مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والخمسين - من أول أكتوبر 2008 إلى آخر سبتمبر 2009 صـ 603

(75)
جلسة 3 من يونيه سنة 2009
(الدائرة السادسة)

السيد الأستاذ المستشار/ محمد منير السيد أحمد جويفل نائب رئيس مجلس الدولة رئيسًا
السيد الأستاذ المستشار/ سامي أحمد محمد الصباغ نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ محمد البهنساوي محمد الرمام نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ حسن عبد الحميد البرعي نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ حسن سلامة أحمد محمود نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ على محمد الششتاوي نائب رئيس مجلس الدولة
السيد الأستاذ المستشار/ د. حمدي حسن الحلفاوى نائب رئيس مجلس الدولة

الطعنان رقما 4715 و4902 لسنة 45 القضائية العليا

( أ ) استيلاء - الاستيلاء المؤقت على العقارات الخاصة - حالاته ومدته
- المادة (4) من دستور 1971.
- المادتان (15) و(16) من القانون رقم 10 لسنة 1990 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة.
- حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 47 لسنة 21 ق دستورية ورقم 14 لسنة 23 ق دستورية بجلسة 4/ 4/ 2004.
أجاز المشرع الاستيلاء المؤقت على العقارات الخاصة اللازمة لعمل ترميم أو الوقاية في حالات الغرق أو قطع الجسور أو تفشي وباء أو في الأحوال الطارئة أو المستعجلة المماثلة، وفي تلك الحالات التي تمثل ضرورة ملجئة تقدر بقدرها ولمدة حددها المشرع بانتهاء الغرض المستولي عليها من أجله وهو الترميم أو الوقاية أو غيرهما، أو ثلاث سنوات من تاريخ الاستيلاء الفعلي أيهما أقرب، وقد أوجب المشرع بعدها إعادة العقار لأصحابه بالحالة التي كان عليها وقت الاستيلاء (1) - تطبيق.
(ب) دعوى - الحكم في الدعوى - تعذر تنفيذ الأحكام القضائية.
الأصل في الأحكام أن تصدر لتكون قابلة للتنفيذ، إلا أنه يسوغ أحيانًا للإدارة في الأحوال التي تجد نفسها فيها في حالة الضرورة بحث يتعذر عليها تنفيذ حكم قضائي أن تلجأ إلى تصرف إداري يحول دون تنفيذه، إلا أن ذلك لا يكون إلا حيث يشكل التنفيذ خطرًا داهمًا، وكحدوث فتنة أو تضحية جسيمة بمصالح جوهرية للمواطنين، كأن يخشى من التنفيذ أن يسبب انفراطًا بعقد الأمن (2) - تطبيق.


الإجراءات

في يوم الخميس الموافق 29/ 4/ 1999 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعنين في الطعن الأول قلم كتاب المحكمة تقريرًا بالطعن قيد برقم 4715 لسنة 45 ق على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية المشار إليه، الذي قضى منطوقه بالآتي: حكمت المحكمة بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وبإلزام الجهة الإدارية أن تؤدي للمدعين تعويضًا قدره خمسون ألف جنيه وألزمتها المصروفات.
وفي يوم الخميس الموافق 6/ 5/ 1999 أودع وكيل الهيئة العامة للأبنية التعليمية قلم كتاب المحكمة تقريرًا بالطعن الثاني رقم 4902 لسنة 45 ق ع على ذات الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري
وطلب الطاعنون في الطعنين للأسباب الواردة بتقريري الطعنين الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وبقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددًا برفض الدعوى، وإلزام المطعون ضدهم المصروفات.
وقد أعلن تقريرا الطعن وفقًا للثابت بالأوراق، وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني في الطعنين انتهت فيه للأسباب الواردة به إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعنين شكلاً ورفضهما موضوعًا وإلزام الطاعنين المصروفات.
