مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والخمسين والسادسة والخمسين - من أول أكتوبر 2009 إلى آخر سبتمبر 2011 - صـ 158

(15)
جلسة 12 من ديسمبر سنة 2009
الطعن رقم 11884 لسنة 48 القضائية عليا
(الدائرة الرابعة)

السادة الأستاذة المستشارون نواب رئيس مجلس الدولة.
1 - السيد محمد السيد الطحان.
2 - محمود إسماعيل رسلان مبارك.
3 - د. حسين محمد عبد المجيد بركات.
4 - أحمد إبراهيم زكي الدسوقي.
5 - د. محمد ماهر أبو العنين.
6 - د. سمير عبد الملاك منصور.
7 - محمود إسماعيل عثمان.
تعويض - التعويض عن أعمال السلطة القضائية - لا يجوز كمبدأ عام إلا في الأحوال التي تبلغ جسامة العيب في الحكم القضائي أن يكون منعدمًا - إذا كان الحكم صادرًا عن هيئة مشكلة تشكيلا صحيحًا فلا يجوز التعويض عنه بوصفه عملا قضائيا، ولو انطوى على مخالفة في تطبيق القانون - لا يجيز القانون طلب التعويض إلا من خلال دعوى المخاصمة إذا تحقق مناطها.


الإجراءات

في 30/ 7/ 2002 أقام السيد/ ... المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن الطعن الماثل بإيداع صحيفته قلم كتاب المحكمة مقررًا الطعن على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري الدائرة السادسة في الدعوى رقم 2144 لسنة 52 ق الذي انتهى إلى عدم قبول الدعوى شكلاً بالنسبة للمدعى عليها الثانية بصفتها، وبقبولها شكلاً بالنسبة للمدعى عليه الأول بصفته، ورفضها موضوعًا وإلزام المدعي المصروفات.
وطلب الطاعن في ختام تقرير الطعن إلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بالطلبات الأصلية الواردة بصحيفة الدعوى المقامة من الطاعن مع إلزام المطعون ضدهما المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وقد تم إعلان تقرير الطعن على النحو الثابت بالأوراق. وقد انتهت هيئة مفوضي الدولة في تقريرها إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا.
وتدوول الطعن أمام الدائرة الثامنة فحص طعون التي قررت بجلسة 13/ 1/ 2008 إحالته إلى الدائرة الرابعة فحص طعون، وتدوول نظره أمامها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات حيث قررت الدائرة بجلسة 11/ 6/ 2008 إحالة الطعن إلى دائرة الموضوع، وتدوول أمامها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات حيث تقرر إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى جميع أوضاعه الشكلية المقررة.
ومن حيث إن واقعات الحكم المطعون فيه تخلص حسبما يظهر من الأوراق في أنه بتاريخ 17/ 8/ 1992 أقامت النيابة الإدارية الدعوى التأديبية رقم 1428 لسنة 34 ق أمام المحكمة التأديبية لوزارة التعليم وملحقاتها بإيداع أوراقها قلم كتاب تلك المحكمة مشتملة على تقرير اتهام كل من:
1 - .... (الطاعن) السائق بمصلحة سك العملة بالدرجة الثالثة.
2 - .... 3 - .....
لأنهم في غضون عام 1991 بدائرة عملهم خرجوا على مقتضى الواجب الوظيفي وسلكوا في تصرفاتهم مسلكًا لا يتفق والاحترام الواجب وكرامة الوظيفة بأن:
الأول: مارس الفحشاء مع إحدى الفتيات خارج المصلحة على النحو الموضح تفصيلاً بالأوراق، بالإضافة إلى أنه قاد السيارة الأجرة ملك والده مؤديًا بذلك عملاً للغير دون الحصول على موافقة السلطة المختصة.
وطلبت النيابة الإدارية محاكمة المذكورين تأديبيًا، وقد انتهت المحكمة التأديبية إلى مجازاة الطاعن بالفصل من الخدمة نظرًا لثبوت ما هو منسوب إليه من واقع ما جاء بالأوراق والتحقيقات.
