أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 56 - من يناير إلى ديسمبر 2005 - صـ 761

جلسة 7 من ديسمبر سنة 2005

برئاسة السيد المستشار/ محمود عبد البارى نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد حسين مصطفى، إبراهيم الهنيدى، مصطفى محمد أحمد ومحمود عبد الحفيظ نواب رئيس المحكمة.

(106)
الطعن رقم 56397 لسنة 75 القضائية

(1) إثبات "بوجه عام". قتل عمد. سبق إصرار. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
مثال لتسبيب سائغ لحكم صادر بالإدانة فى جريمة قتل عمد مع سبق الإصرار.
(2) إثبات "اعتراف". إكراه. دفوع "الدفع ببطلان الاعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لمحكمة الموضوع تقدير صحة الاعتراف وقيمته فى الإثبات والبحث فيما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه انتزع منه بطريق الإكراه. حد ذلك؟
مثال لتسبيب سائغ لاطراح الدفع ببطلان الاعتراف لكونه وليد إكراه.
(3) جريمة "أركانها". قتل عمد. قصد جنائى. محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير توافر القصد الجنائى". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل. أمر خفى. إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه. استخلاص توافره. موضوعى.
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على توافر نية القتل فى جريمة قتل عمد.
(4) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها فى استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى" "سلطتها فى تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعى. ما دام سائغًا.
عدم التزام المحكمة بالأخذ بالأدلة المباشرة وحدها. حقها فى استخلاص صورة الدعوى بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية.
تساند الأدلة فى المواد الجنائية. مؤداه؟
تجريح أدلة الدعوى لمناقضة الصورة التى ارتسمت فى وجدان المحكمة. غير مقبول أمام محكمة النقض.
(5) إعدام. محكمة النقض "سلطتها". نيابة عامة.
إثبات تاريخ تقديم مذكرة النيابة العامة فى قضايا الإعدام. غير لازم.
اتصال محكمة النقض بالدعوى المحكوم فيها بالإعدام بمجرد عرضها عليها. دون التقيد بالرأى الذى ضمنته النيابة مذكرتها.
(6) سبق إصرار. ظروف مشددة. قتل عمد. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
سبق الإصرار. ماهيته؟
انصراف غرض المصر على العدوان إلى شخص معين بالذات لتوافر سبق الإصرار. غير لازم. كفاية انصرافه إلى شخص غير معين وجده أو التقى به مصادفة.
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على توافر ظرف سبق الإصرار فى جريمة قتل عمد.
(7) اقتران. سرقة. ظروف مشددة. عقوبة "تقديرها". قتل عمد. محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الاقتران". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
كفاية إثبات الحكم استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما. لتغليظ العقاب عملاً بنص المادة 234/ 2 عقوبات. تقدير ذلك. موضوعى. ما دام سائغًا.
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على توافر ظرف الاقتران فى جريمة قتل عمد.
(8) أسباب الإباحة وموانع العقاب "الجنون والعاهة العقلية". إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير الحالة العقلية للمتهم. موضوعى. ما دام سائغًا.
مثال.
(9) إثبات "بوجه عام" "أوراق رسمية". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل".
الأدلة فى المواد الجنائية إقناعية. للمحكمة الالتفات عن دليل النفى ولو حملته أوراق رسمية. شرط ذلك؟
(10) قتل عمد. إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تدليل الحكم على ثبوت واقعة قتل المجنى عليه رغم عدم العثور على جثته كاملة. لا ينال من سلامته.
(11) حكم "بيانات التسبيب". عقوبة "تطبيقها". محكمة النقض "سلطتها".
خطأ الحكم فى مادة العقاب. لا يبطله. ما دام قد وصف الفعل وبين واقعة الدعوى وقضى بالعقوبة الواجبة التطبيق. لمحكمة النقض تصحيحه. المادة 40 من القانون رقم 57 لسنة 1959.
