باسم الشعب
محكمة النقض
الدائرة المدنية
دائرة " الاثنين " (د) المدنية

برئاسة السيد القاضي/ يحيى جلال نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة القضاة/ عبد الصبور خلف الله ومجدي مصطفى ورفعت هيبة وأحمد فاروق عبد الرحمن نواب رئيس المحكمة
وحضور رئيس النيابة السيد/ أحمد عثمان.
وأمين السر السيد/ أحمد علي.
في الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالي بمدينة القاهرة.
في يوم الاثنين 13 من ربيع الآخر سنة 1436هـ الموافق 2 من فبراير سنة 2015.

أصدرت الحكم الآتي: -

في الطعن المقيد في جدول المحكمة برقم 3338 لسنة 76 ق.

المرفوع من
ضد


الوقائع

في يوم 15/ 3/ 2006 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف ....... الصادر بتاريخ 16/ 1/ 2006 في الاستئناف رقم ..... لسنة 79 ق وذلك بصحيفة طلب فيها الطاعن بصفته الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه.
وفي نفس اليوم أودع الطاعن بصفته بالدفاع.
ثم أودعت النيابة مذكرتها وأبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه.
وبجلسة 20/ 10/ 2014 عُرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر فحددت لنظره جلسة 5/ 1/ 2015 وبها سمع الطعن أمام هذه الدائرة على ما هو مبين بمحضر الجلسة وقد صمم كل من محامي الطاعن والنيابة على كل ما جاء بمذكرتها والمحكمة أصدرت حكمها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر/ " نائب رئيس المحكمة " والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم ...... لسنة 2004 مدني ...... الابتدائية على الطاعن بصفته وآخر غير مختصم في الطاعن بطلب الحكم بإلزامهما بأن يؤديا له مبلغ مائة ألف جنيه تعويضًا عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به بسبب اعتقاله وتعذيبه في الفترة من 1/ 1/ 1995 وحتى 31/ 12/ 1995. حكمت المحكمة بعدم اختصاصها محليًا بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة ....... الابتدائية فاستأنف المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف رقم ....... لسنة 79 ق أمام محكمة استئناف ....... التي قضت بإلغاء الحكم المستأنف وإعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة لنظرها والتي حكمت بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة للمدعي عليه الثاني (الغير مختصم في الطعن) وبإلزام الطاعن بأن يؤدي للمطعون ضده مبلغ ستة آلاف جنيه تعويضًا عن الأضرار المادية والأدبية. استأنف المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف رقم ....... لسنة 80 ق لدى محكمة استئناف ...... كما استأنفه الطاعن أمام ذات المحكمة بالاستئناف رقم ........ لسنة 80 ق وضمت المحكمة الاستئنافين ثم قضت بتاريخ 16/ 1/ 2006 في الاستئناف الأول بتعديل مبلغ التعويض بزيادته إلى عشرة آلاف جنيه وفي الثاني برفضه. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة منعقدة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعن بأولهما على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه إذ قضى برفض دفعه بعدم اختصاص محكمة ....... الابتدائية محليًا بنظر الدعوى على سند من أن موطن مدير أمن أسيوط الذي كان مختصمًا أمام محكمة أول درجة يقع بدائرتها، برغم انعدام صفته في تمثيل وزارة الداخلية التي يمثلها الطاعن الخصم الحقيقي في النزاع ومن ثم يكون الاختصاص المحلي بنظر الدعوى