مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والخمسين - من أول أكتوبر 2008 إلى آخر سبتمبر 2009 - صـ 198

(22)
جلسة 27 من ديسمبر سنة 2008
الدائرة الأولى

السيد الأستاذ المستشار/ نبيل ميرهم مرقس رئيس مجلس الدولة رئيسًا
السيد الأستاذ المستشار/ إسماعيل صديق محمد راشد نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ إبراهيم الصغير إبراهيم يعقوب نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ مصطفى سعيد مصطفى حنفي نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ أحمد عبد الحميد حسن عبود نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ عادل سيد عبد الرحيم نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ صلاح عبد اللطيف الجرواني نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ هشام محمود طلعت الغزالي نائب رئيس مجلس الدولة

الطعن رقم 15232 لسنة 53 القضائية عليا

( أ ) الطرق الصوفية - شروط الترخيص في إقامة الموالد.
- المواد (1) و(2) و(4) و(16) و(40) من القانون رقم (118) لسنة 1976 بشأن نظام الطرق الصوفية.
- المادة (10) من اللائحة التنفيذية لقانون الطرق الصوفية الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 54 لسنة 1978.
وسد المشرع إلى الطرق الصوفية الإسهام في التربية الدينية والروحية للمسلمين التي تتوافق وأحكام الشريعة الإسلامية - ناط المشرع بالمجلس الأعلى للطرق الصوفية من الناحية الدينية الترخيص بإقامة الموالد وتسيير المواكب الصوفية وتنظيمها والإشراف عليها بكافة أنحاء الجمهورية، على أن تتولى المشيخة الصوفية العامة أو وكيلها المختص إخطار السلطات الإدارية المختصة للترخيص أيضًا بذلك، والاتفاق على مراقبة حسن الآداب العامة بما يكفل وقار الاحتفاء وطهارة السبل لإحياء عاطر الذكريات - ترتيبًا على ذلك: الترخيص بإقامة هذه المظاهر والاحتفالات الدينية منوط بكل من مشيخة الطرق الصوفية والجهة الإدارية المختصة ممثلة في وزارة الداخلية، في حدود اختصاص كل منهما، وبموافقتهما يتم الترخيص بها - تطبيق
(ب) حقوق وحريات - حق الاجتماع - سلطة جهة الإدارة في الترخيص في عقد الاجتماعات العامة أو تسيير المواكب.
- المادة (54) من دستور 1971
الترخيص في عقد الاجتماعات العامة أو تسيير المواكب ليس سلطة مطلقة بيد الإدارة تملك منحها أو منعها دون رقيب عليها أو حسيب، وإنما سلطة الإدارة في منع الاجتماعات العامة سلطة استثنائية تخضع لرقابة القضاء الإداري، بحسبان أن حق الاجتماع هو حق أصيل للمواطنين، ما دام لم يخرج على مقتضيات النظام العام أو ينبو عن الآداب العامة.
(ج) قرار إداري - وقف تنفيذه - يتوفر ركن الاستعجال في طلب وقف تنفيذ القرار الذي يمثل قيدًا على الحريات العامة.


الإجراءات

في يوم الخميس الموافق 7/ 6/ 2007 أودع الأستاذ/ ....... المحامي المقبول للمرافعة أمام المحكمة الإدارية العليا بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة تقريرًا بالطعن قيد بجدولها العام تحت رقم 15232 لسنة 53 ق. عليا في الحكم المشار إليه الصادر بقبول الدعوى شكلاً، وبرفض طلب وقف تنفيذ قرار مدير الإدارة العامة للشئون الإدارية بوزارة الداخلية بعد الموافقة على إقامة مولد العارف بالله الشيخ ....... الكائن ضريحه ....... بمحافظة بني سويف، وألزمت المدعي مصروفات هذا الطلب.
والتمس الطاعن - لما ورد بتقرير الطعن من أسباب - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بإلغاء الحكم المطعون فيه وبوقف القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات عن درجتي التقاضي.
وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهم بصفاتهم على النحو المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني في الطعن طلبت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا، وإلزام الطاعن المصروفات.