(12) إعدام. حكم "بيانات التسبيب" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الحكم الصادر بالإعدام. ما يلزم من تسبيب لإقراره؟
1 - لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى فى قوله: " تتحصل فى أن المتهم...... (الطاعن) ولمروره بضائقة مالية فقد أعمل فكره الشيطانى فى وسيلة للخلاص من تلك الضائقة المالية وفى روية لا يشوبها تعجل وهدوء لا يخالطه اضطراب وضع خطته باستدراج أحد سائقى سيارات الأجرة من موقف...... وقتله وسرقة سيارته وبيعها واغتنام ثمنها إذ كان ذلك قبل ثمانية أيام سابقة على تنفيذ ما انتواه وقد أعد للقتل سلاح نارى طبنجة 9 م ميرى، وعمره بسبع طلقات لتنفيذ جريمته التى بدأت عندما توجه إلى موقف...... قبل مغرب يوم...... حوالى الساعة...... وتقابل مع الشاهد الثانى...... الذى اعتذر عن توصيله إلى نقطة إسعاف...... لتعطل سيارته فاتفق المتهم مع المجنى عليه...... لتوصيله إلى المكان سالف الذكر والعودة مرة أخرى مقابل مبلغ...... جنيه واستقلا السيارة بيجو رقم...... ملاكى...... المملوكة للمجنى عليه ويعمل عليها كسائق حتى وصلا إلى نقطة...... وتقابلا مع الشهود الثالث...... والرابع...... والخامس...... واحتسيا معهم الشاى وانصرفا وقت الغروب وقد سلك المجنى عليه الطريق الصحراوى الشرقى بناء على طلب المتهم وحين بدأ الليل يرخى سدوله بدأ المتهم فى تنفيذ ما انتواه بأن طلب من المجنى عليه التوقف بالسيارة على جانب الطريق بزعم قضاء حاجة وإذ توقفت السيارة خرج منها المتهم وقام بإخراج سلاحه النارى وصوبه ناحية رأس المجنى عليه وأطلق منه عيارين ناريين فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أردته قتيلاً مضجرًا فى دمائه التى علقت بمفروشات السيارة فأضحت شاهدة عليه وحينئذ راح المتهم يتحسس صدر ضحيته ليتأكد من مقتله ثم قام بسحب جثته خارج السيارة وجرها حوالى خمسون مترًا إلى حيث وضعها خلف كومة من الحجارة ثم عاد إلى مسرح جريمته السيارة فى محاولة للتخلص من آثارها فأخذ دواسة السيارة ووسادة قطنية ملوثتين بالدماء وكذلك فوطة مع بعض آثار الدماء من داخل السيارة وألقى بهم خارجها وإذ بدى للمتهم أنه أنهى تنفيذ الشق الأول من خطته فقد بدأ وفى رابطة زمنية متصلة فى تنفيذ شقها الثانى باستيلائه على سيارة قتيله وإخفائها عن الأعين بمنطقة...... حتى صباح اليوم التالى...... حيث استقلها فى طريقه إلى منطقة...... لبيعها والحصول على مغنمه منها ولكن ارتكابه لحادث مرورى واصطدامه بسيارة ميكروباص رقم...... قيادة الشاهد السادس...... ثم فراره بها بالسيارة وتعطلها اضطره إلى تركها ب...... عند محطة كهرباء...... وتوجه إلى منطقة...... دونها ولم يتمكن من بيعها فعاد أدراجه إلى مسكنه وإذ أبلغ الشاهدان السابع...... والثامن...... بغياب والدهما المجنى عليه وتم عمل نشرة بمواصفات السيارة فتم العثور عليها وبها تلفيات وآثار وأجرى الشاهد الأول مقدم...... تحرياته أسفرت عن ارتكاب المتهم واقعة الدعوى وقد أقر للشاهد المذكور بمقارفتها وأرشده إلى مسرح الجريمة وما تخلف عنها من آثار أشلاء جثة المجنى عليه وفارغ طلقة ووسادة ودواسة وفوطة ملوثات بدماء آدمية كما أرشده إلى السلاح المستخدم فى الحادث حيث تم ضبطه ووجده بمسكن المتهم الذى اعترف بارتكاب الحادث وبكيفية وقوعه "، وقد ساق الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة فى حق الطاعن أدلة استقاها من اعتراف الطاعن بتحقيقات النيابة العامة ولدى نظر تجديد حبسه أمام قاضى المعارضات ومحضر معاينة النيابة التصويرية ومن أقوال الشهود وما تضمنه محضر معاينة النيابة العامة لمكان الحادث وتقارير الطبيب الشرعى وتقرير مصلحة الأدلة الجنائية، وهى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها.
2 - لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان الاعتراف لأنه وليد إكراه واطرحه فى قوله: " حيث إنه لما كان من المقرر أن الاعتراف فى المسائل الجنائية من العناصر التى تملك محكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير صحتها وقيمتها فى الإثبات، وأن لها وحدها البحث فى صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه باطلاً لانتزاعه منه تحت تأثير إكراه مادى ومعنوى وإجبار الضابط له للإدلاء به بالتحقيقات وحضوره أثناء الإدلاء به وأنه غير مطابق للحقيقة والواقع، وإذ كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن المتهم مثل أمام النيابة بجلسة...... وبمحضرها وقد ناظره وكيل النيابة وأفهمه أن النيابة العامة هى التى تباشر التحقيق معه ولم يجد به أية إصابات واعترف المتهم له بارتكاب الحادث اعترافًا تفصيليًا وأكد اعترافه لدى تمثيله كيفية وقوع الحادث وكذلك أمام قاضى المعارضات فى جلسات متلاحقة ولم يقل المتهم فى أية مرحلة من مراحل التحقيق أو أمام قاضى المعارضات بحصول ذلك الإكراه المدعى به، فضلاً عن أن وجود ضابط الشرطة أثناء التحقيق مع المتهم بفرض حصوله لا أثر له على إرادة المتهم من الإدلاء باعترافه مادام أنه لم يثبت أن سلطان رجال الشرطة قد استطال إليه بالأذى ماديًا أو معنويًا، هذا فوق أن خشية المتهم من سلطان وظيفة رجال الشرطة لا يعد من الإكراه المبطل للاعتراف معنًا وحكمًا، وكان اعتراف المتهم قد ورد مفصلاً كيفية ارتكاب الجريمة وكيفية تنفيذها وأداة التنفيذ على نحو يتفق مع باقى أدلة الدعوى المادية الفنية وشهودها بما يخدم ويؤكد بمطابقة اعتراف المتهم للحقيقة والواقع، وإذ كان ما تقدم، وكانت المحكمة تطمئن إلى صحة اعتراف المتهم فى مراحل التحقيق والمحاكمة وإلى صدوره عنه خالص من أى شائبة، الأمر الذى يضحى معه دفاع المتهم فى شأن ما تقدم هو دفاع خلت الأوراق من سند عليه أو ظاهر يؤكده، كما تلتفت المحكمة عن دفاع المتهم بأن ما أدلى به من اعتراف لا ينم عن أنه شخص طبيعى وأنه أجرى جراحة بالمخ، ذلك أن هذا الدفاع دحضه ما ورد بتقرير مستشفى...... للأمراض النفسية والسابق الإشارة إليه من أن المتهم سليم وليس به أية آفة عقلية ومدرك لكافة أفعاله التى أتاها ". لما كان ذلك، وكان الطاعن لا يمارى فى صحة ما نقله الحكم من الأوراق فى معرض رده على دفاعه، وكان هذا الذى رد به الحكم على ما أثير بشأن تعييب اعتراف المتهم سائغًا فى تفنيده وفى نفى أية صلة للاعتراف بأى نوع من الإكراه، وكان من المقرر أن الاعتراف فى المسائل الجنائية هو من العناصر التى تملك محكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير صحتها وقيمتها فى الإثبات، فلها بهذه المثابة أن تقرر عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه بغير معقب، مادامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة كما هو الحال فى الدعوى فإن تعييب الحكم فى هذا الخصوص يكون فى غير محله.
