باسم الشعب
محكمة النقض
الدائرة الجنائية
دائرة الأحد (ب)

المؤلفة برئاسة السيد القاضي/ فرغلي زناتي نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة القضاة/ محمد عبد العال وهاشم النوبي وصلاح محمد وأيمن شعيب نواب رئيس المحكمة
وحضور رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض السيد/ محمد العدروس.
وأمين السر السيد/ رجب علي.
في الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بمدينة القاهرة.
في يوم الأحد 20 من ربيع الأول سنة 1436 هـ الموافق 11من يناير سنة 2015

أصدرت الحكم الآتي: -

في الطعن المقيد بجدول المحكمة برقم 12426 لسنة 84 القضائية.

المرفوع من:
ضـد
ومنه ضـد


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن في قضية الجناية رقم .... لسنة 2013 جنايات قسم ..... والمقيدة برقم 11 لسنة 2013 كلي شرق القاهرة والمقيدة برقم 8 لسنة 2013 جنايات كسب غير مشروع والمقيدة برقم 27 سري لسنة 2011 شكوى كسب غير مشروع.
بوصف أنه في غضون من عام 2002 حتى 13/ 2/ 2011 بدائرة قسم ......... - محافظة القاهرة.
بصفته من القائمين بأعباء السلطة العامة رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة ثم وزيرًا للشباب والرياضة ثم وزيرًا للإعلام حصل لنفسه على كسب غير مشروع مقداره 33399188 ثلاثة وثلاثون مليون وثلاثمائة وتسعة وتسعون ألف ومائة وثمانية وثمانون جنيهًا بسبب استغلاله لنفوذ وظيفته وعجز عن إثبات مصدر مشروع لما طرأ من زيادة غير مبررة في ثروته على النحو المبين بالتحقيقات ومن صور ذلك الاستغلال.
أ - شراء الوحدة السكنية بالبرج رقم 3 مشروع ....... رقم (1) الطابع الرابع عشر بثمن بخس وبأقساط طويلة الأمد لم تمنح لغيره من المشترين من الشركة البائعة ولم يلتزم بسداد الأقساط في مواعيد استحقاقها مما كان ينبغي معه فسخ التعاقد ورد ما دفعه بعد خصم 5% مما سدده إعمالاً للشروط العقد إلا أن استغلاله لصفته أتاح له رد الوحدة المشتراة والحصول بغير حق على كسب غير مشروع مقداره مبلغ أربعة ملايين ونصف المليون جنيه.
ب - استغل نفوذ وظيفته بالتدخل لدى وزير الإسكان الأسبق في الحصول على قطعة أرض متميزة القطعة رقم 138 المربع الأول الكائنة بحي امتداد ..... القاهرة الجديدة دون اتباع الإجراءات القانونية المنصوص عليها باللائحة العقارية التي تنظم بيع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة للأراضي التابعة لها فضلاً عن مخالفته لنص المادة 158 من دستور 1971 المعمول به آنذاك المقابلة لنص المادة 158 من الدستور الحالي والتي تحظر على الوزير أن يشتري شيئًا من أموال الدولة وأن يبيعها شيئًا من أمواله، وتصرف بالبيع في تلك الأرض محققًا من وراء ذلك كسبًا غير مشروع مقداره اثنين مليون وخمسمائة وسبعين ألف وثمانين جنيه.
ج - بصفته سالفة الذكر حقق كسبًا غير مشروع بلغ مقداره ستة وعشرين مليون ومائتين وثلاثة وستون ألف وثلاثمائة وثمانية جنيهات تمثل الزيادة التي طرأت على ثروته وعجز عن إثبات مصدر مشروع لها وذلك على النحو المبين بالتحقيقات وتقارير الخبرة الفنية المرفقة.
د - أجرى أعمالاً إنشائية بالفيلا المملوكة له بمنطقة ....... بأقل من قيمتها عن أسعار المثل السائدة في ذلك الوقت مستغل نفوذ وظيفته فحقق كسبًا غير مشروع مقداره خمسة وستون ألف جنيه على النحو المبين بالتحقيقات.
وإحالته إلى محكمة جنايات القاهرة لمعاقبته طبقا للقيد والوصف الواردتين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت حضوريًا في 20 من فبراير سنة 2014 عملاً بالمواد 1/ 1، 2/ 1، 5، 10، 18/ 1 من القانون رقم 62 لسنة 1975 بشأن الكسب غير المشروع وبعد أن أعملت في حقه المواد 17، 55، 56 من قانون العقوبات. بمعاقبة بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وتغريمه مبلغ مليون وثمانمائة ألف جنيه وألزمته بالمصاريف الجنائية وأمرت بوقف تنفيذ عقوبتي الحبس والغرامة المقضي بهما لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ الحكم.
فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقص في 17 من أبريل سنة 2014.
وأودعت مذكرة بأسباب النقض موقع عليها من المحامِ العام الأول بها في ذات التاريخ.
كما طعن الأستاذ/ .... المحامي عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض في 19 من ذات الشهر.
وأودعت مذكرتين بأسباب الطعن النقض الأولى في ذات التاريخ موقع عليها من المحامي المقرر والثانية في 20 من ذات الشهر موقعًا عليها من الأستاذ/...... المحامي.
وبجلسة اليوم سمعت المحكمة المرافعة على ما هو مبين بمحضر الجلسة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر وسماع المرافعة والمداولة قانونًا.
أولاً: عن الطعن المقدم من النيابة العامة: -
حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.
حيث إن النيابة العامة تنعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بعدم جواز نظر الدعوى عن الواقعة الأولى بوصف الاتهام - واقعة شراء الوحدة السكنية بمشروع أبراج ...... - المسندة إلى المطعون ضده تأسيسًا على سابقة صدور أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية فيها من نيابة الأموال العامة العليا قد أخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن الأمر الذي اعتمد عليه الحكم لم يصدر إلا عن جرائم العدوان على المال العام فلا تستطيل حجيته إلى جريمة الكسب غير المشروع التي رفعت بشأنها الدعوى الجنائية لاستقلال كل من الجريمتين عن الأخرى، كما شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال إذ قضى ببراءة المطعون ضده من تهمة الكسب غير المشروع المسندة إليه عن الواقعتين الثالثة والرابعة بأمر الإحالة ذلك أنه أقام قضاءه على أسباب لا تؤدي إلى ما انتهى إليه، وأطرح الدليل المستمد من أقوال شهود الإثبات وتقارير الخبراء التي تقطع بارتكابه سائر صور الكسب غير المشروع بعبارة مجملة ودون أن يفند أدلة الثبوت أو يعن ببحث باقي عناصر الذمة المالية له مما أسلسه إلى الخطأ في قيمة المبالغ المقضي بردها والغرامة التي ألزمه بها وهو ما ينبئ عن عدم إحاطة المحكمة بوقائع الدعوى وأدلتها، ويعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
حيث أن الحكم المطعون فيه، وإن سكت في منطوقه عن القضاء بعدم جواز نظر الدعوى عن الواقعة الأولى بقرار الاتهام المسندة إلى المطعون ضده وبراءته من الواقعتين الثالثة والرابعة - واقعة استغلال نفوذ وظيفته في شراء الوحدة السكنية بأبراج ...... وما حققه من كسب غير مشروع منها، وواقعتي تحقيقه مبلغ قدره ستة وعشرين مليونًا ومائتي وثلاثة وستون ألفًا وثلاثمائة وثمانية جنيهًا من الكسب غير المشروع نتيجة زيادة طرأت في ثروته وعجزه عن إثبات مصدر مشروع لها، وإجرائه أعمال إنشائية بفيلته ...... بأقل من قيمتها محققًا كسبًا غير مشروع مقداره خمسة وستين ألف جنيه جراء استغلاله لوظيفته بصفته رئيسًا للهيئة العامة لقصور الثقافة ثم وزيرًا للشباب ثم وزير للإعلام إلا أنه بينهما في أسبابه التي يحمل المنطوق عليها، والتي تعد جزءًا لا يتجزأ منه وهو بيان كاف لما هو مقرر في القانون من أنه وإن كان الأصل في الأحكام لا ترد الحجية إلا على منطوقها، إلا أن هذه الحجية تمتد بالضرورة إلى ما يكون من الأسباب مكملاً للمنطوق ومرتبطًا معه ارتباطًا وثيقًا غير متجزئ بحيث لا يكون للمنطوق قوام إلا به. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى فيما يخص الواقعة الأولى بقوله "...... أن المتهم....... "وزير الإعلام الأسبق" وبصفته من القائمين بأعباء السلطة العامة ومن الخاضعين لأحكام القانون رقم 62 لسنة 1975 في شأن الكسب غير المشروع قام بشراء الوحدة رقم 1 بالدور الرابع عشر بالبرج رقم 3 بمشروع ....... التابع ........ وهي إحدى الشركات المساهمة المصرية - وذلك في يوم10/ 10/ 2006 ومساحتها 386 مترًا بسعر إجمالي قدره 1.544 مليون خمسمائة وأربعين ألف جنيه وذلك بالتقسيط - إذ سدد مقدمًا لها مبلغًا قدره مائتي ألف جنيه ودفع ثلاثمائة ألف جنيه أخرى على أقساط - أي بما يوازي سعر المتر أربعة آلاف جنيه - حال أن سعر المتر في ذلك الوقت بذلك المكان يبلغ 12190 جنيه أثنى عشر ألفًا ومائة وتسعين جنيهًا أي أن إجمالي سعر الوحدة هو مبلغ 4.789840 جنيه فيكون قد اشترى تلك الوحدة السكنية بأقل من سعرها الحقيقي بمبلغ ثلاثة ملايين ومائتي وخمسة وأربعين ألف وثمانمائة وأربعين جنيهًا وفي 26/ 7/ 2010 طلب فسخ العقد الخاص بتلك الوحدة وكان مقتضى إعمال نصوص ذلك العقد أن يسترد ما دفعه مخصومًا منه مبلغ 5% إلا أنه استغلالاً لنفوذ وظيفته طلب من رئيس مجلس إدارة الشركة آنذاك الحصول على مبلغ خمسة ملايين جنيه نظير الفسخ وكان له ما أراد فصدر له شيكًا بذلك المبلغ محققًا كسبًا غير مشروع لنفسه من تلك الواقعة قدره أربعة ملايين وخمسمائة وسبعة وسبعين ألف ومائتي جنيه تمثل الفرق بين ما كان يجب أن يحصل عليه بالفعل جراء فسخ العقد وهو 475 ألف جنيه وما حصل عليه فعلاً وهو خمسة ملايين جنيه - وقد انقضت الدعوى الجنائية في تلك الواقعة لصدور قرار من نيابة الأموال العامة العليا بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم الأهمية لسداد المتهم لمبلغ أربعة ملايين جنيه وخمسمائة وسبعة وسبعين ألف ومائتي جنيه لصالح شركة ........ بموجب شيكات أجله الدفع على زوجته ............." وكان من المقرر أن الأمر الصادر من سلطة التحقيق بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية له حجيته التي تمنع من العودة إلى الدعوى الجنائية مادام قائمًا لم يلغ، فلا يجوز مع بقائه قائمًا إقامة الدعوى الجنائية عن الواقعة ذاتها التي صدر فيها لأن له في نطاق حجيته ما للأحكام من قوة الأمر المقضي وكان من المقرر أن مناط حجية الأحكام هي وحدة الخصوم والموضوع والسبب ويجب للقول باتحاد السبب أن تكون الواقعة التي يحاكم المتهم عنها هي بعينها الواقعة التي كانت محلاً للحكم السابق، كما وأن نص المادتين454، 455 من قانون الإجراءات الجنائية وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - محكمة النقض - أنه يحظر محاكمة الشخص عن الفعل ذاته مرتين، وأنه إذا رفعت الدعوى عن واقعة معينة بوصف معين وحكم فيها فلا يجوز بعد ذلك رفع الدعوى عن تلك الواقعة ذاتها بوصف جديد ومناط وحدة الواقعة التي تمنع من إعادة المحاكمة ولو تحت وصف جديد أن يتحد الأساس الذي أقيمت عليه الوقائع في الدعويين، وكان القول بوحدة الجريمة أو بتعددها هو من التكييف القانوني الذي يخضع لرقابة محكمة النقض - لما كان ذلك، وكان البين من مذكرة نيابة الأموال العامة العليا في القضية رقم 577 لسنة 2011 حصر أموال عامة عليا - المرفق صورتها الرسمية بالأوراق. أن النيابة أصدرت بتاريخ 5/ 5/ 2012 أمرًا بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم الأهمية عن عدة وقائع من بينها واقعة استيلاء المطعون ضده - في الدعوى الراهنة - على المال العام البالغ قدره 4.577200 أربعة ملايين وخمسمائة سبعة وسبعين ألفا ومائتي جنيه وذلك عن واقعة شرائه لوحدة سكنية بأبراج .......