مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والخمسين - من أول أكتوبر 2008 إلى آخر سبتمبر 2009 - صـ 290

(35)
جلسة 21 من فبراير سنة 2009
(الدائرة الأولى)

السيد الأستاذ المستشار/ نبيل ميرهم مرقص رئيس مجلس الدولة رئيسًا
السيد الأستاذ المستشار/ إسماعيل صديق محمد راشد نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ إبراهيم الصغير إبراهيم يعقوب نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ مصطفى سعيد مصطفى حنفى نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ أحمد عبد الحميد حسن عبود نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ عادل سيد عبد الرحيم نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ صلاح عبد اللطيف الجروانى نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ هشام محمود طلعت الغزالي نائب رئيس مجلس الدولة

الطعن رقم 10782 لسنة 49 القضائية عليا.

( أ ) عقد إداري - تنفيذه - مبدأ حسن النية - تعثر المتعاقد مع جهة الإدارة في التنفيذ لظروف خارجة عن إرادته، بعضها يرجع إلى جهة الإدارة, يستوجب منحه مهلة إضافية للتنفيذ.
- المادة (148) من القانون المدني.
تنفيذ العقد طبقًا لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجه حسن النية هو أصل من أصول القانون، يُظل العقود جميعًا، سواء تلك التي تبرم بين الأفراد فيما بينهم أو بين الأفراد والجهات الإدارية، ومن مقتضى إعماله ألا يتعسف أي طرف في العقد في المطالبة بحقوقه الناشئة منه والمنبثقة عنه، وأن ييسر كل طرف للآخر تنفيذ التزاماته إذا ما واجهته صعوبات تؤخر إتمامها - ترتيبًا على ذلك: تعثر المتعاقد مع جهة الإدارة، في التنفيذ لظروف خارجة عن إرادته، بعضها يرجع إلى جهة الإدارة وتفهمها للظروف التي حالت دون إتمام المشروع في الموعد المحدد، يستوجب منحه مهلة إضافية للتنفيذ، تكون معقولة في ضوء مناخ الاستثمار وما يحيط به من طفرات وعثرات، حتى لا تُهدر أموال طائلة أنفقت على المشروع، وتضيع جهود مضنية بُذلت في سبيل إتمامه - تطبيقًا لذلك: إذا قامت الجهة الإدارية بإعمال الشرط الفاسخ في العقد في هذه الحالة، غير آخذة بهذا النظر في تطبيق مبدأ حسن النية، فإن قرارها يكون مخالفًا للقانون مستوجب الإلغاء - تطبيق
دعوى - حجية الأحكام - الحكم الصادر عن جهة القضاء العادي في مسألة تدخل في اختصاص محاكم مجلس الدولة لا يجوز الحجية أمامها.
الحكم الصادر عن جهة القضاء العادي في مسألة تدخل في صميم اختصاص محاكم مجلس الدولة طبقًا للدستور والقانون لا يحوز الحجية أمامه - تطبيقًا لذلك: صدور حكم من محكمة الاستئناف بفسخ عقد بيع (عقد إداري) وتسليم الأرض بما عليها من منشآت للجهة الإدارية، لا يجوز الحجية أمام القضاء الإداري.