وتحدد النظر الطعن دائرة فحص الطعن جلسة 18/ 6/ 2007 وتدوول أمامها إلى أن قررت بجلسة 5/ 5/ 2007 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا(الدائرة الأولى موضوع) لنظره بجلستها المنعقد بتاريخ 6/ 7/ 2008 حيث نظر بها وبجلسة 1/ 11/ 2008 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة 20/ 12/ 2008 ثم أجلت النطق به لجلسة اليوم لاستكمال المداولة حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانونًا.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن السيد ....... قد مثل أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة بجلستها المنعقدة بتاريخ 18/ 2/ 2008 والتمس بدخله خصمًا منضمًا إلى الطاعن في طلباته وقدم مذكرة بمبررات ذلك، كما أعلن المطعون ضدهم بصفاتهم بتدخله انضماميًا على الطاعن بموجب صحيفة أعلنت إليهم بتاريخ 12/ 2/ 2008، وإذ استوت مصلحة المتدخل قائمة قانونًا حال أنه من مريدي العارف بالله .......، وأن عدم إقامة ذكر مولده يمثل له حرمانًا من إحدى وسائل التقرب إلى الله المتمثلة في ذكره على نحو ما أفتت به دار الإفتاء المصرية، فمن ثم يكون طلب تدخله منضمًا إلى الطاعن في طلباته قد استقام صحيحًا قانونًا ودون حاجة إلى الإشارة لذلك في منطوق الحكم.
ومن حيث إن واقعات الطعن تخلص - على نحو ما أفصحت عنه الأوراق - في أن الطاعن أقام دعواه محل الطعن الماثل بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري لمحافظتي الفيوم وبني سويف التمس في ختامها الحكم بقبولها شكلاً، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار السلبي لمدير الإدارة العامة للشئون الإدارية بوزارة الداخلية بالامتناع عن الموافقة على إقامة مولد العارف بالله الشيخ ....... الكائن ضريحه بناحية ......... بمحافظة بني سويف، وفي الموضوع بإلغائه.
وبسط الطاعن دعواه بأن الشيخ المذكور قد انتقل إلى رحمة الله بتاريخ 31/ 3/ 2000 وتم دفنه في ذات اليوم بمقابر القرية، بيد أنه تمثل لبعض سكانها في الرؤى طالبًا نقله إلى ضريح بالمسجد الذي شيده، ومن ثم اتخذت إجراءات نقل جثمانه إلى الضريح الذي تم بناؤه له بجوال مسجده وذلك في حضور مفتش الصحة وضباط المباحث، حيث تبين عدم تحلل جثمانه وأكد أطباء الطب الشرعي أن ذلك يعد معجزة إلهية، ومن ثم تم تسجيل ضريح الشيخ المذكور بالمجلس الأعلى للطرق الصوفية، حيث تم تعيين الطاعن خليقة له بقرار رئيس مجلس الأعلى للطرق الصوفية الصادر بجلسة 27/ 5/ 2006 وفقًا لأحكام القانون رقم 118 لسنة 1976 بشأن نظام الطرق الصوفية ولائحته التنفيذية. وبتاريخ 19/ 8/ 2006 وجه المجلس الأعلى للطرق الصوفية كتابه الرقيم 661 إلى مدير الإدارة العامة للشئون الإدارية بوزارة الداخلية لتحديد يوم معين في غضون شهر يونيو من كل عام لإقامة مولد العارف بالله ....... إلا أن الأخير رفض ذلك بموجب كتابه رقم 59/ 41/ 1/ 27 المؤرخ 16/ 10/ 2006 الموجه إلى رئيس المجلس المذكور دون ذكر لأسباب الرفض، ثم أبان عن هذه الأسباب بكتابه المؤرخ 3/ 2/ 2007 إلى رئيس المجلس من عدم تمتع الشيخ المذكور بمكانة دينية أو حصوله على درجة علمية ذات شأن إبان حياته. الأمر الذي حدا الطاعن على إقامة دعواه.
