مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخمسون - الجزء الثاني - من أول إبريل سنة 2005 إلى آخر سبتمبر سنة 2005 - صـ 1144

(166)
جلسة 21 من مايو سنة 2005م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ السيد محمد السيد الطحان - نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ حسن سلامة أحمد محمود، وأحمد عبد الحميد حسن عبود، ود. محمد كمال الدين منير أحمد، ومحمد أحمد محمود محمد - نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ فريد نزيه حكيم تناغو - نائب رئيس مجلس الدولة ومفوض الدولة
وحضور السيد/ كمال نجيب مرسيس - سكرتير المحكمة

الطعن رقم 3714 لسنة 47 قضائية عليا:

قرار إداري - ما يعد قرارًا إداريًا - قرار العزل السياسي الصادر تنفيذًا لمقتضي قانون.
القوانين التي تصدر من السلطة التشريعية تتضمن قواعد عامة مجردة لا يتأتى تطبيقها إلا بصدور قرارات إدارية من السلطة التنفيذية المخاطبة بأحكام هذه القوانين وإنزال أحكامها على ذوي الشأن ومن ثم تكون دعواهم بالإلغاء منصبة على تلك القرارات، ومن بينها القرار الصادر بالعزل السياسي والحرمان من مباشرة الحقوق السياسية تطبيقًا لأحكام القانون رقم 34 لسنة 1962 بشأن وقف مباشرة الحقوق السياسية بالنسبة لبعض الأشخاص ، فيعد هذا القرار من القرارات الإدارية التي تختص محاكم مجلس الدولة ببحث مشروعيتها - تطبيق.


