مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والخمسين - من أول أكتوبر 2008 إلى آخر سبتمبر 2009 - صـ 305

(37)
جلسة 22 من فبراير سنة 2009
(الدائرة السابعة)

السيد الأستاذ المستشار/ أحمد شمس الدين عبد الحليم خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة رئيسًا
السيد الأستاذ المستشار/ محمود محمد صبحي العطار نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ أحمد محمد صالح الشاذلي نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ السيد إبراهيم السيد الزغبي نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار د/ حسني درويش عبد الحميد نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ أحمد سعيد مصطفى الفقي نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ أبو بكر جمعة عبد الفتاح الجندي نائب رئيس مجلس الدولة

الطعن رقم 31 لسنة 52 القضائية عليا.

اختصاص - ما يدخل في الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة - الطعن على قرار وزير العدل السلبي بالامتناع عن استنهاض ولاية مجلس الصلاحية لإعادة النظر في مساءلة القضاة تأديبيًا في ضوء الأحكام الصادرة عن المحكمة الدستورية العليا.
- المواد (83) و(98) و(99) من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972.
- حكم المحكمة الدستورية العليا في القضيتين رقمي 151 لسنة 21 ق. دستورية، و(1) لسنة 23 ق. منازعات تنفيذ.
مايز المشرع بين السلطة المختصة بنظر الطعون على القرارات المتعلقة بشئون القضاة والسلطة المختصة بمساءلتهم تأديبيًا، إذ أسند الاختصاص بنظر الطعون على القرارات المشار إليها إلى الدوائر المدنية والتجارية بمحكمة النقض (دائرة طلبات رجال القضاء والنيابة العامة) وفقًا لأحكام المادة (83) من قانون السلطة القضائية (1)، بينما أسند الاختصاص بتأديب القضاة إلى مجلس تأديب يشكل طبقًا لأحكام المادة (98) من القانون نفسه - مقتضى ذلك: النظر في أية قرارات تتعلق بتأديب القضاة يخرج عن اختصاص دائرة طلبات رجال القضاء.
مؤدى الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا في القضيتين المشار إليهما بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (98) من قانون السلطة القضائية هو عدم سلامة الإجراءات التي اتبعت في مساءلة القاضي أمام مجلس التأديب، مما يستلزم تدخل وزير العدل المنوط به تحريك الدعوى التأديبية ليعيد اتصال مجلس الصلاحية بالدعوى مجددًا للحكم فيها - قرار وزير العدل السلبي بالامتناع عن استنهاض ولاية مجلس الصلاحية لإعادة النظر في مساءلة القاضي تأديبيًا يدخل في مفهوم القرارات الإدارية التي ناط الدستور والقانون بمحاكم مجلس الدولة مراقبة مشروعيتها - أساس ذلك: قضاء المحكمة الدستورية العليا المشار إليها قضاء في مسألة أولية لا يكفي في حد ذاته لحسم المراكز القانونية لذوي الشأن واستقرارها استقرارًا نهائيًا، فيتعين رد الأمر إلى محكمة الموضوع لتحدد الآثار المترتبة على القضاء بعدم الدستورية، وهي بصدد الفصل في أصل النزاع وموضوعه؛ بحسبان أنه من غير المقبول نزولاً على مبدأ الترضية القضائية ألا يكون لقضاء المحكمة الدستورية العليا أي أثر أو نتيجة إيجابية على المركز القانوني لرافع الدعوى (2) - تطبيق.


