مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والخمسين - من أول أكتوبر 2008 إلى آخر سبتمبر 2009 - صـ 214

(24)
جلسة 17 من يناير سنة 2009
(الدائرة الأولى)

السيد الأستاذ المستشار/ نبيل ميرهم مرقس رئيس مجلس الدولة رئيسًا
السيد الأستاذ المستشار/ إسماعيل صديق محمد راشد نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ إبراهيم الصغير إبراهيم يعقوب نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ مصطفى سعيد مصطفى حنفي نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ أحمد عبد الحميد حسن عبود نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ عادل سيد عبد الرحيم نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ صلاح عبد اللطيف الجرواني نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ هشام محمود طلعت الغزالي نائب رئيس مجلس الدولة

الطعن رقم 14275 لسنة 51 القضائية عليا.

( أ ) كنائس - القرارات الصادرة عن المجمع العام للكنيسة الإنجيلية المعترف بها تعد قرارات إدارية.
- الفرمان العالي الصادر في 18 من فبراير سنة 1856 بشأن تنظيم أمور الطوائف غير الإسلامية في الدولة العلية.
- الأمر العالي الصادر في 1 من مارس سنة 1902 بشأن الإنجيلين الوطنيين.
- قرار وزير الداخلية الصادر في 29 من يونيو سنة 1916 بالتصديق على اللائحة الداخلية للمجلس الملي الإنجيلي العمومي بمصر.
الكنائس الإنجيلية المعترف بها تقوم برسالة دينية تكمن في رعاية المرافق الدينية لطائفة الإنجيليين الوطنيين، وهي مهمة من اختصاصات الحكومة أصلاً، يقع على عاتقها القيام بها لو لم توكل إلى المجلس الملي الإنجيلي العمومي بمصر والكنائس بحسبانها من فروع الخدمات التي تنهض بها السلطة العامة - مؤدى ذلك: أن الكنائس الإنجيلية المعترف بها تعتبر من بين أشخاص القانون العام المنوط بها إدارة مرفق عام من مرافق الدولة - نتيجة ذلك: القرارات الصادرة عن المجمع العام للكنيسة الإنجيلية المعترف بها تعد قرارات إدارية يجوز الطعن عليها بالإلغاء.
(ب) كنائس - كنيسة نهضة القداسة - تأديب قسيس - ضماناته.
وضع دستور كنيسة نهضة القداسة الإنجيلية نظامًا متكاملاً للتأديب الكنسي، وأحاطه بسياج من القواعد والإجراءات والضمانات، وذلك للأثر الروحي والمعنوي للعقوبة التي توقع أيًا كانت درجة جسامتها، واستلزم ألا توقع هذه العقوبة إلا بناءً على حكم مسبب ينطق به علنًا، سواء في حضور المذنب أو في غيابه، بعد سرد كافة الإجراءات التي اتخذت في القضية - ترتيبًا على ذلك: إذا لم ينعقد المجمع التابع له القسيس بهيئة محكمة للنظر في المخالفات المنسوبة إليه، وصدر قرار بفصه من الخدمة الدينية، ونقض رسامته قسًا من المجلس التنفيذي للمجمع العام، فإنه يكون قد صدر عن مجلس لا اختصاص له في محاكمة القسيس، ويقع هذا القرار باطلاً - لا يصحح هذا البطلان تصديق المجمع العام لكنيسة نهضة القداسة على قرار الفصل بعد ذلك، ذلك أن القرار ولد معدومًا لصدوره عن جهة ليست محكمة ولا اختصاص لها بتوقيع العقوبات التأديبية على القس، مما يجعله والعدم سواء، فلا يرد عليه تصحيح، ولا يرفع بطلانه التصديق على القرار.
(جـ) قرار إداري – بطلانه وانعدامه - القرار المعدوم لا يرد عليه تصحيح.
القرار الذي صد معدومًا عن جهة لا اختصاص لها في إصداره لا يرد عليه تصحيح، ولا يرفع بطلانه التصديق عليه من جهة الاختصاص.