3 - لما كان الحكم المطعون فيه قد دلل على نية القتل بقوله: " وحيث إن قصد القتل أمر خفى لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه، وإذ كان ذلك، فإن المحكمة تطمئن إلى توافر تلك النية فى حق المتهم بانية عقيدتها فى ذلك من ظروف ارتكاب المتهم الواقعة وتبييت النية على قتل أحد سائقى الأجرة وحيازته لأداة بقصد القتل وهى طبنجة معمرة بالذخيرة واصطحابه المجنى عليه لمكان غير آهل بالسكان وإطلاقه عيارين ناريين من سلاح قاتل بطبيعته وفى موضع قاتل من المجنى عليه وهى رأسه ألا أدل على هذه النية من أنه وإثر أن أطلق المتهم الأعيرة على رأس المجنى عليه توجه إليه وتحسس صدره ليتأكد من قتله، هذا وقد اعترف المتهم فى كافة مراحل التحقيق والمحاكمة بقتل المجنى عليه وبتوافر نيته على ذلك، الأمر الذى تطمئن معه المحكمة إلى توافر تلك النية فى حق المتهم ". لما كان ذلك، وكان قصد القتل أمرًا خفيًا لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضى الموضوع فى حدود سلطته التقديرية، وكان ما أورده الحكم يكفى فى استظهار نية القتل، فإن النعى على الحكم فى هذا الشأن يكون على غير أساس.
4 - لما كان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى مادام استخلاصها سائغًا مستندًا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق، وهى فى ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت فى وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية، وأنه لا يلزم فى الأدلة التى يعتمد عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى، لأن الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضًا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضى فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الأدلة، بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده منها الحكم ومنتجة فى اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد اطمأن إلى حصول الواقعة طبقًا للتصوير الذى أورده، وكانت الأدلة التى استند إليها فى ذلك سائغة ومقبولة فى العقل والمنطق ولا يجادل الطاعن فى أن لها معينها من الأوراق، فإن ما يثيره الطاعن من روايته التى أدلى بها وما أورده بعض الشهود بشأنها تخالف ما اعتنقته المحكمة، لا يعدو أن يكون محاولة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأديًا من ذلك إلى مناقضة الصورة التى ارتسمت فى وجدان المحكمة بالدليل الصحيح، وهو ما لم يقبل إثارته أمام محكمة النقض.
5 - لما كانت النيابة العامة وإن كانت قد عرضت القضية الماثلة على هذه المحكمة عملاً بنص المادة 46 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، مشفوعة بمذكرة برأيها فى الحكم دون إثبات تاريخ تقديمها بحيث يستدل منه على أنه روعى فيها عرض القضية فى ميعاد الستين يومًا المبينة بالمادة 34 من ذلك القانون، إلا أنه لما كان تجاوز هذا الميعاد وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة، بل إن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها لتفصل فيها وتستبين من تلقاء نفسها دون أن تتقيد بمبنى الرأى الذى ضمنته النيابة مذكرتها ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من عيوب يستوى فى ذلك أن يكون عرض النيابة فى الميعاد المحدد أو بعد فواته، ومن ثم يتعين قبول عرض النيابة العامة لهذه القضية.
6 - لما كان يبين من الاطلاع على أوراق القضية أن الحكم المطروح قد استظهر سبق الإصرار وتوافره فى حق المحكوم عليه فى قوله: "وحيث إنه عن ظرف سبق الإصرار، فإنه لما كان من المقرر أنه يستلزم بطبيعته أن يكون الجانى قد فكر فيما أعزمه وتدبر عواقبه وهو هادئ البال، وأن البحث فى توافره من إطلاقات محكمة الموضوع تستخلصه من ظروف الدعوى وعناصرها، وإذ كان ذلك، وكان الثابت فى حق المتهم حسبما استبان للمحكمة من ظروف الدعوى وعناصرها على ما سلف بيانه تدبر الأمر قبل الحادث بفترة كافية حوالى ثمانية أيام فى هدوء وروية وانتوى قتل أحد سائقى السيارات بعد استدراجه من الموقف ليتمكن سرقة سيارته وأنه جهز لأداة القتل ما أحرزه من سلاح وذخيرة توجه إلى موقف سيارات...... لتنفيذ خطته التى عقد العزم عليها وقارف بالفعل جريمته ونفذ ما خطط له بهدوء وروية، وكان هذا ما اعترف به المتهم فى التحقيقات وتأيد بأقوال الشاهد الأول، الأمر الذى يكون ظرف سبق الإصرار قد توفر فى حقه، بما يضحى معه دفاعه فى شأن عدم توافره وبأن القتل كان بسبب خلاف حول الأجرة هو دفاع قائم على غير سند من الواقع والقانون متعينًا رفضه "، وكان ما ساقه الحكم فيما تقدم سائغ ويتحقق به ظرف سبق الإصرار كما هو معرف به فى القانون، ذلك بأن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجانى فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة وإنما هى تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضى منها استخلاصًا مادام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج، وهو ما لم يخطئ الحكم فى تقديره، ولا يشترط لتوافر هذا الظرف أن يكون غرض المصر هو العدوان على شخص معين بالذات، بل يكفى أن يكون غرضه المصمم عليه منصرفًا إلى شخص غير معين وجده أو التقى به مصادفة.