وقد أقام الطاعن طعنه على الحكم سالف البيان أمام المحكمة الإدارية العليا بموجب الطعن رقم 4541 لسنة 40 ق وانتهت المحكمة إلى تخفيف العقوبة الموقعة عليه وذلك بإلغاء الحكم الصادر بفصله من الخدمة، وتوقيع عقوبة خفض الأجر بمقدار علاوة.
وأقامت المحكمة حكمها على أنه عن المخالفة الأولى المنسوبة للطاعن وهي ممارسته للفحشاء مع إحدى الفتيات خارج المصلحة، فإن القدر المتيقن من الوقائع الذي يمكن التعويل عليه أن الطاعن كان ينفرد بالفتاة موضوع التحقيق بمسكنه برضاها بزعم وجود علاقة زوجية بينهما بمقتضى العقد العرفي المقدم ضمن أوراق الدعوى، وهو ما تشير إليه أقوال الطاعن والشهود بتحقيقات النيابة الإدارية وأمام المحكمة التأديبية، وهو ما يكفي للقول بثبوت المخالفة المنسوبة إلى الطاعن، ويشكل في حقه ذنبًا إداريًا قوامه هذا المسلك المعيب المنافي للأخلاق والشريعة والقانون خارج نطاق الوظيفة، بحسبان أن هذا العقد العرفي لم تكتمل له مقوماته الشرعية والقانونية، وكان يتعين على الطاعن اتخاذ الإجراءات الصحيحة لإضفاء الشرعية على هذه العلاقة، وإن كان يشفع للطاعن في مجال تخفيف العقوبة عليه سعيه إلى والدة الفتاة للاتفاق معها على تفصيلات الزواج، وذهابه إلى المأذون لإفراغ هذه العلاقة في صيغتها القانونية الشرعية، وتوقيعه على ما أعتقد أنه عقد عرفي يربطه بالفتاة لحين إتمام الزواج.
وبالنسبة للمخالفة الثانية المنسوبة إلى الطاعن وهي قيادته للسيارة الأجرة المملوكة لوالده، مؤديًا بذلك عملاً للغير دون الحصول على موافقة السلطة المختصة، فقد أجدبت الأوراق من دليل على أن قيادة الطاعن لسيارة والده الأجرة كانت بقصد العمل عليها بالمعيار الذي حدده القانون لمنع الموظف من العمل لدى الغير إلا بموافقة السلطة المختصة.
وانتهت المحكمة إلى ثبوت المخالفة الأولى في حقه دون الثانية على النحو سالف البيان وانتهت إلى تخفيف الجزاء الموقع عليه.
وقد أقام الطاعن الدعوى رقم 2144 لسنة 52 ق في 16/ 12/ 1997 أمام محكمة القضاء الإداري طالبًا في ختامها وبعد اختصام المطعون ضدهما وزير المالية ورئيسة مصلحة سك العملة أحقيته في تعويض مادي وأدبي بمقدار ثلاثة عشر ألفا وسبع مئة جنيه عن الأضرار المادية والأدبية التي أصابته من جراء صدور الحكم بفصله من الخدمة، وأشار في عريضة الدعوى إلى أن هذا التعويض يعادل قيمة راتبه عن المدة من سبتمبر 1994 إلى يناير 1997 (تاريخ عودته للعمل)، وكذلك التعويض الأدبي عن قرار فصله الذي قدره بخمسة آلاف جنيه، كما أشار إلى أن المطعون ضدهما رفضا إعادته للخدمة فور صدور الحكم عن المحكمة الإدارية العليا.
وبجلسة 2/ 6/ 2002 صدر الحكم المعطون فيه بقبول الدعوى شكلاً بالنسبة لوزير المالية فقط ورفضها موضوعًا.