معقودًا لمحكمة ....... الابتدائية التي يقع بدائرتها موطنه مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك بأنه لما كان النص في المادة (10) من قانون المرافعات على أن " تسلم الأوراق المطلوب إعلانها إلى الشخص نفسه أو في موطنه ويجوز تسليمها في الموطن المختار في الأحوال التي يبينها القانون ". وفي المادة (13) منه على أنه " فيما عدا ما نُص عليه في قوانين خاصة تسلم صورة الإعلان على الوجه الآتي: - (1) ما يتعلق بالدولة يسلم للوزراء ومديري المصالح المختصة والمحافظين أو لمن يقوم مقامهم فيما عدا صحف الدعاوى وصحف الطعون والأحكام فتسلم الصورة إلى هيئة قضايا الدولة أو فروعها بالأقاليم حسب الاختصاص المحلي لكل منها "، وفي المادة (49) من نفس القانون على أنه " يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ". وفي المادة السادسة من القانون رقم 75 لسنة 1963 في شأن تنظيم هيئة قضايا الدولة المعدل بالقانون 10 لسنة 1986 على أنه " تنوب هذه الهيئة عن الدولة بكافة شخصياتها الاعتبارية العامة فيما يرفع منها أو عليها من قضايا لدى المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها ولدى الجهات الأخرى التي خولها القانون اختصاصًا قضائيًا وتسلم إليها صور الإعلانات الخاصة بصحف الدعاوى وصحف الطعون والأحكام المتعلقة بتلك الجهات ما اتصل منها بجهة القضاء العادي أو جهة القضاء الإداري أو أية هيئة قضائية أخرى ...... ". هذه النصوص مجتمعة تدل على أن المهمة الأصلية لهيئة قضايا الدولة هي أن تنوب عن الدولة بكافة شخصياتها الاعتبارية العامة فيما يرفع منها أو عليها من قضايا لدى المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها ولدى الجهات الأخرى التي خولها القانون اختصاصًا قضائيًا، بهدف المحافظة على أموالها ورعاية مصالحها مما مقتضاه أن هذه الهيئة هي وحدها النائب القانوني عن الدولة والأشخاص الاعتبارية العامة، وكان الأصل أن الإعلان يجوز إما لشخص المعلن إليه أو في موطنه، إلا أنه خروجًا على هذا الأصل أوجب القانون تسليم صور إعلانات صحف الدعاوى وصحف الطعون والأحكام الموجهة إلى الدولة ومصالحها المختلفة إلى هيئة قضايا الدولة وفروعها بالأقاليم، وتسليم هذه الصور على غير هذا الوجه لا يعتد به ولا يترتب عليه أي أثر، مما مؤداه أن المشرع لم يجعل للدولة والأشخاص العامة سوى موطن أصلي واحد هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هيئة قضايا الدولة وفروعها في كل ما يتعلق بالدعاوى والطعون التي ترفع منها أو عليها لدى جميع المحاكم بمختلف أنواعها ودرجاتها، وكانت القاعدة العامة في تعيين الاختصاص المحلي وفقًا لنص المادة 49 من قانون المرافعات أن المحكمة المختصة هي المحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه، والمقصود بالموطن في هذا الخصوص لا يقتصر على المكان الذي يقيم الشخص عادة، وإنما هو يشمل الموطن القانوني الذي ينسبه القانون للشخص ولو لم يكن يقيم فيه وموطن الأعمال والموطن المختار متى توافرت شروطهما، فيجوز للمدعي أن يقيم دعواه أمام المحكمة التي يقع في دائرتها أي من هذه المواطن باعتبار أنه في حالة تعدد موطن المدعى عليه ترفع الدعوى إلى المحكمة التي يقع في دائرتها أي موطن منها، وكان كل فرع من فروع هيئة قضايا الدولة بالأقاليم يعد جزءًا لا يتجزأ من هذه الهيئة ويباشر جميع الأعمال القضائية المنوطة بها حسب الاختصاص المحلي لكل فرع أي المحاكم التي