7 - لما كان الحكم قد استظهر ظرف الاقتران فى قوله: " وحيث إنه لما كان يكفى لتوافر ظرف الاقتران المنصوص عليه فى المادة 234/ 1 عقوبات فى الأوراق أن يثبت استقلال الجريمة المقترنة عن القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما بأن تكون الجريمتين قد ارتكبتا فى وقت واحد وفى فترة قصيرة من الزمن، وإذ كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق استقلال جريمة قتل المجنى عليه عن جريمة سرقة سيارته من الطريق العام ليلاً حال حمله سلاحًا وقد تميزت تلك الجريمة الأخيرة بأفعال مستقلة، ذلك أنه بعد قيام المتهم بقتل المجنى عليه فقد بدأ فى تنفيذ باقى مخططه الذى عقد العزم عليه واعترف به وهو سرقة سيارة المجنى عليه لبيعها وقد قامت المصاحبة الزمنية بين الجريمتين، الأمر الذى يوفر فى حق المتهم ظرف الاقتران ويدحض معه دفاعه فى شأن عدم توافره وأنه لم يقصد من القتل السرقة ذلك لتوافر شرط الاقتران واقعًا وقانونًا، واطمئنان المحكمة إلى اعترافه بأن قصده من القتل هو السرقة "، فإن ما ساقه الحكم فيما تقدم يتفق وصحيح القانون ويتحقق به معنى الاقتران، لما هو مقرر من أنه يكفى لتغليظ العقاب عملاً بالفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات أن يثبت الحكم استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما، بأن تكون الجرائم قد ارتكبت فى وقت واحد وفى فترة قصيرة من الزمن، وتقدير ذلك مما يستقل به قاضى الموضوع، مادام يقيمه على ما يسوغه كما هو الحال فى الدعوى المطروحة.
8 - لما كان الحكم قد أورد مضمون تقرير مستشفى الأمراض النفسية بـ...... الذى جاء به أن الطاعن لا يعانى من أية أعراض لمرض عقلى وقت ارتكاب الفعل موضوع القضية وأنه مسئول عما فعل وذلك لسلامة الإدراك والعاطفة والإرادة والتفكير وقت ارتكاب الفعل المسند إليه، وذلك فى مجال الرد على دفاع الطاعن من أن ما أدلى به من اعتراف لا ينم على شخص طبيعى وأنه أجرى جراحة بالمخ، فإن التفكير والإدراك والاختيار والعاطفة والإرادة سليمة غير مضطربة ومدرك لكافة أقواله التى أتاها، بما مفاده أن الحكم أخذ بهذا التقرير فى شأن حالة المحكوم عليه العقلية. لما كان ذلك، وكان الأصل أن تقدير حالة المتهم العقلية من الأمور الموضوعية التى تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها، مادامت تقيم قضاءها على أسباب سائغة، وهو ما لم يخطئ الحكم فى تقديره، ومن ثم يكون بريئًا من القصور.
9 - من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الأدلة فى المواد الجنائية إقناعية، وللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفى ولو حملته أوراق رسمية مادام يصح فى العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التى اطمأنت إليها من باقى الأدلة القائمة فى الدعوى، ومن ثم فإن النعى على الحكم يكون فى غير محله.
10 - لما كان لا ينال من سلامة الحكم أن تكون جثة المجنى عليه لم يعثر عليها كاملة، مادامت المحكمة قد بينت بالأدلة التى اعتنقتها بوقوع جناية القتل على شخص المجنى عليه.
11 - لما كان من المقرر أن الخطأ فى رقم مادة العقاب المطبقة لا يترتب عليه بطلان الحكم، مادام قد وصف الفعل وبين واقعة الدعوى موضوع الإدانة بيانًا كافيًا وقضى بعقوبة لا تخرج عن حدود المادة الواجب تطبيقها، فإن خطأ الحكم بتخصيص المادة 234 من قانون العقوبات بفقرتها الأولى بدلاً من الفقرة الثانية لا يعيبه، وحسب محكمة النقض أن تصحح الخطأ الذى وقع فى أسباب الحكم المطعون فيه، وذلك باستبدال الفقرة الثانية من المادة 234 المذكورة بالفقرة الأولى عملاً بنص المادة 40 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959.