ونظرت الدائرة السادسة فحص طعون بالمحكمة الإدارية العليا الطعنين بعدة جلسات ثم قررت إحالتهما إلى الدائرة السادسة عليا موضوع لنظرهما، ونفاذًا لذلك ورد الطعنان إلى هذه المحكمة ونظرتهما بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وقررت إصدار الحكم فيهما بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونًا.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص في أنه بتاريخ 18/ 8/ 1994 أودع المطعون ضدهم في الطعن الأول قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية صحيفة الدعوى رقم 3711 لسنة 48 ق طالبين في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ وإلغاء قرار وزير التعليم بصفته رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للأبنية التعليمية رقم 5 لسنة 1994 بالاستيلاء المؤقت على العقار رقم 22 شارع محمد عز العرب بلوران بالإسكندرية المملوك لهم وما يترتب على ذلك من آثار, أخصها رد العقار، وأحقيتهم في تعويض قدره مليون جنيه عما أصابهم من أضرار نتيجة هذا القرار وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وذكر المدعون شرحا لدعواهم أنهم يمتلكون العقار رقم 22 شارع محمد عز العرب بلوران بمحافظة الإسكندرية وكان قد صدر قرار في 29/ 12/ 1953 بالاستيلاء على المبنى المذكور لأغراض التعليم، وقد أقاموا الدعوى رقم 116 لسنة 43 ق بتاريخ 17/ 10/ 1988 أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية طعنًا على القرار السلبي بامتناع جهة الإدارة عن رد العقار المذكور إلى ملاكه، وبجلسة 30/ 7/ 1992 حكمت المحكمة بإلغاء القرار المطعون فيه بالامتناع عن رد العقار لملاكه، ولدى إعلان مديرية التربية والتعليم بالصورة التنفيذية أخذت تماطل وتعرق تنفيذه، ثم أقامت الإشكال رقم 571 لسنة 1993 أمام محكمة تنفيذ الإسكندرية التي قضت بجلسة 31/ 7/ 1993 بقبول الإشكال ورفضه موضوعًا، وتأيد هذا الحكم استئنافيًا في الدعوى رقم 434 لسنة 1993 وبالرغم من ذلك لم تقم بتنفيذ ذلك الحكم، وتأكيدًا لمسلكها الخاطئ وإصرارها على عدم تنفيذه فقد فوجئوا بصدور قرار وزير التعليم بصفته رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للأبنية التعليمية رقم 5 لسنة 1994 بالاستيلاء المؤقت على ذات العقار محل الحكم الصادر لمصلحتهم، وقد صدر هذا القرار استنادًا لأحكام المادة 15 من القانون رقم 10 لسنة 1990 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة التي وإن أجازت للوزير المختص سلطة الاستيلاء المؤقت على ما يرى لزومه لحاجة المرفق من عقارات، فإن الاستيلاء بوصفه تصرفًا مؤقتًا بطبيعته يجب أن ينتهي بأحد طريقين: أولهما - انتهاء مدته، والثاني - نزع الملكية للمنفعة العامة طبقً للإجراءات التي قررها القانون، ولما كانت الجهة الإدارية سبق أن أصدرت قرارها في 19/ 12/ 1953بالاستيلاء على ذلك العقار، ولم تتخذ إجراءات نزع ملكيته بعد انتهاء مدة الاستيلاء المؤقت والتي حددها القانون بثلاث سنوات مما كان مثارًا لإقامة الدعوى رقم 116 لسنة 43 ق، والتي قضي فيها برد العقار إلى ملاكه، إلا أن جهة الإدارة سارعت بإصدار القرار المطعون فيه دون أن يستجد بعد صدور الحكم المشار إليه ما ينبئ عن توافر حالة الضرورة الملجئة لإصدار قرار الاستيلاء، فضلاً عن أن جهة الإدارة استنفدت الرخصة الممنوحة لها وقامت بالاستيلاء على ذات العقار بدءا من تاريخ 19/ 12/ 1953 ومن ثم لا يجوز لها معاودة الاستيلاء مرة أخرى، كما أن الباعث على إصدار ذلك القرار ليس مقصده المصلحة العامة وإنما هو تطيل تنفيذ الحكم الصادر لمصلحتهم، وأشار المدعون إلى أن تنفيذ ذلك القرار يترتب عليه حرمانهم من الانتفاع بملكهم، وخلصوا بصحيفة دعواهم إلى طلب الحكم بطالباتهم آنفة البيان.
وبجلسة 14/ 3/ 1996 حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت جهة الإدارة المصروفات، وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقريرًا بالرأي القانوني في موضوعه.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا برأيها القانون في الدعوى ارتأت فيه الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وبأحقية المدعين في التعويض الذي تقدره عدالة المحكمة جبرًا للأضرار التي لحقت بهم وإلزام الإدارة المصروفات.
وبجلسة 8/ 3/ 1999 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه بإلغاء القرار المطعون فيه والتعويض تأسيسًا على مخالفة القرار المطعون فيه لأحكام قانون نزع الملكية لعدم توافر إحدى حالات الاستيلاء المؤقت على العقار المملوك للمدعين، لاسيما وأن الجهة الإدارية لم توفر البديل لهذه المدرسة رغم استيلائها على العقار منذ أربعين عامًا ولصدور هذا القرار فقط تحايلاً على القانون وامتناعًا عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة عن مجلس الدولة واجبه التنفيذ مما وفر في جانب الجهة الإدارية أركان المسئولية من خطأ وضرر وعلاقة سببية استوجبت القضاء بالتعويض.
