقائمة أسعار مقدم العطاء لا يعتبر بحال من الأحوال من قبيل الطرق الاحتيالية التي يجوز وصفها بالتدليس سيما وأن الهيئة الطاعنة اعتادت على إبرام عقود لتوريد تذاكر الكرتون محل المناقصة مثار النزاع وأن الفنيين لديها على علم بحال السوق وتقلباته وأسعاره، فضلاً عن قيام لجان فتح المظاريف والبت بفحص العطاءين المقدمين من الشركتين المذكورتين، وثبت صحة الفحص الفني والمالي لعطاء الشركة المطعون ضدها، وأوصت بترسية المناقصة على هذا العطاء وتم اعتماد توصيتها من السلطة المختصة طبقًا لما سلف بيانه.
ومن حيث إنه متى كان ذلك وكان قرار الهيئة الطاعنة بإنهاء التعاقد بإرادتها المنفردة مع الشركة المطعون ضدها - حيث أخطرتها بتاريخ 9/ 8/ 1999 بعدم إتمام إجراءات التعاقد معها - لا تبرره ظروف الحال ويشكل مسلكها ثمة خطأ في التقدير، وهو ما يشكل خطأ عقديًا في جانبها، وقد ترتب على ذلك أضرار مادية مباشرة، فضلاً عن أنه وإن كان فسخ العقد في ذاته لا يرتب ضررًا أدبيًا إلا انه لما كانت جهة الإدارة نسبت إلى الممثل القانوني للشركة المطعون ضدها صفات غير محمودة كالغش أو التحايل أو التلاعب، وهو الأمر الذي يتطور منه أضرار أدبية، كما فوتت الإدارة على الشركة المطعون ضدها الفرصة للحصول على عائد هذه العملية، وتوافرت لذلك علاقة السببية، ومن ثم تتكامل أركان المسئولية العقدية.
ومن حيث إنه لا محاجة لما ذهبت إليه الشركة الطاعنة في الطعن رقم 12761 لسنة 48ق. عليا من أن الحكم المطعون في أجحف بحقوقها ولم يعوضها عن عناصر الضرر المشار إليها بتقرير طعنها ذلك أنه طبقًا لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن تقدير التعويض المستحق للمضرور متى استقامت أركان المسئولية الإدارية هو من إطلاقات محكمة الموضوع بحسب ما تراه، مستهدفة في ذلك كافة الظروف والملابسات في الدعوى، بحسبان أن تقدير التعويض متى قامت أسبابه من مسائل الواقع التي تستقل بها، لأنه لا يوجد في القانون نص يلزمها باتباع معايير معينة، وعليها وهى تقدر التعويض أن تزن بميزان القانون ما يقدم إليها من أدلة وبيانات عن قيام الضرر وعناصره، فإذا ما صدر حكمها محيطًا بكافة عناصر الضرر الناتج عن خطأ جهة الإدارة وتقدير التعويض الجابر لتلك الأضرار.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك وكان الثابت أن الحكم المطعون فيه قد قضى بالتعويض المستحق للشركة الطاعنة الذي رآه جابرًا للأضرار التي أصابتها المشار إليها في أسبابه - من جراء إلغاء العقد موضوع النزاع فإنه يكون متفقًا مع صحيح حكم القانون - كما أنه بالنسبة لما أثارته الشركة الطاعنة من أن هناك أضرارًا أصابتها أكبر من مبلغ التعويض المقضي به نظرًا لوجود أضرار أخرى لم يتم جبرها وذلك على النحو الوارد تفصيلاً بتقرير طعنها، فإنه لما كان الثابت أن الشركة الطاعنة بدأت في التنفيذ بمجرد إخطارها بقرار قبول العطاء المقدم منها تحت مسئوليتها وبدون صدور أمر توريد لها على الرغم من أن كتاب الهيئة المطعون ضدها المؤرخ في 21/ 2/ 1999 بإخطار الشركة الطاعنة بقبول العطاء المقدم منها بثمن إجمالي قدره 8738250 جنيهًا تضمن الآتى: مدة التوريد: عام واحد من استلام العقد والتسليم على دفعات ابتداءً من شهرين من استلام العقد.
ولما كان من المفترض علم الشركة الطاعنة بأحكام القانون رقم 89 لسنة 1998 بشأن المناقصات والمزايدات ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير المالية رقم 1367 لسنة 1998 وعلمها بمحتواه نظرًا لإقبالها على التعاقد في ظل المجال الزمني لسريان أحكامه، وقد نصت المادة (32) من لائحته التنفيذية المشار إليها على أنه (يجب أن يحرر عقد فني بلغ مجموع ما رسا توريده أو تنفيذه خمسين ألف جنيه). وإذ أخطرت جهة الإدارة الشركة الطاعنة بأن التنفيذ يبدأ بعد استلامها العقد، ومن المقرر أنه اعتبارًا من تاريخ توقيع السلطة المختصة على العقد يبدأ تنفيذه ومنه تبدأ المدة المحددة للطرف الآخر للبدء في تنفيذ التزاماته التعاقدية، ومن المعلوم أن الجهة الإدارية المختصة تملك سلطة تقديرية في إبرام العقد بالتوقيع عليه كما تستطيع أن تمتنع عن التوقيع إذا قدرت أن المصلحة العامة تقتضى ذلك وعدم التوقيع من السلطة المختصة يجعل العلاقة التعاقدية بين الطرفين معدومة رغم الإجراءات التمهيدية التي سبقتها.