الإجراءات

في يوم الاثنين الموافق 23 من يونيه سنة 2003 أودع الأستاذ/ ..... المحامي المقبول للمرافعة أمام المحكمة الإدارية العليا، بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب هذه المحكمة، تقريرًا بالطعن، قيد بجدولها العام تحت رقم 10782 لسنة 49 القضائية عليا وذلك في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 824 لسنة 2 القضائية بجلسة 24/ 4/ 2003 القاضي في منطوقه رفض الدعوى وإلزام الشركة المدعية المصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - قبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بإلغاء قرار المحافظ جنوب سيناء بفسخ قد بيع أرض مشروع قرية ..... للاستثمارات بشرم الشيخ المؤرخ في 7/ 3/ 1990 وتعديله المؤرخ في 20/ 11/ 1995 مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وأعلن تقرير الطعن على النحو المبين بالأوراق.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا وإلزام الطاعن المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون على النحو المبين بالأوراق حتى تقرر إحالة الطعن إلى دائرة الموضوع حيث نظر على النحو الثابت بالأوراق حتى تقرر إصدار الحكم في الطعن بجلسة 20/ 12/ 2008 ثم أرجئ النطق بالحكم في الطعن حتى جلسة اليوم على النحو المبين بمحضر الجلسة. وبهذه الجلسة صدر الحكم وأودعت المسودة المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونًا.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - بحسب ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن سائر الأوراق والمستندات - في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 824 لسنة 2 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالإسماعيلية طعنًا على قرار محافظة جنوب سيناء بفسخ عقد بيع قطعة الأرض الذي أبرمته المحافظة مع شركة ....... للاستثمارات.
وقال شرحًا لدعواه: أن محافظ جنوب سيناء باعت للشركة المذكورة قطعة أرض فضاء معدة للبناء بمدينة شرم الشيخ بمحافظة جنوب سيناء، مساحتها 8000 م2 نظير مبلغ قدره أربعون ألف جنيه بواقع خمسة جنيهات للمتر، وذلك وفقًا لشروط مقتضاها أن تقام عليها قرية سياحية خلال ثلاث سنوات من تاريخ إبرام العقد في 7/ 3/ 1990، وأن تستخرج تراخيص البناء خلال سنة من هذا التاريخ، وقد استخرجت الشركة في 7/ 11/ 1991 رخصة بناء قرية سياحية على قطعة الأرض المشار إليها، كما حصلت في 18/ 3/ 1995 على رخصة ببناء مساكن للعاملين بالقرية، ودورة مياه مجمعة، واستكملت وفق تقديرها 80% من المشروع، وإن كانت المحافظة قد قدرت هذه النسبة وفقًا لما تضمنته مذكرة الشئون القانونية بـ 75%، كما حصلت الشركة على موافقة مبدئية من وزارة السياحة على المشروع.
وأضاف الطاعن أن الشركة تعثرت بعد ذلك في استكمال أعمال التشطيب التي تشكل النسبة المتبقية لإتمامه لأسباب عديدة، منها التأخر في إصدار بعض الموافقات اللازمة، وارتفاع التكلفة النهائية للمشروع لزيادة أسعار السوق لمواد البناء ومستلزمات التشطيب، وعدم التجاوب السريع من جانب المحافظة في إصدار موافقتها للبنوك لمنح الشركة قرضًا لاستكمال أعمال التشطيب بعد أن اعتمدت في الأعمال السابقة على ذلك على مواردها المالية الذاتية، وقامت المحافظة نتيجة هذا التعثر بإنذار الشركة بفسخ التعاقد ما لم توافق على تعديله وزيادة ثمن متر الأرض، فاضطرت الشركة إلى إبرام ملحق لهذا العقد في 20/ 12/ 1995 اتفق فيه على زيادة ثمن متر الأرض من خمسة جنيهات إلى عشرين جنيهًا، ومنح الشركة مهلة إضافية قدرها ستة أشهر لاستكمال المشروع بصفة نهائية، وإذ لم تستطع الشركة استكمال المشروع خلال هذه المهلة نظرًا لزيادة الأعباء المالية التي ألقيت على عاتقها، فقد قامت المحافظة بإعمال الأثر الفاسخ المنصوص عليه في العقد، وأصدرت قرارها المطعون فيه الذي لم يأخذ في حسبانه أن الشركة كانت جادة في تنفيذ المشروع، وقامت باستخراج جميع التراخيص اللازمة، ونفذت 80% من أعمال المشروع، وأنفقت عليها من مواردها المالية الذاتية 4 مليون و500 ألف جنيه، ثم تعثرت بعد ذلك نتيجة ازدياد الأعباء المالية للمشروع لعدة أسباب من بينها زيادة ثمن الأرض.