الإجراءات

في يوم الاثنين الموافق 22/ 1/ 2001 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبًا عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت الرقم المشار إليه، في حكم محكمة القضاء الإداري - الدائرة السادسة - الصادر بجلسة 26/ 11/ 2000 في الدعوى رقم 1690 لسنة 50ق، والذي قضى بإلزام المدعي عليهما بصفتيهما متضامنين بأن يدفعها للمدعي مبلغًا مقداره واحد وعشرون ألفًا من الجنيهات، عوضًا عما لحقه من أضرار أدبية من جراء حرمانه من مباشرة حقوقه السياسية، وما لحقه من أضرار مادية وأدبية من جراء قرار اعتقاله ورفض ما عدا ذلك من طلبات وألزمتهما المصروفات مناصفة.
وطلب الطاعنان بصفتيهما للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر الدعوى فيما يتعلق بطلب التعويض عن الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية، والتعويض عن اعتقال المدعي في الفترة من 27/ 3/ 1959 حتى 25/ 6/ 1962، واحتياطيًا بعدم قبول طلبي التعويض، وبرفض الدعوى فيما يتعلق بطلب التعويض عن اعتقال المطعون ضده في الفترة من 26/ 6/ 1962 حتى 11/ 2/ 1963 وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
وجرى إعلان تقرير الطعن على النحو الثابت بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم فيما تضمنه من تعويض المطعون ضده بمبلغ ألف جنيه عن الأضرار الأدبية التي لحقته نتيجة حرمانه من مباشرة حقوقه السياسية مع الإلزام بالمصروفات مناصفة.
وعين لنظر الطعن أمام الدائرة الأولي فحص طعون جلسة 7/ 4/ 2003 وتدوول نظره أمامها إلى أن قررت بجلسة 25/ 9/ 2004 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى - موضوع) لنظره بجلسة 6/ 11/ 2004 وتأجل نظره إلى جلسة 1/ 1/ 2005 ثم إلى جلسة 19/ 2/ 2005 حيث قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها تقرر إعادة الطعن للمرافعة لجلسة اليوم لتغير تشكيل الهيئة والحكم آخر الجلسة، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانونًا.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 21/ 11/ 1995 أقام المطعون ضده الدعوى رقم 1690 لسنة 50ق أمام محكمة القضاء الإداري، طلب فيها بتعويضه تعويضًا مناسبًا عما لحقه من أضرار مادية وأدبية بسبب حرمانه من مباشرة حقوقه السياسية لمدة خمس سنوات، وبتاريخ 19/ 9/ 1999 قام بتعديل طلباته بإضافة طلب التعويض عن اعتقاله في المدة من 27/ 3/ 1959 إلى 11/ 2/ 1963، وذلك لمخالفة قرار عزله السياسي لأحكام القانون لأنه صدر في غير الحالات المنصوص عليها في القانون رقم 112 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ باعتباره لم يكن ضمن المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن العام، ومخالفته للقانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية فضلاً عن مخالفته لنص المادة (62) من دستور سنة 1971 التي تقضي بأحقية المواطن في الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء.
وعن طلب التعويض عن اعتقاله في المدة من 27/ 3/ 1959 إلى 11/ 2/ 1963 قد جاء قرار اعتقاله مفتقدًا لمشروعيته وألحق به أضرار مادية وأدبية ترك للمحكمة تقدير التعويض الجابر لها.
وبجلسة 16/ 11/ 2000 قضت المحكمة بإلزام المدعي عليهما بصفتيهما متضامنين بأن يدفعا للمدعي مبلغًا مقداره واحد وعشرون ألفا من الجنيهات عوضًا عما لحقه من أضرار أدبية من جراء حرمانه من مباشرة حقوقه السياسية وما لحقه من أضرار مادية وأدبية من جراء قرار اعتقاله ورفض ما عدا ذلك من طلبات، وشيدت المحكمة قضاءها على أن المدعي قد أُصيب بأضرار أدبية تمثل في شعوره بالظلم وأنه أدني من سائر المواطنين مما يتوافر معه ركن الضرر، وقد قامت علاقة السببية بين الخطأ والضرر فتقضي المحكمة بتعويضه بمبلغ ألف جنيه عن الأضرار الأدبية من جراء حرمانه من مباشرة حقوقه السياسية، وعن اعتقاله في الفترة من 27/ 3/ 1959 إلى 11/ 2/ 1963 فالثابت أن إقرار اعتقاله قد صدر إعمالاً لأحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ وهو نظام استثنائي يستهدف غايات محددة ويتقيد بحدود القانون والدستور في ضوابط ممارسته، وقد خلت الأوراق من ثمة وقائع محددة ثابتة في حق المدعي حتى يمكن إدراجه ضمن المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن العام والنظام، ومن ثم فإن القرار اعتقاله يكون قد صدر بالمخالفة لأحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 مما يتوافر معه ركن الخطأ في جانب الجهة الإدارية، وأن اعتقاله قد حال بينه وبين كسب عيشه ورعاية أهله وذويه فضلاً عن إهدار كرامته وآدميته مما يحق له المطالبة بالتعويض الذي تقدره المحكمة بمبلغ مقداره عشرون ألف جنيه.
ومن حيث إن مبنى طعن الجهة الإدارية أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله لأسباب حاصلها:
(1) عدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر الدعوى: لا يختص مجلس الدولة بنظر طلبات التعويض إلا إذا كان الخطأ ناشئًا عن أحد القرارات الإدارية، ولما كان الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية لمدة خمس سنوات قد تم نفاذًا لأحكام القانون رقم 34 لسنة 1962 بوقف مباشرة الحقوق السياسية لبعض الأشخاص، فيخرج طلب التعويض عنه من اختصاص محاكم مجلس الدولة لعدم مسئولية الدولة عن أعمالها التشريعية.
(2) وبالنسبة لقرار اعتقاله في الفترة من 27/ 3/ 1959 إلى 11/ 2/ 1963 فإن الفترة من 27/ 3/ 1959 حتى 25/ 6/ 1962 كانت نفاذًا للحكم الصادر في القضية رقم 148 لسنة 1959 حصر أمن دولة المحكوم فيها عليه بالسجن لمدة سنتين مع الشغل والغرامة، فلا يجوز التعويض عن هذه الفترة لعدم مسئولية الدولة عن أعمالها القضائية، وعن الفترة من 26/ 6/ 1962 إلى 11/ 2/ 1963 فقد كان اعتقاله لممارسة نشاطه الشيوعي مما يدعو إلي تدخل الجهة الإدارية وبما ينفي عن قرار ركن الخطأ في جانب الجهة الإدارية.
ومن حيث إن عن الدفع المثار بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر الدعوة تأسيسًا على أن القوانين التي تصدر من السلطة التشريعية لا تعتبر من القرارات الإدارية التي تختص بنظرها المحكمة، فإن ذلك مردود بأن القوانين تتضمن قواعد عامة مجردة لا يتأتى تطبيقها إلا بصدور قرارات إدارية من السلطة التنفيذية المخاطبة بأحكام هذه القوانين وإنزال أحكامها على ذوي الشأن، ومن ثم تكون دعواهم بالإلغاء منصبة على تلك القرارات، ومن بينها القرار الصادر بحرمان المطعون ضده من مباشرة حقوقه السياسية تطبيقًا لأحكام القانون رقم 34 لسنة 1962 بشأن وقف مباشرة الحقوق السياسية بالنسبة لبعض الأشخاص، فيعد هذا القرار من القرارات الإدارية التي تختص محاكم مجلس الدولة ببحث مشروعيته.
ومن حيث إن المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 34 لسنة 1962 بشأن وقف مباشرة الحقوق السياسية بالنسبة لبعض الأشخاص تنص على أن "تقف مباشرة الحقوق السياسية وكافة الحقوق الانتخابية سواء كانت بالنسبة إلى النقابات أو الجمعيات على اختلاف أنواعها أو المجالس أو الهيئات مدة عشر سنوات بالنسبة للأشخاص الآتي ذكرهم:
... الأشخاص الذين اتخذت قبلهم إحدى التدابير المشار إليهم في المادة (3) من القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ....
ومن حيث إن مناط أعمال المادة الثالثة من القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن إعلان حالة الطوارئ أن يقتصر اتخاذ التدابير المنصوص عليها على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام ، فيتم اعتقالهم ، ونظام الطوارئ هو نظام استثنائي يتعين عدم التوسع في تفسيره والالتزام بما ورد به على سبيل الحصر، وإذ أصدرت الجهة الإدارية قرار باعتقال المطعون ضده في المدة من 27/ 3/ 1959 واستندت في إصداره إلى أحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ ، ولم تقم الجهة الإدارية الدليل على دخول المطعون ضده في نطاق المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن العام والنظام، فإن قرارها يضحى مخالفًا لأحكام القانون، ويتوافر به ركن الخطأ في جانب الجهة الإدارية، وإذ ترتب على الاعتقال أضرار تتمثل في تقييد الحرية والحرمان من ممارسة العمل خلال وجوده في المعتقل ، فضلاً عن الإساءة إلى سمعته وكرامته وتلك الأضرار المادية والمعنوية هي نتيجة لخطأ جهة الإدارة باعتقال المطعون ضده بما يتوافر معه علاقة السببية بين الخطأ والضرر بما يستتبع توافر مناط مسئولية الجهة الإدارية والتزامها بتعويضه على تلك الأضرار بالقيمة التي تضمنها الحكم المطعون فيه والذي واكب صحيح حكم القانون فيما قضى به من تعويض. ولا وجه لما أثارته الجهة الإدارية بأن اعتقاله قد تم في الفترة من 27/ 3/ 1959 إلى 11/ 2/ 1963 تنفيذًا لأحكام القانون رقم 34 لسنة 1962 لأن ذلك جاء قولاً مرسلاً لا دليل عليه في الأوراق، بل أن الثابت أن قرار الاعتقال، وكذلك قرار الإفراج عنه قد استند إلى أحكام قانون الطوارئ، إذ استمر عزله سياسيًا حتى 14/ 2/ 1964 ثم في المدة من 17/ 4/ 1967 إلى 15/ 11/ 1967 دون مبرر يستند لأحكام القانون رقم 34 لسنة 1962 المشار إليه، فإن قرار عزله وحرمانه من حقوقه السياسية يكون قد توافر به ركن الخطأ في جانب الجهة الإدارية ذلك أن العزل السياسي وفقًا لأحكام هذا القانون ينصرف إلى حالات محددة على سبيل الحصر، ولم تبين الجهة الإدارية أو تحدد الحالة التي بسببها قامت بعزل المطعون ضده سياسيًا، وإذ ألحق هذا الخطأ ضررًا أدبيًا على النحو الموضح بالحكم المطعون فيه فإنه يكون قد توافرت علاقة السببية بين الخطأ والضرر، ويضحى التعويض المحكوم به للمطعون ضده متفقًا وصحيح حكم القانون.
وعلى ما تقدم يضحى الطعن على الحكم المطعون فيه غير قائم على أساس من القانون متعينًا الحكم برفضه وتأييد الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم مصروفاته عملاً بحكم المادة (184) مرافعات.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة

بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعًا، وألزمت الجهة الإدارة المصروفات.