ومن جهة أخرى فإنه من المقرر أن ميعاد التوريد في العقود الإدارية من العناصر الضرورية التي تقتضيها النزاهة في التعامل؛ لذا أفرد المشرع الفصل الثالث "شروط تنفيذ عقود التوريد" من القسم الرابع "إجراءات تنفيذ العقود" من اللائحة التنفيذية لقانون المناقصات والمزايدات سالفة الذكر لوضع أحكام تفصيلية تنظم كيفية تنفيذ عقود التوريد وأجمعت على التزام المورد بتوريد الأصناف المتعاقد عليها في الميعاد والمواعيد المحددة في العقد ومطابقًا لأوامر التوريد الصادرة إليه، ومن ثم لا يجوز للمتعاقد أن يلزم جهة الإدارة باستلام دفعات من الأصناف التي قام بتوريدها قبيل بدء ميعاد التوريد وقبل إخطاره بأمر التوريد، ومن ثم يحق لجهة الإدارة رفض قبل التوريد الحاصل قبل المواعيد المحددة للتوريد؛ حيث إن استلام الأصناف الموردة يحتاج إلى استعدادها وتوافر الإمكانيات ولتطلبه شروطًا وأوضاعًا خاصة منها، تقتضيها إجراءات الفحص الفني لتلك الأصناف للوقوف على مدى مطابقتها للمواصفات الفنية والعينية المعتمدة ومدى توافر أماكن التخزين المناسبة وغير ذلك من الاعتبارات التي تجعل جهة الإدارة تحدد مواعيد معينة للتوريد على دفعات ويتعين على المورد الالتزام بها بدقة.
ومن حيث إنه يجب التفرقة بين حالة إلغاء العقد قبل إبرامه بسبب امتناع السلطة المختصة عن التوقيع على العقد وبين حالة إلغاء العقد أثناء تنفيذه، أي بعد إبرامه ودخوله حيز التنفيذ من حيث نطاق التعويض. ففي الحالة الأولى لم تتولد عن العقد أية مراكز ذاتية لانعدام وجود العقد الذي تحدد نصوصه حقوق والتزامات طرفيه، ومن ثم يقتصر نطاق التعويض عن الأضرار المباشرة التي أصابت مقدم العطاء بسبب التقدم إلى المناقصة وما تكبده من نفقات في هذا الشأن وفى الحالة الأخرى فإن التعويض يشمل كل ضرر مباشر، كما يشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب.
ومن حيث إنه متى ثبت أن الشركة المطعون ضدها بدأت في تنفيذ العقد قبل توقيعه من السلطة المختصة، وبالمخالفة لأمر الإسناد الصادر إليها من أن يكون على دفعات ابتداءً من مضى شهرين من استلام العقد ولم يصدر لها أي أمر التوريد، فضلاً عن أن جهة الإدارة رفضت استلام ما قامت بتوريده، ومن ثم تكون الشركة قد تصرفت على مسئوليتها لعدم إتمام العقد وتكون الأضرار التي أصابتها ترجع إلى مسلكها ولم تكن نتيجة لخطأ يمكن نسبته لجهة الإدارة ومن ثم فلا وجه لإجابة الشركة الطاعنة إلى طلبها بالتعويض عن الأضرار الأخرى المتمثلة في إبرام عقد التمويل وفوائده لتمويل العملية وثمن الكرتون ومصاريف الشحن من الخارج والجمارك في مصر والنقل الداخلي للكرتون الخام ومصاريف تقطيع هذا الكرتون ومصاريف التخزين وما فاته من كسب كان متوقعًا من العقد.
ومن حيث إنه ترتيبًا على ما تقدم فإن المحكمة ترى أن التعويض المقضي به هو التعويض الجابر للأضرار المادية والأدبية التي لحقت بالشركة الطاعنة من جراء عدم إبرام العقد معها، ومن ثم فإن الحكم الطعين يكون قد أصاب وجه الحق في قضائه، ويغدو الطعن عليه غير قائم على أساس من الواقع والقانون، متعينًا القضاء برفض الطعنين، وإلزام كل طاعن بمصروفات طعنه عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة

بقبول الطعنين شكلاً، وبرفضهما موضوعًا، وألزمت كل طاعن مصروفات طعنه.