الإجراءات

في يوم الثلاثاء الموافق 24 من مايو سنة 2005 أودع الأستاذ/ ..... المحامي المقبول للمرافعة أمام محكمة الإدارية العليا قلم كتاب هذه المحكمة تقريرًا بالطعن، قيد بجدولها العام تحت رقم 14275 لسنة 51 القضائية عليا، وذلك طعنًا على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري دائرة الأفراد ( أ ) في الدعويين 14314 لسنة 54 القضائية و8005 لسنة 58 القضائية بجلسة 12/ 4/ 2005 القاضي في منطوقه بقبول الدعويين شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه ما مع يترتب على ذلك من آثار, وإلزام المدعى عليه الثاني بصفته بأن يدفع للمدعي مبلغ خمسة آلاف جنيه وذلك كتعويض عما لحقه من أضرار مادية وأدبية وإلزامه المصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض دعوى المدعى وإلزامه المصروفات.
وأعلن تقرير الطعن على النحو المبين بالأوراق.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون على النحو الثابت بمحاضر الجلسات حتى تقرر إحالة الطعن إلى دائرة الموضوع حيث نظر على النحو المبين بمحاضر الجلسات وتقرر إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت المسودة المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونًا.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - بحسب ما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر الأوراق والمستندات - في أن المطعون ضده الأول أقام الدعوى رقم 14314 لسنة 54 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري طالبًا وقف تنفيذ ثم إلغاء القرار رقم 1 لسنة 2000 المؤرخ 11/ 1/ 2000 فيما تضمنه من فصله من الخدمة الدينية بكنائس نهضة القداسة ورعاية كنيسة الفيوم ونقض رسامته قسًا، مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعي عليهما بأن يؤديا له تعويضًا مقداره مئة ألف جنيه لما أصابه من أضرار مادية وأدبية.
وقال المدعي أنه بتاريخ 22/ 6/ 2000 أعلن بالقرار المطعون فيه فتظلم منه إلى مصدر القرار وإلى الرئيس الأعلى للطائفة الإنجيلية، وإذ لم يجب إلى تظلمه فقد أقام دعواه، ناعيًا على القرار المطعون فيه، مخالفة للقانون لصدوره من غير مختص، بحسبان أن مصدره لم يكن رئيسًا لمجمع نهضة القداسة وقت إصدار القرار، وأن المنوط به مثل هذه القرارات هو رئيس الطائفة الإنجيلية، فضلاً عن أن القرار غير قائم على سبب يبرره.
وبجلسة 12/ 4/ 2005 قضت محكمة القضاء الإداري بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المدعي عليه الثاني بصفته أن يدفع للمدعي مبلغ خمسة آلاف جنيه وذلك كتعويض عما لحقه من أضرار مادية وأدبية وألزمته المصروفات.
وشيدت المحكمة قضاءها على أساس أن المدعي (المطعون ضده الأول) كان راعيًا لكنيسة نهضة القداسة بمدينة الفيوم، وأن المختص بإنزال مثل العقوبة التي وقعت عليه هو المجمع العام لكنائس نهضة القداسة، وقد أفصحت أوراق الدعوى عن أن القرار لم يصدر عن هذا المجمع وإنما عن رئيسه، بما يمثل غصبًا للسلطة المنوط بها توقيع العقوبة، ويغدو القرار المطعون فيه من ثم معدومًا وغير منتج لأي أثر.
ومن حيث إن المدعى عليه الأول (الطاعن) لم يرتضِ الحكم المطعون فيه فطعن عليه بالطعن الماثل الذي بني على مخالفة الحكم للقانون والخطأ في تطبيقه إذ أن المجمع العام لكنائس نهضة القداسة صادق بالإجماع على القرار المطعون فيه، أي أنه صدر عمن يملكه طبقًا للمادة 122 من دستور الكنيسة، وقام على أسبابه المبررة له قانونًا بعد ما ثبتت في حق المطعون ضده الأول المخالفات المنسوبة إليه.
ومن حيث أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يبين من استقراء المبادئ التي قام عليها الفرمان العالي الصادر في 18 من فبراير سنة 1856 بتنظيم أمور الطوائف غير الإسلامية في الدولة العلية، والأحكام التي نص عليها الأمر العالي الصادر في الأول من مارس سنة 1902 بشأن الإنجيليين الوطنيين، وقرار وزير الداخلية الصادر في 29 من يونيو سنة 1916 بالتصديق على اللائحة الداخلية للمجلس الملي الإنجيلي العمومي بمصر، أن ثمة رسالة دينية منوطة بالكنائس الإنجيلية المعترف بها تكمن في رعاية المرافق الدينية لطائفة الإنجيليين الوطنيين، وهي مهمة من اختصاصات الحكومة أصلاً يقع على عاتقها القيام بها لو لم تؤكل إلى المجلس والكنائس بحسبانها من فروع الخدمات التي تنهض بها السلطة العامة، وفي سبيل ذلك