أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
السنة 56 - صـ 440

جلسة 8 من مايو سنة 2005

برئاسة السيد المستشار/ فؤاد شلبى نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ حامد مكى، جرجس عدلي، مجدى مصطفى نواب رئيس المحكمة ومعتز مبروك.

(79)
الطعن أرقام 6937 لسنة 72 القضائية، 36، 86 لسنة 73 القضائية

(1- 4) تعويض "التعويض عن الخطأ الشخصي: إساءة استعمال حق النشر". مسئولية "من صور المسئولية: المسئولية عن إساءة استعمال حق النشر".
(1) دعوى المطعون ضده إلزام الطاعن رئيس التحرير التعويض عن الضرر الناجم عن إساءته والصحيفة لحق النشر والنقد بالتشهير به فى مقال نشر بها . الفصل فيها . مقتضاه . بحث محكمة الموضوع المقال وبيان مدى التزامه الضوابط المنظمة لحق النشر والنقد من صحة الخبر أو اعتقاد الناشر صحته لأسباب تسوغه وكون النقد فى إطار الحفاظ على الحريات والواجبات العامة واحترام الحياة الخاصة ومدى اقتضاء قسوة العبارة لبيان قصد الناقد ورائدها المصلحة العامة دون الطعن والتجريح .
(2) انتقاد العمل العام من خلال الصحافة أو غيرها من وسائل التعبير. حق مكفول للكافة . وجوب التمكين لحرية عرض الآراء وتداولها دون قيود للوصول إلى الحقيقة بضمان عرض المعلومات من مصادرها فى آفاق مفتوحة والوقوف على صواب أو زيف الآراء من خلال مقابلتها ببعض . عدم تأدية ذلك للإضرار بأية مصلحة مشروعة . مؤداه . عدم جواز تعويق القانون لحرية التعبير عن الإخلال بأمانة الوظيفة العامة . تمتع ذلك الحق بالحماية التى كفلها لحرية التعبير عن الآراء . شرطه . عدم الإخلال بمضمون هذه الحرية بافتراض زيف كل الوقائع المسندة إلى أحد القائمين بالعمل العام ومخالطتها بسوء القصد . عدم جواز تقييم تلك الوقائع منفصلة عما توجبه المصلحة العامة .
(3) الصحافة . كفالة الدستور استقلالها وتعبيرها عن رسالتها فى حرية وعملها على تكوين الرى العام وتوجيهه بما يحقق مصالح المواطنين ويصون حريتهم وحرماتهم . حق التعبير عن الرى ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غيرها من الوسائل مكفول للكافة . الحق فى النقد الذاتى والبناء . ضرورة لازمة للعمل الوطنى ولحق المواطن فى العلم والنفاذ إلى الحقائق المتعلقة بالعمل العام . المواد 47، 207، 208 من الدستور .
(4) إباحة الحق فى النقد الذاتى والبناء . شرطه . عدم انطوائه على آراء معدومة القيمة بأن تكون غايتها شفاء الأحقاد والضغائن الشخصية أو الماسة بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به. انتقاد القائم بالعمل العام. وجوب إثبات الناقد لحقيقة كل فعل أسنده إليه وأن يتم النشر فى إطار المقومات الأساسية للمجتمع والحفاظ على الحريات والواجبات العامة واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وشرفهم وسمعتهم . م302/ 2 عقوبات. علة ذلك.
( 5 ، 6 ) تعويض "التعويض عن الخطأ الشخصي: إساءة استعمال حق النشر". محكمة الموضوع "سلطة محكمة الموضوع فى المسئولية التقصيرية: استخلاص المقصود من المقال موضوع النشر وتحديد معنى ألفاظه". مسئولية "من صور المسئولية: المسئولية عن إساءة استعمال حق النشر والنقد".
(5) محكمة الموضوع . سلطتها فى الاطلاع على المقال موضوع النشر وتحديد معنى ألفاظه للوقوف على إن كان مقصوده النفع العام أو مجرد الإضرار بالأشخاص المطعون عليهم بالمقال . جواز حملها عبارات النقد على محمل حسن النية. شرطه. أن يكون الدافع فى استعمالها المصلحة العامة وألا تكون العبارات من قبيل قارص الكلم أو خادشة للناموس والاعتبار . خضوعها فى ذلك لرقابة محكمة النقض . التزام محكمة الموضوع بعدم تقييم كل عبارة منفصلة عن سياقها. علة ذلك.
(6) قضاء الحكم المطعون فيه بإلزام الطاعنة وممثلها كاتب المقال بالتعويض مقتصراً نسبة الخطأ إليها على ما نقله من عبارات المقال بطريقة منفردة فى غير اتساق وإغفاله لدفاعها الجوهرى بأن عبارات المقال خالية من ثمة إساءة المطعون ضده الأول ودون تنافر مع ما اثبته حكم محكمة القيم الصادر ضده . قصور وفساد فى الاستدلال وخطأ .
(7) محكمة الموضوع "سلطة محكمة الموضوع بشأن تقدير التعويض".
محكمة الموضوع . سلطتها فى تقدير التعويض متى أقامت أسبابه وخلو العقد أو القانون من نص يوجب اتباع معايير معينة له دون رقابة من محكمة النقض . كفاية بيان الحكم لعناصر الضرر الذى يقدر التعويض عنه . جواز استنباطه القرائن السائغة من أوراق الدعوى .
(8) نقض "أثر نقض الحكم".
نقض الحكم متعدد الأجزاء فى أحد أجزائه . أثره . نقض كل ما تأسس على هذا الجزء من الأجزاء الأخرى ما طعن فيه وما لم يطعن.
(9) نيابة "النيابة القانونية: النيابة عن المجلس الأعلى للصحافة". هيئات "هيئة قضى الدولة: نيابتها عن مجلس الشورى".
مجلس الشورى . تنظيم دستورى تنوب عنه هيئة قضى الدولة . المادة 6 من قانون هيئة قضى الدولة الصادر بالقرار بق 75 لسنة 1963 المعدل بق 10 لسنة 1986 . عدم إنابة الهيئة عن رئيس مجلس الشورى بصفته ممثل المجلس الأعلى للصحافة باعتباره هيئة مستقلة ليست من الهيئات العامة . إقامة الطعن من هيئة قضى الدولة نيابة عن رئيس مجلس الشورى بصفته رئيس المجلس الأعلى للصحافة . أثره . عدم قبوله لرفعه من غير ذى صفة.