الإجراءات

في يوم السبت الموافق 1/ 10/ 2005 أودع الأستاذ/ ... المستشار المساعد بهيئة قضايا الدولة نائبًا عن الطاعن بصفته قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرًا بالطعن قيد بجدولها تحت رقم 31 لسنة 52 ق. عليا طعنًا في الحكم المشار إليه، فيما قضى به من قبول الدعوى شكلاً، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية مصروفات هذا الطلب، وبإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في طلب الإلغاء والتعويض.
وطلب الطاعن بصفته - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر الدعوى، مع إلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
وجرى إعلان الطعن على النحو الموضح بالأوراق. وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر الدعوى، مع إلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
وعينت لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 20/ 2/ 2008 والجلسات التالية، وبجلسة 4/ 6/ 2008 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة لنظره بجلسة 12/ 11/ 2008 وتدوول نظره بجلساتها على النحو الموضح بمحاضرها، وبجلسة 14/ 2/ 2008 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وإتمام المداولة.
وحيث إن الطعن استوفى سائر أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن واقعات النزاع تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 24/ 3/ 2005 أقام المطعون ضده دعواه الماثلة أمام محكمة القضاء الإداري قيدت بجدولها تحت رقم 18760/ 59 ق، طالبًا في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلاً، وبوقف تنفيذ وإلغاء قرار وزير العدل السلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكمين الصادرين من المحكمة الدستورية العليا بجلستيها المؤرختين 9/ 9/ 2000 و14/ 4/ 2002 في الدعويين رقمي 151 لسنة 21 ق دستورية، و1 لسنة 23 ق دستورية مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها العودة به إلى الحالة التي كان عليها عند طلب السير في الإجراءات بسحب كل القرارات المتعلقة بتنفيذ الحكم الصادر ضده من مجلس الصلاحية، مع الحكم له بالتعويض العادل عن الأضرار التي لحقت به وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وذكر المدعي (المطعون ضده) شرحًا لدعواه أنه كان يعمل قاضيًا بمحكمة الزقازيق. وبتاريخ 19/ 11/ 1998 أرسل وزير العدل الكتاب رقم 109/ 98/ 1999 إلى رئيس محكمة النقض بصفته، طالبًا محاكمة الطاعن أمام مجلس الصلاحية المنصوص عليه في المادة 98 من قانون السلطة القضائية، وبالفعل اجتمع المجلس وأصدر طبقًا للمادة (111) من القانون المذكور قرارًا بالسير في إجراءات المحاكمة، وتمت المحاكمة وصدر قرار مجلس الصلاحية بتاريخ 4/ 3/ 1999 بنقله إلى وظيفة غير قضائية.
وأضاف المدعي أن المحكمة الدستورية العليا قد قضت في الدعوى رقم 151 لسنة 21ق دستورية بجلسة 9/ 9/ 2000 بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة 98 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 والتي كانت تجيز لمن سبق له الاشتراك في طلب الإحالة إلى مجلس الصلاحية أن يجلس الصلاحية أن يجلس في هيئة مجلس التأديب. كما قضت في منازعة التنفيذ رقم 1 لسنة 43 ق دستورية بجلسة 14/ 4/ 2002 بأن من أهم آثار الحكم الدستوري الصادر في الدعوى رقم 151 لسنة 21 ق دستورية عودة العضو الذي صدر حكم مجلس الصلاحية في شأنه بالتشكيل الباطل إلى الحالة التي كان عليها عند طلب الوزير محاكمته.
وبذلك يكون من شأن إعمال الأثر الرجعي لحكم المحكمة الدستورية العليا إعادته إلى الحالة التي كان عليها عند طلب السير في إجراءات دعوى الصلاحية، وذلك بسحب القرارات السابق صدورها تنفيذًا لحكم مجلس الصلاحية، غير أن وزير العدل (المدعى عليه) امتنع عن هذا على الرغم من مطالبته بذلك بتاريخ 7/ 12/ 2004، مما يعد قرارًا سلبيًا مخالفًا لحكم القانون، الأمر الذي حداه على إقامة دعواه بغية الحكم له بطلباته المذكورة.
وبجلسة 28/ 8/ 2005 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه، وشيدت قضاءها - بعد استعراضها حكم المواد 48، 49، 50 من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979 - على أساس أن الدفع المبدى بعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر الدعوى استنادًا إلى أنه يتعلق بشأنه من شئون رجال القضاء مما ينعقد الاختصاص بنظره لدائرة رجال القضاء بمحكمة النقض، فإنه مردود؛ إذ أن القرار المطعون فيه محل الدعوى الماثلة هو قرار إداري يتعلق بامتناع جهة الإدارة عن تنفيذ الحكمين المشار إليهما الصادرين من المحكمة الدستورية العليا، ولا يتعلق بشأن من شئون رجال القضاء الذي يختص بنظره دائرة رجال القضاء بمحكمة النقض، وفقا لحكم المادة 172 من الدستور فإن مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري هو صاحب الاختصاص بنظر الدعوى الماثلة.
وأما قيما يتعلق بتنفيذ الحكمين المشار إليهما، فقد ذهبت المحكمة إلى أن الأحكام التي تصدرها المحكمة الدستورية العليا هي أحكام واجبة النفاذ، وملزمة لجميع سلطات الدولة التي عليها أن تبادر إلى تنفيذ الحكم وإجراء مقتضاه امتثالاً لحجيته التي هي على القمة من مدارج النظام العام، فإن هي امتنعت عن إجراء مقتضى حجيته فإن مسلكها يشكل مخالفة لصحيح حكم القانون.
وإذ لم يلقَ الحكم قبولاً لدى الطاعن فقد بادر بإقامة الطعن الماثل ناعيًا على الحكم المطعون فيه مخالفته والخطأ الجسيم في تطبيقه وتأويله من عدة وجوه، أولها: عدم اختصاص المحكمة ولائيًا لنظر الدعوى وذلك لاختصاص دائرة رجال القضاء بمحكمة النقض، كذلك يعد تعديًا على اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر منازعات التنفيذ المتعلقة بأحكامها.
الثاني: مخالفة الحكم المطعون فيه لمبدأ الفصل بين السلطات، باعتبار أنه لا يجوز للقاضي الإداري أن يصدر حكمه ضد الجهة الإدارية بالتزامها بالتصديق على نحو معين، كما أنه لا يجوز أن يحل محلها والقيام بالتصديق بدلاً منها، وإنما مهمته تقف عند رقابة مشروعية القرار الإداري غير المشروع وإلغائه، وإن ما عدا ذلك يدخل في صميم اختصاص الجهة الإدارية، كما أن قرار وزير العدل بإحالة المطعون ضده إلى مجلس الصلاحية لا يعدو أن يكون مجرد طلب رفع به دعوى فقد الصلاحية أمام المجلس المذكور، وهو بهذه المثابة لا يعد من القرارات الإدارية النهائية، وكذلك الحال بالنسبة لقرار نقل المطعون ضده إلى وظيفة أخرى غير قضائية، إذ إن كلا منها مجرد إجراء تنفيذي لحكم مجلس الصلاحية، ومن ثم فلا تعد من القرارات الإدارية النهائية.
ومن حيث إنه عن الاختصاص بنظر النزاع الماثل، فإنه باستظهار أحكام قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1972 يبين أن المشرع قد مايز بين السلطة المختصة بنظر الطعون على القرارات المتعلقة بشئون القضاة والسلطة المختصة بمساءلتهم تأديبيًا؛ إذا أسند الاختصاص بنظر الطعون على القرارات المشار إليها إلى الدوائر المدنية والتجارية بمحكمة النقض (دائرة طلبات رجال القضاء والنيابة العامة) وفقا لأحكام المادة 83 من القانون المذكور، بينما أسند الاختصاص بتأديب القضاة إلى مجلس تأديب يشكل طبقًا لأحكام المدة 98 من القانون نفسه، وأفرد لتنظيم المسألة الأولى الفصل السابع من الباب الثاني من القانون رقم 46 لسنة 1972 بعنوان (في التظلمات والطعن في القرارات الخاصة بشئون القضاة)، كما أفرد لتنظيم المسألة الثانية الفصل التاسع من الباب ذاته من القانون المشار إليه بعنوان (مساءلة القضاء تأديبيًا).
وعلى ذلك فإن النظر في أية قرارات تتعلق بتأديب القضاة إنما يخرج عن اختصاص دائرة طلبات رجال القضاء بمحكمة النقض، يؤكد ذلك ما قضت به المادة 107 من القانون أن الحكم الصادر في الدعوى التأديبية يكون نهائيًا، ولا يجوز الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن، ولو أن الحكم الصادر عن مجلس التأديب يقبل الطعن عليه أمام دائرة طلبات رجال القضاء، شأنه شأن القرارات المتعلقة بشئونهم الخاصة، لكان نص المادة (107) لغوًا لا معنى له، وهو ما ينبغي تنزيه المشرع عنه.
ومن حيث إنه ترتيبًا على ذلك، ولما كانت المنازعة الماثلة تتعلق بتأديب المطعون ضده، وأن الطلب الذي أقام به دعواه المطعون على حكمها ينصب - بحسب التكييف القانوني الصحيح له - على قرار وزير العدل السلبي بالامتناع عن استنهاض ولاية مجلس الصلاحية لإعادة النظر في مساءلته تأديبيًا في ضوء الحكمين الصادرين من المحكمة الدستورية العليا في الدعويين رقم 151 لسنة 21 ق و1 لسنة 23 ق بجلستي 9/ 9/ 2000 و14/ 4/ 2002، وهو بهذه المثابة يدخل في مفهوم القرارات الإدارية التي ناط الدستور والقانون بمحاكم مجلس الدولة مراقبة مشروعيتها، ومن ثم فإن الدفع المبدى من الجهة الإدارية الطاعنة بعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر الدعوى يكون والحالة هذه غير قائم على أساس صحيح من القانون خليقًا بالرفض.
(حكم المحكمة الإدارية العليا الدائرة الأولى في الطعن رقم 71 لسنة 51 ق عليا جلسة 24/ 6/ 2006)
