أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 56 - من يناير إلى ديسمبر 2005 - صـ 176

جلسة 6 من مارس سنة 2005

برئاسة السيد المستشار/ مجدى الجندى نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ أنور محمد جبرى، أحمد جمال الدين عبد اللطيف، وعادل الكنانى نواب رئيس المحكمة وصفوت أحمد عبد المجيد.

(25)
الطعن رقم 18791 لسنة 65 القضائية

(1) حكم "بيانات حكم الإدانة" "بيانات التسبيب" "تسبيبه. تسبيب غير معيب". ضرب "ضرب أفضى إلى موت".
حكم الإدانة. بياناته؟ المادة 310 إجراءات.
عدم رسم القانون شكلاً معينًا لصياغة الحكم. كفاية أن يكون مجموع ما أورده مؤديًا إلى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها. النعى عليه بالقصور فى هذا الشأن. غير مقبول.
مثال لتسبيب سائغ لحكم صادر بالإدانة فى جريمة ضرب أفضى إلى موت.
(2) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها فى استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعى. ما دام سائغًا.
(3) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير أقوال الشهود" "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم "ما لا يعيبه فى نطاق التدليل".
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعى.
أخذ المحكمة بأقوال الشهود. مفاده؟
تناقض الشهود فى أقوالهم. لا يعيب الحكم. ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصا سائغا لا تناقض فيه.
ابتناء الحكم على أدلة ليس بينها تناسق تام. لا يعيبه. حد ذلك؟
عدم التزام المحكمة أن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم قضاءها عليه. لها تجزئة أقوالهم فتأخذ بما تطمئن إليه منها وتطرح ما عداه بيان العلة.
انتهاء الحكم الى تصوير للواقعة. مفاده: اطراح التصوير المخالف له.
(4) إثبات "بوجه عام" "أوراق رسمية". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل".
الأدلة فى المواد الجنائية إقناعية. للمحكمة الالتفات عن دليل النفى ولو حملته أوراق رسمية. ما دام يصح فى العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التى اطمأنت إليها.
(5) محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
عدم التزام المحكمة بالرد صراحة على أدلة النفى. ما دام الرد عليها مستفادًا ضمنًا من الحكم بالإدانة.
بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التى صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم. تعقبه فى كل جزئية من جزئيات دفاعه. غير لازم. التفاته عنها. مفاده: اطراحها.
الجدل الموضوعى فى تقدير الدليل وفى سلطة محكمة الموضوع فى وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها. غير جائز أمام محكمة النقض.
(6) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
إقرارات شاهدى الإثبات فى معرض نفى التهمة عن الطاعن. قول جديد يتضمن عدولهما عن اتهامه. حق المحكمة فى تقديره واطراحها له دون بيان العلة. التفات الحكم عنها. لا يعيبه.
(7) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل".
للمحكمة الإعراض عن قالة شهود النفى. ما دامت لا تثق بما شهدوا به. عدم التزامها بالإشارة إلى أقوالهم ما دامت لم تستند إليها. قضائها بالادانة لأدلة الثبوت التى أوردتها. مفاده: اطراحها.
(8) إثبات " بوجه عام ". حكم " تسبيبه. تسبيب غير معيب " " ما لا يعيبه فى نطاق التدليل ". دفوع " الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعى ". نقض " أسباب الطعن. ما لا يقبل منها ".
النعى على الحكم بالخطأ فى الإسناد فى مقام الرد على الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعى فى حق الطاعن. لا محل له. متى كان ما أورده الحكم فى هذا الشأن له صداه وأصله الثابت بالأوراق.
(9) أسباب الإباحة وموانع العقاب " الدفاع الشرعى ". محكمة الموضوع " سلطتها فى تقدير قيام حالة الدفاع الشرعى ". حكم " تسبيبه. تسبيب غير معيب ". نقض " أسباب الطعن. ما لا يقبل منها ". دفوع " الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعى ".