(10) إثبات "طرق الإثبات: الإقرار: الإقرار القضائي".
الاعتداد بالإقرار القضائى . شرطه . صدوره عن إرادة يدرك بها المقر مرمى إقراره وقصده إلزام نفسه بمقتضاه وقيامة حجة عليه يعفى بها خصمه من تقديم أى دليل. مؤداه .عدم اعتبار ما يذكره الخصم فى ساحة القضاء متصلاً بآخر فى الدعوى إقراراً.
(11) دعوى " لدفاع فى الدعوى: نطاقه".
تحديد نطاق الدفاع فى الدعوى . العبرة فيه . موضوع الخصومة وما يستلزمه اقتضاء الحقوق المدعى بها أو دفعها .


1- إن الأساس الذى قامت عليه دعوى المطعون ضده الأول هو إساءة الصحيفة ورئيس تحريرها - الطاعن - لحق النشر والنقد بقيامها بالتشهير به بما حواه مقالها المذكور وهو ما عده خطأ أصابه بضرر يوجب مساءلتها عن تعويضه ، وكان الفصل فى الدعوى على هذا النحو يقتضى من محكمة الموضوع أن تتناول بالبحث والتمحيص المقال المشار إليه وتباين ما إذا كانت عباراته قد التزمت الضوابط المنظمة لحق النشر والنقد من حيث صحة الخبر أو اعتقاد الناشر صحته بناء على أسباب تسوغه ، وأن يكون النقد فى إطار المقومات الأساسية للمجتمع والحفاظ على الحريات والواجبات العامة وعدم الاعتداء على شرفهم وسمعتهم واعتبارهم ، وما إذا كانت قسوة العبارة قد اقتضتها ضرورة تجلية قصد الناقد وأن رائدها المصلحة العامة ولم يكن الغرض منها الطعن والتجريح وهى الأمور الواجب استظهارها لإثبات أو نفى عناصر المسئولية محل الدعوى .
2 - إذ كان انتقاد العمل العام من خلال الصحافة أو غيرها من وسائل التعبير وأدواته حقاً مكفولاً لكل مواطن وأن يتم التمكين لحرية عرض الآراء وتداولها بما يحول - كأصل عام - دون إعاقتها أو فرض قيود مسبقة على نشرها وهى حرية يقتضيها النظام الديموقراطى وليس مقصوداً بها مجرد أن يعبر الناقد عن ذاته ، ولكن غايتها النهائية الوصول إلى الحقيقة من خلال ضمان تدفق المعلومات من مصادرها المتنوعة وعبر الحدود المختلفة وعرضها فى آفاق مفتوحة تتوافق فيها الآراء فى بعض جوانبها أو تتصادم فى جوهرها ليظهر ضوء الحقيقة جلى من خلال مقابلتها ببعض وقوفاً على ما يكون منها زائفاً أو صائباً منطوى على مخاطر واضحة أو محققاً لمصلحة مبتغاة ومن غير المحتمل أن يكون انتقاد الأوضاع المتصلة بالعمل العام تبصيراً بنواحى التقصير فيه مؤدى إلى الإضرار بأية مصلحة مشروعة فلا يجوز أن يكون القانون أداة تعوق حرية التعبير عن مظاهر الإخلال بأمانة الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة أو مواطن الخلل فى آداء واجباتها سواء فى وقت شغلها أو كانت عن عمل متعلق بها يقتضى الحال إبرازه ، فمن الخطر فرض قيود ترهق حرية التعبير بما يصد المواطنين عن ممارستها ومن ثم كان منطقى بل وأمراً محتوماً أن ينحاز الدستور إلى حرية النقاش والحوار فى كل أمر يتصل بالشئون العامة ولو تضمن انتقاداً حاداً للقائمين بالعمل العام ، إذ لا يجوز لأحد أن يفرض على غيره صمتاً ولو كان - معززاً - بالقانون ولأن حوار القوة إهدار لسلطان العقل ولحرية الإبداع وهو فى كل حال يولد رهبة تحول بين المواطن والتعبير عن آرائه بما يعزز الرغبة فى قمعها ويكرس عدوان السلطة العامة المناوئة لها مما يهدد فى النهاية أمن الوطن واستقراره وعلى ذلك فإن انتقاد القائمين بالعمل العام وإن كان مريراً يظل متمتعاً بالحماية التى كفلها الدستور لحرية التعبير عن الآراء بما لا يخل بالمضمون الحق لهذه الحرية أو يجاوز الأغراض المقصودة من إرسائها وليس جائزاً بالتالى أن تفترض فى كل واقعة جرى إسنادها إلى أحد القائمين بالعمل العام إنها واقعة مزيفة أو أن سوء القصد قد خالطها ، كذلك فإن الآراء التى يتم نشرها فى حق أحد منهم لا يجوز تقييمها منفصلة عما توجبه المصلحة العامة ويتاح لكل مواطن فرصة مناقشتها واستظهار وجه الحق فيها.