وانتهى الحكم المطعون فيه إلى قضائه المتقدم.
ولم يلق هذا القضاء قبولاً لدى الجهة الإدارية التي أقامت طعنها ناعية عليه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله وتفسيره والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع؛ حيث إن المشرع لم يورد الحالات الطارئة أو المستعجلة التي تخول الاستيلاء المؤقت على العقارات على سبيل الحصر وإنما ترك ذلك لتقدير الجهة الإدارية التي قدرت الاستيلاء المؤقت على العقار محل التداعي الذي تشغله مدرسة التربية الفكرية للتعليم المنهي الإعدادي ولعدم وجود بديل لها ولحسن سير العملية التعليمية، فضلاً عن أن تأقيت مدة الاستيلاء ليس شرطًا لصحة القرار حيث إن المدة المحددة قانونًا بانتهاء الغرض من الاستيلاء على العقار أو بقضاء ثلاث سنوات من التاريخ الفعلي للاستيلاء، أيهما أقرب، وبذلك يكون القرار المطعون فيه صحيحًا، وبالتالي لم تتوافر في جانب الجهة الإدارية المسئولية عن التعويض، كما أن القانون حدد طريق اقتضاء ملاك العقارات المستولي عليها للتعويض والجهة التي تحدده.
واختتمت الجهة الإدارية الطاعنة تقريري طعنها بطلب الحكم بطلباتها.
ومن حيث إن الدستور نص في المادة(24) منه على أن الملكية الخاصة مصونة.
ومن حيث إنه عن الملكية الخاصة فقد ذهبت المحكمة الدستورية العليا إلى أن صون الدستور للملكية الخاصة مؤداه أن المشرع لا يجوز أن يجردها من لوازمها ولا أن يفصل عنها بعض أجزائها ولا ينقص من أصلها أو يغير من طبيعتها دونما ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وكان ضمان وظيفتها هذه يفترض ألا ترهق القيود التي يفرضها عليها المشرع جوهر مقوماتها، ولا أن يكون من شأنها حرمان أصحابها من تقرير الانتفاع بها، ولما كان صون الملكية وإعاقتها لا يجتمعان، فإن هدمها أو تقويض أساسها من خلال قيود تنال منها ينحل عصفًا بها منافيًا للحق فيها.
وأضافت أن الحماية التي فرضها الدستور للملكية الخاصة تمتد إلى كل أشكالها لتقيم توازنًا دقيقًا بين الحقوق المتفرعة عنها والقيود التي يجوز فرضها عليها فلا ترهق هذه القيود تلك الحقوق لتنال محتواها وتقلص دائرتها، لتغدو الملكية في واقعها شكلاً مجردًا من المضمون وإطارًا رمزيًا لحقوق لا قيمة لها عملاً فلا تخلص لصاحبها ولا يعود عليه ما يرجوه منها إنصافًا، بل تثقلها لتلك القيود لتنوء بها بما يخرجها عن دورها كقاعدة للثروة القومية التي لا يجوز استنزافها من خلال فرض قيد عليها لا تقتضيها وظيفته الاجتماعية، وهو ما يعني أن الأموال بوجه عام ينبغي أن تورف لها من الحماية أسبابها التي تعينها على التنمية لتكون من روافدها، فلا ستسلط أغيار عليها انتهازًا أو إضرارًا بحقوق الآخرين متدثرين في ذلك بعباءة القانون ومن خلال طرق احتيالية ينحرفون بها عن مقاصده،وأكثر ما يقع ذلك في مجال الأعيان المؤجرة التي تمتد عقودها بقوة القانون دونما ضرورة بذات شروطها، مما يحيل الانتفاع بها إرثًا لغير من يملكونها يتعاقبون عليها جيلاً بعد جيل، لتئول حقوقهم في شأنها إلى نوع الحقوق العينية التي تحول أصحابها سلطة مباشرة على شيء معين، وهو ما يعدل انتزاع الأعيان المؤجرة من ذويها على وجه التأييد.