وبجلسة 22/ 6/ 1998 قضت محكمة القضاء الإداري بقبول الدعوى شكلاً وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وبعد إيداع تقرير هيئة مفوضي الدولة عادت الدعوى إلى التداول أمام المحكمة المشار إليها، حتى أصدرت بتاريخ 24/ 2/ 2003 حكمها المطعون فيه بالطعن الماثل. وقد شيدت المحكمة قضاءها على أساس أنه كان يتعين طبقًا للعقد المبرم بين الشركة المدعية والمحافظة الانتهاء من تنفيذ المشروع محل التعاقد في 7/ 3/ 1993، وهو ما لم يتحقق، ورغم ذلك لم تقم الجهة الإدارية بإنذار الشركة بإعمال الشرط الفاسخ إلا بعد مرور عامين من انقضاء مدة الثلاث السنوات، ووافقت هذه الجهة بعد تعديل العقد على منح الشركة مهلة ستة أشهر تبدأ من تاريخ إبرام العقد المعدل في 20/ 12/ 1995، لاستكمال المشروع وتشغيله، ومع ذلك لم تف الشركة بتعهداتها فتم إبلاغها في 12/ 11/ 1996 بإعمال الأثر الفاسخ المنصوص عليه في العقد، وإذ تقدمت الشركة بطلب لمنحها مهلة جديدة، فقد وافقت الجهة الإدارية على ذلك وقررت بتاريخ 13/ 11/ 1997 منحها مهلة أخرى لمدة أربعة أشهر، وفي 18/ 8/ 1999 منحت الشركة مهلة شهر لسداد كامل التزاماتها المالية، ثم ينظر بعدها في منحها مهلة أخرى لتنفيذ الأعمال المتبقية وتشغيل المشروع، وإذ تقاعست الشركة عن تنفيذ التزاماتها في هذا الخصوص رغم منحها أكثر من مهلة لتمكينها من استكمال المشروع وتشغيله فإن إعمال الأثر الفاسخ للعقد من جانب الجهة الإدارية بعد ذلك لا يكون تعسفًا، وخلصت المحكمة من ذلك إلى رفض الدعوى.
ومن حيث إن الطعن الماثل بني على مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه لأن تنفيذ العقود يتعين أن يكون بطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية، وقد أظهر الطاعن جدية في تنفيذ العقد المبرم حيث استكمل تنفيذ 80% من أعمال المشروع من الموارد المالية الذاتية ودون الاعتماد على أموال البنوك، واستخرج التراخيص اللازمة لتشغيله، وإذا كان قد تعثر في استكمال أعمال التشطيب لأسباب يرجع بعضها إلى فعل جهة الإدارة التي زادت من أعبائه المالية، وكانت تخطره بمنحه مهلة لإتمام التنفيذ قبل وقت قصير من انتهاء هذه المهلة لا يسمح له بالحصول على تمويل من البنك لاستكمال المشروع، وهو ما كان يتعين أن تأخذه جهة الإدارة في اعتبارها قبل إعمال الأثر الفاسخ للعقد المبروم معها.
وأضاف الطاعن في هذا الخصوص أنه بعد إعمال قرار الفسخ أرسلت إليه المحافظة خطابًا يفيد منحه مهلة لسداد التزاماته المالية ومنحه بعد ذلك مهلة جديدة لاستكمال المشروع، وهو ما يعد تنازلاً عن الشرط الفاسخ المنصوص عليه في العقد. كما أخذ الطعن على الحكم المطعون فيه أنه قد أغفل دفاع الطاعن ولم يرد عليه بأسباب سائغة مما أثر فيما انتهى إليه من قضاء لا يصادف حقيقة الواقع وصحيح أحكام القانون.