12 - لما كان يبين إعمالاً لنص المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض آنف البيان أن الحكم المطعون قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التى دان الطاعن بها بالإعدام وساق عليها أدلة سائغة مردودة إلى أصلها فى الأوراق ومن شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها، وقد صدر الحكم بإجماع آراء أعضاء المحكمة وبعد استطلاع رأى مفتى الجمهورية قبل إصدار الحكم وفقًا للمادة 381/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية، كما جاء الحكم خلوًا من مخالفة القانون أو الخطأ فى تطبيقه أو تأويله، وقد صدر من محكمة مشكلة وفق القانون ولها ولاية الفصل فى الدعوى ولم يصدر بعده قانون يسرى على واقعة الدعوى بغير ما انتهى إليه هذا الحكم، ومن ثم يتعين قبول عرض النيابة وإقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: قتل......0 عمدًا مع سبق الإصرار بأن بيت النية وعقد العزم المصمم على قتله وأعد لهذا الغرض " طبنجته الميرى رقم...... " واصطحبه إلى مكان الحادث الذى أيقن سلفًا عدم وجود أحد فيه وما أن تهيأت الفرصة للإجهاز عليه حتى أطلق عليه عيارين من السلاح النارى سالف الذكر قاصدًا من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الطب الشرعى والتى أودت بحياته وقد اقترنت تلك الجناية بجناية أخرى تلتها وهى أنه بذات المكان والزمان سالفى الذكر سرق السيارة المبينة بالتحقيقات والمملوكة للمجنى عليه سالف الذكر وكان ذلك بالطريق العام حال كونه حاملاً سلاحًا ناريًا " طبنجة " سالف الذكر.
وأحالته إلى محكمة جنايات...... لمعاقبته طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
وادعى نجل المجنى عليه مدنيًا قبل المتهم بمبلغ ألفين وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
والمحكمة المذكورة قررت بجلسة...... وبإجماع الآراء بإحالة أوراق الدعوى إلى فضيلة المفتى لاستطلاع الرأى فيما نسب إلى المتهم.
وبجلسة...... قضت وعملاً بالمواد 230، 231، 234/ 1، 315/ ثالثًا من قانون العقوبات وبإجماع الآراء بإعدامه شنقًا لما أسند إليه وفى الدعوى المدنية بإلزامه بأن يؤدى للمدعى بالحق المدنى مبلغ ألفين وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار المقترن بجناية السرقة فى الطريق العام ليلاً مع حمل السلاح قد شابه القصور فى التسبيب، ذلك أن المدافع عن الطاعن دفع ببطلان الاعتراف المنسوب إليه لأنه وليد إكراه لصدوره نتيجة ضغوط مادية وأدبية بدلالة أن اعترافه فى بداية التحقيقات من أنه ذهب لموقف السيارات ليس لقتل سائق وسرقة سيارته وقد ردت المحكمة على هذا الدفع بما لا يسوغ، إلى جانب أن الحكم لم يدلل تدليلاً كافيًا على توافر نية القتل فى حقه وما ساقه فى هذا الخصوص مجرد أفعال مادية لا يستقى منها أن الطاعن اصطحب المجنى عليه من موقف السيارات أمام الجميع ليس لقتله وسرقة سيارته ولكن لتوصيله إلى من يدعى...... بنقطة إسعاف...... النيل بدلالة ما شهد به الشهود الثلاثة المتواجدين بالمكان سالف الذكر وأن الطاعن أطلق الأعيرة النارية على المجنى عليه لخلاف نشب بينهما على الأجرة، مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى فى قوله: " تتحصل فى أن المتهم...... (الطاعن) ولمروره بضائقة مالية فقد أعمل فكره الشيطانى فى وسيلة للخلاص من تلك الضائقة المالية وفى روية لا يشوبها تعجل وهدوء لا يخالطه اضطراب وضع خطته باستدراج أحد سائقى سيارات الأجرة من موقف...... وقتله وسرقة سيارته وبيعها واغتنام ثمنها إذ كان ذلك قبل ثمانية أيام سابقة على تنفيذ ما انتواه وقد أعد للقتل سلاح نارى طبنجة 9 م ميرى، وعمره بسبع طلقات لتنفيذ جريمته التى بدأت عندما توجه إلى موقف...... قبل مغرب يوم...... حوالى الساعة...... وتقابل مع الشاهد الثانى...... الذى اعتذر عن توصيله إلى نقطة إسعاف...... لتعطل سيارته فاتفق المتهم مع المجنى عليه...... لتوصيله إلى المكان سالف الذكر والعودة مرة أخرى مقابل مبلغ...... جنيه واستقلا السيارة بيجو رقم...... ملاكى...... المملوكة للمجنى عليه ويعمل عليها كسائق حتى وصلا إلى نقطة...... وتقابلا مع الشهود الثالث...... والرابع...... والخامس...... واحتسيا معهم الشاى وانصرفا وقت الغروب وقد سلك المجنى عليه الطريق الصحراوى الشرقى بناء على طلب المتهم وحين بدأ الليل يرخى سدوله بدأ المتهم فى تنفيذ ما انتواه بأن طلب من المجنى عليه التوقف بالسيارة على جانب الطريق بزعم قضاء حاجة وإذ توقفت السيارة خرج منها المتهم وقام بإخراج سلاحه النارى وصوبه ناحية رأس المجنى عليه وأطلق منه عيارين ناريين فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أردته قتيلاً مضجرًا فى دمائه التى علقت بمفروشات السيارة فأضحت شاهدة عليه وحينئذ راح المتهم يتحسس صدر ضحيته ليتأكد من مقتله ثم قام بسحب جثته خارج السيارة وجرها حوالى خمسون مترًا إلى حيث وضعها خلف كومة من الحجارة ثم عاد إلى مسرح جريمته السيارة فى محاولة للتخلص