تدخل في دائرة اختصاصه المحلي وفقًا لقرار وزير العدل بإنشائه، وكانت الهيئة المذكورة وفروعها بالأقاليم تعتبر - وعلى ما سلف بيانه - الموطن الوحيد للدولة والأشخاص الاعتبارية العامة بالنسبة للإعلانات الخاصة بصحف الدعاوى والطعون والأحكام، وكان البين من استقراء نصوص قانون المرافعات المنظمة لقواعد وضوابط الإعلانات والاختصاص المحلي أن الأصل أن كل مكان يصح إعلان المدعي عليه فيه قانونًا يعد موطنًا يجوز رفع الدعوى أمام المحكمة التي يقع بدائرتها هذا الموطن سواء كان الموطن العام أو القانوني أو موطن الأعمال أو الموطن المختار، ومن ثم فإنه يجوز للمدعي أن يرفع الدعوى على الدولة والأشخاص الاعتبارية العامة أمام المحكمة التي يقع بدائرتها موطن المدعي عليه أو أقرب محكمة إلى موطنه يقع بدائرتها مقر أحد فروع هيئة قضايا الدولة، وهو ما يتفق مع نهج المشرع في المواد 56، 57، 58 من قانون المرافعات في تحديد الاختصاص المحلي للمحكمة القريبة من موطن المدعي متى كان في مركز أضعف من مركز المدعي عليه بما يجعله أولى بالرعاية. لما كان ذلك، وكان الثابت الذي لا خلاف عليه أن الدعوى الراهنة ضد وزير الداخلية قد رفعت إلى محكمة ....... الابتدائية التي يقع بدائرتها فرع هيئة قضايا الدولة في أسيوط الذي يعد موطنًا للطاعن بصفته كما أن هذه المحكمة هي أقرب محكمة لموطن المطعون ضده فإن الدعوى تكون قد رفعت إلى محكمة مختصة محليًا، وإذ قضى الحكم المطعون فيه برفض الدفع بعدم اختصاص محكمة أسيوط الابتدائية محليًا بنظر الدعوى فإنه يكون قد انتهى إلى النتيجة التي تتفق وصحيح القانون فإن النعي على تقريراته القانونية في هذا الخصوص يكون غير منتج ولا جدوى منه ومن ثم غير مقبول.
وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه التناقض بين أسبابه ومنطوقه وفي بيان ذلك يقول إنه بينما قرر الحكم بأسبابه أن مقدار التعويض المحكوم به من محكمة أول درجة مغالى فيه بما يتعين معه النزول به إلى الحد المناسب لجبر الضررين المادي والأدبي إلا أنه قضى في منطوقه بزيادة مقدار التعويض عما قدر الحكم الابتدائي مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك بأنه لما كان البين من الأوراق أن محكمة أول درجة حكمت بإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون ضده مبلغ ستة آلاف جنيه تعويضًا عما لحقه من ضرر مادي وأدبي، واستأنف المطعون ضده هذه الحكم بالاستئناف رقم ..... لسنة 80 ق لدى محكمة استئناف .....، كما استأنفه الطاعن بالاستئناف رقم ...... لسنة 80 ق أمام ذات المحكمة، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن قضى برفض الاستئناف الأخير المرفوع من الطاعن، أورد في مدوناته ردًا على أسباب الاستئناف المرفوع من المطعون ضده " إن مقدار التعويض المحكوم به ابتدائيًا قد شابه الإسراف في التقدير بما يستأهل النزول به إلى الحد المناسب الملائم لجبر الضررين المادي والأدبي معًا " وكان هذا الذي قرره الحكم يدل على أن محكمة الاستئناف ارتأت أن التعويض الذي قدرته محكمة أول درجة بمبلغ ستة آلاف جنيه مغالى فيه بما يوجب تخفيضه إلى الحد الملائم لجبر الضررين المادي والأدبي، إلا أنه قضى في منطوقه بزيادة التعويض المحكوم به إلى عشرة آلاف جنيه عن الضررين المادي والأدبي فإنه يكون مشوبًا بالتناقض بين أسبابه ومنطوقه بحيث لا يقوم للمنطوق قائمة بعد أن خلا الحكم من الأسباب التي يمكن أن تحمله بما يعيبه ويوجب نقضه في هذا الخصوص.