وبجلسة 29/ 5/ 2007 أصدرت محكمة القضاء الإداري لمحافظتي الفيوم وبني سويف حكمها بقبول الدعوى شكلاً، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون وألزمت الطاعن مصروفاته، وأقامت المحكمة قضاءها على أنه يشترط لوقف تنفيذ القرار الإداري توفر ركنين مجتمعين أولهما: ركن الجدية بأن يكون ادعاء الطالب بحسب الظاهر من الأوراق قائمًا على أسباب جدية يرجح معها إلغاء القرار المطعون فيه، وثانيهما: أن يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها، ومن حيث إنه عن ركن الجدية فإن مفاد المواد 1 و2 و4 و16 و40 و41 من القانون رقم 118 لسنة 1976 بشأن نظام الطرق الصوفية والمادتين 10 و12 من اللائحة التنفيذية للقانون الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 54 لسنة 1978 أن الترخيص بإقامة الموالد إنما يناط بأكثر من جهة، فتتولاه مشيخة الطرق الصوفية من الناحية الدينية وتتولاه وزارة الداخلية من الناحية التنظيمية، ولا يسوغ استئثار جهة منهما بكافة مراحل إصدار الترخيص بل يتعين اتفاقهما على إصداره، شريطة ألا تتعسف أي جهة في استعمال سلطتها، ومن ناحية أخرى فإن سلطة المشيخة العامة للطرق الصوفية في إصدار الترخيص ليست مطلقة وإن تسميتها لأي شيخ بالعارف بالله أو الولي يجب أن يجد سنده من الكتاب والسنة النبوية المطهرة, ولما كان الثابت من خطاب شيخ مشايخ الطرق الصوفية إلى مساعد وزير الداخلية المؤرخ 19/ 8/ 2006 أنه لم يشر إلى الأسباب الدينية والشرعية التي دعت المشيخة إلى اعتبار الشيخ ..... من العارفين بالله أو الأولياء، كما لم يشر إلى أن الموالد لها أصل في الشريعة الإسلامية من عدمه، إذ حظر القانون على المشيخة إتيان أي أفعال أو تصرفات تخالف أحكام الشريعة الإسلامية، فمن ثم يكون طلب المشيخة غير قائم على سبب يبرره بحسب الظاهر من الأوراق. كما أن قرار وزارة الداخلية المطعون فيه أيًا كانت أسبابه يجد سنده بحسب الظاهر من الأوراق في حرمة هذه الموالد وعدم اتفاقها مع الشريعة الإسلامية، الأمر الذي يكون معه ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه منتفيًا، كما أن ركن الاستعجال غير متوفر إذ لا توجد أية نتائج يتعذر تداركها في عدم إقامة المولد المطلوب إقامته، وخلصت المحكمة إلى قضائها الطعين.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون إذا لم يراقب السبب الذي أوردته جهة الإدارة لعدم موافقتها الأمنية، وتناول حرمة إقامة الموالد من الناحية الشرعية دون سند من القانون حال مشروعيتها بدلالة تنظيمها بموجب القانون رقم 118 لسنة 1976 بشأن نظام الطرق الصوفية ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 54 لسنة 1978. فضلاً عن مخالفة الحكم الطعين للواقع الناطق باحتفاء المواطنين بالأولياء والعارفين لله وإقامة الموالد لهم وإفتاء دار الإفتاء المصرية بشرعيتها.
ومن حيث إن الفصل في موضوع الطعن يغني عن الفصل في شقه العاجل.
ومن حيث إنه عن الموضوع فإن مدار القضاء بوقف تنفيذ القرار الإداري باعتباره إجراءً وقتيًا وعاجلاً طبقًا للمادة 49 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 هو توفر ركني الجدية والاستعجال، وقوام الأول استظهار رجحان احتمال القضاء بإلغاء القرار عند بحث مشروعيته في قضاء الموضوع استنادًا إلى ظاهر الأمر ودون تطرق إلى دقيق البحث الموضوعي بالغوص في موضوع المنازعة والتعمق في تمحيصها ووزن الدلائل الموضوعية وزنًا دقيقًا متعمقًا، إذ أن ذلك من اختصاص قاضي الموضوع كي لا يغدو تصدي قاضي المشروعية لطلب وقف التنفيذ فصلاً في أصل الإلغاء.
ومن حيث إنه عن ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ قرار مدير الإدارة العامة للشئون الإدارية بوزارة الداخلية السلبي بالامتناع عن تحديد يوم معين في غضون شهر يونيو من كل عام لإقامة مولد العارف بالله الشيخ ......، فإن المادة (1) من القانون رقم 118 لسنة 1976 بشأن نظام الطرق الصوفية تنص على أن: " تستهدف الطرق الصوفية بكامل تشكيلاتها التربية الدينية والروحية بما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية والدعوة إلى العمل بها بالوعظ والإرشاد وتنظيم الذكر الصوفي وغير ذلك من السبل والوسائل الصوفية طبقًا لأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية "، وتنص المادة (2) على أنه: "لا يجوز لأعضاء الطرق الصوفية القول بعقائد أو إتيان أفعال أو إقامة موالد أو احتفالات أو أذكار تخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو النظام العام أو الآداب، ولا يجوز لأي منهم ارتكاب ما يلي:... ثالثًا: ممارسة الذكر الصوفي أو إقامة الموالد إلا وفقًا للأوضاع والإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية..."، وتنص المادة (4) من ذات القانون على أن "يختص المجلس الأعلى للطرق الصوفية بما يلي: ...... 6 - الترخيص من الناحية الدينية والصوفية بالموالد والمواكب الصوفية وتنظيمها بكافة أنحاء الجمهورية والإشراف عليها..."، كما تنص المادة (16) على أن: " يتولى وكيل المشيخة الصوفية العامة الإشراف العام على شئون الطرق الصوفية بدائرة اختصاصه، وله الحق تمثيل المشيخة العامة والتحدث باسمها أمام الجهات الرسمية في هذا النطاق ويكون تابعًا مباشرة لشيخ مشايخ الطرق الصوفية، ويجب أن يخطر وكيل المشيخة الصوفية العامة بكل تصريح بالموالد والمواكب في دائرة اختصاصه ويختص الوكيل بالإشراف على هذه الموالد والمواكب وكفالة خلوها من كل ما يخالف هذا القانون ولائحته التنفيذية "، وتضيف المادة (40) على أنه: " لا يجوز للسلطة الإدارية المختصة الترخيص بإقامة مولد أو بسير المواكب الجامعية للطرق الصوفية بأية جهة من جهات الجمهورية ولا التصريح بسير المواكب الصوفية لطريقة من الطرق في عواصم المحافظات إلا بعد صدور إذن بذلك من المشيخة العمومية للطرق الصوفية، ولوكيل المشيخة الصوفية العامة الإذن في حدود اختصاصه لمن يرغب من نواب الطرق الصوفية في تسيير موكب صوفي. وتتولى المشيخة الصوفية العامة أو وكيلها المختص إخطار السلطات الإدارية المختصة بالإذن بالتصريح بالمولد أو الموكب، كما تتولى الإشراف على هذه المواكب والموالد وتنظيمها بالتعاون مع هذه السلطات "، وتنص المادة (41) على أن: " ..... وتنظم اللائحة التنفيذية الشروط اللازم توافرها فيمن يرخص له بإقامة الموالد وتسيير المواكب وآدابها والقواعد التي يخضع لها إقامتها والإشراف عليها "، كما تنص المادة (10) من اللائحة التنفيذية لقانون الطرق الصوفية الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 54 لسنة 1978 على أن: " يتم بالاتفاق بين المشيخة العامة للطرق الصوفية وبين السلطات المختصة دراسة أساليب مراقبة حسن الآداب العامة ووسائل الحد من أماكن اللهو وألعاب الميسر وفرق الرقص وغيرها من الصور الخارجة عن الشريعة في الموالد والاحتفالات الدينية وتراعى القواعد والآداب الدينية التي ينص عليها المشرع خلال إقامة الموالد والمواكب الصوفية بما يكفل لها من الوقار والطهارة وما تهدف إليه من معان سامية بإحياء ذكريات عطرة ... "، وتنص المادة (12) من ذات اللائحة على أن: " تختص المشيخة العامة للطرق الصوفية بإصدار تصاريح إقامة الموالد والاحتفالات الدينية وتنظيم وإقامة الموالد ومجالس الذكر وسير مواكب الاحتفالات في المواسم والأعياد الدينية، على أن يراعي في ذلك تنسيق مواعيد الاحتفالات الدينية للطرق الصوفية المختلفة ومواكبها وموافقتها للمناسبات الدينية الرسمية أو الصوفية ".
ومفاد ما تقدم أن المشرع وسد من بين ما وسده إلى الطرق الصوفية الإسهام في التربية الدينية والروحية للمسلمين التي تتوافق وأحكام الشريعة الإسلامية وذلك من خلال الدعوة إليها والعمل بأحكامها، متوسلة في ذلك بالعديد من السبل التي قررها المشرع لها من الوعظ والإرشاد والذكر الصوفي وغيرها من السبل الصوفية، كإحياء موالد الأولياء والعارفين بالله والاحتفاء بالمناسبات الدينية وترتيل القرآن وتلاوة الأذكار والإنشاد الديني، لما لها من تزكية النفوس والسمو بالأرواح وتطهير الأبدان، وذلك شريطة ألا تخالف أحكام الشريعة الغراء والسنة السمحاء أو تخرج على النظام العام أو تأتي منافية للآداب العامة. كما ناط المشرع بالمجلس الأعلى للطرق الصوفية من الناحية الدينية الترخيص بإقامة الموالد وتسيير المواكب الصوفية وتنظيمها والإشراف عليها بكافة أنحاء الجمهورية، على أن تتولى المشيخة الصوفية العامة أو وكيلها المختص إخطار السلطات الإدارية المختصة للترخيص أيضًا بذلك، والاتفاق على مراقبة حسن الآداب العامة ووضع الوسائل الكفيلة بالحد من الصور الخارجة عن أحكام الشريعة الإسلامية بما يكفل وقار الاحتفاء وطهارة السبل لإحياء عاطر الذكريات.