استطاعة الاستعانة بالسلطات العمومية لحماية الحق المهدد تحول دون إباحة فعل الدفاع الشرعى. أساس ومؤدى ذلك؟
تقدير موجبات استعمال القوة للدفاع الشرعى عن المال أو درء الاعتداء دونه وامكانية الركون إلى رجال السلطة العامة فى الوقت المناسب. موضوعى. أساس وعلة ذلك؟
بيان قدرة صاحب المال على دفع الاعتداء الواقع عليه بالالتجاء إلى السلطة. كاف للقول بأن ما أتاه من أفعال لم يكن مبررًا. التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر. صحيح.
تقدير الوقائع التى يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعى أو انتفاؤها. موضوعى. الجدل فى ذلك. لا محل له.
مثال لتسبيب سائغ لاطراح الدفع بتوافر حالة الدفاع الشرعى عن المال فى حق الطاعن.
1 - لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بقوله: " أنه فى يوم ...... حدثت مشاجرة بين المتهم ...... وشقيقه من جهة وبين المجنى عليه ..... وشقيقاه من الجهة الأخرى بسبب نزاع الطرفين على حيازة قطعة أرض فقام المتهم بإطلاق النار خلالها صوب أفراد الفريق الآخر من مسدسه المرخص له فأصاب أحد الأعيرة المجنى عليه فى عضده الأيسر واستقر المقذوف فى عضده الأيمن مما أفضى إلى موته.."، وساق الحكم على صحة الواقعة وإسنادها للطاعن أدلة استقاها من أقوال شهود الإثبات ومن تقرير الصفة التشريحية، لما كان ذلك، وكانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت فى كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانًا تتحقق به أركان الجريمة التى دان الطاعن بها والظروف التى وقعت فيها والأدلة التى استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها منه، وكان يبين مما سطره الحكم أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الضرب المفضى إلى الموت التى دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافى وألمت بها إلمامًا شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغى عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة. وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطًا يصوغ فيه بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التى وقعت فيها ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافيًا فى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة فإن ذلك يكون محققًا لحكم القانون، ومن ثم فإن منعى الطاعن فى هذا الصدد يكون لا محل له، لما كان ذلك.
2 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغًا مستندًا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق.
3 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التى يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه، وهى متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وأن التناقض بين أقوال الشهود على فرض حصوله لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصًا سائغًا لا تناقض فيه، كما أن ابتناء الحكم على أدلة ليس بينها تناسق تام لا يعيبه ما دام ترادفها وتظاهرها على الإدانة قاضيًا لها فى منطق العقل بعدم التناقض، وكانت المحكمة لا تلتزم بحسب الأصل أن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم قضاءها عليه؛ إذ لها فى سبيل استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى أن تجزئ أقوالهم فتأخذ بما تطمئن إليه منها وتطرح ما عداه دون إلزام عليها ببيان العلة، وإذ كان الطاعن لا ينازع فى صحة ما نقله الحكم من أقوال شهود الإثبات بما لا تناقض فيه فإنه لا يكون ثمة محل لتعييب الحكم فى صورة الواقعة التى اعتنقتها المحكمة واقتنعت بها بدعوى تناقض أقوال الشهود بشأن تلك الصورة وأن لها صورة أخرى، إذ أن مفاد ما تناهى إليه الحكم من تصوير للواقعة هو اطراح التصوير المخالف لهذا التصوير.
4 - من المقرر أن الأدلة فى المواد الجنائية إقناعية وللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفى ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح فى العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التى اطمأنت إليها من باقى الأدلة فى الدعوى.