3- إذ كفل الدستور للصحافة استقلالها ، وخولها أن تعبر عن رسالتها فى حرية وأن تعمل على تكوين الرى العام وتوجيهه بما يحقق للجماعة قيمها ومصالحها الرئيسية ويصون للمواطنين حرياتهم وحرماتهم ويعزز وفاءهم بواجباتهم (المادتين 207، 208 من الدستور) وأن لكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير فى حدود القانون (مادة 47 من الدستور) ثم عنى أكثر بإبراز الحق فى النقد الذاتى والنقد البناء باعتبارهما ضمانات لسلامة البناء الوطنى مستهدفاً بذلك توكيد أن النقد وإن كان فرعاً من حرية التعبير إلا أنه يتعين أن يكون ضرورة لازمة لا يقوم بدونها العمل الوطنى وحق المواطن فى أن يعلم وأن يكون قادراً على النفاذ إلى الحقائق الكاملة المتعلقة بالعمل العام فى شتى مجالاته المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
4- اشترط المشرع لإباحة النقد (الحق فى النقد الذاتى والنقد البناء) ألا يكون منطوى على آراء معدومة القيمة كتلك التى تكون غايتها الوحيدة شفاء الأحقاد والضغائن الشخصية والمسيطر عليها الهوى النفسى والضعف الإنسانى أو تلك الماسة بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به والحط من كرامته بما دل عليه نص الفقرة الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات من أن انتقاد القائم بالعمل العام أو كان مطلعاً بأعبائه يعتبر أمراً مباحاً بشروط من بينها إثبات الناقد لحقيقة كل فعل أسنده إليه وأن يكون النشر فى إطار المقومات الأساسية للمجتمع والحفاظ على الحريات والواجبات العامة واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وعدم الاعتداء على شرفهم وسمعتهم واعتبارهم أو انتهاك محارم القانون وهى قيود تستلزمها الوقاية من سطوة أقلام قد تتخذ من الصحف أو غيرها من وسائل التعبير أداة للمساس بالحريات أو النيل من كرامة الشرفاء إن سباً أو قذفاً أو إهانة أو غير ذلك من أفعال يتأبى على المشرع إقرارها تحت ستار حرية الصحافة وقدسيتها .
5- لمحكمة الموضوع - مراقبة فى ذلك من محكمة النقض - الحق فى الاطلاع على المقال موضوع النشر وتحديد معنى ألفاظه لمعرفة ما إذا كان المقصود منه النفع العام أو مجرد الإضرار بالأشخاص المطعون عليهم مع الأخذ فى الاعتبار عدم رصد كل عبارة احتواها المطبوع وتقييمها منفصلة عن سياقها بمقاييس صارمة ، ذلك أن ما قد يراه إنسان صواباً فى جزئية بذاتها قد يكون هو الخطأ بعينه عند آخرين ، كما يجوز التسامح فى تقدير عبارات النقد وحملها على محمل حسن النية طالما أنها لم تكن من قبيل قارص الكلم أو خادشة للناموس والاعتبار وكان الدافع فى استعمالها المصلحة العامة .
6- إذ كانت الصحيفة الطاعنة وممثلها وهو فى ذات الوقت كاتب المقال محل المسائلة قد تمسك أمام محكمة الموضوع بأن عبارات المقال منفردة أو مجتمعة لا توحى للمتلقى فى موضعها أو صورتها التى نشرت بها ما يفيد الإساءة إلى شخص المطعون ضده الأول ولا تخرج عن حدود النقد المباح وتحرى كاتبها الصدق غير متنافر مع ما أثبته حكم محكمة القيم فى القضية رقم 39 سنة 14ق حراسات فى حق المطعون ضده الأول إبان أن كان يباشر اختصاص وزير الاقتصاد فى الدولة بما لا يجوز معه تقييمها بعيداً عما توجبه المصلحة العامة فى أعلى درجاتها متعلقاً برسم السياسة الاقتصادية الحالية مقارنه بما كانت عليه من قبل إلا أن الحكم المطعون فيه لم يلتفت لهذا الدفاع أو يأبه لمصدره وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه اقتصر فى نسبة الخطأ إلى الصحيفة الطاعنة بأن أورد نقل عبارات المقال بطريقة منفردة وفى غير اتساق بقوله " أن الثابت من مطالعة المقال المنشور بجريدة الجمهورية الصادر بتاريخ 7/11/1996 تحت عنوان كبسولات وناشره المستأنف ضده أنه يتضمن عبارات تعرض بالمستأنف وتغض من قدره وتحط من كرامته بما لا يستدعيه موجبات النقد فقد تضمن المقال عبارات "هل تذكرون واحداً اسمه ... وتمت إقالته بعد الطعنات القاتلة التى أسال بها دماء اقتصادنا عامداً متعمداً هذا الواحد" من أصاب مصر بسوء ما استحق أن يولد ..... وبهت الذى كفر "ومن ثم يكون المستأنف ضده قد أساء استعمال الحق فى حرية الرى وحرية النقد مستوجباً لمسئوليته " وكان هذا الذى استخلصه الحكم وأقام عليه قضاءه بإلزام الصحيفة الطاعنة وكاتب المقال بالتعويض المحكوم به استخلاص غير سائغ ولا يؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها آية ذلك مخالفته لما تدل عليه نصوص المواد الأولى والثالثة والثامنة من القانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن "تنظيم الصحافة" من أن الصحافة سلطة شعبية تمارس رسالتها بحرية وباستقلال وتستهدف تهيئة المناخ لنمو المجتمع وارتقائه بالمعرفة المستنيرة وبالإسهام فى الاهتداء إلى الحلول الأفضل فى كل ما يتعلق بمصالح الوطن وصالح المواطنين من خلال حرية التعبير وممارسة النقد ونشر الأنباء وللصحفى حق الحصول على المعلومات والإحصاءات والأخبار المباح نشرها طبقاً للقانون من مصادرها سواء كانت هذه المصادر جهة حكومية أو عامة ، كما يكون للصحفى حق نشر ما يتحصل عليه منها وكذلك نشر الأحكام العلنية أو موجز كاف عنها (المادة 189من قانون العقوبات)، كما غُم عليه فهم دفاع الطاعنة الوارد بأسباب النعى ولم يبرزه أو يعنى بتحقيقه رغم جوهريته وله مصدر قضائى هو عنوان الحقيقة إذ ورد بحكم محكمة القيم المقدم ضمن أوراق الدعوى فى القضية رقم .... لسنة ..... ق حراسات ما يدل على أن زمام السياسة الاقتصادية إبان كان المطعون ضده الأول قائدها كانت على غير مرام والأخطاء فيها فادحة وافترضت تلك المحكمة لعلاجها أن يتولى أمرها أشخاص مشهود لهم باستقامة القصد فضلاً عن العلم والخبرة وتناولت تصرفات المطعون ضده الأول فى أمور تفوق فى نقدها ما تناولته الطاعنة فى مقالها الحالى وهو ما من شأنه التقليل من قسوة العبارة أو وضعها فى النسق الصحيح حتى وإن تنكب كاتبها الوسيلة طالما كان مبتغاه المصلحة العامة ، فضلاً عن أن استعمال الحق لا يكون غير مشروع إلا إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير وهو مالا يتحقق إلا بانتفاء كل مصلحة من استعمال الحق ولما كانت عبارات المقال محل المسائلة لا تقوم على فكرة شائنة وإنما جرى استعمالها فى ألفاظ مشكلة ومحملة ومجازية والأولى موضوعة لأكثر من معنى والثانية هى الألفاظ التى لا تدل بذاتها على المراد منها ولا توجد قرائن تعين على ذلك والثالثة هى الألفاظ التى تستعمل فى غير معناها الأصلى دون إفصاح عن المعنى المقصود وبالتالى ما كان للحكم أن يعزل بعض العبارات أو الألفاظ عن بقيتها طالما أن لها فى اللغة أكثر من معنى وكان مدلولها بحسب ما استظهره الحكم يقطع بعدم انحراف كاتبها عن حقه المكفول فى إعلاء شأن مصر ورفعتها من الناحية الاقتصادية والتسامح فى تقدير عبارات النقد وحملها على محمل حسن النية مادامت قاصرة على الرى فى ذاته غير ممتدة إلى شخص المطعون ضده الأول فيكون استخلاص الحكم فى نسبة الخطأ إلى الطاعنة غير سائغ ومقام على ما لا يكفى لإثبات انحرافها وبما يدخلها فى حدود النقد المباح البعيد عن المسئولية وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون معيباً بالقصور فى التسبيب والإخلال بحق الدفاع والفساد فى الاستدلال مما جره إلى الخطأ فى تطبيق القانون .