وأقامت المحكمة حكمها على أنه ليس هناك أي خطأ يمكن نسبته إلى الجهة الإدارية لأنها قامت بتنفيذ الحكم فور صدوره بعد إتباع الإجراءات المقررة بمخاطبة الجهات المختصة عن كيفية تنفيذ الحكم، فضلاً عن عدم إمكانية تعويض المدعي (الطاعن) عن الأضرار الأدبية من جراء تنفيذ الحكم؛ لأن هذا الذي نسب إليه فعله مخالف للقيم والشريعة، مما استدعى الحكم عليه فصله من الخدمة. وانتهت إلى حكمها المطعون فيه.
ويقوم الطعن على أن الحكم المطعون فيه تجاهل أن منع الطاعن عن العمل تم بموجب قرار فصله الذي ألغته المحكمة الإدارية العليا، فضلاً عن الأضرار الأدبية التي أصابته من جراء فصله من الخدمة، فضلاً عن أنه لم يتم تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر بإلغاء قرار فصله إلا بعد فترة كبيرة من العناء وإقامته جنحة مباشرة لعدم تنفيذ الحكم، وانتهى إلى طلباته سالفة البيان.
ومن حيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه لا يجوز التعويض عن أعمال السلطة القضائية كمبدأ عام إلا في الأحوال التي تبلغ جسامة العيب في الحكم القضائي أن يكون منعدمًا، أما إذا كان الحكم صادرًا عن هيئة مشكلة تشكيلاً صحيحًا فلا يجوز التعويض عنه بوصفه عملاً قضائيًا، ولو كان هذا الحكم قد انطوى على مخالفة في تطبيق القانون أظهرتها المحكمة الأعلى عند النظر في الطعن على هذا الحكم، ولا يجيز القانون المصري طلب التعويض إلا من خلال دعوى المخاصمة، وهي دعوى شخصية توجه في الأساس إلى القاضي الذي أصدر الحكم إذا ثبت أنه قد ارتكب خطأ مهنيًا جسيمًا في الحكم أدى إلى الإضرار بالمدعي.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن الضرر الذي أصاب الطاعن من جراء فصله إنما كان على إثر صدور حكم قضائي بهذا الفصل، وأن المحكمة الإدارية العليا قد خففت العقوبة الواردة في هذا الحكم إلى عقوبة خفض الأجر بمقدار علاوة، ولم تنته إلى براءة الطاعن من الاتهام الرئيس المنسوب إليه، بل أشارت المحكمة في معرض تخفيفها للحكم المذكور إلى أن ما ارتكبه الطاعن يعد خروجًا بمسلكه عن أحكام القانون والشريعة والأخلاق، وعليه فلا أساس لمطالبة الطاعن بالتعويض عن فصله من الخدمة الذي تم تنفيذًا لهذا الحكم، فضلاً عن أن ما أشار إليه الطاعن من عدم تنفيذ الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا فور صدوره لم يقم عليه دليل من الأوراق، حيث طالبته المحكمة بجلسة 28/ 3/ 2009 بتقديم بيان تاريخ تقديمه للصورة التنفيذية للحكم الصادر لصالحه عن المحكمة الإدارية العليا والجهة التي تم تسليم تلك الصورة إليها، إلا أنه وحتى حجز الطعن للحكم عليه في 14/ 10/ 2009 لم يقدم هذا البيان، وإن الأوراق المرافقة لحافظة مستندات الجهة الإدارية المقدمة بجلسة 24/ 1/ 2009 أمام هذه المحكمة أوضحت أن تنفيذ الحكم تم بعد استيفاء أوراق صيغته التنفيذية، وكذلك استطلاع رأي الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة لتسوية حالته، وإن هذه المكاتبات كانت تنفيذًا لإجراءات إدارية روتينية لتنفيذ الحكم بعد سبق صدور قرار بفصل الطاعن من زمن بعيد، وعليه فليس هناك أي خطأ يمكن نسبته للجهة الإدارية يستحق بمقتضاه الطاعن التعويض الذي يطالب به. وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة فإن الطعن عليه يكون متعين الرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعًا وألزمت الطاعن المصروفات.