ومن ثم فإن الترخيص بإقامة هذه المظاهر والاحتفالات الدينية منوط بكل من مشيخة الطرق الصوفية والجهة الإدارية المختصة ممثلة في وزارة الداخلية قسيم بينهما فبموافقتهما يتم الترخيص بها.
ومن حيث إن دستور جمهورية مصر العربية قد حرص على كفالة حق الاجتماع فنص في المادة 54 منه على أن: " ..... الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة في حدود القانون "، بما مفاده أن الترخيص بعقد الاجتماعات العامة أو تسيير المواكب ليس سلطة مطلقة بيد الإدارة تملك منحها أو منعها دون رقيب عليها أو حسيب وإنما سلطة الإدارة في منع الاجتماعات العامة هي سلطة استثنائية تخضع لرقابة القضاء الإداري بحسبان أن حق الاجتماع هو حق أصيل للمواطنين طالما لم يخرج على مقتضيات النظام العام أو ينبو عن الآداب العامة.
ومن حيث إن هذه المحكمة قد استقرت بقضاء متواتر على أن جهة الإدارة ليست ملزمة بتسبيب قراراتها التي تصدرها بمناسبة مباشرتها لاختصاصها المنوط بها قانونًا، إذ أن قرارها يقوم على قرينة الصحة بحسبان أنها تستهدف منه تحقيق المصلحة العامة، ومن ثم فالأصل في القرار الإداري أنه يرتكز على أسباب سائغة قانونًا وصحيحة واقعًا، بيد أن الإدارة إذا ما أفصحت عن أسباب لقرارها ساغ للقضاء أن يبسط عليها رقابته لبيان مدى مشروعيتها قانونًا ووجودها واقعًا.
ومن حيث إن الثابت من ظاهر الأوراق أن امتناع جهة الإدارة عن الموافقة على تحديد يوم معين في غضون شهر يونيو من كل عام لإقامة مولد العارف بالله الشيخ .... جاء مرتكزًا حسبما أفصح عنه كتاب مدير الإدارة العامة للشئون الإدارية بوزارة الداخلية المؤرخ 3/ 2/ 2007 إلى رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية على أن الشيخ المذكور لا يتمتع بمكانة دينية أو حاصل على درجة علمية ذات شأن إبان حياته.
ولما كانت هذه الأسباب تخرج عن المهام التي ناطها القانون بهيئة الشرطة بموجب المادة (3) من القانون رقم 109 لسنة 1971 من أن: " تختص هيئة الشرطة بالمحافظة على النظام العام والآداب وبحماية الأرواح والأعراض والأموال وعلى الأخص منع الجرائم وضبطها، كما تختص بكفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين في كافة المجالات، وبتنفيذ ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من واجبات ". فمن ثم يكون القرار المطعون فيه قد خالف القانون، وهي مخالفة يقوم بها ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ.
ومن حيث إنه عن ركن الاستعجال فهو متوافر بحسبان أن القرار المطعون فيه يتضمن قيدًا على الحريات العامة التي كفلها الدستور للمواطنين ويتوافر بالمساس به ركن الاستعجال لا سيما وأن الأوراق أجدبت عن اعتبارات تستدعيها مصلحة عامة تتعلق بالمساس بالنظام العام أو الأمن العام يتعين مراعاتها، وبذلك يستقيم لطلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه ركناه ويتعين من ثم إجابة الطاعن إلى طلبه، وإذ خالف الحكم الطعين ذلك يكون قد أخطأ في تفسير القانون وتأويله متعين الإلغاء.
ومن حيث إن من أصابه الخسر في طعنه يلزم المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وألزمت الجهة الإدارية مصروفات هذا الطلب عن درجتي التقاضي.