7- المقرر - فى قضاء محكمة النقض - تقدير التعويض متى قامت أسبابه ولم يكن فى العقد أو القانون نص يوجب اتباع معايير معينه فى تقديره هو من سلطة محكمة الموضوع بغير رقابة من محكمة النقض ، وبحسب الحكم أن يكون قد بين عناصر الضرر الذى يقدر التعويض عنه وله فى سبيل ذلك أن يستنبط القرائن السائغة من أوراق الدعوى .
8 - المقرر - فى قضاء محكمة النقض - أنه إذا كان الحكم المطعون فيه متعدد الأجزاء فنقضه فى أحد أجزائه يترتب عليه نقض كل ما تأسس على هذا الجزء من الأجزاء الأخرى ما طعن فيه وما لم يطعن .
9 - النص فى المادة السادسة من قانون هيئة قضى الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 75 لسنة 1963 المعدل بالقانون 10 لسنة 1986 على أن " تنوب هذه الهيئة عن الدولة بكافة شخصياتها الاعتبارية العامة فيما يرفع منها أو عليها من قضى لدى المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها ولدى الجهات الأخرى التى خولها القانون اختصاصاً قضائى ....... " ومجلس الشورى هو تنظيم دستورى تنوب عنه الهيئة لكنها لا تنوب عن رئيس مجلس الشورى بصفته ممثل المجلس الأعلى للصحافة والذى يعتبر هيئة مستقلة ليست من الهيئات العامة . لما كان ذلك ، وكان الطعن قد أقيم من هيئة قضى الدولة والتى لا تنوب عن رئيس مجلس الشورى بصفته رئيس المجلس الأعلى للصحافة فإنه يكون قد أقيم من غير ذى صفة ومن ثم غير مقبول .
10- المقرر - فى قضاء محكمة النقض - إنه يشترط فى الإقرار القضائى الذى يعتد به ويعمل بأثره أن يكون صادراً عن إرادة يدرك بها المقر مرمى إقراره وأنه يقصد به إلزام نفسه بمقتضاه وأنه حجة عليه يعفى بها خصمه من تقديم ى دليل وترتيباً على ذلك فإنه لا يعتبر إقراراً ما يذكره الخصم فى ساحة القضاء يتصل بآخر فى الدعوى .
11- المقرر - فى قضاء محكمة النقض - أن العبرة فى تحديد نطاق الدفاع فى الدعوى ، وما يعد تجاوزا له ، هى بموضوع الخصومة المطروحة ، وما يستلزمه اقتضاء الحقوق المدعى بها أو دفعها من غير إساء .


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق ، وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة .
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل فى أن الطاعن فى الطعن رقم 86 سنة 73 قضائية أقام الدعوى ...... سنة1996 مدنى جنوب القاهرة الابتدائية ضد المطعون ضدهم فى ذات الطعن بطلب الحكم بإلزامهم بالتضامم بأن يدفعوا إليه مبلغ خمسة ملايين جنيه تعويضاً عما لحقه من أضرار مادية وأدبية وقال بياناً لذلك أن المطعون ضده الأول كتب ونشر مقالين فى صحيفة الجمهورية بعددها الصادر يوم 7/ 11/ 1996 تحت عنوان رئيسى "خطوط فاصلة" وعنوان فرعى " كبسولات " تناول فيهما متهكماً على شخصه وأدائه لعمله إبان أن كان وزيراً للاقتصاد بما يعد قذفاً وسباً نال من سمعته واعتباره فألحق به ضرراً مادى وأدبى يقدر التعويض الجابر له بالمبلغ المطالب به . وأثناء نظر الدعوى أقام المطعون ضده الأول عن نفسه وبصفته دعوى فرعية طلب فيها إلزام الطاعن بأن يؤدى له مبلغ خمسين ألف جنيه تعويضاً عما ناله من ضرر بسبب إساءته استعمال حق التقاضى برفع دعوى كيدية تضمنت صحيفتها عبارات وألفاظاً أساءت له وللجريدة التى يترأس مجلس إدارتها . حكمت محكمة أول درجة برفض الدعويين الأصلية والفرعية فاستأنف صاحب الدعوى الأصلية برقم .....سنة 116 ق القاهرة كما استأنف المدعى الفرعى أمام ذات المحكمة برقم ..... سنة 117 ق ، وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين قضت بإلغاء الحكم المستأنف وفى الدعوى الأصلية بإلزام المستأنف ضدهم فى الاستئناف الأول بالتضامم بأن يدفعوا للمستأنف مبلغ خمسين ألف جنيه تعويضاً أدبى وفى الدعوى الفرعية بإلزام المستأنف ضده الأول بأن يدفع للمستأنف فى الاستئناف الثانى عشرة آلاف جنيه تعويضاً أدبى . طعن الطاعنون فى هذا الحكم بطريق النقض بالطعون أرقام 6937 سنة 72 ق ، 36 سنة 73 ق ، .... سنة .... قضائية وأودعت النيابة مذكرة فى كل طعن ارتأت فى الطعن الأول نقض الحكم المطعون فيه فيما قضى به فى الدعوى الأصلية وفى الطعن الثانى بعدم قبوله للتقرير به من غير ذى صفة وببطلانه لعدم إيداع الكفالة وفى الطعن الثالث برفضه وإذ عرضت الطعون الثلاثة على المحكمة فى غرفة مشورة حددت جلسة لنظرها وفيها أمرت المحكمة بضم الطعنين الثانى والثالث إلى الطعن الأول والتزمت النيابة رأيها .