(القضية رقم 47 لسنة 21 ق دستورية ورقم 14 لسنة 23 ق دستورية بجلسة 4/ 4/ 2004)
ومن حيث إن المشرع أجاز استثناء في الحالات الطارئة أو المستعجلة المساس بحق الملكية المصون دستوريًا، حيث نص في المادة (15) من القانون رقم 10 لسنة 1990 نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة على أن: "للوزير المختص بناء على طلب الجهة المختصة في حالة حصول غرق أو قطع جسر أو تفشي وباء وسائر الأحوال الطارئة أو المستعجلة أن يأمر بالاستيلاء مؤقتًا على العقارات اللازمة لإجراء أعمال الترميم أو الوقاية أو غيرها...".
ونص في المادة (16) منه على أن: "تحدد مدة الاستيلاء المؤقت على العقار بانتهاء الغرض المستولي علية من أجله أو بثلاث سنوات من تاريخ الاستيلاء الفعلي أيهما أقرب، ويجب إعادة العقار في نهاية هذه المدة بالحالة التي كان عليها وقت الاستيلاء ...".
والمستفاد من هذين النصين أنه يجوز الاستيلاء مؤقتًا على العقارات اللازمة لعمل ترميم أو الوقاية في حالات الغرق أو قطع الجسور أو تفشي وباء أو في الأحوال الطارئة أو المستعجلة المماثلة، وفي الحالات التي تمثل ضرورة ملجئة تقدر بقدرها ولمدة حددها المشرع بانتهاء الغرض المستولي على العقار من أجله وهو الترميم أو الوقاية أو غيرهما، أو بثلاث سنوات من تاريخ الاستيلاء الفعلي أيهما أقرب، أوجب المشرع بعدها إعادة العقار بالحالة التي كان عليها وقت الاستيلاء.
ومن حيث إنه طبقًا لما تقدم فإنه عن مشروعية القرار المطعون فيه فإن الثابت بالأوراق أنه بتاريخ 19/ 12/ 1953 صدر قرار الاستيلاء على العقار المملوك للمطعون ضدهم لأغراض التعليم فأقاموا الدعوى رقم 116 لسنة 43 ق أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بتاريخ 17/ 10/ 1988 طعنًا على القرار السلبي بعدم رد العقار إلى ملاكه، حيث حكمت المحكمة بجلسة 30/ 7/ 1995 بإلغاء القرار المطعون فيه بالامتناع عن رد العقار إلى ملاكه، ولدى تنفيذ هذا الحكم أقامت وزارة التربية والتعليم الإشكال رقم 571 لسنة 1993 أمام محكمة التنفيذ بالإسكندرية التي قضت بجلسة 31/ 7/ 1993 برفض الإشكال، وتأيد هذا الحكم استئنافيًا في الدعوى رقم 434 لسنة 1993 ورغم ذلك أصرت الوزارة على عدم تنفيذ الأحكام القضائية وأصدرت قرارها المطعون فيه رقم 5 لسنة 1994 بالاستيلاء المؤقت على ذات العقار.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه حسبما استظهرته المحكمة على النحو سالف البيان لم يصدر في إحدى حالات الضرورة الطارئة أو العاجلة أو الماسة التي أورد المشرع أمثلة عنها في المادة (15) المذكورة، كما أن جهة الإدارة تجاوزت مدة الاستيلاء المؤقت النصوص عليها قانونًا وهي ثلاث سنوات من تاريخ الاستيلاء الفعلي،كما رفضت الانصياع لما أوجبه المشرع من ضرورة رد العقار إلى ملاكه بالحالة التي كان عليها عند الاستيلاء بمجرد انقضاء تلك المدة، فضلاً عن أن الثابت أن هذا القرار المطعون فيه ما صدر إلا تحايلاً على الأحكام القضائية الصادرة ضد الجهة ا لإدارية برد العقار إلى ملاكه واعتداء على قوة الأمر المقضي الثابتة لهذه الأحكام، ويمثل في ذات الوقت افتئاتًا ومساسًا بحق الملكية الخاصة المصونة بنص الدستور غارقًا في حمأة اللامشروعية لما يمثله من تعسف في استعمال الحق وإساءة لاستعمال السلطة جديرًا بالإلغاء، ويكون الحكم المطعون فيه إذ ذهب هذا المذهب صحيحًا مطابقًا للقانون.