، لسداده هذا المبلغ وهي ذات الواقعة الأولى الواردة بأمر الإحالة في دعوى الكسب غير المشروع المطروحة لما هو مقرر من أن جريمة الاستيلاء على المال العام وجريمة الكسب غير المشروع - بخصوص الواقعة السالف بيانها - ولئن لزم بقيام كل منهما عناصر وأركان ذاتية تتغاير في أحداها عن الأخرى، إلا أن الفعل المادي المكون للجريمتين واحد وهو حصول المطعون ضده على المال آنف البيان سواء عن طريق الاستيلاء عليه أو كسبه بطريق غير مشروع، ومن ثم فإن الواقعة المادية التي تتمثل في الحصول على ذلك المال هي عنصر مشترك بين كافة الأوصاف القانونية التي يمكن أن تعطي لها والتي تتباين صورها بتنوع وجه المخالفة للقانون، ولكنها كلها ناشئة عن حصول المطعون ضده على المال التي تمت مخالفة للقانون، وهو ذات الأساس الذي أقيمت عليه الوقائع في الدعويين، وكان الثابت بالأوراق أن هذا الأمر لازال قائمًا لم يلغ ممن يملك إلغائه، وهو ما لا تدعيه النيابة العامة الطاعنة - فإنه ما كان يجوز للنيابة العامة - من بعد - العودة إلى تقديم المتهم للمحاكمة عن هذه الواقعة بوصف جديد ومن ثم فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من القضاء بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية لسابقة صدور أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية فيها يكون قضاء سليمًا لا يخالف القانون ويضحى ما تثيره الطاعنة في هذا الصدد غير سديد، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه صرح بأنه "لا يطمئن إلى ما ورد بأمر الإحالة في شأن واقعة تحقيق المتهم لكسب غير مشروع مقداره ستة وعشرين مليون ومائتين وستين ألف جنيه - تمثل الزيادة التي طرأت على ثروته - وعجز عن إثبات مصدر مشروع لها أو استغلاله نفوذه الوظيفي في إنشاء حمام سباحة بفيلته بأقل من السعر المناسب - تأسيسًا على ما ثبت للمحكمة من أن ذلك المبلغ قد تحقق للمتهم وزوجته من نشاط مشروع وهو تحقيق أرباح من نشاط المجموعة الثقافية مما يعد دخلا مشروعًا للمتهم وكذا ملاءمة السعر الذي أنشأ به حمام السباحة - وأن اللجنة التي شكلتها المحكمة انتهت إلى عدم وجود كسب غير مشروع من الناحية الحسابية للمتهم في نطاق ما بحثه حسابيًا" لما كان ذلك, وكان من المقرر أنه يكفي في المحاكمات الجنائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي له بالبراءة مادام حكمها يشتمل على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة ووازنت بين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الاتهام وكانت المحكمة قد خلصت إلى عدم اطمئنانها إلى أدلة الثبوت ورجحت دفاع المتهم وهو ما يدخل في سلطتها بغير معقب عليها فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الخصوص يدخل في حقيقته إلى جدل موضوعي لا يثار لدى محكمة النقض. لما كان ذلك، فإن ما تنعاه النيابة العامة - الطاعنة - على الحكم المطعون فيه من أنه لم يمحص أدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام لا يكون له محل ولما هو مقرر كذلك من أن محكمة الموضوع لا تلتزم في حالة القضاء بالبراءة بالرد على كل دليل من أدلة الثبوت مادام أنها قد رجحت دفاع المتهم وداخلتها الريبة والشك في عناصر الإثبات ولأن في إغفال التحدث عنها ما يفيد ضمنًا أنها أطرحتها ولم تر فيها ما تطمئن معه إلى إدانة المطعون ضده. لما كان ما تقدم فإن الطعن يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا.
ثانيًا: عن الطعن المقدم من الطاعن........
حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الكسب غير المشروع تأسيسًا على استغلاله لنفوذ وظيفته قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وأخطأ في تطبيق القانون لعدم بيان الدليل الذي خلص منه إلى أنه حصل على الكسب بسبب استغلاله بالفعل لنفوذ الوظيفة، وأن الوظيفة هي التي أتاحت هذا الاستغلال، واعتبر الحكم مجرد قيام الوظيفة دليلاً على أن ما كسبه غير مشروع وهو ما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى فيما دان الطاعن فيه بقوله "....... كما أن المتهم أنس ...... قد استغل صفته كوزير للإعلام بجمهورية مصر العربية واستطاع أن يحصل لنفسه على قطعة أرض مساحتها 835م2 هي القطعة رقم 138 المربع الأول امتداد....... بالتجمع الخامس - حيث تم تخصيها له في 31/ 1/ 2005 من جهاز مدينة القاهرة الجديدة بتعليمات من وزير الإسكان الأسبق وبصفته الرئيس الأعلى لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة" حيث خصصت له تلك القطعة وبموقع متميز بمبلغ 770880 جنيه بقرار من وزير الإسكان الأسبق استجابة منه لطلب أنس أحمد الفقي كوزير للإعلام بذات الوزارة وبتوجيهات من وزير الإسكان الأسبق بتحديدها بذلك المكان المتميز مما أتاح للمتهم فرصة بيعها بمبلغ قدره 880 و 570 و2 مليون جنيه محققًا من ذلك كسبًا غير مشروع بلغ قدره مليون وثمانمائة ألف جنيه، ما كان للمتهم أن يحصل على تلك القطعة إلا استغلالا لصفته الوظيفية كوزير للإعلام مخالفًا بذلك ما يحظره الدستور من تعامل الوزير في أموال الدولة بيعًا وشراءً درءًا لتلك الشبهة فيكون إجمالي ما حققه....... من كسب غير مشروع من استغلال لصفته الوظيفية مبلغ 200 و377و 6 ستة ملايين وثلاثمائة وسبعة وسبعين ألفا ومائتي جنيه" وأورد على ثبوتها في حقه على تلك الصورة أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وما ثبت من ملاحظات بتقرير هيئة الفحص بجهاز الكسب غير المشروع. لما كان ذلك، ولئن كان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص واقعة الدعوى من أدلتها وسائر عناصرها، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون استخلاصها سائغًا وأن يكون الدليل الذي تعول عليه مؤديًا إلى ما رتبه عليه حكمها من نتائج غير تعسف في الاستنتاج ولا تنافر مع حكم العقل والمنطق، وكان المقصود بالكسب غير المشروع كل ما تملكه الموظف أو من في حكمه فصار ضمن ذمته المالية عنصرًا من عناصرها باستغلال ما تسبغه عليه وظيفته أو يخوله مركزه من إمكانيات تطوع له الاجتراء على محارم القانون، مما يمس ما يفترض في الموظف العام أو من في حكمه من الأمانة والنزاهة، والكسب غير المشروع أخذًا من نص قانونه رقم 62 لسنة 1975 لا يعدو صورتين الأولى: وهي المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون المذكور وهي التي يثبت فيها في حق الموظف - ومن في حكمه أيًا كان نوع وظيفته استغلاله بالفعل لأعمال أو نفوذ أو ظروف وظيفته أو مركزه كذلك بالفعل على مال مؤثم نتيجة لهذا الاستغلال وهي الصورة التي اعتنقها الحكم في الدعوى الماثلة - كما أن من المقرر أنه متى ثبت مصدر الزيادة في ثروة المتهم، وكان هذا المصدر من شأنه إنتاج الزيادة في ماله فقد انتفت القرينة التي افترضها الشارع ولم يجر من بعد اعتباره عاجزًا عن إثبات مصدره وأنه متى كانت الزيادة في ثروة المتهم ترجع إلى مصدر لا شأن له بالوظيفة مشروعًا كان أم غير مشروع فلا يصح إسنادها بمقتضى القرينة العامة إلى الوظيفة، لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم بيانًا لواقعة الدعوى جاء غامضًا ولا يبين منه أركان الجريمة المسندة إلى الطاعن إذ لم يبين أن الطاعن حصل على الكسب بسبب استغلاله بالفعل لأعمال أو نفوذ أو ظروف وظيفته أو مركزه ووجه هذا الاستغلال ماهية الإجراءات والنظم المعمول بها التي خالفها وأصدرها الطاعن مدلولاً على كل ذلك ما أثبته في حقه، وإنما اعتبر مجرد قيام الوظيفة به دليلاً على أن ما كسبه غير مشروع، فضلاً عن أن ما أورده الحكم من أقوال شهود الإثبات والتي عول عليها في إدانة الطاعن قد خلت من تفاصيل الوقائع والأفعال التي قارفها الطاعن والمثبتة لارتكابه تلك الجريمة بعناصرها القانونية وحسبما استخلص الحكم منها بيانه صورة الواقعة وما عدده من صور استغلال الوظيفة وما نتج عنه من كسب محرم، إذ أنها لا تكشف في مجموعها عن أن الطاعن قد أتى عملاً من جانبه يفصح عن تدخله لدى وزير الإسكان الأسبق ولدى المسئولين في الجهات الأخرى وهو ما عول عليه الحكم في استخلاص أنه انحرف بوظيفته انحرافًا يؤدي إلى التأثيم، واكتفى في ذلك كله بعبارات عام مجملة ومجهلة لا يبين منها مقصود الحكم في شأن الواقع المعروض الذي هو مدار الأحكام ولا يتحقق بها الغرض الذي قصده الشارع من إيجاب تسبيبها من الوضوح والبيان فإن الحكم يكون فوق قصوره في التسبيب وفساده في الاستدلال قد أخطأ في تطبيق القانون وهو ما يعيبه بما يوجب نقضه والإعادة دون حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن المقدمة من الطاعن.