أولاً: عن الطعن رقم 6937 سنة 72 قضائية
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب حاصل ما ينعاه الطاعن بصفتيه بالأسباب الأربعة الأولى منها على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال فيما قضى به فى الدعوى الأصلية وفى بيان ذلك يقول إنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأن ما نشره فى صحيفة الجمهورية بعددها الصادر يوم 7/ 11/ 1996 لم يكن إلا ترديداً لما جاء بأسباب الحكم الصادر من محكمة القيم فى القضية رقم 39 سنة 14 ق حراسات والذى تناول شخص المطعون ضده الأول إبان كان وزيراً سابقاً للاقتصاد فيكون النشر استعمالاً لحق مباح لم يخرج به عما يقتضيه حسن النية وعن أعمال وظيفته وله مصدر قضائى هو عنوان الحقيقة على صحة ما أسند إليه من وقائع غير أن الحكم المطعون فيه التفت عن هذا الدفاع بما يقسطه ولم يأبه لمصدره وهو حكم محكمة القيم وأقام قضاءه بالتعويض على أن ما جاء بالمقال المنشور فى الصحيفة يمثل تجاوزاً فى استعمال حق النقد وحرية الرأى مما سبب ضرراً أدبى للمطعون ضده الأول رغم أن عبارات المقال ليس فيها ثمة أقوال يسوغ وصفها بأنها خطأ أو تمثل ضرراً يمكن جبره وهو ما يعيبه ويستوجب نقضه .
وحيث إن النعى بهذه الأسباب فى محله ، ذلك أن الأساس الذى قامت عليه دعوى المطعون ضده الأول هو إساءة الصحيفة ورئيس تحريرها - الطاعن - لحق النشر والنقد بقيامها بالتشهير به بما حواه مقالها المذكور وهو ما عده خطأ أصابه بضرر يوجب مساءلتها عن تعويضه ، وكان الفصل فى الدعوى على هذا النحو يقتضى من محكمة الموضوع أن تتناول بالبحث والتمحيص المقال المشار إليه وتبيان ما إذا كانت عباراته قد التزمت الضوابط المنظمة لحق النشر والنقد من حيث صحة الخبر أو اعتقاد الناشر صحته بناء على أسباب تسوغه ، وأن يكون النقد فى إطار المقومات الأساسية للمجتمع والحفاظ على الحريات والواجبات العامة واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وعدم الاعتداء على شرفهم وسمعتهم واعتبارهم ، وما إذا كانت قسوة العبارة قد اقتضتها ضرورة تجلية قصد الناقد وأن رائدها المصلحة العامة ولم يكن الغرض منها الطعن والتجريح وهى الأمور الواجب استظهارها لإثبات أو نفى عناصر المسئولية محل الدعوى . وإذ كان انتقاد العمل العام من خلال الصحافة أو غيرها من وسائل التعبير وأدواته حقاً مكفولاً لكل مواطن وأن يتم التمكين لحرية عرض الآراء وتداولها بما يحول - كأصل عام - دون إعاقتها أو فرض قيود مسبقة على نشرها وهى حرية يقتضيها النظام الديمقراطى ، وليس مقصوداً بها مجرد أن يعبر الناقد عن ذاته ، ولكن غايتها النهائية الوصول إلى الحقيقة من خلال ضمان تدفق المعلومات من مصادرها المتنوعة وعبر الحدود المختلفة وعرضها فى آفاق مفتوحة تتوافق فيها الآراء فى بعض جوانبها أو تتصادم فى جوهرها ليظهر ضوء الحقيقة جلى من خلال مقابلتها ببعض وقوفاً على ما يكون منها زائفاً أو صائباً منطوى على مخاطر واضحة أو محققاً لمصلحة مبتغاة ومن غير المحتمل أن يكون انتقاد الأوضاع المتصلة بالعمل العام تبصيراً بنواحى التقصير فيه مؤدى إلى الإضرار بأية مصلحة مشروعة فلا يجوز أن يكون القانون أداة تعوق حرية التعبير عن مظاهر الإخلال بأمانة الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة أو مواطن الخلل فى آداء واجباتها سواء فى وقت شغلها أو كانت عن عمل متعلق بها يقتضى الحال إبرازه ، فمن الخطر فرض قيود ترهق حرية التعبير بما يصد المواطنين عن ممارستها ومن ثم كان منطقى بل وأمراً محتوماً أن ينحاز الدستور إلى حرية النقاش والحوار فى كل أمر يتصل بالشئون العامة ولو تضمن انتقاداً حاداً للقائمين بالعمل العام ، إذ لا يجوز لأحد أن يفرض على غيره صمتاً ولو كان معززاً بالقانون ولأن حوار القوة إهدار لسلطان العقل ولحرية الإبداع وهو فى كل حال يولد رهبة تحول بين المواطن والتعبير عن آرائه بما يعزز الرغبة فى قمعها ويكرس عدوان السلطة العامة المناوئة لها مما يهدد فى النهاية أمن الوطن واستقراره وعلى ذلك فإن انتقاد القائمين بالعمل العام وإن كان مريراً يظل متمتعاً بالحماية التى كفلها الدستور لحرية التعبير عن الآراء بما لا يخل بالمضمون الحق لهذه الحرية أو يجاوز الأغراض المقصودة من إرسائها وليس جائزاً بالتالى أن تفترض فى كل واقعة جرى إسنادها إلى أحد القائمين بالعمل العام إنها واقعة مزيفة أو أن سوء القصد قد خالطها ، كذلك فإن الآراء التى يتم نشرها فى حق أحد منهم لا يجوز تقييمها منفصلة عما توجبه المصلحة العامة ويتاح لكل مواطن فرصة مناقشتها واستظهار وجه الحق فيها ، وإذ كفل الدستور للصحافة استقلالها ، وخولها أن تعبر عن رسالتها فى حرية وأن تعمل على تكوين الرأى العام وتوجيهه بما يحقق للجماعة قيمها ومصالحها الرئيسية ويصون للمواطنين حرياتهم وحرماتهم ويعزز وفاءهم بواجباتهم (المادتين 207، 208 من الدستور) وأن لكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير فى حدود القانون (مادة 47 من الدستور) ثم عنى أكثر بإبراز الحق فى النقد الذاتى والنقد البناء باعتبارهما ضمانات لسلامة البناء الوطنى مستهدفا بذلك توكيد أن النقد وإن كان فرعاً من حرية التعبير إلا أنه يتعين أن يكون ضرورة لازمة لا يقوم بدونها العمل الوطنى وحق المواطن فى أن يعلم وأن يكون قادراً على النفاذ إلى الحقائق الكاملة المتعلقة بالعمل العام فى شتى مجالاته المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية . واشترط المشرع لإباحة النقد ألا يكون منطوى على آراء معدومة القيمة كتلك التى تكون غايتها الوحيدة شفاء الأحقاد والضغائن الشخصية والمسيطر عليها الهوى النفسى والضعف الإنسانى أو تلك الماسة بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به والحط من كرامته بما دل عليه نص الفقرة الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات من أن انتقاد القائم بالعمل العام أو كان مطلعاً بأعبائه يعتبر أمراً مباحاً بشروط من بينها إثبات الناقد لحقيقة كل فعل أسنده إليه وأن يكون النشر فى إطار المقومات الأساسية للمجتمع والحفاظ على الحريات والواجبات العامة واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وعدم الاعتداء على شرفهم وسمعتهم واعتبارهم أو انتهاك محارم القانون وهى قيود تستلزمها الوقاية من سطوة أقلام قد تتخذ من الصحف أو غيرها من وسائل التعبير أداة للمساس بالحريات أو النيل من كرامة الشرفاء إن سباً أو قذفاً أو إهانة أو غير ذلك من أفعال يتأبى على المشرع إقرارها تحت ستار حرية الصحافة وقدسيتها وعلى محكمة الموضوع - مراقبة فى ذلك من محكمة النقض - الحق فى الاطلاع على المقال موضوع النشر وتحديد معنى ألفاظه لمعرفة ما إذا كان المقصود منه النفع العام أو مجرد الإضرار بالأشخاص المطعون عليهم مع الأخذ فى الاعتبار عدم رصد كل عبارة احتواها المطبوع وتقييمها منفصلة عن سياقها بمقاييس صارمة ، ذلك أن ما قد يراه إنسان صواباً فى جزئية بذاتها قد يكون هو الخطأ بعينه عند آخرين ، كما يجوز التسامح فى تقدير عبارات النقد وحملها على محمل حسن النية طالما أنها لم تكن من قبيل قارص الكلم أو خادشة للناموس والاعتبار وكان الدافع فى استعمالها المصلحة العامة . لما كان ذلك وكانت الصحيفة الطاعنة وممثلها وهو فى ذات الوقت كاتب المقال محل المسائلة قد تمسك أمام محكمة الموضوع بأن عبارات المقال منفردة أو مجتمعه لا توحى للمتلقى فى موضعها أو صورتها التى نشرت بها ما يفيد الإساءة إلى شخص المطعون ضده الأول ولا تخرج عن حدود النقد المباح وتحرى كاتبها الصدق غير متنافر مع ما أثبته حكم محكمة القيم فى القضية رقم 39 سنة 14ق حراسات فى حق المطعون ضده الأول إبان أن كان يباشر اختصاص وزير الاقتصاد فى الدولة بما لا يجوز معه تقييمها بعيداً عما توجبه المصلحة العامة فى أعلى درجاتها متعلقاً برسم السياسة الاقتصادية الحالية مقارنة بما كانت عليه من قبل إلا أن الحكم المطعون فيه لم يلتفت لهذا الدفاع أو يأبه لمصدره وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه اقتصر فى نسبة الخطأ إلى الصحيفة الطاعنة بأن أورد نقل عبارات المقال بطريقة منفردة وفى غير اتساق بقوله "أن الثابت من مطالعة المقال المنشور بجريدة الجمهورية الصادر بتاريخ ..... تحت عنوان كبسولات وناشره المستأنف ضده أنه يتضمن عبارات تعرض بالمستأنف وتغض من قدره وتحط من كرامته بما لا يستدعيه موجبات النقد فقد تضمن المقال عبارات "هل تذكرون واحداً اسمه ...... وتمت إقالته بعد الطعنات القاتلة التى أسال بها دماء اقتصادنا عامداً متعمداً هذا الواحد" من أصاب مصر بسوء ما استحق أن يولد ........ وبهت الذى كفر "ومن ثم يكون المستأنف ضده قد أساء استعمال الحق فى حرية الرى وحرية النقد مستوجباً لمسئوليته" وكان هذا الذى استخلصه الحكم وأقام عليه قضاءه بإلزام الصحيفة الطاعنة وكاتب المقال بالتعويض المحكوم به استخلاص غير سائغ ولا يؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها آية ذلك مخالفته لما تدل عليه نصوص المواد الأولى والثالثة والثامنة من القانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن " تنظيم الصحافة " من أن الصحافة سلطة شعبية تمارس رسالتها بحرية وباستقلال وتستهدف تهيئة المناخ لنمو المجتمع وارتقائه بالمعرفة المستنيرة وبالإسهام فى الاهتداء إلى الحلول الأفضل فى كل ما يتعلق بمصالح الوطن وصالح المواطنين من خلال حرية التعبير وممارسة النقد ونشر الأنباء وللصحفى حق الحصول على المعلومات