مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخمسون الجزء الثاني - من أول إبريل سنة 2005 إلى آخر سبتمبر سنة 2005 - صـ 1229

(176)
جلسة 4 من يونيه سنة 2005م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز - رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ السيد محمد السيد الطحان، وأحمد عبد الحميد حسن عبود، ود. محمد كمال الدين منير أحمد، ومحمد أحمد محمود محمد - نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ رضا محمد عثمان - مفوض الدولة
وحضور السيد/ كمال نجيب مرسيس - سكرتير المحكمة

الطعن رقم 2034 لسنة 38 قضائية عليا:

الاتحاد الاشتراكي العربي - لا يعد من أشخاص القانون الخاص - أثر ذلك.
القانون رقم 29 لسنة 1958 بشأن قواعد التصرف بالمجان في العقارات المملوكة للدولة.
الاتحاد الاشتراكي العربي لا يعدو أن يكون تنظيمًا شعبيًا ولا يعتبر من سلطات الدولة الثلاث، وبالتالي لا يعتبر من أشخاص القانون الخاص - أساس ذلك: أنه في طبيعته تنظيم سياسي يقوم على تحالف قوى الشعب العاملة ويعبر عن إرادتها حسبما نصت على ذلك المادة الخامسة من دستور سنة 1971، ولما كان ثمة شرط أساسي لإمكان التصرف في أموال الدولة، وهو أن يكون بقصد تحقيق غرض ذي نفع عام، ومن مقتضى ذلك بداهة أن يكون المتصرف إليه من أشخاص القانون الخاص، ذلك لأن الأصل في تصرفات أشخاص القانون العام أنها تستهدف النفع العام دون حاجة من المشرع للنص على ذلك، وإذا كان الاتحاد الاشتراكي، كما سلف، ليس من أشخاص القانون الخاص، ومن ثم فإن صدور قرار رئيس الجمهورية رقم 471 لسنة 1977 متضمنًا أن تئول إلى الاتحاد الاشتراكي العربي ملكية أرض وبناء المبنى المشار إليه والذي كان يشغله البنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي، وذلك استنادًا للقانون رقم 29 لسنة 1958 المشار إليه يكون مخالفًا للقانون من هذه الناحية - تطبيق.