5 - من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بالرد صراحة على أدلة النفى التى يتقدم بها المتهم ما دام الرد عليها مستفادًا ضمنا من الحكم بالإدانة اعتمادًا على أدلة الثبوت التى أوردها، إذ بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التى صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه فى كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فى شأن التفات الحكم عن المستند الرسمى الذى يفيد كذب الشاهد الثانى لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيًا فى تقدير الدليل وفى سلطة محكمة الموضوع فى وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
6 - من المقرر انه لا يعيب الحكم التفاته عن الإقرارات الصادرة من شاهدى الإثبات الأول والثانى على فرض أنها تتضمن عدولاً عن اتهام الطاعن فى معرض نفى التهمة عن الطاعن إذ لا يعدو ذلك أن يكون قولاً جديدًا من الشاهدين يتضمن عدولاً عن اتهامه، وهو ما يدخل فى تقدير محكمة الموضوع وسلطتها فى تجزئة الدليل ولا تلتزم فى حالة عدم أخذها به أن تورد سببًا لذلك إذ الأخذ بأدلة الثبوت التى ساقتها يؤدى دلالة إلى اطراح ما تضمنته تلك الإقرارات، ويكون منعى الطاعن فى هذا الشأن غير سديد.
7 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعرض عن قالة شهود النفى ما دامت لا تثق بما شهدوا به وهى غير ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم ما دامت لم تستند إليها، وفى قضائها بالإدانة لأدلة الثبوت التى أوردتها دلالة على أنها لم تطمئن إلى أقوال هؤلاء الشهود فاطرحتها، فإن منعى الطاعن فى هذا الخصوص يكون غير مقبول.
8 - لما كان البين من المفردات المضمومة أن ما أورده الحكم المطعون فيه فى معرض رده على الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعى من أن قيام المتهم بإطلاق النار على المجنى عليه وإحداث إصابته قد تم على مسافة كبيرة من مكان هذه الأرض أرض النزاع له صداه وأصله الثابت فى الأوراق خلافًا لما يدعيه الطاعن ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بدعوى الخطأ فى الإسناد فى هذا الشأن لا يكون له محل.
9 - لما كانت المادة 246 من قانون العقوبات بعد أن قننت حق الدفاع الشرعى عن النفس والمال، جاءت المادة 247 من ذات القانون ونصت على أنه: " وليس لهذا الحق وجود متى كان من الممكن الركون فى الوقت المناسب إلى الاحتماء برجال السلطة العمومية "، وهو ما يعنى أن استطاعة الاستعانة بالسلطات العمومية لحماية الحق المهدد تحول دون إباحة فعل الدفاع، ويتضح بذلك أن للدفاع الشرعى صفة احتياطية باعتباره لا محل له إلا عند عجز السلطات العمومية عن حماية الحق، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن واطرح فى منطق سائغ دعواه أنه كان فى حالة دفاع شرعى وخلص إلى أن الثابت من ظروف الدعوى أنها كانت تسمح للطاعن وفريقه اللجوء للشرطة وإخطارها بقيام المجنى عليه ومن معه بتشوين الطوب بأرضهم وأن الوقت والزمن يسمح لهم بذلك دون إهدار لحقوقهم الثابتة بالمستندات والتى تخول الشرطة التدخل لصالحهم، وكانت وقائع الدعوى كما أوردها الحكم فى مدوناته ترشح لما انتهى إليه فى هذا الشأن، فإن ذلك ينطوى على انتفاء حالة الدفاع الشرعى بجميع صوره المبينة فى القانون، وإذ كان من المقرر أن حق قاضى الدعوى فى تقدير ما إذا كان من استعمل القوة للدفاع عن المال فى إمكانه أن يركن فى الوقت المناسب إلى رجال السلطة، وفى تقدير ما إذا كان ممكنًا له أن يمنع الاعتداء الواقع على المال بطريقة أخرى غير القوة على حسب ما يؤخذ من نص المادتين 246، 247 من قانون العقوبات مما يدخل فى سلطته المطلقة لتعلقه بتحصيل فهم الواقع فى الدعوى، فيكفى لسلامة الحكم أن تبين المحكمة كيف كان صاحب الحق فى مقدوره دفع الاعتداء بالالتجاء