والإحصاءات والأخبار المباح نشرها طبقاً للقانون من مصادرها سواء كانت هذه المصادر جهة حكومية أو عامة ، كما يكون للصحفى حق نشر ما يتحصل عليه منها وكذلك نشر الأحكام العلنية أو موجز كاف عنها (المادة 189من قانون العقوبات) ، كما غُم عليه فهم دفاع الطاعنة الوارد بأسباب النعى ولم يبرزه أو يعنى بتحقيقه رغم جوهريته وله مصدر قضائى هو عنوان الحقيقة إذ ورد بحكم محكمة القيم المقدم ضمن أوراق الدعوى فى القضية رقم 39 لسنة 14 ق حراسات ما يدل على أن زمام السياسة الاقتصادية إبان كان المطعون ضده الأول قائدها كانت على غير مرام والأخطاء فيها فادحة وافترضت تلك المحكمة لعلاجها أن يتولى أمرها أشخاص مشهود لهم باستقامة القصد فضلاً عن العلم والخبرة وتناولت تصرفات المطعون ضده الأول فى أمور تفوق فى نقدها ما تناولته الطاعنة فى مقالها الحالى وهو ما من شأنه التقليل من قسوة العبارة أو وضعها فى النسق الصحيح حتى وإن تنكب كاتبها الوسيلة طالما كان مبتغاه المصلحة العامة ، فضلاً عن أن استعمال الحق لا يكون غير مشروع إلا إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير وهو مالا يتحقق إلا بانتفاء كل مصلحة من استعمال الحق ولما كانت عبارات المقال محل المسائلة لا تقوم على فكرة شائنة وإنما جرى استعمالها فى ألفاظ مشكلة ومحملة ومجازية والأولى موضوعة لأكثر من معنى والثانية هى الألفاظ التى لا تدل بذاتها على المراد منها ولا توجد قرائن تعين على ذلك والثالثة هى الألفاظ التى تستعمل فى غير معناها الأصلى دون إفصاح عن المعنى المقصود وبالتالى ما كان للحكم أن يعزل بعض العبارات أو الألفاظ عن بقيتها طالما أن لها فى اللغة أكثر من معنى وكان مدلولها بحسب ما استظهره الحكم يقطع بعدم انحراف كاتبها عن حقه المكفول فى إعلاء شأن مصر ورفعتها من الناحية الاقتصادية والتسامح فى تقدير عبارات النقد وحملها على محمل حسن النية مادامت قاصرة على الرى فى ذاته غير ممتدة إلى شخص المطعون ضده الأول فيكون استخلاص الحكم فى نسبة الخطأ إلى الطاعنة غير سائغ ومقام على ما لا يكفى لإثبات انحرافها وبما يدخلها فى حدود النقد المباح البعيد عن المسئولية وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون معيباً بالقصور فى التسبيب والإخلال بحق الدفاع والفساد فى الاستدلال مما جره إلى الخطأ فى تطبيق القانون بما يوجب نقضه لهذه الأسباب.
وحيث إن الطاعن بصفتيه ينعى بالسبب الأخير من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه فيما قضى به فى الدعوى الفرعية القصور فى التسبيب إذ لم يقض له بكامل التعويض الذى طلبه بسبب إساءة استعمال حق التقاضى فيما ضمنه المطعون ضده الأول صحيفة دعواه من ألفاظ سب وقذف نالت من شخصه واعتباره ولا يقتضيها حق الدفاع وهو ما عوضه الحكم عنه بمبلغ عشرة آلاف جنيه دون أن يراعى فى تقديره حجم الأضرار التى لحقته ومكانة الطاعن فى شغل وظائف ومهام عديدة فى مجال الصحافة على مدار أربعين عاماً منها رئيس مجلس إدارة دار التحرير للطبع والنشر والتى تصدر تسع إصدارات يومية وأسبوعية ومنها شغله رئيس مجلس إدارة وتحرير جريدة مايو وكذا عضويته فى مجلس الشورى وهى أمور تزيد من حجم الضرر بما يرفع قيمة التعويض لما يوازى جبرها وهو ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعى غير مقبول ذلك أن تقدير التعويض متى قامت أسبابه ولم يكن فى العقد أو القانون نص يوجب اتباع معايير معينه فى تقديره هو من سلطة محكمة الموضوع بغير رقابة من محكمة النقض ، وبحسب الحكم أن يكون قد بين عناصر الضرر الذى يقدر التعويض عنه وله فى سبيل ذلك أن يستنبط القرائن السائغة من أوراق الدعوى . وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه بين أحقية الطاعن فى تعويضه عما ناله من ضرر بسبب تضمين المطعون ضده الأول صحيفة دعواه ألفاظاً لا يقتضيها حق الدفاع لأنها أساءت إلى الطاعن - المدعى الفرعى - لشخصه سببت له ضرراً أدبى قدر جبره بمبلغ عشرة آلاف جنيه مراعى فى ذلك مستندات وظروف الدعوى وملابساتها فإنه يكون قد مارس سلطته فى تقدير التعويض ويكون النعى بهذا السبب على غير أساس .
وحيث إنه لما كان من المقرر أنه إذا كان الحكم المطعون فيه متعدد الأجزاء فنقضه فى أحد أجزائه يترتب عليه نقض كل ما تأسس على هذا الجزء من الأجزاء الأخرى ما طعن فيه وما لم يطعن وكانت المحكمة قد انتهت إلى نقض الحكم المطعون فيه فيما يتعلق بمساءلة الطاعنة فى الدعوى الأصلية فإن من شأن ذلك نقضه بالتبعية فيما تطرق إليه من إلزامها بالتضامم مع المطعون ضدهما الثانى والثالث بصفتيهما باعتبار أن ذلك قد تأسس على الجزء المنقوض وبالتالى زوال الأساس القانونى الذى تقوم عليه مسئولية الأخيرين وذلك عملاً بالمادة 271 مرافعات .
وحيث إن موضوع الدعوى الأصلية صالح للفصل فيه وكان الحكم الابتدائى انتهى فى منطوقه إلى رفضها وكانت أسباب الاستئناف رقم ..... سنة 116ق القاهرة لا تقوم على أساس سليم وتعين الحكم بتأييد الحكم المستأنف .
ثانياً: الطعن رقم 36 سنة 73 قضائية
وحيث إن مبنى الدفع المبدى من النيابة أن هيئة قضى الدولة لا تملك قانوناً أن تنوب عن رئيس مجلس الشورى بصفته رئيس المجلس الأعلى للصحافة باعتبارها هيئة مستقلة قائمة بذاتها لا تدخل فى عداد الجهات التى تنوب عنها .
وحيث إن هذا الدفع فى محله ، ذلك أن النص فى المادة السادسة من قانون هيئة قضى الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 75 لسنة 1963 المعدل بالقانون 10 لسنة 1986 على أن " تنوب هذه الهيئة عن الدولة بكافة شخصياتها الاعتبارية العامة فيما
يرفع منها أو عليها من قضى لدى المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها ولدى الجهات الأخرى التى خولها القانون اختصاصاً قضائى ...... " ومجلس الشورى هو تنظيم دستورى تنوب عنه الهيئة لكنها لا تنوب عن رئيس مجلس الشورى بصفته ممثل المجلس الأعلى للصحافة والذى يعتبر هيئة مستقلة ليست من الهيئات العامة . لما كان ذلك وكان الطعن قد أقيم من هيئة قضى الدولة والتى لا تنوب عن رئيس مجلس الشورى بصفته رئيس المجلس الأعلى للصحافة فإنه يكون قد أقيم من غير ذى صفة ومن ثم غير مقبول.
ثالثاً : الطعن رقم 86 سنة 73 قضائية
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب حاصل النعى بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب حين رفض طلب تعويضه فى الدعوى الأصلية عن الأضرار المادية التى لحقت به بعد أن تحقق من مسئولية المطعون ضده الأول عن تعويضه أدبى بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى غير سديد ، لما سبق أن انتهت إليه المحكمة فى الطعن رقم 6937 سنة 72 قضائية من نقض الحكم كلى فى شأن عدم ثبوت مسئولية المطعون ضده الأول بصفتيه وبالتالى مسئولية المطعون ضدهما الباقيين عن التعويض بكافة صوره المحكوم به فى الدعوى الأصلية والحكم برفضها موضوعاً بما يعنى زوال الأساس الذى أقيم عليه هذا النعى ويضحى قائماً على غير أساس .
وحيث إن حاصل النعى بالسببين الثانى والثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب فيما قضى به فى الدعوى الفرعية من مساءلته عن التعويض للمطعون ضده الأول مجاوزاً إقرار وكيله الثابت بمحضر جلسة 7/ 10/ 2002 من طلبه تأييد الحكم المستأنف والأخير قضى برفض الدعوى الفرعية ، ومن عدم تحقيق دفاعه بأن ما تضمنته صحيفة الدعوى من عبارات اعتبرها الحكم سباً وقذفاً فى حق المطعون ضده الأول - المدعى الفرعى - إنما اقتضتها ضرورات الدفاع وتدخل فى باب النقد المباح بما ينفى عنها وصف الخطأ ولم يصبه ضرر من ورائه وهو ما لم يلتفت إليه الحكم أو يرد عليه رغم جوهريته وقضى على خلافه بالتعويض بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى مردود فى شقه الأول بما هو مقرر من أنه يشترط فى الإقرار القضائى الذى يعتد به ويعمل بأثره أن يكون صادراً عن إرادة يدرك بها المقر مرمى إقراره وأنه يقصد به إلزام نفسه بمقتضاه وأنه حجة عليه يعفى بها خصمه من تقديم ى دليل وترتيباً على ذلك فإنه لا يعتبر إقراراً ما يذكره الخصم فى ساحة القضاء يتصل بآخر فى الدعوى . لما كان ذلك وكان حضور وكيل المطعون ضده الأول بمحضر جلسة 7/ 10/ 2002 وطلبه رفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف لا يمثل إقراراً قضائى أو يحمل على غير ما قضى به الحكم الابتدائى فى غير مصلحته ويكون قضاء الحكم المطعون فيه فى طلبات المستأنف الفرعى لا يمثل تجاوزاً فى الطلبات المعروضة عليه ويكون النعى بهذا الوجه على غير أساس ، ومردود فى شقه الثانى بأن العبرة فى تحديد نطاق الدفاع فى الدعوى ، وما يعد تجاوزا له ، هى بموضوع الخصومة المطروحة ، وما يستلزمه اقتضاء الحقوق المدعى بها أو دفعها من غير إساءة وأن النقد المباح بشروطه الواضحة فيما سبق الرد به على أوجه النعى المماثلة فى الطعن رقم 6937 سنة 72 قضائية ينقل إلى مخبثه إذا أسئ استعماله بتوجيه ألفاظ سباب أو عبارات قذف تستطيل إلى الشخص المعنى فتحط من كرامته وقدره عند بنى وطنه وإذ كان الحكم المطعون فيه قد دلل بأسباب سائغة ومستنداً إلى أدلة مقبولة لها أصلها فى الأوراق إلى أن الطاعن انحرف وأساء استعمال حق الدفاع بتضمين صحيفة دعواه عبارات قذف وألفاظ سباب تناولت شخص المطعون ضده الأول بقصد التشهير به وتجريحه بسبب ضغائن أو دوافع شخصية منها وصمه إياه "بالكذب ومجافاة الحقيقة واستغلال موقعه ومساواته بمن يختلس أموال غيره واستعماله الصحف القومية وسيلة للابتزاز" وهو ما يمثل انحرافاً وينطوى على مضارة توجب تعويضه وكان هذا الذى خلص إليه الحكم كافى لإثبات الخطأ التقصيرى فى جانب الطاعن ومن شأنه أن يؤدى إلى ما انتهى إليه الحكم من مساءلة الطاعن عن الضرر الأدبى الذى لحق المطعون ضده الأول بسبب هذا الخطأ ويكون ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص مفتقراً إلى أساس قانونى صحيح ومن ثم يضحى النعى به على غير أساس.