ومن حيث إنه لا ينال من ذلك ما جاء بصحيفة الطعن من أن قرار وزير العدل بإحالة المطعون ضده إلى مجلس الصلاحية لا يعدو أن يكون مجرد طلب رفعت به دعوى فقد الصلاحية أمام المجلس المذكور؛ ذلك أن المادة 99 من قانون السلطة القضائية سالف الذكر، تشترط لإقامة الدعوى التأديبية من النائب العام ضد أحد القضاة أن يكون ذلك بناء على طلب وزير العدل، وهذا مفاده تمتع الأخير بسلطة تقديرية في تحريك تلك الدعوى، فله أن يطلب إقامتها، وله أن يرفض أو يمتنع عن ذلك، ومعلوم أن السلطة التقديرية هي مناط قيام القرار الإداري، الأمر الذي يضحى معه هذا الدفاع في غير محله ولا يلتفت إليه.
ومن حيث إنه عن موضوع الطعن، فإن البادي من الأوراق أن المطعون ضده قد تقدم أمام مجلس الصلاحية الذي قرر نقل المذكور إلى وظيفة غير قضائية، وكان قد دفع بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة 98 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 والتي كانت لا تمنع من الجلوس في هيئة مجلس تأديب القاضي من سبق اشتراكه في طلب إحالة القاضي إلى المعاش أو رفع الدعوى التأديبية ضده، وقضت المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 151 لسنة 21 قضائية دستورية بجلسة 9/ 9/ 2000 بعدم دستورية الفقرة المشار إليها، كما قضت ذات المحكمة في الدعوى رقم 1 لسنة 23 ق تنفيذ بجلسة 14/ 4/ 2002 بالمضي في تنفيذ حكمها الصادر بجلسة 9/ 9/ 2000 في القضية رقم 151 لسنة 21 ق دستورية وما يترتب على ذلك من آثار، استنادًا إلى أن ذلك الحكم له حجية عينية يتقيد بها الكافة، بما في ذلك المحاكم بجميع أنواعها ومختلف درجاتها، وأن مقتضاه هو إعادة المدعي إلى الحالة التي كان عليها عند طلب السير في إجراءات دعوى الصلاحية.
ومن حيث إن مؤدى الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة 98 من قانون السلطة القضائية سالفة البيان، هو عدم سلامة الإجراءات التي اتبعت في مساءلة المطعون ضده أمام مجلس التأديب. مما يستلزم تدخل وزير العدل المنوط به تحريك الدعوى التأديبية ليعيد اتصال مجلس الصلاحية بالدعوى مجددًا للحكم فيها على هدي ما قضت به المحكمة الدستورية العليا في الدعويين سالفتي الذكر؛ بحسبان أن قضاء المحكمة الدستورية العليا هو قضاء في مسألة أولية لا يكفي في حد ذاته لحسم المراكز القانونية لذوي الشأن واستقرارها استقرارًا نهائيًا، بل يتعين رد الأمر إلى محكمة الموضوع لتحدد الآثار المترتبة على القضاء بعدم الدستورية وهي بصدد الفصل في أصل النزاع وموضوعه، ولأنه من غير المقبول - نزولاً على مبدأ الترضية القضائية - ألا يكون لقضاء المحكمة الدستورية العليا أي أثر أو نتيجة إيجابية على المركز القانوني لرافع الدعوى.
ومن حيث إنه متى كان ذلك، فإن امتناع وزير العدل عن التدخل لإعادة اتصال مجلس الصلاحية بالدعوى التأديبية السابق إقامتها ضد المطعون ضده، يشكل بحسب الظاهر من الأوراق قرارًا سلبيًا مخالفًا لأحكام القانون، مما يتوافر معه ركن الجدية في طلب وقف تنفيذه، فضلاً عن توافر ركن الاستعجال لما يترتب على استمرار التنفيذ من نتائج يتعذر تداركها.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أخذ بهذا النظر، فإنه يكون قد صادف صحيح حكم القانون لا مطعن عليه، مما يضحى معه هذا الطعن غير قائم على أساس من القانون ويتعين القضاء برفضه.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته عملاً بنص المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا على النحو المبين في الأسباب وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.


(1) أصدر المشرع القانون رقم (142) لسنة 2006، وتضمن جعل تقاضي رجال القضاء في شأن طلباتهم على درجتين، فاستبدل بنص المادة (83) من قانون السلطة القضائية النص الآتي: "تختص الدوائر المدنية بمحكمة استئناف القاهرة التي يرأسها الرؤساء بهذه المحكمة، دون غيرها، بالفصل في الدعوى التي يرفعها رجال القضاء والنيابة العامة بإلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بأي شأن من شئونهم، وتختص هذه الدوائر، دون غيرها، بالفصل في دعوى التعويض عن تلك القرارات. كما تختص، دون غيرها، بالفصل في الدعاوى الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة لرجال القضاء والنيابة العامة أو لورثتهم ... ويكون الطعن في الأحكام التي تصدر في الدعاوى المنصوص عليها في الفقرات السابقة أمام دوائر المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض، دون غيرها، خلال ستين يومًا من تاريخ صدور الحكم ".
(2) يراجع في ذات المعنى حكم المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) في الطعن رقم 71 لسنة 51 ق. عليا جلسة 24/ 6/ 2006 - منشور بمجموعة السنة 51 مكتب فني - الجزء الثاني - رقم 140 ص 986.