من آثارها فأخذ دواسة السيارة ووسادة قطنية ملوثتين بالدماء وكذلك فوطة مع بعض آثار الدماء من داخل السيارة وألقى بهم خارجها وإذ بدى للمتهم أنه أنهى تنفيذ الشق الأول من خطته فقد بدأ وفى رابطة زمنية متصلة فى تنفيذ شقها الثانى باستيلائه على سيارة قتيله وإخفائها عن الأعين بمنطقة...... حتى صباح اليوم التالى...... حيث استقلها فى طريقه إلى منطقة...... لبيعها والحصول على مغنمه منها ولكن ارتكابه لحادث مرورى واصطدامه بسيارة ميكروباص رقم...... قيادة الشاهد السادس...... ثم فراره بها بالسيارة وتعطلها اضطره إلى تركها ب...... عند محطة كهرباء...... وتوجه إلى منطقة...... دونها ولم يتمكن من بيعها فعاد أدراجه إلى مسكنه وإذ أبلغ الشاهدان السابع...... والثامن...... بغياب والدهما المجنى عليه وتم عمل نشرة بمواصفات السيارة فتم العثور عليها وبها تلفيات وآثار وأجرى الشاهد الأول مقدم...... تحرياته أسفرت عن ارتكاب المتهم واقعة الدعوى وقد أقر للشاهد المذكور بمقارفتها وأرشده إلى مسرح الجريمة وما تخلف عنها من آثار أشلاء جثة المجنى عليه وفارغ طلقة ووسادة ودواسة وفوطة ملوثات بدماء آدمية كما أرشده إلى السلاح المستخدم فى الحادث حيث تم ضبطه ووجده بمسكن المتهم الذى اعترف بارتكاب الحادث وبكيفية وقوعه "، وقد ساق الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة فى حق الطاعن أدلة استقاها من اعتراف الطاعن بتحقيقات النيابة العامة ولدى نظر تجديد حبسه أمام قاضى المعارضات ومحضر معاينة النيابة التصويرية ومن أقوال الشهود وما تضمنه محضر معاينة النيابة العامة لمكان الحادث وتقارير الطبيب الشرعى وتقرير مصلحة الأدلة الجنائية، وهى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان الاعتراف لأنه وليد إكراه واطرحه فى قوله: " حيث إنه لما كان من المقرر أن الاعتراف فى المسائل الجنائية من العناصر التى تملك محكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير صحتها وقيمتها فى الإثبات، وأن لها وحدها البحث فى صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه باطلاً لانتزاعه منه تحت تأثير إكراه مادى ومعنوى وإجبار الضابط له للإدلاء به بالتحقيقات وحضوره أثناء الإدلاء به وأنه غير مطابق للحقيقة والواقع، وإذ كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن المتهم مثل أمام النيابة بجلسة...... وبمحضرها وقد ناظره وكيل النيابة وأفهمه أن النيابة العامة هى التى تباشر التحقيق معه ولم يجد به أية إصابات واعترف المتهم له بارتكاب الحادث اعترافًا تفصيليًا وأكد اعترافه لدى تمثيله كيفية وقوع الحادث وكذلك أمام قاضى المعارضات فى جلسات متلاحقة ولم يقل المتهم فى أية مرحلة من مراحل التحقيق أو أمام قاضى المعارضات بحصول ذلك الإكراه المدعى به، فضلاً عن أن وجود ضابط الشرطة أثناء التحقيق مع المتهم بفرض حصوله لا أثر له على إرادة المتهم من الإدلاء باعترافه مادام أنه لم يثبت أن سلطان رجال الشرطة قد استطال إليه بالأذى ماديًا أو معنويًا، هذا فوق أن خشية المتهم من سلطان وظيفة رجال الشرطة لا يعد من الإكراه المبطل للاعتراف معنًا وحكمًا، وكان اعتراف المتهم قد ورد مفصلاً كيفية ارتكاب الجريمة وكيفية تنفيذها وأداة التنفيذ على نحو يتفق مع باقى أدلة الدعوى المادية الفنية وشهودها بما يخدم ويؤكد بمطابقة اعتراف المتهم للحقيقة والواقع، وإذ كان ما تقدم، وكانت المحكمة تطمئن إلى صحة اعتراف المتهم فى مراحل التحقيق والمحاكمة وإلى صدوره عنه خالص من أى شائبة، الأمر الذى يضحى معه دفاع المتهم فى شأن ما تقدم هو دفاع خلت الأوراق من سند عليه أو ظاهر يؤكده، كما تلتفت المحكمة عن دفاع المتهم بأن ما أدلى به من اعتراف لا ينم عن أنه شخص طبيعى وأنه أجرى جراحة بالمخ، ذلك أن هذا الدفاع دحضه ما ورد بتقرير مستشفى...... للأمراض النفسية والسابق الإشارة إليه من أن المتهم سليم وليس به أية آفة عقلية ومدرك لكافة أفعاله التى أتاها ". لما كان ذلك، وكان الطاعن لا يمارى فى صحة ما نقله الحكم من الأوراق فى معرض رده على دفاعه، وكان هذا الذى رد به الحكم على ما أثير بشأن تعييب اعتراف المتهم سائغًا فى تفنيده وفى نفى أية صلة للاعتراف بأى نوع من الإكراه، وكان من المقرر أن الاعتراف فى المسائل الجنائية هو من العناصر التى تملك محكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير صحتها وقيمتها فى الإثبات، فلها بهذه المثابة أن تقرر عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه بغير معقب، مادامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة كما هو الحال فى الدعوى فإن تعييب الحكم فى هذا الخصوص يكون فى غير محله. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على نية القتل بقوله: " وحيث إن قصد القتل أمر خفى لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه، وإذ كان ذلك، فإن المحكمة تطمئن إلى توافر تلك النية فى حق المتهم بانية عقيدتها فى ذلك من ظروف ارتكاب المتهم الواقعة وتبييت النية على قتل أحد سائقى الأجرة وحيازته لأداة بقصد القتل وهى طبنجة معمرة بالذخيرة واصطحابه المجنى عليه لمكان غير آهل بالسكان وإطلاقه عيارين ناريين من سلاح قاتل بطبيعته وفى موضع قاتل من المجنى عليه وهى رأسه ألا أدل على هذه النية من أنه وإثر أن أطلق المتهم الأعيرة على رأس المجنى عليه توجه إليه وتحسس صدره ليتأكد من قتله، هذا وقد اعترف المتهم فى كافة مراحل التحقيق والمحاكمة بقتل المجنى عليه وبتوافر نيته على ذلك، الأمر الذى تطمئن معه المحكمة إلى توافر تلك النية فى حق المتهم ". لما كان ذلك، وكان قصد القتل أمرًا خفيًا لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضى الموضوع فى حدود سلطته التقديرية، وكان ما أورده الحكم يكفى فى استظهار نية القتل، فإن النعى على الحكم فى هذا الشأن يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى مادام استخلاصها سائغًا مستندًا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق، وهى فى ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت فى وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية، وأنه لا يلزم فى الأدلة التى يعتمد عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى، لأن الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضًا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضى فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الأدلة، بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده منها الحكم ومنتجة فى اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد اطمأن إلى حصول الواقعة طبقًا للتصوير الذى أورده، وكانت الأدلة التى استند إليها فى ذلك سائغة ومقبولة فى العقل والمنطق ولا يجادل الطاعن فى أن لها معينها من الأوراق، فإن ما يثيره الطاعن من روايته التى أدلى بها وما أورده بعض الشهود بشأنها تخالف ما اعتنقته المحكمة، لا يعدو أن يكون محاولة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأديًا من ذلك إلى مناقضة الصورة التى ارتسمت فى وجدان المحكمة بالدليل الصحيح، وهو ما لم يقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا.
وحيث إن النيابة العامة وإن كانت قد عرضت القضية الماثلة على هذه المحكمة عملاً بنص المادة 46 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، مشفوعة بمذكرة برأيها فى الحكم دون إثبات تاريخ تقديمها بحيث يستدل منه على أنه روعى فيها عرض القضية فى ميعاد الستين يومًا المبينة بالمادة 34 من ذلك القانون، إلا أنه لما كان تجاوز هذا الميعاد وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة، بل إن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها لتفصل فيها وتستبين من تلقاء نفسها دون أن تتقيد بمبنى الرأى الذى ضمنته النيابة مذكرتها ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من عيوب يستوى فى ذلك أن يكون عرض النيابة فى الميعاد المحدد أو بعد فواته، ومن ثم يتعين قبول عرض النيابة العامة لهذه القضية. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على أوراق القضية أن الحكم المطروح قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار المقترن بجناية السرقة التى دان المحكوم عليه بها وأورد على ثبوتها أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها، كما خلص إلى توافر نية القتل فى حق الطاعن على ما سلف بيانه فى معرض التصدى لأوجه الطعن المقدمة من المحكوم عليه، كما استظهر سبق الإصرار وتوافره فى حق المحكوم عليه فى قوله: "وحيث إنه عن ظرف سبق الإصرار، فإنه لما كان من المقرر أنه يستلزم بطبيعته جأن يكون الجانى قد فكر فيما أعزمه وتدبر عواقبه وهو هادئ البال، وأن البحث فى توافره من إطلاقات محكمة الموضوع تستخلصه من ظروف الدعوى وعناصرها، وإذ كان ذلك، وكان الثابت فى حق المتهم حسبما استبان للمحكمة من ظروف الدعوى وعناصرها على ما سلف بيانه تدبر الأمر قبل الحادث بفترة كافية حوالى ثمانية أيام فى هدوء وروية وانتوى قتل أحد سائقى السيارات بعد استدراجه من الموقف ليتمكن من سرقة سيارته وأنه جهز لأداة القتل ما أحرزه من سلاح وذخيرة توجه إلى موقف سيارات...... لتنفيذ خطته التى عقد العزم عليها وقارف بالفعل جريمته ونفذ ما خطط له بهدوء وروية، وكان هذا ما اعترف به المتهم فى التحقيقات وتأيد بأقوال الشاهد الأول، الأمر الذى يكون ظرف سبق الإصرار قد توفر فى حقه، بما يضحى معه دفاعه فى شأن عدم توافره وبأن القتل كان بسبب خلاف حول الأجرة هو دفاع قائم على غير سند من الواقع والقانون متعينًا رفضه "، وكان ما ساقه الحكم فيما تقدم سائغ ويتحقق به ظرف سبق الإصرار كما هو معرف به فى القانون، ذلك بأن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجانى فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة وإنما هى تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضى منها استخلاصًا مادام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج، وهو ما لم يخطئ الحكم فى تقديره، ولا يشترط لتوافر هذا الظرف أن يكون غرض المصر هو العدوان على شخص معين بالذات، بل يكفى أن يكون غرضه المصمم عليه منصرفًا إلى شخص غير معين وجده أو التقى به مصادفة. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر ظرف الاقتران فى قوله: " وحيث إنه لما كان يكفى لتوافر ظرف الاقتران المنصوص عليه فى المادة 234/ 1 عقوبات فى الأوراق أن يثبت استقلال الجريمة المقترنة عن القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما بأن تكون الجريمتين قد ارتكبتا فى وقت واحد وفى فترة قصيرة من الزمن، وإذ كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق استقلال جريمة قتل المجنى عليه عن جريمة سرقة سيارته من الطريق العام ليلاً حال حمله سلاحًا وقد تميزت تلك الجريمة الأخيرة بأفعال مستقلة، ذلك أنه بعد قيام المتهم بقتل المجنى عليه فقد بدأ فى تنفيذ باقى مخططه الذى عقد العزم عليه واعترف به وهو سرقة سيارة المجنى عليه لبيعها وقد قامت المصاحبة الزمنية بين الجريمتين، الأمر الذى يوفر فى حق المتهم ظرف الاقتران ويدحض معه دفاعه فى شأن عدم توافره وأنه لم يقصد من القتل السرقة ذلك لتوافر شرط الاقتران واقعًا وقانونًا، واطمئنان المحكمة إلى اعترافه بأن قصده من القتل هو السرقة "، فإن ما ساقه الحكم فيما تقدم يتفق وصحيح القانون ويتحقق به معنى الاقتران، لما هو مقرر من أنه يكفى لتغليظ العقاب عملاً بالفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات أن يثبت الحكم استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما، بأن تكون الجرائم قد ارتكبت فى وقت واحد وفى فترة قصيرة من الزمن، وتقدير ذلك مما يستقل به قاضى الموضوع، مادام يقيمه على ما يسوغه كما هو الحال فى الدعوى المطروحة. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد مضمون تقرير مستشفى الأمراض النفسية ب...... الذى جاء به أن الطاعن لا يعانى من أية أعراض لمرض عقلى وقت ارتكاب الفعل موضوع القضية وأنه مسئول عما فعل وذلك لسلامة الإدراك والعاطفة والإرادة والتفكير وقت ارتكاب الفعل المسند إليه، وذلك فى مجال الرد على دفاع الطاعن من أن ما أدلى به من اعتراف لا ينم على شخص طبيعى وأنه أجرى جراحة بالمخ، فإن التفكير والإدراك والاختيار والعاطفة والإرادة سليمة غير مضطربة ومدرك لكافة أقواله التى أتاها، بما مفاده أن الحكم أخذ بهذا التقرير فى شأن حالة المحكوم عليه العقلية. لما كان ذلك، وكان الأصل أن تقدير حالة المتهم العقلية من الأمور الموضوعية التى تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها، مادامت تقيم قضاءها على أسباب سائغة، وهو ما لم يخطئ الحكم فى تقديره، ومن ثم يكون بريئًا من القصور، هذا فضلاً عن أنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الأدلة فى المواد الجنائية إقناعية، وللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفى ولو حملته أوراق رسمية مادام يصح فى العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التى اطمأنت إليها من باقى الأدلة القائمة فى الدعوى، ومن ثم فإن النعى على الحكم يكون فى غير محله، وكان لا ينال من سلامة الحكم أن تكون جثة المجنى عليه لم يعثر عليها كاملة، مادامت المحكمة قد بينت بالأدلة التى اعتنقتها بوقوع جناية القتل على شخص المجنى عليه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الخطأ فى رقم مادة العقاب المطبقة لا يترتب عليه بطلان الحكم، مادام قد وصف الفعل وبين واقعة الدعوى موضوع الإدانة بيانًا كافيًا وقضى بعقوبة لا تخرج عن حدود المادة الواجب تطبيقها، فإن خطأ الحكم بتخصيص المادة 234 من قانون العقوبات بفقرتها الأولى بدلاً من الفقرة الثانية لا يعيبه، وحسب محكمة النقض أن تصحح الخطأ الذى وقع فى أسباب الحكم المطعون فيه، وذلك باستبدال الفقرة الثانية من المادة 234 المذكورة بالفقرة الأولى عملاً بنص المادة 40 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959. لما كان ذلك، وكان يبين إعمالاً لنص المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض آنف البيان أن الحكم المطعون قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التى دان الطاعن بها بالإعدام وساق عليها أدلة سائغة مردودة إلى أصلها فى الأوراق ومن شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها، وقد صدر الحكم بإجماع آراء أعضاء المحكمة وبعد استطلاع رأى مفتى الجمهورية قبل إصدار الحكم وفقًا للمادة 381/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية، كما جاء الحكم خلوًا من مخالفة القانون أو الخطأ فى تطبيقه أو تأويله، وقد صدر من محكمة مشكلة وفق القانون ولها ولاية الفصل فى الدعوى ولم يصدر بعده قانون يسرى على واقعة الدعوى بغير ما انتهى إليه هذا الحكم، ومن ثم يتعين قبول عرض النيابة وإقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه.