مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخمسون - الجزء الثاني - من أول إبريل سنة 2005 إلى آخر سبتمبر سنة 2005 – صـ 1130

(164)
جلسة 14 من مايو سنة 2005م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ السيد محمد السيد الطحان - نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أحمد عبد العزيز إبراهيم أبو العزم، وحسن سلامة أحمد محمود، وأحمد عبد الحميد حسن عبود، ومحمد أحمد محمود محمد - نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ رضا محمد عثمان - مفوض الدولة
وحضور السيد/ كمال نجيب مرسيس - سكرتير المحكمة

الطعن رقم 3118 لسنة 49 قضائية عليا:

موظف - عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - التحقيق مع العامل - ضماناته.
مقتضى الأساس الدستوري لقاعدة أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته يستلزم إجراء تحقيق قانوني صحيح من حيث الإجراءات والمحل والغاية يستند على نتيجة قرار الاتهام - يشترط لسلامة التحقيق مع العامل المحال للمحاكمة التأديبية أن تتوافر ضمانات التحقيق التي أوجبها المشرع ومن أهمها أن تتوافر الحيدة التامة فيمن يقوم بالتحقيق وتمكين العامل من اتخاذ كل ما يلزم لتحقيق أوجه دفاعه - قيام مقدم الشكوى بالتحقيق مع المشكو في حقه يفسد التحقيق، مما يؤدى إلى بطلان التحقيق والقرار الذي قام عليه - تطبيق.


الإجراءات

في يوم الأربعاء الموافق 15/ 1/ 2003 أودع الأستاذ/ أبو سريع محمد حسن - المحامي بالنقض، نائباً عن الأستاذ/ عبد العزيز سالم - المحامي بالنقض، بصفته وكيلاً عن الطاعنة، قلم كتاب هذه المحكمة، تقرير الطعن، قيد بجدولها بالرقم عالية، في القرار الصادر من مجلس تأديب أعضاء السلك الدبلوماسي بوزارة الداخلية بجلسة 18/ 11/ 2002 فيما تضمنه من مجازاة الطاعنة بعقوبة اللوم.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة في تقرير الطعن - تحديد أقرب جلسة أمام دائرة فحص الطعون لتأمر بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وبإحالة الطعن إلى دائرة الموضوع بالمحكمة الإدارية العليا، لتقضى بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، والحكم مجددًا ببراءة الطاعنة مما أسند إليها.
وجرى إعلان الطعن على النحو المبين بالأوراق، وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا مسبباً في الطعن، ارتأت فيه وقف الطعن الماثل وقفًا تعليقيًا، بنص المادة (129) مرافعات لحين صدور حكم في الدعوى رقم 3023 لسنة 2001 مدني كلي شمال القاهرة.
وعينت جلسة 12/ 7/ 2004 لنظر الطعن أمام الدائرة الخامسة (فحص الطعون)، وبها قررت إحالته إلى الدائرة الأولى "فحص" لسبق إصدار حكم من الدائرة الخامسة في موضوع مرتبط، وقد نظرته الدائرة الأولى فحص بجلسة 20/ 12/ 2004، وبجلسة 17/ 1/ 2005 قررت إحالته إلى هذه الدائرة لنظره بجلسة 12/ 2/ 2005 حيث نظرته، وفيها تقرر صدور الحكم بجلسة اليوم، مع التصريح بمذكرات في شهر.
وبجلسة اليوم، صدر الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانونًا.
من حيث إن الطعن استوفى الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 16/ 10/ 2001 كان قد صدر قرار وزير الخارجية رقم 3402 بإحالة الوزير مفوض/..... (الطاعنة) إلى مجلس تأديب أعضاء السلك الدبلوماسي بالوزارة لمحاكمتها تأديبًا عما نُسب إليها في المخالفات الآتية:
(1) اتهامها مساعد الوزير المختص السفير/ ........ في مذكرتها رقم 159 في 5/ 3/ 2000 المعروضة على الوزير بالتأخير في إبداء الرأي بشأن قبول دعوة المجلس الأطلنطي المجرى في مارس 2003 باستخدامها لأسلوب تهكمي وألفاظ لا يمكن استخدامها في مذكرة مرفوعة للسيد الوزير في تجاوز صريح وغير مسبوق لكل الأعراف والقواعد المعمول بها في لغة التخاطب بوزارة الخارجية.
(2) توجيهها للمذكرة رقم 265 في 12/ 12/ 2000 إلى السفير/......، وزير الخارجية - المشرف على قطاعها، تضمنت أسلوبًا غير لائق في التخاطب، واتهمته بالتحايل وعدم ذكر الحقيقة في عرضه على السيد الوزير، وأنه عالج بطريقة مشبوهة موضوع ترشيحات بعض السادة الدبلوماسيين للمشاركة في ندوة "أسبين" ببرلين بهدف منافع شخصية، والدفع بمرشحين من مكتبه دون الانتباه إلى أن المرشح من مكتبها.
(3) تجاوزها في التخاطب مع زملائها ورؤسائها، هو الأمر الذي تأكد من خلال المسلك الذي بدت به أمام مجلس السلك الدبلوماسي والقنصلي، حيث كانت تلجأ إلى مقاطعة رئيس وأعضاء المجلس، وتطرق على المنضدة بعصبية، وتلوح بانحياز المجلس ضدها.
(4) عدم لياقة أسلوب تعاملها مع رؤسائها، حيث دأبت على عدم احترام القواعد المرعية للتدرج الوظيفي، والخلط بين الأمور الشخصية والموضوعية، والتمرد على القواعد والأصول المرعية.
(5) مخاطبة جهات خارج وزارة الخارجية بمذكرة تضمنت اتهامًا للمساعد للشئون الأوروبية (رئيسها المباشر) بأنه يعرب عن توجيهات تخالف جذريًا المنهج الوطني الذي تم اعتماده وتنفيذه بالفعل، وأن العراقيل التي وضعها أمام عمل نقطة الاتصال السرية قد أسفرت علن نتائج سلبية، مما يعد تجاوزًا صريحًا لأسلوب العمل والتخاطب إلى وزارة الخارجية، وهو ما يعتبر خروجاً على مقتضيات الواجب الوظيفي.
(6) التطاول والتشهير والإساءة إلى رؤسائها في العمل بتوجيهها عددًا من المذكرات المحررة إلى الأجهزة الرئاسية بالوزارة خلال توليها منصب نائب مساعد الوزير لشئون المنظمات والترتيبات الأمنية والاستراتيجية في أوربا، والتي حوت العديد من عبارات التطاول والتشهير والإساءة إلى رؤسائها في العمل ومن ذلك ما يلي:
( أ ) مذكرة رقم 865 بتاريخ 12/ 12/ 2001 والتي تضمنت اتهام السفير/..... مساعد الوزير للشئون الأوروبية، بأنه "ينفذ سيناريو تمرير الترشيحات التي يريدها بصفة شخصية"، وهو اتهام لرئيسها المباشر في العمل بعدم النزاهة أو الحياد بما يمثل إساءة إليه وتشهيراً به، وكذلك الإشارة إلى أن ردود السفير مساعد الوزير للشئون الأوروبية على مذكراتها بأنها "لا تستحق الرد بقدر ما تستحق الرثاء والأسى" وهو ما يمثل تهكمًا واضحًا وتحقيرًا لرأي الرئيس المباشر، وأيضًا ما أوردته عن "اكتمال حلقات المؤامرة"؛ الأمر الذي يعتبر بمثابة اتهام لرئيسها المباشر، وكذلك اتهامها لمساعد الوزير للشئون الأوروبية ((بعدم مراعاة العرض الدقيق وعدم الأمانة واتباع طرق مشبوهة، والسعي لتحقيق مآرب شجية لا تمتُّ لصالح العمل بأية صلة"، وهو ما يمثل إساءة وتطولاً على الرؤساء يرقى إلى مرتبة القذف.
(ب) رسالة محررة بخط اليد إلى السيد/........ وزير الخارجية السابق تضمنت وصف السفير/...... مساعد وزير الخارجية ومدير السلك الدبلوماسي والقنصلي والتفتيش بأنه "رأس الأفعى" وهو إساءة وقذف صريحان في حق أحد الرؤساء.
(ج) رسالة محررة بخط اليد إلى السيد/ وزير الخارجية السابق بتاريخ 2/ 4/ 2001 اتهمت فيها السفير/...... بالابتزاز وعدم الحياد، وبأنها ليست المرة الأولى التي يمارس فيها "هذا الأسلوب الرخيص من الابتزاز المرفوض والبلطجة", وكذلك وصفها له بأنه يمارس "الابتزاز المتلون المرفوض ولتحقيق أغراض نفسية مريضة".
وبجلسة 18/ 11/ 2002 أصدر مجلس التأديب قراره المطعون فيه تأسيسًا على أن "المحالة قد تنكبت السبيل السوى في التخاطب مع الرؤساء والزملاء، وتجاوزت حدود السلوك المألوف والدارج في التعامل معهم، وانساقت تكيل الاتهامات لهم في عبارات خارجة ودخيلة، على المناخ العام الدبلوماسي، فضلاً عما انطوت عليه من قذف في حق هؤلاء بصورة جهرية وصارخة وإمعان في الإساءة إليهم والتشهير بهم، وهو ما يأباه السلوك القويم الذي يتعين أن يتصف به الدبلوماسي في تعامله وتخاطبه، خاصة مع رؤسائه وزملائه في العمل، وبذلك تكون المحالة قد ضلت سبيلها وأخطأت هدفًا وارتكبت ذنبًا وخطأ يستوجب مجازاتها تأديبيًا".
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن التحقيقات التي بني عليها القرار المطعون فيه قد شابها البطلان، ومن ذلك أن التحقيق الذي أجرى بتاريخ 28/ 8/ 2001 تضمّن في صدره أن تشكيل لجنة التحقيق يضم الأمانة الفنية المشكلة من الوزير المفوض/...... والمستشار/........، وقد خلا التحقيق من توقيعهما على صفحاته، فضلاً، عن أن قرار الإحالة إلى التحقيق سند قرار الإحالة إلى مجلس التأديب شابه البطلان، وذلك لاستناده إلى عبارات عامة فضفاضة (تجاوزات وظيفية) ليس من شأنها أن تقيم وصفًا محدداً لواقعة بعينها، كما أن قرار تشكيل لجنة التحقيق تضمن - أيضًا - تعيين ...... رئيسًا للجنة التحقيق، والسفيرين/........و ...... عضوين باللجنة رغم سبق إدلائهما برأي معاد في جلستي مجلس السلك للاستماع وتكوين عقيدة مسبقة بإدانتها وقبل التحقيق معها مما يفقدهما الحيدة كشرط للصلاحية لمباشرة أعمال التحقيق القضائي، كما أن قرار الإحالة إلى مجلس التأديب شابه البطلان لمخالفته المادة (65) من القانون رقم 45 لسنة 1982 فيما أوجبته من إبلاغ العضو المحال إلى التأديب بقرار الإحالة وبتاريخ الجلسة في موعد أقصاه ستون يومًا من تاريخ قرار الإحالة، والثابت أن المحالة لم تبلغ بهذا القرار الصادر في 16/ 10/ 2001، كما لم تبلغ بتوصية مجلس السلك بجلسته رقم 72 في 8/ 10/ 2001 إلا بتاريخ 28/ 11/ 2001، وذلك بتسليمها القرار باليد وليس بخطاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول، كما استند قرار الإحالة إلى مجلس التأديب إلى توصية مجلس السلك بجلسته رقم 50 في 30/ 7/ 2002، وجلسته رقم 72 في 8/ 10/ 2001 لبطلان تشكيل هذين المجلسين لضمهما بين أعضائها السفيرين.......و ......، واشتراكهما في المناقشات بما يؤثر على حيدة المجلس في إصدار توصيته ورغم كونهما من خصمي المحالة، وذلك بالمخالفة للمادة (18) من القانون رقم 45 لسنة 1982 والتي تحظر على أعضاء المجلس الحضور والمناقشة في المسائل التي تخص أحدهم، كما شاب قرار الإحالة إلى مجلس التأديب البطلان لاستناده إلى توصية مجلس السلك بجلسته رقم 50 بتاريخ 30/ 7/ 2001 بإحالة الطاعنة إلى المحكمة التأديبية، في حين أن حقيقة التوصية هو إحالتها إلى التحقيق. يضاف إلى ما تقدم أن التحقيق المؤرخ في 28/ 8/ 2001 شابه التزوير وذلك على التفصيل الوارد بتقرير الطعن، والذي تحيل إليه هذه المحكمة تفاديًا للتكرار، بالإضافة إلى أن القرار المطعون فيه خالف القانون من عدة أوجه، أولهما: أن الطاعنة وقعت عليها عدة عقوبات سابقة على القرار المطعون فيه تمثلت في وقفها عن العمل لمدة ثلاثة أشهر بالقرار الوزاري رقم 2560 في 9/ 8/ 2001 لمصلحة التحقيق فيما هو منسوب إليها من تجاوزات، فضلاً عن تنزيلها من وظيفتها كنائب مساعد وزير الخارجية للشئون الإدارية وشئون المنظمات إلى وظيفة نائب مدير إدارة المعلومات .... كما رفع اسمها من قائمة المستبقين بالديوان العام وحرمانها من مخصصات الوظيفة المنقولة منها، وكذلك حرمانها من الترقية لوظيفة سفير أو رئيس بعثة في الخارج وكان ذلك محلاً للطعن عليه بالدعوى رقم 6700 لسنة 56ق لإلغاء قرار تخطيها في الترقية لوظيفة سفير، كما أن الجزاء الموقع على الطاعنة استند إلى مجرد جلسات استماع دون أن يتم إجراء تحقيق كتابي في جميع ما نُسب إلى الطاعنة بالمخالفة للمادة (59) من القانون رقم 45 لسنة 1982، كما أغفل القرار تدوين عبارة باسم الشعب بالمخالفة للمادة (72) من الدستور. كما خالف القرار الثابت بالأوراق، وفساده في الاستدلال وقصوره في التسبيب على النحو الموضح بتقرير الطعن والذي تشير إليه المحكمة تفاديًا للتكرار.
ومن حيث إنه من المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أنه من مقتضى الأساس الدستوري لقاعدة أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته أنه يلزم حتمًا إجراء تحقيق قانوني صحيح، سواء من حيث الإجراءات، أو المحل، أو الغاية، لكي يمكن أن يستند على نتيجته قرار الاتهام شاملاً الأركان السابقة، وأن تلك القاعدة العامة التي تستند إليها شرعية الجزاء هي الواجبة الاتباع، سواء تم توقيع الجزاء إداريًا من السلطة التأديبية الرئاسية بواسطة الرئيس الإداري، أو تم توقيعه بواسطة مجلس تأديب مختص، أو تم توقيعه قضائيًا بحكم من المحكمة التأديبية، لأن التحقيق هو وسيلة استبانة الحقيقة فيما يُنسب إلى العامل من اتهام، وبغير أن يكون تحت يد الجهة الإدارية التي تملك توقيع الجزاء التأديبي تحقيق مستكمل الأركان، لا يكون في مكنتها الفصل على وجه شرعي وقانوني في الاتهام المنسوب إلى العامل، سواء بالبراءة أو الإدانة، وعليه فإن أي قرار أو حكم بالجزاء يصدر استنادًا إلى غير تحقيق أو استجواب سابق، أو يصدر استنادًا إلى تحقيق ناقص أو غير مستكمل الأركان أو شابه عيب يبطله يكون باطلاً. كما جرى قضاء هذه المحكمة - أيضًا - على أن "إلغاء قرار مجلس التأديب المطعون فيه لابتنائه على تحقيق معيب .. لا يحول دون جهة الإدارة واتخاذ ما تراه في شأن متابعة المسئولية التأديبية للطاعن فيما نسب إليه من اتهام"؛ لأن حجية الحكم في هذه الحالة لا تنصرف إلى أن الموظف برئ مما نُسب إليه، كما أنه لا يحول دون إعادة محاكمته الاعتبار المستمد من القاعدة التي تقضى بعدم عقاب المخطئ عن ذنب واحد مرتين، لأن إعمال هذه القاعدة يفترض أن العقوبة الموقعة من قبل السلطة المختصة قائمة ومنتجة لآثارها.
لما كان ذلك وكان الثابت في يقين المحكمة أن ثمة عيوبًا قانونية شابت الإجراءات التي اتخذتها الجهة الإدارية وهى بصدد التحقيق مع الطاعنة فيما هو منسوب إليها من مخالفات تأديبية، كشف عنها - من ناحية - تقرير خبير أبحاث التزييف والتزوير بالطب الشرعي بالقاهرة في تقريره المقدم إلى محكمة شمال القاهرة (دائرة 4 مدني) في الدعوى رقم 3023 لسنة 2002 مدني كلى شمال القاهرة، ومن ناحية ثانية قرار تشكيل لجنة التحقيق مع الطاعنة فيما نُسب إليها.
إذ ورد بتقرير الخبير المشار إليه في صفحاته الخمس أن ثمة تعديلات وإضافات (أورد بيانها تفصيلاً بالتقرير) أدخلت على التحقيق الذي أجرى مع الطاعنة، بعضها في ظرف كتابي معاصر للظرف الكتابي الذي كُتبت به، وبعضها في ظرف كتابي لاحق عليه، وبعضها الثالث بقلم كتاب جرافيتي يغاير القلم الذي كتبت به جميع عبارات محضر التحقيق (قلم جاف أزرق) وبعضها الرابع بيد كاتب آخر وبمداد جاف أزرق يختلف في الخواص الضوئية عن المداد المحررة به بقية العبارات، هذا فضلاً عما أورده الخبير في عَجُزِ تقريره المشار إليه، من أن "التوقيعات المحررة بأسلوب الفرمة الثانية بنهاية السطر الأخير بتلك الصفحة (يقصد ص 25) قد أفرغت في ظرف كتابي لاحق للظرف الكتابي الذي دونت فيه العبارات المحررة بالمداد السائل الأسود أدنى عبارات المحضر، والتي حررت بخط مختلف في العديد من الخواص الكتابية عن خط كاتب عبارات المحضر". كما ثبت للمحكمة من الاطلاع على قرار وزير الخارجية رقم 2581 لسنة 2001 الصادر بتاريخ 11/ 8/ 2001 بتشكيل لجنة للتحقيق مع الطاعنة برئاسة السفيرة/ ..... - مساعد وزير الخارجية للعلاقات الثقافية الدولية وعضوية السادة السفراء .... و.... و....، وهؤلاء جميعهم كانوا في الوقت ذاته ضمن أعضاء مجلس السلك الدبلوماسي والقنصلي في اجتماعيه المعقودين بجلستي 16/ 7/ 2001 و 21/ 7/ 2001 برئاسة السفيرة....... بناءً على طلب وزير الخارجية - في ذلك الوقت - لمناقشة الطاعنة فيما ورد بشكواها، وهو ذات المجلس الذي أوصى بإحالة الطاعنة إلى التحقيق، وصدر بناءً على توصيته قرار الإحالة المشار إليه مما أفقدهم الحيدة اللازم توافرها فيمن يتولى التحقيق، وهو ما سبق وأكدت عليه المحكمة الإدارية العليا فما جرى به قضاؤها من أنه "يشترط لسلامة التحقيق مع العامل المحال للمحاكمة التأديبية أن تتوافر ضمانات التحقيق التي أوجبها المشرع ومن أهمها أن تتوافر الحيدة التامة فيمن يقوم بالتحقيق، وتمكين العامل من اتخاذ كل ما يلزم لتحقيق أوجه دفاعه، فقيام مقدم الشكوى بالتحقيق مع المشكو في حقه يفسد التحقيق ويبطله، مما يؤدى إلى بطلان التحقيق والقرار الذي قام عليه ....." والحال في المنازعة الراهنة أن مجلس السلك الدبلوماسي والقنصلي الذي أوصى بإحالة الطاعنة إلى التحقيق الذي نجم عنه إحالتها إلى مجلس التأديب وتبعًا لذلك القرار المطعون فيه هو ذاته الذي تولى رئيسه وثلاثة من أعضائه مهمة التحقيق معها.
لما كان ذلك وكانت المخالفات التي شابت إجراءات مساءلة الطاعنة نالت ولا ريب من سلامة تلك الإجراءات، وانحدرت بها إلى درك البطلان فأثرت بدورها على قرار مجازاتها المطعون فيه، مما لا سبيل معه إلا إلى إلغائه لبطلان التحقيقات التي استند إليها، وهو ما تقضى به المحكمة، وجهة الإدارة - من بعد - هي وشأنها في معاودة التحقيق مع الطاعنة عن الواقعة بإجراءات سليمة وقانونية، ومساءلتها قانونًا إذا ما أسفرت التحقيقات عن وجوب هذه المساءلة على نحو ما سبقت الإشارة إليه.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته عملاً بحكم المادة (184) مرافعات.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة

بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء القرار المطعون فيه، على النحو المشار إليه في الأسباب، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.