ومن حيث إنه عن طلب التعويض فإنه لا يقضي به إلا إذ أثبتت المسئولية الإدارية بأركانها الثلاثة في جانب جهة الإدارة وهي الخطأ المتمثل في القرار الإداري غير المشروع والضرر الذي يصيب الأفراد ورابطة السببية بينهما، وهي جميعها متوافرة في هذه المنازعة حيث ثبت فيما تقدم خطأ الجهة ا لإدارية الجسيم بتعنتها ومماطلتها وامتناعها عن تنفيذ الأحكام القضائية وإصدار قرارها المطعون فيه تحايلاً على تنفيذها والتفافًا حولها بغصب ملكية العقار المملوك للمطعون ضدهم في غير الأحوال وبغير الطريق الذي حدده ورسمه القانون وترتبت عليه أضرار جسيمة لهم، أقلها إحساسهم بالكمد والحسرة جراء تجريدهم من حق ملكيتهم للعقار محل التداعي منذ عام 1953 أي أكثر من ستة وخمسين عامًا وما تجشموه من إجراءات تقاض ومصاريف ومناضلة من أجل استرداد عقارهم المسلوب داخل أزقة المحاكم وخارجها، وحرمانهم من استعمال أو استغلال أو التصرف فيما يملكون عصفًا بحقهم المشروع بملكيتهم الخاصة التي غدت مستباحة، وهي في الأصل مصونة بنص الدستور فإن مبلغ الخمسين ألف جنيه المقضي بها تعويضًا لهم عما أصابهم من أضرار مادية وأدبية يضحى هو الحد الأدنى المقبول والذي قدرته المحكمة المطعون في حكمها، ويكون الطعنان على الحكم المطعون فيه والحال كذلك مفتقرين لسندهما من الواقع والقانون جديرين بالرفض وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة في كل منهما مصاريف طعنها بحسابها الخاسرة عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
ولا محاجة هنا لما أثير في تقريري الطعنين حيث إن ذلك مردود بما أوردته هذه المحكمة في منازعة مماثلة في الطعن 1774 لسنة 36ق عليا بجلسة 12/ 12/ 1993 من أن جهة الإدارة في المنازعة الماثلة لجأت في سبيل تعطيل أحكام القضاء الإداري الصادرة لمصلحة المطعون ضدهم إلى عدة وسائل، كان من الأولى بها أن تنأى بنفسها عنها وألا تذهب إلى هذا الحد من المدد في الخصومة والتحايل على تنفيذ أحكام القضاء، تارة بالإشكالات في التنفيذ وتارة أخرى باستصدار القرار تلو القرار بتعطيل صحيح حكم القانون، وآخرها القرار المطعون فيه، والذي يتضح بجلاء من ظاهر الأوراق أن هدف الإدارة منه هو استمرار شغلها للعقار المملوك للمطعون ضدهم معارضة بذلك الأحكام القضائية النهائية الصادرة لمصلحتهم ومعطلة بذلك تنفيذها وهو مسلك يفتقد إلى المشروعية؛ ذلك أنه ولئن كان يسوغ أحيانًا للإدارة في الأحوال التي تجد نفسها فيها في حالة الضرورة بحيث يتعذر عليها تنفيذ حكم قضائي أن تلجأ إلى تصرف إداري يحول دون تنفيذه، إلا أن ذلك لا يكون إلا حيث يشكل التنفيذ خطرًا داهمًا كحدوث فتنة أو تضحية جسيمة بمصالح جوهرية للمواطنين كأن يخشى من التنفيذ أن يسبب انفراطًا بعقد الأمن، والظاهر أن شيئًا من ذلك ولا قريبًا منه قد سجلته عناصر المنازعة، ومع أن م رفق التعليم حيوي وهام وانتظام الدراسة في مدارسه هو أمر يحرص عليه الجميع ويتوق إلى توفيره، إلا أن الملاحظ أن الجهة الإدارية كان يمكنها منذ بدأت منازعتها العقار المملوك للمطعون ضدهم أن تدبر أمرها وأن توفر لتلاميذ المدرسة الأماكن اللازمة وعدم إلحاق تلاميذ جدد في تلك المدرسة، وإذ هي لم تفعل ذلك ولجأت إلى إصدار القرار المطعون فيه الأخير، والذي لا يعد أن يكون حلقة من سلسلة الإجراءات والقرارات المتابعة من قبل الإدارة لتعطيل أحكام القضاء الصادرة لمصلحة المطعون ضدهم.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً، ورفضهما موضوعًا، وألزمت كل جهة من الجهتين الطاعنتين مصاريف طعنها.


(1) قريب من ذلك: حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 3532 لسنة 47ق عليا بجلسة 29/1/2005, منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها في السنة 50 مكتب فني رقم 69 ص 494.
(2) قريب من ذلك: حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 11868 لسنة 49ق. عليا بجلسة 16/ 2/ 2008 منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها في السنة 53 مكتب فني رقم 89 ص 636.