مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخمسون - الجزء الثاني - من أول إبريل سنة 2005 إلى آخر سبتمبر سنة 2005 - صـ 1150

(167)
جلسة 22 من مايو سنة 2005م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عادل محمود زكي فرغلي - نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ محمد الشيخ على أبو زيد، وعبد المنعم أحمد عامر، ود. سمير عبد الملاك منصور، وأحمد منصور علي منصور - نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ أحمد يسري زين العابدين - مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ خالد عثمان محمد حسن - سكرتير المحكمة

الطعن رقم 5789 لسنة 48 قضائية عليا:

دعوى - الحكم في الدعوى - الطعن في الأحكام - التماس إعادة النظر - جواز الطعن في الحكم الصادر في الالتماس.
حدد قانون مجلس الدولة الأحكام التي يجوز الطعن فيها بالتماس إعادة النظر، وهي أحكام محكمة القضاء الإداري وأحكام المحاكم الإدارية والمحاكم التأديبية - لم يخضع قانون مجلس الدولة التماس إعادة النظر في هذه الأحكام عندما أحال إلى قانون المرافعات أو قانون الإجراءات الجنائية إلا إلى مواعيد الطعن وحالاته - ترك قانون مجلس الدولة الباب مفتوحًا في هذا الشأن على نحو يسمح بألا تغل يد القضاء الإداري والتأديبي عند نظر الطعون في حال التماس إعادة النظر، وذلك مراعاة لطبيعة المنازعات المنظورة أمام محاكم مجلس الدولة - مقتضي ذلك: أنه متى سبق الطعن على الحكم بطريق التماس إعادة النظر امتنع الطعن عليه مرة ثانية بذات الطريق، وفيها عدا ذلك يترك أمر الطعن في الأحكام الصادرة في التماس إعادة النظر للقواعد العامة، فذلك أقرب إلى تحقيق العدالة وأجدى في تحقيق الرقابة التي تسلطها المحكمة الإدارية العليا على أحكام مجلس الدولة - تطبيق.


الإجراءات

في يوم الخميس الموافق 28/ 3/ 2002 أودع الأستاذ/ محمد البكري عبد البديع المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعنة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 5789 لسنة 48ق.ع في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بأسيوط - الدائرة الثانية بجلسة 23/ 1/ 2002 في التماس إعادة النظر رقم 29 لسنة 11 والقاضي بعدم قبول الالتماس وإلزام الملتمسة المصروفات.
وطلبت الطاعنة في ختام تقرير الطعن وللأسباب الواردة في الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه بعدم قبول الالتماس ، وإلغاء الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بهيئة استئنافية بجلسة 25/ 8/ 1999 في الطعن رقم 118 لسنة 9ق. س وإلغاء الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بأسيوط بجلسة 19/ 4/ 1998 في الدعوى رقم 724 لسنة 21ق وإلغاء قرار رئيس جامعة أسيوط رقم 1023 لسنة 1994 فيما تضمنه من تخطي الطاعنة في التعيين بوظيفة معيد بقسم الباثولوجيا الإكلينيكية بكلية الطب بجامعة أسيوط مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجامعة مصروفات التقاضي في جميع الدرجات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد تم إعلان تقرير الطعن على الوجه المقرر قانونًا.
وبعد تحضير الطعن قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانون ارتأت فيه الحكم أصليًا: بعدم قبول الطعن شكلاً لتقديمه بعد الميعاد واحتياطيًا برفض الطعن موضوعًا مع إلزام الملتمسة المصروفات.
وقد نظر الطعن أمام هذه المحكمة على النحو المبين بمحاضر الجلسات بعد إحالته إليها من دائرة فحص الطعون، وأثناء تداول الطعن قدمت الجهة الإدارية مذكرة دفعت فيها بعدم جواز الطعن في الحكم الصادر بعدم قبول الالتماس وطلب احتياطيًا رفض الطعن موضوعًا مع إلزام الطاعنة المصروفات، وقدمت الطاعنة مذكرة طلبت فيها قبول الطعن شكلاً على سند من أن الحكم المطعون فيه صدر بتاريخ 23/ 1/ 2002 وأن ميعاد الستين يومًا المقررة للطعن على هذا الحكم تنتهي في 24/ 3/ 2002 بمراعاة أن شهر فبراير 28 يومًا، وبإضافة ميعاد مسافة أربعة أيام باعتبار أن المسافة ما بين محافظة أسيوط ومحافظة القاهرة أكثر من ثلاثمائة كيلو متر يكون الطعن مقامًا في الميعاد، وقررت المحكمة بإصدار الحكم بجلسة 20/ 3/ 2005، ثم قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عن النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة.
من حيث إن واقعات الطعن الماثل - تخلص حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن كلية الطب جامعة أسيوط أعلنت عن حاجتها لتعيين معيد بقسم الباثولوجيا الإكلينيكية في 22/ 4/ 1994، ونظرًا لأن الطاعنة حاصلة على تقدير جيد جدًا فقد تقدمت بطلب للتعيين وتم استبعاد أوراقها لكونها غير مستوفية شروط قضاء فترة التدريب العملي لمدة ثلاث سنوات، وأنها علمت بتاريخ 16/ 7/ 1994 بتعيين زميلها هشام عبد الرحيم، فتظلمت من هذا القرار في 16/ 7/ 1994، ثم أقامت بتاريخ 9/ 8/ 1994 الدعوى رقم 724 لسنة 21ق أمام المحكمة الإدارية بأسيوط طالبة في ختامها الحكم بإلغاء قرار رئيس الجامعة 1023 لسنة 1994 فيما تضمنه من تخطيها في التعيين في وظيفة معيد.
وبجلسة 19/ 4/ 1998 صدر حكم المحكمة الإدارية بأسيوط بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعًا وأقامت قضاءها على أن الطاعنة أدت فترة الامتياز في المدة من 1/ 3/ 1990 حتى 28/ 2/ 1991، وأمضت فترة الطبيب المقيم بالمستشفي الجامعي من 2/ 3/ 1991 حتى 10/ 4/ 1994 وحصلت خلال هذه المدة على إجازة وضع ثلاثة أشهر من 20/ 8/ 1992 وإجازة عام لرعاية الطفل من 20/ 11/ 1992 وبذلك تكون فترة التدريب العملي كطبيب مقيم بالمستشفى مقدارها 7 أيام 10 أشهر1 سنة، وبالتالي لم تكن مستوفية للشروط المتطلبة قانونًا فيمن يعين معيدًا بكلية الطب وهو قضاء فترة تدريب عملي لا تقل عن سنتين، ومن ثم فلا وجه للمفاضلة بينها وبين المطعون على تعيينه، إذ إن المفاضلة لا تتأتي إلا بعد استيفاء الشروط المقررة لهذه الوظيفة ويكون القرار المطعون فيه متفقًا وأحكام القانون.
أقامت الطاعنة الطعن رقم 118 لسنة 9ق. س أمام محكمة القضاء الإداري التي قضت بجلسة 25/ 8/ 1999 بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا وإلزام الطاعنة المصروفات تأسيسًا على أن المدد الاعتبارية كالإجازات الخاصة لا تقوم مقام مدد التدريب العملي الفعلي الذي تطلبه المشرع، والذي أوجب ألا تقل مدته عن سنتين، وأن الطاعنة لا يتوافر في شأنها قضاء مدة تدريب عملي سنتين المنصوص عليها بالمادة (138) من قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972.
أقامت الطاعنة التماس إعادة النظر رقم 29 لسنة 11 ق. س أمام محكمة القضاء الإداري بأسيوط على سند من أنها أمضت مدة تدريب عملي في الفترة من 1/ 1/ 1991 حتى 28/ 2/ 1991 أثناء فترة الامتياز، وأن هذه المدة تعمدت الجامعة إخفاءها؛ لأن إضافتها لمدة النيابة التي بدأت من 1/ 3/ 1991 يجعلها مستوفية لمدة التدريب العملي المشترطة قانونيًا، وكلما طلبت الطاعنة من الجامعة إعطاءها مستندًا بهذه المدة يتم رفضه خشية استخدامه ضدها في الدعوى، وأنها لم تمنحها هذا المستند إلا بتاريخ 10/ 10/ 1999 بعد صدور حكم محكمة القضاء الإداري بهيئة استئنافي مما يخولها إقامة الالتماس بإعادة النظر في هذا الحكم.
وبجلسة 23/ 1/ 2002 صدر حكم محكمة القضاء الإداري بأسيوط في الالتماس رقم 29 لسنة 11 ق المطعون فيه قاضيًا في منطوقه بعدم قبول الالتماس وإلزام الملتمسة المصروفات.