ومن حيث إن المادة 148 من القانون المدني تنص على أن: " يجب تنفيذ العقد طبقًا لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية "، وإن هذا الأصل من أصول القانون وهو مراعاة حسن النية في تنفيذ العقد يُظل العقود جميعًا، سواء تلك التي تبرم بين الأفراد فيما بينهم أو بين الأفراد والجهات الإدارية، ومن مقتضى إعماله ألا يتعسف أي طرف في العقد في المطالبة بحقوقه الناشئة منه والمنبثقة عنه، وأن يسير كل طرف للآخر تنفيذ التزاماته إذا ما واجهته صعوبات تؤخر إتمامها. وعلى ذلك فإنه متى ثبت من الأوراق أن الطاعن كان جادًا في تنفيذ التزاماته الناشئة عن العقد الذي أبرمه مع محافظة جنوب سيناء في 7/ 3/ 1990، ونزل على شروطها، وحرص على إتمام المشروع الذي التزم بإقامته على قطعة الأرض التي اشتراها، واستخرج التراخيص اللازمة لتنفيذ وتشغيل هذا المشروع، وأتم في هذا السبيل 80% من أعمال المشروع، وأنفق عليها 4.5 مليون جنيه، ثم تعثر لظروف خارجة عن إرادته - يرجع بعضها إلى جهة الإدارة - عن استكمال أعمال تشطيب المشروع، وكانت جهة الإدارة لم تنكر عليه جديته في تنفيذ المشروع، وتفهمت الظروف التي حالت دون إتمام المشروع في الموعد المحدد فمنحته مهلة إضافية لاستكماله، ولكنها زادت من أعبائه المالية بزيادة سعر متر الأرض أربعة أضعاف، وتأخرت في إخطاره بالمهلة الإضافية التي منحتها له، مما حال دون حصوله على التمويل اللازم من أحد البنوك لاستكمال الأعمال المتبقية بعد إذ قدر البنك صعوبة إتمام التنفيذ في الفترة المتبقية بين تاريخ الحصول على القرض وانتهاء المهلة الإضافية، الأمر الذي كان يستوجب إعمالاً لحسن النية في التنفيذ العقود أن يمنح الطاعن مهلة إضافية معقولة في ضوء مناخ الاستثمار وما يحيط به من طفرات وعثرات، وأن يُيسر له الحصول على التمويل اللازم لاستكمال المشروع من أحد البنوك إذا قدر احتياجه لهذا التمويل، وأبدى البنك استعداده لذلك، حتى لا تهدر أموال طائلة أنفقت على هذا المشروع، وتضيع جهود مضنية بذلك في سبيل إتمامه، وإذا كانت الجهة الإدارية لم تأخذ بهذا النظر في تطبيق مبدأ حسن النية الذي تستظل به العقود، وقامت بإعمال الشرط الفاسخ في العقد، فإن قرارها يكون مخالفًا للقانون مستوجب الإلغاء.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه لم يأخذ بالنظر المتقدم فإنه يكون خليقًا بالإلغاء والقضاء مجددًا بإلغاء قرار فسخ العقد المبرم في 7/ 3/ 1990 بين محافظة جنوب سيناء وشركة ....... للاستثمارات السياحية والمعدل في 20/ 12/ 1995 وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها منح الشركة المذكورة مهلة معقولة - في ضوء مناخ الاستثمار - لسداد التزاماتها المالية للمحافظة واستكمال تنفيذ مشروع القرية السياحية على الأرض المشتراة.
ومن حيث إنه لا ينال من هذا القضاء الحكم الصادر عن محكمة استئناف الإسماعيلية بفسخ عقد البيع موضوع الدعوى والمؤرخ 7/ 3/ 1990 وملحقه المعدل المؤرخ في 20/ 12/ 1995 وتسليم الأرض بما عليها من منشآت بحسب قيمتها مستحقة الإزالة للجهة الإدارية، إذ لا حجية لهذا الحكم أمام القضاء الإداري بعد أن خاض في مسألة تدخل في صميم اختصاص محاكم المجلس الدولة طبقًا للدستور والقانون.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء قرار فسخ العقد المبرم بين محافظة الإسماعيلية وشركة ... للاستثمارات السياحية المؤرخ 7/ 3/ 1990 وملحقه المعدل المؤرخ 20/ 12/ 1995 مع ما يترتب على ذلك من آثار على النحو الموضح بالأسباب. وألزمت الجهة الإدارية المصروفات عن درجتي التقاضي.