الإجراءات

في يوم الاثنين الموافق 1/ 6/ 1992 أودعت هيئة قضايا الدولة نائبة عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرًا بالطعن قيد بجدولها تحت رقم 2034 لسنة 38 ق. ع في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 2280 لسنة 34ق بجلسة 2/ 4/ 1992، والقاضي بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام رئاسة الجمهورية المصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والحكم برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضدها بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين.
وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدها على النحو المبين بالأوراق، وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا مسببًا رأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا مع إلزام الطاعنين المصروفات.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 17/ 3/ 1997، ثم نظر بجلساتها التالية حيث قررت بجلسة 2/ 3/ 1998 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى - موضوع) والتي نظرته بجلسة 5/ 4/ 1998، ثم بجلسة 25/ 10/ 1998 وفي هذه الجلسة قررت إصدار الحكم بجلسة 27/ 12/ 1998 وفيها قضت بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعد قبول الدعوى لانتفاء الصفة، وألزمت النقابة المطعون ضدها المصروفات.
وإذ استصدر البنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي حكمًا من هذه المحكمة في الطعن رقم 8149 لسنة 47 ق عليا (دعوى بطلان أصلية) بجلسة 4/ 12/ 2004 ببطلان الحكم الصادر من المحكمة في الطعن الماثل، وحددت لنظره جلسة 29/ 1/ 2005، حيث نظرته هذه الدائرة على النحو الثابت بمحضر الجلسة، وبجلسة 12/ 3/ 2005 قررت النطق بالحكم بجلسة اليوم، مع التصريح بمذكرات في شهر.
وبجلسة اليوم صدر الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانونًا.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية المقررة.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص في أن النقابة العامة للعاملين بالبنوك والتأمينات والأعمال المالية كانت قد أقامت الدعوى رقم 1776 لسنة 1980، وذلك إيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بطرد بنك قناة السويس من العقار محل النزاع وإلزامه بتسليمه للبنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي مع إلزام المدعى عليهم الأول والثاني والخامس بالمصاريف.
وقالت النقابة المدعية - شرحًا للدعوى - بأن البنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي يمتلك العقار رقم 11 شارع محمد صبري أبو علم بعابدين، والمبين المعالم والحدود بعريضة الدعوى، وبتاريخ 11/ 10/ 1977 أصدر رئيس الجمهورية القرار رقم 471 لسنة 1917 نص في مادته الأولى على أن تؤول إلي الاتحاد الاشتراكي العربي ملكية أرض وبناء المبني المشار إليه والذي كان يشغله البنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي، وبعد أن استولى الاتحاد الاشتراكي على المبني قام بتأجيره بإيجار اسمي مقداره جنيه واحد شهريًا، إلي بنك قناة السويس، هذا الإيجار الصوري في حقيقته تبرع بالمجان صدر ممن لا يملكه لمن لا يستحقه، ونظرًا لأن قرار رئيس الجهورية المشار إليه ليس عملاً من أعمال السيادة، وإنما هو قرار إداري معدوم، لأنه استند إلي القانون رقم 29 لسنة 1958 بشأن قواعد التصرف بالمجان في العقارات المملوكة للدولة، وقد حدد القانون المشار إليه شرط هذا التصرف الأساسي، وهو أن يكون بقصد تحقيق غرض ذي نفع عام، أي أن يكون المتصرف إليه من أشخاص القانون الخاص، والاتحاد الاشتراكي العربي ليس كذلك، لأنه مجرد تنظيم شعبي ليست له الشخصية القانونية، ولا يعتبر هيئة أو مؤسسة من مؤسسات الدولة، وقد زالت شخصيته بصدور قانون الأحزاب السياسي، وبذلك يكون القرار المطعون فيه قد صدر معدومًا، وأن هذا القرار يؤثر على رأس مال بنك التنمية، وبالتالي على أرباح العاملين، وهو أعضاء في الجمعية العمومية للنقابة المدعية، هذا فضلاً عن أن هذا القرار حرم النقابة من الانتفاع بالعين التي كانت مخصصة لها بالمبنى.