وأقامت المحكمة قضاءها بعد أن استعرضت المادة (51) من قانون مجلس الدولة رقم 47لسنة 1972 والمواد (241، 243, 245) مرافعات على أن المشرع في قانون مجلس الدولة أجاز التماس إعادة النظر في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية والتدريبية، ويرفع الالتماس أمام المحكمة التي أصدرت الحكم الملتمس فيه، كما حدد المشرع في المادة (241) من قانون المرافعات الحالات التي يجوز فيها طلب التماس إعادة النظر على سبيل الحصر، ومن هذه الحالات حصول الملتمس بعد صدور الحكم على أوراق قاطعة في الدعوى كان خصمه قد حال بينه وبين تقديمها، ويشترط لقبول الالتماس في هذه الحالة أن يكون الملتمس قد حصل على الورقة بعد صدور الحكم، بحيث تكون تحت يده وقت رفع الالتماس، وأن تكون هذه الورقة قاطعة في الدعوى بحيث لو كانت قد قدمت فيها لتغير حتمًا رأي المحكمة فيما قضت به، وأن الملتمسة تقيم التماسها على أساس أنها حصلت على شهادة مؤرخة 10/ 10/ 1999 صادرة عن مستشفى الجامعة بأسيوط بمدة سنة الامتياز التي قضتها الملتمسة بها في الفترة من 1/ 1/ 1991 حتى 28/ 2/ 1991 بقسم الباثولوجيا الإكلينيكية بالمستشفى، وأنه لم يثبت من الأوراق أن الجهة الإدارية قد حالت بين الملتمسة وتقديم هذه الشهادة أثناء نظر الدعوى، كما لم تطلب الملتمسة تكليف جهة الإدارة بتقديمها، وعليه فقد انتفت شروط قبول الالتماس، هذا فضلاً عن أنه لا يجوز استدعاء مدة الامتياز أو جزء منها وإدخالها في شرط قضاء مدة التدريب العملي، لأن لكل من المدتين غايتها ومجال استعمالها ومن حيث إن مبني الطعن الماثل مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والفساد في الاستدلال والخطاف في الإسناد لأسباب حاصلها أن الشهادة التي حصلت عليها الطاعنة تفيد أنها قضت مدة شهرين في تدريب عملي من 1/ 1/ 1991 حتى 28/ 2/ 1991 بما يجعلها مستوفية لشرط التعيين في وظيفة معيد، هذه الشهادة حاسمة وقاطعة في الدعوى بحيث لو كانت تحت بصر المحكمة لكان قد تغير وجه الرأي من الدعوي، وقد امتنع المسئولون بالجامعة عن منح الطاعنة الشهادة التي تبغيها، كما أن فترة الشهرين المشار إليها كانت في آخر فترة الامتياز مما أثار الشك في نفس الطاعنة حول ما إذا كان هذان الشهران يندرجان ضمن مدة الامتياز أم ضمن مدة النيابة مما منع الطاعنة من أن تطلب من المحكمة إلزام الجامعة بتقديم بيان تفصيلي نظرًا لعدم علم الطاعنة ما إذا كان هذا البيان يفيدها في دعواها من عدمه، كما أنه لان يوجد ثمة ما يمنع قانونًا من الاعتداد بالفترة التي قضيت أثناء فترة الامتياز عند حسب مدة التدريب اللازمة للتعيين بوظيفة معيد بأحد الأقسام الإكلينيكية بكليات الطب.
ومن حيث إنه عن الدفع المبدى من الجامعة المطعون ضدها بعدم جواز نظر الطعن في الحكم الصادر بعدم قبول الالتماس تأسيسًا على أن الأصل في الطعن بالالتماس كطريق غير عادي للطعن أن يرفع بعد استنفاد الطرق العادية للطعن في الأحكام أو بعد أن تصبح الأحكام انتهائية بفوات مواعيد الطعن عليها وحتى لا تتخذ إجراءات الطعن وسيلة إلى فتح باب الطعن من جديد طبقًًا لطرق الطعن العادية في الأحكام وهو ما لا يقصده المشرع من إجازة هذا الطعن الاستثنائي في الأحوال المنصوص عليها في القانون، ولكن المقصود به تمكين صاحب الالتماس من أن يعرض عن المحكمة السبب الجديد الذي يجيز له التقديم بالتماسه وصدور حكم نهائي من المحكمة، إما بعدم قبول الالتماس والحكم في موضوعه بعد قبوله ولا يجوز بعد ذلك الطعن في أي من هذين الحكمين بأية طرق من طرق الطعن عادية كانت أو غير عادية، والقول بقبول الطعن على هذا الحكم معناه قبول التماس إعادة النظر مرة أخري في الحكم الصادر بعدم قبوله وهو الأمر المخالف للمادة (247) من قانون المرافعات التي تقضي بعدم جواز الطعن بالالتماس في الحكم الذي يصدر برفض الالتماس أو الحكم الذي يصدر في موضوع الدعوى بعد قبول الالتماس. هذا الدفع غير سديد، ذلك أن المادة (51) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 تنص على أنه"يجوز الطعن في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية والمحاكم التأديبية بطريق التماس إعادة النظر في المواعيد والأحوال المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية أو قانون الإجراءات الجنائية، حسب الأحوال - وذلك بما لا يتعارض مع طبيعة المنازعة المنظورة أمام هذه المحاكم.
وتنص المادة (23) من هذا القانون على أنه "يجوز الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو من المحاكم التأديبية وذلك في الأحوال الآتية:................
أما الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري في الطعون المقامة أمامها في أحكام المحاكم الإدارية، فلا يجوز الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية العليا، إلا من رئيس هيئة مفوضي الدولة، خلال ستين يومًا من تاريخ صدور الحكم، وذلك إذا ما صدر الحكم على خلال ما جرى عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا أو إذا كان الفصل في الطعن يقتضي تقرير مبدأ قانوني لم يسبق لهذه المحكمة تقريره......."
وتنص المادة (241) من قانون المرافعات على أن "للخصوم أن يلتمسوا إعادة النظر في الأحكام الصادرة بصفة انتهائية في الأحوال الآتية:
1-.......2-.........3-...........
4- إذا حصل الملتمس بعد صدور الحكم على أوراق قاطعة في الدعوى كان خصمه قد حال دون تقديمها
5 -...... 6 -......... 7 -............8 -.........."
وتنص المادة (243) على أن "يرفع الالتماس أمام المحكمة التي أصدرت الحكم بصحيفة تودع قلم كتابها وفقًا للأوضاع المقررة لرفع الدعوى......"
وتنص المادة (245) على أن "تفصل المحكمة أولاً في جواز قبول التماس إعادة النظر ثم تحدد جلسة للمرافعة في الموضوع دون حاجة إلى إعلان جديد، على أنه يجوز لها أن تحكم في قبول الالتماس وفي الموضوع بحكم واحد إذا كان الخصوم قد قدموا أمامها طلباتهم في الموضوع، ولا تعيد المحكمة النظر إلا في الطلبات التي تناولها الالتماس".
وتنص المادة (247) على أن "الحكم الذي يصدر برفض الالتماس أو الحكم الذي يصدر في موضوع الدعوى بعد قبوله لا يجوز الطعن في أيهما بالالتماس".
والبين من النصوص المتقدمة أن المشرع عدد في المادة (51) من قانون مجلس الدولة الأحكام التي يجوز الطعن فيها بطريق التماس إعادة النظر تعدادًا على سبيل الحصر ولم ينص على الإحالة في بيان تلك الأحكام إلي قانون المرافعات أو قانون الإجراءات الجنائية، فبينما عرفت المادة (241) من قانون المرافعات الأحكام التي يجوز الطعن فيها بالتماس إعادة النظر بأنها الأحكام الصادرة بصفة انتهائية، وقد حددت المواد (42, 43, 47) من قانون المرافعات مفهوم الانتهائية في الأحكام فتكون أحكام المحاكم الجزئية انتهائية إذا كانت قيمة الدعوى لا تجاوز ألفي جنيه.......
وتكون أحكام المحاكم الابتدائية انتهائية إذا كانت قيمة الدعوى لا تجاوز عشرة آلاف جنيه - فقد حدد قانون مجلس الدولة الأحكام التي يجوز الطعن فيها بالتماس إعادة النظر وهي أحكام محكمة القضاء الإداري وأحكام المحاكم الإدارية والمحاكم التأديبية، ولم يخضع قانون مجلس الدولة التماس إعادة النظر في هذه الأحكام عندما أحال إلى قانون المرافعات أو قانون الإجراءات الجنائية إلا إلى مواعيد الطعن وحالاته، وترك قانون مجلس الدولة الباب مفتوحًا في هذا الشأن على نحو يسمح بألا تغل يد القضاء الإداري أو التأديبي عن نظر الطعون في حالة التماس إعادة النظر بكل ما ينص عليه قانون المرافعات أو الإجراءات الجنائية وذلك مراعاة لطبيعة المنازعات المنظورة أمام محاكم مجلس الدولة، وآية ذلك ما نص عليه في عجز الفقرة الأولى من المادة (51) من أنه" وذلك بما لا يتعارض مع طبيعة المنازعة المعروضة أمام هذه المحاكم".
ولما كانت المادة (247) من قانون المرافعات تقضي بأن الحكم الذي يصدر برفض الالتماس أو الحكم الذي يصدر في موضوع الدعوى بعد قبوله لا يجوز الطعن في أيهما بالالتماس، ومفاد هذا النص أن ما حظره المشرع هو رفع التماس بعد التماس فلا يجوز الطعن على الحكم الذي يصدر برفض الالتماس أو الذي يصدر في موضوع الدعوى بعد قبوله الالتماس لا يجوز الطعن عليهما بطريق التماس إعادة النظر مرة ثانية ويعبر عن هذه القاعدة بعبارة vaut ne civil requite sur civile requete
مما مقتضاه أنه متى سبق الطعن على الحكم بطريق التماس إعادة النظر امتنع الطعن عليه مرة ثانية بذات الطريق، وفيما عدا ذلك يترك أمر الطعن في الأحكام الصادرة في التماس إعادة النظر للقواعد العامة. فذلك أقرب إلى تحقيق العدالة وأجدى في تحقيق الرقابة التي تسلطها المحكمة الإدارية العليا على أحكام محاكم مجلس الدولة، ولما كان التماس إعادة النظر طريق غير عادي للطعن في الحكم الانتهائي أو الأحكام المحددة حصرًا في قانون مجلس الدولة يرفع إلى نفس المحكمة التي أصدرته متى توافر سبب من الأسباب التي بينها القانون حصرًا، وكان صدور الحكم الملتمس فيه من محكمة القضاء الإداري يستلزم رفع الالتماس إليها، وأن القضاء في دعوى الالتماس يعتبر حكمًا صادرًا من محكمة القضاء الإداري كأول درجة في خصومة الالتماس التي رفعت إليها وفقًا لقانون المرافعات وكانت المادة (23) من قانون مجلس الدولة قد أطلقت القول بجواز الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري بوصفها محكمة أو درجة، فإن الحكم في الالتماس الماثل الصادر من محكمة القضاء الإداري يخضع لحكم هذه المادة ويحوز الطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا ويكون الدفع بعدم جواز الطعن في غير محله متعينًا الرفض.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية الأخرى.
ومن حيث إنه قد أضحي مسلمًا أن مناط قبول التماس إعادة النظر في أحكام محكمة القضاء الإداري إذا حصل الملتمس بعد صدور الحكم على أوراق قطعة في الدعوي كان خصمه قد حال دون تقديمها أن تكون هذه الورقة قاطعة في الدعوى بحيث لو قدمت لغيرت وجه الحكم فيها لمصلحة الملتمس، وأن تكون قد احتجزت بفعل الخصم أو حال دون تقديمها بالرغم من التزامه قانونًا بذلك، وأن يكون الملتمس حاصلاً أثناء الخصومة وجودها تحت يد حائزها فإذا كان عالمًا بوجودها ولم يطلب إلزام حائزها بتقديمها فلا يقبل منه الالتماس.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الطاعنة تعلم يقينًا بمدة الامتياز التي قضتها في الفترة من 1/ 3/ 1990 حتى 28/ 2/ 1991، وكانت هذه المدة كلها تحت نظر المحكمة الإدارية بأسيوط وأشارت إليها في أسباب حكمها وأن الجهة الإدارية لم تنكر في قضائها هذه المدة، ولم تكن الملتمسة تجهل أثناء الخصومة أمام تلك المحكمة أو محكمة الطعن (محكمة القضاء الإداري بهيئة استئنافية) بأمر هذه المدة وما تشتمل عليه من شهرين تدريب عملي من 1/ 1/ 1991 حتى 28/ 2/ 1999 بل كانت عالمة بقضاء هذه المدة ولم تطلب من الجهة الإدارة تقديم الشهادة بها - والتي حصلت عليها في 10/ 10/ 1999 لكونها لا تعلم ما إذا كانت هذه المدة منتجة في الدعوى من عدمه، لكونها قد قضيت ضمن فترة الامتياز والتي انتهت محكمة الطعن إلى أنه لا يجوز قانونًا استدعاؤها من فترة الامتياز وضمها لفترة التدريب، وأيًا كان الخلاف الموضوعي، بين الطاعنة والحكم المطعون فيه فهو خلاف قانوني لا يتعلق بواقعة أو ورقة لم تكن تحت نظر المحكمة أو امتنعت الجهة الإدارية عن تقديمها، بل كان في مكنة الطاعنة في أية حالة كانت عليها في الدعوى أن تطلب من المحكمة تكليف الإدارية بتقديمها الأمر الذي ينفي عن الطعن انضواءه تحت حالة من حالات التماس إعادة النظر، وبالتالي فإن الحكم المطعون فيه حين قضى بعدم قبول الالتماس إذا أخذ بهذا النظر فإنه يكون قد صادف صحيح حكم القانون، ويكون الطعن عليه غير قائم على سند سليم من القانون خليقًا بالرفض.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته عملاً بالمادة (184) مرافعات.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة

بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعًا، وألزمت الطاعنة المصروفات.