خول المجلس والكنائس نصيبًا من السلطة العامة اللازمة لمباشرة مهامها، ولا ريب أن الرسالة الدينية المنوطة بالمجلس والكنائس في هذا الصدد والتي تمثل النشاط الأساسي المهم للمرفق الذي تقوم على رعايته والنهوض عليه، ذات أثر بالغ في تعميق التعاليم الدينية وآدابها وأداء الشعائر الدينية وغرس التربية في نفوس أفراد الطائفة الذين تربطهم بالمجلس والكنائس، مضافًا إلى الوشائج الدينية روابط تدخل في نطاق القانون العام تحكمها اللوائح والنظم الصادرة في هذا الشأن. ومقتضى ذلك ولازمه أن الكنائس الإنجيلية المعترف بها ومن بينها كنائس نهضة القداسة تعتبر من بين أشخاص القانون العام المنوط بها إدارة مرفق عام من مرافق الدولة، مستعينة في ذلك بقسط من اختصاصات السلطة العامة, فتستوي بذلك قرارات المجمع العام لكنائس نهضة القداسة كقرارات إدارية يجوز الطعن فيها بالإلغاء.
ومن حيث إن الأمر العالي الصادر في سنة 1902 بشأن الإنجيليين الوطنيين قد خلا من حكم ينظم كيفية الفصل والقطع من الخدمة الدينية بالكنيسة وإجراءاته ومن ثم يتعين الرجوع في هذا الصدد إلى الأحكام الواردة في نظام كنيسة نهضة القداسة.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى هذه الأحكام في دستور كنيسة نهضة القداسة تجده قد حصص الباب الثالث للكنيسة ونظامها التأديبي والقضائي أورد به في الفصل الأول ماهية التأديب الكنسي وأسباب توقيعه، وأبان في الفصل الثاني قواعد اختصاص المحاكم الكنسية حيث نصت المادة 122 على أن: " .... المجمع هو صاحب الاختصاص أصلاً فيما يتعلق بالقسوس، أما فيما يتعلق بالأعضاء فالاختصاص لمجلس الكنيسة ". وفصل الدستور في الفصل الثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع قواعد المحاكمة وأطرافها، ونظام الجلسة وإجراءاتها، والاستجواب وسماع الشهود ووسائل الإثبات الأخرى، وحالات رد أعضاء المحكمة عند وجود مانع من نظر الدعوى، وأفرد الدستور الفصل العاشر للدعوى المقامة ضد القسوس، وبين في الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر الحكم في القضايا الاستثنائية وكيفية إصدار الأحكام والمداولة فيها وأنواع الأحكام ودرجات التأديب الكنسي وهي أربع درجات: الإنذار، والتوبيخ، والوقف، والقطع، وينطق الرئيس في كل منها باسم المحكمة.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن دستور كنيسة نهضة القداسة قد وضع نظاما متكاملاً للتأديب الكنسي، وأحاطه بسياج من القواعد والإجراءات والضمانات بالنظر على الأثر الروحي والمعنوي للعقوبة التي توقع أيًا كانت درجة جسامتها، واستلزم ألا توقع هذه العقوبة إلا بناءً على حكم مسبب ينطق به علنًا سواء في حضور المذنب أو في غيابه، بعد سرد كافة الإجراءات التي اتخذت في القضية.
ومن حيث إنه لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن المجمع التابع له القسيس المطعون ضده لم ينعقد بهيئة محكمة للنظر في المخالفات المنسوبة إليه، وأنه لم تجر محاكمة عادلة ومنصفة لهذا القسيس تتوافر لها الضمانات والإجراءات التي نص عليها دستور كنيسة نهضة القداسة، واستلزم اتباعها قبل توقيع العقوبات التأديبية على القسيس، وصدر قرار فصل المطعون ضده من الخدمة الدينية ونقض رسامته قسًا في 25/ 1/ 2000 من مجلس لا اختصاص له في محاكمة القسيس وهو المجلس التنفيذي للمجمع العام، ومن ثم يكون هذا القرار باطلاً لمخالفته القانون.
ومن حيث إنه لا يصحح هذا البطلان تصديق المجمع العام لكنيسة القداسة على قرار الفصل 25/ 7/ 2000؛ ذلك أن القرار ولد معدومًا لصدوره من جهة ليست محكمة ولا اختصاص لها بتوقيع العقوبات التأديبية على القسوس، ولم تتبع في إصداره الإجراءات والضمانات التي تطلبها القانون قبل توقيع هذه العقوبات التأديبية مما يجعله والعدم سواء فلا يرد عليه تصحيح، ولا يرفع بطلانه التصديق على القرار.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه، وقد انتهى إلى إلغاء القرار المطعون فيه على غير ما تقدم من أسباب فإنه يكنون جديرًا بالتأييد فيما انتهى إليه من قضاء.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد ألزم رئيس الطائفة الإنجيلية بصفته تعويض المدعي (المطعون ضده الأول)، وكان رئيس الطائفة لم يقم طعنًا على الحكم في هذا الشأن ومن ثم فلا محل للتعرض لما قضى به الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا وألزمت الطاعن المصروفات.