للسلطة لتصل من ذلك إلى القول بأن ارتكاب صاحب المال للجناية التى وقعت منه لم يكن مبرر، وهو ما لم يقصر الحكم فى تبيانه أو تقديره، وإذ كان تقدير الوقائع التى يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعى أو انتفاؤها يتعلق بموضوع الدعوى، ولمحكمة الموضوع وحدها الفصل فيه بلا معقب متى كان استدلال الحكم سليمًا ويؤدى إلى ما انتهى إليه كما هو الحال فى الدعوى المطروحة ومن ثم فلا يقبل من الطاعن معاودة الجدل فيما خلصت إليه المحكمة فى هذا الخصوص، ويضحى ما يثيره بصدد الدفاع الشرعى لا محل له.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه وآخر قُضى ببراءته: قتل عمدًا ...... مع سبق الإصرار والترصد بأن بيت النية وعقد العزم على قتله وأعد لذلك سلاحه النارى المرخص (مسدس) وكمن له فى المكان الذى أيقن مروره فيه سلفًا وما أن ظفر به حتى خرج إليه من مكمنه وعاجله بإطلاق عدة أعيرة نارية نحوه بينما وقف الآخر لشد أزره قاصدًا من ذلك قتله فاستقرت إحداها بجسد المجنى عليه وأحدثت به الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته. وأحالته إلى محكمة جنايات ..... لمعاقبته طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى شقيق المجنى عليه مدنيًا قبل المتهم بمبلغ مائة وواحد جنيهًا على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضوريًا فى..... عملاً بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبته بالسجن لمدة ثلاث سنوات وإلزامه بأن يؤدى للمدعى بالحقوق المدنية مبلغ مائة وواحد جنيهًا على سبيل التعويض المؤقت وذلك باعتبار أن الواقعة المسندة إليه هى الضرب المفضى إلى موت.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض. وهذه المحكمة قضت بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات..... لتفصل فيها من جديد دائرة أخرى.
ومحكمة الإعادة - بهيئة أخرى - قضت حضوريًا عملاً بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبته بالسجن لمدة ثلاث سنوات عما أسند إليه وفى الدعوى المدنية بإحالتها إلى المحكمة المدنية المختصة وعلى قلم كتاب تلك المحكمة تحديد جلسة لنظرها أمامها.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض - للمرة الثانية - ..... إلخ.


المحكمة

وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضى إلى الموت قد شابه القصور فى التسبيب والإخلال بحق الدفاع والخطأ فى الإسناد والفساد فى الاستدلال، ذلك أنه لم يلم بواقعة الدعوى وأدلتها، واستند فى إثبات صورة الواقعة التى اعتنقها إلى أقوال شهود الإثبات الثلاثة رغم ما بينها من تنافر إذ أن الصورة التى قال بها شاهدى الإثبات الأول والثانى واعتنقها الحكم تناقض الصورة التى قال بها شاهد الإثبات الثالث - والتى اطرحها الحكم ولم يوردها فى مدوناته - والتى تفيد أن الواقعة مجرد مشاجرة بأرض النزاع استعمل فيها الطاعن حق الدفاع الشرعى عن المال ونتج عن ذلك قتل المجنى عليه خطأ، والتفت عن الشهادة الرسمية التى تفيد كذب الشاهد الثانى وعن الإقرارات الموثقة الصادرة من شاهدى الإثبات الأول والثانى والتى تفيد استحالة رؤية الفاعل بسبب الظلام وانقطاع الكهرباء ونفى صلة الطاعن بالواقعة ولم يرد عليها بما يفندها، كما التفت عن أقوال شهود النفى رغم دلالتها على نفى التهمة عنه وكذب شاهدى الإثبات الأول والثانى دون بيان العلة، وأورد فى معرض رده على دفاعه بقيام حالة الدفاع أن الواقعة حدثت على مسافة كبيرة من أرض النزاع بما لا أصل له فى الأوراق ويخالف الثابت بأقوال شاهد الإثبات الثالث، واطرح دفاعه بتوافر حالة الدفاع الشرعى عن المال بما لا يصلح، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بقوله: " أنه فى يوم ...... حدثت مشاجرة بين المتهم ....... وشقيقه من جهة وبين المجنى عليه ....... وشقيقاه من الجهة الأخرى بسبب نزاع الطرفين على حيازة قطعة أرض فقام المتهم بإطلاق النار خلالها صوب أفراد الفريق الآخر من مسدسه المرخص له فأصاب أحد الأعيرة المجنى عليه فى عضده الأيسر واستقر المقذوف فى عضده الأيمن مما أفضى إلى موته.."