وبجلسة 6/ 5/ 1980 حكمت المحكمة المشار إليها بعدم اختصاصها ولائيًا بنظر الدعوى وبإحالتها إلي محكمة القضاء الإداري، حيث قيدت لدى الأخيرة برقم 2280 لسنة 34ق، وبجلسة 10/ 11/ 1981 عدم الحاضر عن النقابة المدعية طلباته في مواجهة الحاضرين عن المدعى عليهم إلى طلب وقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 471 لسنة 1977 مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وبجلسة 2/ 4/ 1992 صدر الحكم المطعون فيه، وقضي بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام رئاسة الجهورية المصروفات، وأقامت المحكمة قضاءها على أن المستقر عليه أن الاتحاد الاشتراكي العربي لا يعدو أن يكون تنظيمًا شعبيًا ولا يعتبر من سلطات الدولة الثلاث، وبالتالي لا يعتبر من أشخاص القانون الخاص، ذلك أنه في طبيعته تنظيم سياسي بقوم على تحالف قوى الشعب العاملة ويعبر عن إرادتها حسبما نصت على ذلك المادة الخامسة من دستور سنة 1971، ولما كان ثمة شرط أساسي لإمكان التصرف في أموال الدولة، وهو أن يكون بقصد تحقيق غرض ذي نفع عام، ومن مقتضى ذلك بداهة أن يكون المتصرف إليه من أشخاص القانون الخاص، ذلك لأن الأصل في تصرفات أشخاص القانون العام أنها تستهدف النفع العام دون حاجة من المشرع للنص على ذلك، وإذا كان الاتحاد الاشتراكي، كما سلف، ليس من أشخاص القانون الخاص، ومن ثم فإن صدور القرار المطعون فيه مستندًا إلي القانون رقم 29 لسنة 1958 يكون مخالفًا للقانون مع هذه الناحية، فضلاً عن أن الوجه الثاني من أوجه عدم مشروعية القرار المطعون فيه راجع إلي أنه في ذات اليوم الذي صدر فيه قرار رئيس الجهورية المشار إليه، أصدر رئيس الجمهورية بصفته رئيسًا للاتحاد الاشتراكي قرارًا برقم 14 لسنة 1977 بأن يؤجر العقار المذكور لبنك قناة السويس ليكون مقرًا له ، الأمر الذي يؤكد - في جلاء - أن قرار أيلولة المبنى إلي الاتحاد الاشتراكي لم يكن مقصودًا لذاته، وإنما كان الهدف من هذا القرار هو أن يتخذ وسيلة لتأجير المبني لبنك قناة السويس، والقرارات الإدارية ينبغي أن تكون مقصودًا لذاتها، ولتحقيق الآثار التي أفصحت عنها صراحة، وإلا كان ذلك قرينة على الانحراف بالسلطة. ولا يحاج في هذا الشأن بأن القانون رقم 145 لسنة 1980 في شأن الأموال التي كانت مملوكة للاتحاد الاشتراكي قد حض قرار رئيس الاتحاد الاشتراكي التي صدرت بشأن هذه الأموال، وهو قول مردود بأن الحصانة تلحق التصرفات والأموال التي كانت مملوكة للاتحاد الاشتراكي، وبمقتضى الأثر الرجعي لحكم الإلغاء، فإن إلغاء القرار محل الطعن يترتب عليه اعتباره كأن لم يكن، وبذلك يعتبر المبنى وكأنه لم يخرج من ملكية بنك التنمية في أي وقت من الأوقات، ولم يدخل في أي وقت في ملكية الاتحاد الاشتراكي، وبذلك فإن هذا القانون لا يعطل من أثر حكم الإلغاء، وإنما حكم الإلغاء هو الذي يخرج العقار بأثر رجعي من ملكية الاتحاد الاشتراكي ويبعده كلية من مجال تطبيق القانون رقم 145 لسنة 1980، وأنه لما سبق يبقى وجه الحكم بمخالفة القرار المطعون فيه لأحكام القانون، الأمر الذي يتعين معه القضاء بإلغائه، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل، أن الحكم المطعون فيه قد خالف أحكام القانون، وأخطأ في تطبيقه وتأويله، ذلك أن مقتضى نصي المادتين الأولى والخامسة من القانون رقم 29 لسنة 1958 بشأن قواعد التصرف بالمجان في العقارات المملوكة للدولة أن أموال البنك الرئيسي للائتمان الزراعي والتنمية تعتبر أموالاً مملوكة للدولة، ومن ثم يجوز بقرار من رئيس الجمهورية أو من الوزير المختص التصرف في أي منها أو تأجيره بإيجار اسمي أو بأقل من أجر المثل إلى أي شخص طبيعي أو معنوي، بقصد تحقيق غرض ذي نفع عام، وإذ صدر القرار المطعون فيه بالتطبيق لأحكام القانون رقم 29 لسنة 1958 فإنه يكون سليمًا مطابقًا للقانون.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الحق فيما قضى به، وصدر متفقًا مع صحيح حكم القانون، وذلك للأسباب التي قام عليها، وتتخذها هذه المحكمة سببًا لحكمها في الطعن الماثل، ولذلك تحيل إليها منعًا من التكرار، وليس فيما ساقته الجهة الإدارية الطاعنة ما ينال من صحته، بل تضمنت هذه الأسباب الرد عليها، ومن ثم يكون الطعن الماثل، وقد افتقد صحيح سنده، حريًا بالرفض، وهو ما تقضي به هذه المحكمة.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته عملاً بحكم المادة (184) مرافعات.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة

بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعًا، وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.