، وساق الحكم على صحة الواقعة وإسنادها للطاعن أدلة استقاها من أقوال شهود الإثبات ومن تقرير الصفة التشريحية، لما كان ذلك، وكانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت فى كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانًا تتحقق به أركان الجريمة التى دان الطاعن بها والظروف التى وقعت فيها والأدلة التى استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها منه، وكان يبين مما سطره الحكم أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الضرب المفضى إلى الموت التى دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافى وألمت بها إلمامًا شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغى عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطًا يصوغ فيه بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التى وقعت فيها ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافيًا فى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة فإن ذلك يكون محققًا لحكم القانون، ومن ثم فإن منعى الطاعن فى هذا الصدد يكون لا محل له، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغًا مستندًا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق، وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التى يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه، وهى متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وأن التناقض بين أقوال الشهود - على فرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصًا سائغًا لا تناقض فيه، كما أن ابتناء الحكم على أدلة ليس بينها تناسق تام لا يعيبه ما دام ترادفها وتظاهرها على الإدانة قاضيًا لها فى منطق العقل بعدم التناقض، وكانت المحكمة لا تلتزم بحسب الأصل أن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم قضاءها عليه؛ إذ لها فى سبيل استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى أن تجزئ أقوالهم فتأخذ بما تطمئن إليه منها وتطرح ما عداه دون إلزام عليها ببيان العلة، وإذ كان الطاعن لا ينازع فى صحة ما نقله الحكم من أقوال شهود الإثبات بما لا تناقض فيه فإنه لا يكون ثمة محل لتعييب الحكم فى صورة الواقعة التى اعتنقتها المحكمة واقتنعت بها بدعوى تناقض أقوال الشهود بشأن تلك الصورة وأن لها صورة أخرى، إذ أن مفاد ما تناهى إليه الحكم من تصوير للواقعة هو اطراح التصوير المخالف لهذا التصوير، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الأدلة فى المواد الجنائية إقناعية وللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفى ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح فى العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التى اطمأنت إليها من باقى الأدلة فى الدعوى، وكان من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بالرد صراحة على أدلة النفى التى يتقدم بها المتهم ما دام الرد عليها مستفادًا ضمنا من الحكم بالإدانة اعتمادًا على أدلة الثبوت التى أوردها، إذ بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التى صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه فى كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فى شأن التفات الحكم عن المستند الرسمى الذى يفيد كذب الشاهد الثانى لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيًا فى تقدير الدليل وفى سلطة محكمة الموضوع فى وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، لما كان ذلك، وكان لا يعيب الحكم التفاته عن الإقرارات الصادرة من شاهدى الإثبات الأول والثانى على فرض أنها تتضمن عدولاً عن اتهام الطاعن فى معرض نفى التهمة عن الطاعن إذ لا يعدو ذلك أن يكون قولاً جديدًا من الشاهدين يتضمن عدولاً عن اتهامه، وهو ما يدخل فى تقدير محكمة الموضوع وسلطتها فى تجزئة الدليل ولا تلتزم فى حالة عدم أخذها به أن تورد سببًا لذلك إذ الأخذ بأدلة الثبوت التى ساقتها يؤدى دلالة إلى اطراح ما تضمنته تلك الإقرارات، ويكون منعى الطاعن فى هذا الشأن غير سديد، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعرض عن قالة شهود النفى ما دامت لا تثق بما شهدوا به وهى غير ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم ما دامت لم تستند إليها، وفى قضائها بالإدانة لأدلة الثبوت التى أوردتها دلالة على أنها لم تطمئن إلى أقوال هؤلاء الشهود فاطرحتها، فإن منعى الطاعن فى هذا الخصوص يكون غير مقبول، لما كان ذلك، وكان البين من المفردات المضمومة أن ما أورده الحكم المطعون فيه فى معرض رده على الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعى من أن قيام المتهم بإطلاق النار على المجنى عليه وإحداث إصابته قد تم على مسافة كبيرة من مكان هذه الأرض أرض النزاع له صداه وأصله الثابت فى الأوراق خلافًا لما يدعيه الطاعن ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بدعوى الخطأ فى الإسناد فى هذا الشأن لا يكون له محل، لما كان ذلك، وكانت المادة 246 من قانون العقوبات بعد أن قننت حق الدفاع الشرعى عن النفس والمال، جاءت المادة 247 من ذات القانون ونصت على أنه: "وليس لهذا الحق وجود متى كان من الممكن الركون فى الوقت المناسب إلى الاحتماء برجال السلطة العمومية"، وهو ما يعنى أن استطاعة الاستعانة بالسلطات العمومية لحماية الحق المهدد تحول دون إباحة فعل الدفاع، ويتضح بذلك أن للدفاع الشرعى صفة احتياطية باعتباره لا محل له إلا عند عجز السلطات العمومية عن حماية الحق، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن واطرح فى منطق سائغ دعواه أنه كان فى حالة دفاع شرعى وخلص إلى أن الثابت من ظروف الدعوى أنها كانت تسمح للطاعن وفريقه اللجوء للشرطة وإخطارها بقيام المجنى عليه ومن معه بتشوين الطوب بأرضهم وأن الوقت والزمن يسمح لهم بذلك دون إهدار لحقوقهم الثابتة بالمستندات والتى تخول الشرطة التدخل لصالحهم، وكانت وقائع الدعوى كما أوردها الحكم فى مدوناته ترشح لما انتهى إليه فى هذا الشأن، فإن ذلك ينطوى على انتفاء حالة الدفاع الشرعى بجميع صوره المبينة فى القانون، وإذ كان من المقرر أن حق قاضى الدعوى فى تقدير ما إذا كان من استعمل القوة للدفاع عن المال فى إمكانه أن يركن فى الوقت المناسب إلى رجال السلطة، وفى تقدير ما إذا كان ممكنًا له أن يمنع الاعتداء الواقع على المال بطريقة أخرى غير القوة على حسب ما يؤخذ من نص المادتين 246، 247 من قانون العقوبات مما يدخل فى سلطته المطلقة لتعلقه بتحصيل فهم الواقع فى الدعوى، فيكفى لسلامة الحكم أن تبين المحكمة كيف كان صاحب الحق فى مقدوره دفع الاعتداء بالالتجاء للسلطة لتصل من ذلك إلى القول بأن ارتكاب صاحب المال للجناية التى وقعت منه لم يكن مبرر، وهو ما لم يقصر الحكم فى تبيانه أو تقديره، وإذ كان تقدير الوقائع التى يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعى أو انتفاؤها يتعلق بموضوع الدعوى، ولمحكمة الموضوع وحدها الفصل فيه بلا معقب متى كان استدلال الحكم سليمًا ويؤدى إلى ما انتهى إليه كما هو الحال فى الدعوى المطروحة ومن ثم فلا يقبل من الطاعن معاودة الجدل فيما خلصت إليه المحكمة فى هذا الخصوص، ويضحى ما يثيره بصدد الدفاع الشرعى لا محل له، لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا.