مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والخمسين والسادسة والخمسين - من أول أكتوبر 2009 إلى آخر سبتمبر 2011 - صـ 193

(20)
جلسة 26 من ديسمبر سنة 2009
الطعن رقم 6759 لسنة 48 القضائية عليا
(الدائرة الأولى)

1 - السيد الأستاذ المستشار/ محمد أحمد الحسينى رئيس مجلس الدولة
والسادة الأستاذة المستشارون نواب رئيس مجلس الدولة:
2 - مجدى حسين محمد العجاتي.
3 - د. سامى حامد إبراهيم عبده.
4 - أحمد محمد صالح الشاذلي.
5 - عادل سيد عبد الرحيم بريك.
6 - صلاح الدين عبد اللطيف الجروانى.
7 - مجدي محمود بدوي العجرودي.
( أ ) اختصاص - مجلس الدولة هو القاضي الطبيعي للمنازعات الإدارية - غموض النصوص التي تحدد جهة الاختصاص بالفصل في بعض المنازعات الإدارية أو سكوت المشرع عن تحديد الجهة القضائية يقطع باختصاص مجلس الدولة دون سواه بالفصل في تلك المنازعة - الجهة صاحبة الولاية العامة بالفصل في المنازعات لا تحتاج سندا تشريعيا لاستنهاض ولايتها، ويكفي لتصدي قاضي المشروعية قيام المنازعة الإدارية في مفهوم قانون مجلس الدولة - الاستثناء يقدر بقدره دون جواز التوسع فيه في هذا الخصوص.
المواد المطبقة ( أ ):
- المواد (68) و(167) و(172) من دستور 1971.
- حكم المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم (101) لسنة 26 ق دستورية بجلسة 1/ 2/ 2009.
(ب) اختصاص - ما يدخل في الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة - نظر المنازعات المتعلقة بالترشح لعضوية مجالس إدارة الجمعيات التعاونية الزراعية.
المواد المطبقة (ب):
- المواد (1) و(43) و(44) و(52) و(54) و(64) و(65) و(69) و(77) من قانون التعاون الزراعي، الصادر بالقانون رقم 122 لسنة 1980.
(ج) الجمعيات التعاونية الزراعية - الترشح لعضوية مجلس الإدارة - تزول المصلحة في الاستمرار في نظر المنازعة بشأنه بانتهاء المدة المقررة لعضوية المجلس (1).
(د) دعوى - الطعن في الأحكام - تعيد المحكمة الإدارية العليا الدعوى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم الطعين إذا شاب قضاءها بعدم الاختصاص مخالفة القانون - إذا تحقق لدى المحكمة الإدارية العليا زوال المصلحة في دعوى الإلغاء على وجه قاطع فلا تثريب عليها أن تتصدى وتقضي في الطعن بعدم قبول الدعوى شكلا بعد أن تحققت من زوال شرط المصلحة أثناء نظرها للطعن (2).


الإجراءات

بتاريخ 13/ 4/ 2002 أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا موقعًا من السيد الأستاذ المستشار رئيس الهيئة طلب في ختامه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه الصادر عن محكمة القضاء الإداري بكفر الشيخ بجلسة 12/ 2/ 2002 في الدعوى رقم 870 لسنة 2 ق، وبإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص ولنظرها والفصل فيها مجددًا بهيئة مغايرة مع إلزام من يصيبه الخسران بالمصروفات.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا باختصاص محكمة القضاء الإداري بكفر الشيخ بنظر الدعوى وإعادتها لها للفصل فيها مع إبقاء الفصل في المصروفات لحكم منه للخصومة في الدعوى.
وتحددت لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون (الدائرة الأولى) جلسة 2/ 3/ 2009 وتدوول بجلساتها على النحو المبين بمحاضرها، وبجلسة 8/ 6/ 2009 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى دائرة الموضوع لنظره بجلسة 20/ 6/ 2009، وتدوول بالجلسات على النحو المبين بالمحاضر، وبجلسة 14/ 11/ 2009 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 12/ 12/ 2009 وتم مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم حيث صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد تمام المداولة قانونًا.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية والإجرائية ومن ثم فإنه يكون مقبولا شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص في أن السيد/ ...... أقام الدعوى رقم 870 لسنة 2 ق يطلب الحكم بقبولها شكلاً، وبوقف تنفيذ وإلغاء قرار قبول ترشح المدعى عليهم الرابع والخامس والسادس (المطعون عليهم في الطعن الماثل) لعضوية مجلس إدارة الجمعية التعاونية الزراعية بناحية كفر الطايعة مركز كفر الشيخ، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وبجلسة 12/ 2/ 2002 قضت المحكمة المذكورة بعدم اختصاصها ولائيًا بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها بحالتها إلى المحكمة الابتدائية بكفر الشيخ للاختصاص، وشيدت قضائها على أن الجمعيات التعاونية الزراعية هي وحدات اقتصادية واجتماعية، وقد أوجبت أحكام قانون التعاون الزراعي رقم 122/ 1980 ولائحته التنفيذية ضرورة أن يتضمن النظام الداخلي لكل جمعية طريقة انتخاب مجلس الإدارة على وفق شروط العضوية، وإنها لا تعد من أشخاص القانون العام، وما يصدر عنها لا يعتبر قرارات إدارية ولا تعد كافة المنازعات التي تثور بشأنها منازعات إدارية، ويؤكد ذلك أن المشرع طبقًا لحكم المادتين (54) و(69) من القانون رقم 122/ 1980 قد حدد القضاء العادي كجهة القضاء المختصة بالفصل في الطعون التي تقام من أصحاب الشأن في القرارات الصادرة بشأن وقف عضوية مجلس الإدارة أو حله وانقضاء الجمعية رغم أن هذه القرارات إدارية.
وإذ لم يلقّ هذا الحكم قبولاً لدى هيئة مفوضي الدولة، فقد أقام السيد الأستاذ المستشار رئيس هيئة مفوضي الدولة استنادًا إلى حكم المادة (23) من قانون مجلس الدولة الطعن الماثل ناعيًا على الحكم المطعون فيه صدوره مخالفًا لأحكام القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، ومستندًا إلى أن البنيان التعاوني الزراعي يتكون من الجمعيات التعاونية الزراعية والاتحاد التعاوني الزراعي المركزي، وقد وسد المشرع للقضاء العادي ولاية الفصل في بعض المنازعات الناشئة عن تطبيق أحكام قانون التعاون الزراعي، وهي القرارات الصادرة بوقف عضو مجلس الإدارة، وحل مجلس الإدارة، وإسقاط العضوية عن عضو أو أكثر، وانقضاء الجمعية، وقد سكت المشرع عن تحديد جهة التقاضي المختصة بنظر باقي المنازعات الناشئة عن قانون التعاون الزراعي، ولما كان الثابت أن المنازعات المتعلقة بالإجراءات السابقة على العملية الانتخابية بالمعنى الفني الدقيق والتي تبدأ بطلب إلى الجهة المختصة للترشح لعضوية مجلس الإدارة، وما يلي ذلك من حيث توافر شروط العضوية المنصوص عليها قانونًا، وما ينتج عن تلك العملية الانتخابية التي تبدأ بالتصويت وتنتهي بالفرز وإعلان النتائج؛ جميعها أعمال إدارية تباشرها جهة الإدارة، فينعقد الاختصاص بالفصل فيها لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري باعتباره قاضي المشروعية على وفق حكم المادة (172) من الدستور.
وخلصت هيئة مفوضي الدولة إلى طلب الحكم بالطلبات الواردة في تقرير الطعن.
ومن حيث إنه عن موضوع الطعن فإن المادة (68) من الدستور تنص على أن: "التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي....".
وتنص المادة (167) من الدستور على أن: "يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها.....".
وتنص المادة (172) من الدستور على أن: "مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة، ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى".
وتنص المادة (1) من قانون التعاون الزراعي الصادر بالقانون رقم 122 لسنة 1980 على أن: "التعاون حركة شعبية ديمقراطية ترعاها الدولة ويسهم التعاون في تنفيذ الخطة العامة للدولة في القطاع الزراعي. والجمعيات التعاونية الزراعية وحدات اقتصادية واجتماعية تهدف إلى تطوير الزراعة في مجالاتها المختلفة، كما تسهم في التنمية الريفية في مناطق عملها....".
وتنص المادة (44) من القانون السالف على أن: "تتولى الإشراف على انتخابات مجالس الإدارة لجان يرأسها أحد أعضاء الهيئات القضائية، يصدر بتشكيلها وتحديد مهامها قرار من الوزير المختص بالاتفاق مع وزير العدل....".
كما تنص المادة (52) من ذلك القانون على أن: "لكل من الوزير المختص بالنسبة للجمعيات العامة والمحافظ المختص بالنسبة للجمعيات التي تقع في نطاق المحافظة:
1 - وقف عضو مجلس الإدارة لمدة لا تزيد على شهرين إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك، ويكون الوقف بناء على طلب المحقق....
2 - حل مجلس إدارة الجمعية أو إسقاط العضوية عن عضو أو أكثر للأسباب المشار إليها في المادة السابقة بعد إجراء تحقيق مكتوب ينتهي إلى الإدانة."
كما تنص المادة (54) منه على أنه: "يجوز لكل ذي شأن أن يطعن في القرارات المشار إليها في المادة (52) أمام المحكمة الابتدائية الكائن في دائرة اختصاصها مقر الجمعية، وذلك خلال ثلاثين يومًا من تاريخ نشر قرار الحل والإسقاط في الوقائع المصرية، وإعلان صاحب الشأن بمقر الجمعية بكتاب موصى عليه بعلم وصول، وتفصل المحكمة في الطعن على وجه الاستعجال بغير مصروفات، ويكون حكمها نهائيًا".
وتنص المادة (64) من القانون المشار إليه على أن: "للجهة الإدارية المختصة وقف تنفيذ أي قرار يصدره مجلس الإدارة أو الجمعية العمومية إذا كان مخالفًا لأحكام هذا القانون والقرارات المنفذة له والتشريعات التعاونية واللوائح أو النظام الداخلي للجمعية، وذلك خلال أسبوع من تاريخ ورود الإخطار مستوفى".
كما تنص المادة (65) من قانون التعاون الزراعي على أن: "لمجلس الإدارة ولكل ذي مصلحة أن يطعن في قرار وقف التنفيذ أمام المحكمة الابتدائية المختصة وذلك خلال ثلاثين يومًا من تاريخ إبلاغ مجلس الإدارة قرار الوقف......".
وتنص المادة (69) من القانون على أن: "يكون لكل ذي شأن أن يطعن في القرار الصادر بانقضاء الجمعية من الوزير المختص وذلك أمام المحكمة الابتدائية الكائن في دائرة اختصاصها مقر الجمعية خلال ثلاثين يومًا من تاريخ نشره.....".
وتنص المادة (77) من القانون المشار إليه على أن: "لوزير الزراعة وقف عضو أو أكثر من أعضاء مجلس إدارة الاتحاد عن العمل لمدة لا تزيد على ثلاثة شهور، وذلك بعد إجراء تحقيق مكتوب .... ولكل ذي شأن أن يطعن في هذه القرارات أمام محكمة القضاء الإداري، وذلك خلال ثلاثين يومًا من تاريخ الإخطار بالقرار، وتفصل المحكمة في الطعن على وجه الاستعجال وبغير مصروفات".
ومن حيث إن مفاد ما تقدم أن الدستور المصري في سبيل كفالة حق المواطنين في التقاضي أمام قاضيهم الطبيعي قد أتخذ من تعدد جهات القضاء منهجًا لتحقيق الترضية القضائية التي يكفلها الدستور أو القانون أو كلاهما معًا، وقد وسد الدستور إلى جهة القضاء الإداري ولاية الفصل في المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية باعتبارها الجهة الأقدر وفق إجراءاتها الخاصة وتنظيمها الداخلي على تحقيق العدالة الإدارية وإنزال رقابة المشروعية في ظل مبدأ سيادة القانون، ويحول دون إعمال هذا الحكم الدستوري إلى مداه التفويض الدستوري للمشرع المنصوص عليه في المادة (167) الذي يعهد له بتحديد اختصاص جهات أو هيئات القضاء.
وقد حسمت المحكمة الدستورية العليا هذا الاتجاه الدستوري بقضائها في القضية رقم 101 لسنة 26 القضائية دستورية بجلسة 1/ 2/ 2009 بأنه "إذا ما قدر المشرع ملاءمة إسناد الفصل في بعض المنازعات الإدارية إلى محاكم السلطة القضائية، فإن سلطته في هذا الشأن تكون مقيدة بعدم الخروج على نصوص الدستور، وعلى الأخص تلك التي تضمنتها نصوص المواد (40) و(68) و(165) و(172)، ويتعين عليه التأليف بينها في مجموعها، وبما يحول دون تناقضها فيما بينها أو تهادمها، ومن ثم فلا يجوز إيلاء سلطة في منازعات بعينها إلى غير قاضيها الطبيعي إلا في أحوال استثنائية تكون الضرورة في صورتها الملجئة هي مدخلها، وصلتها بالمصلحة العامة في أوثق روابطها مقطوعًا بها، ومبرراتها الحتمية لا شبهة فيها، وهذه العناصر جميعها ليست بمنأى عن الرقابة القضائية لهذه المحكمة، بل تخضع لتقييمها بما لا يخرج نص أي من المادتين (68) و(172) من الدستور عن أغراضها التفافًا حولها، بل يكون لمضمونها مجاله الطبيعي الذي حرص المشرع الدستوري على عدم جواز إهداره، ذلك أن ما يقرره الدستور في المادة (167) من النص على أن يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها لا يجوز اتخاذه موطئًا لاستنزاف اختصاص المحاكم أو التهوين من تخصيص الدستور بعضها بمنازعات بذواتها باعتبارها قاضيها الطبيعي وصاحبة الولاية العامة بالفصل فيها؛ إذ إن الاختصاص المقرر دستوريًا لأي جهة من جهات القضاء ليس محض حق لهذه الجهة أو تلك، وإنما هو ولاية خولها إياها الدستور باعتبارها الجهة القضائية التي ارتأى أنها الأجدر بنظر نوع معين من المنازعات".
ومن حيث إنه ولما كان القضاء الدستوري قد استعصم بحكم المادة (172) من الدستور ومبدأ تكامل أحكام الدستور وعدم تعارضها فيما بينها، ووسد الاختصاص بالفصل في المنازعات الإدارية إلى جهة القضاء الإداري حتى حال صراحة نصوص الإسناد إلى غير هذه الجهة، وعليه فإن غموض النصوص التي تحدد جهة الاختصاص بالفصل في بعض المنازعات الإدارية أو سكوتها عن تحديد الجهة القضائية يقطع بما لا شك معه باختصاص مجلس الدولة دون سواه بالفصل في تلك المنازعة باعتباره القاضي الطبيعي لها.
ولا جدال في أن تحديد الدستور ومن بعد ما استقر عليه القضاء الإداري لتخوم ولاية مجلس الدولة بالمنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية يستوجب تحديدًا لما يعتبر من قبيل المنازعات الإدارية، وجُلها ينصرف بقطع القول إلى القرارات والعقود الإدارية التي تتصل اتصالاً مباشرًا أو غير مباشر بمرفق عام تقوم الدولة على تسييره أو إدارته، وجل علاقات الأفراد مع الدولة.
وقد يغم وصف المنازعة بالإدارية عن تدخل الدولة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة إذا اتصلت بتنظيم علاقات الأفراد فيما بينهم أو في بعض علاقاتهم بالدولة أو أحد أشخاص القانون العام التي تتدخل بسند تشريعي في إدارة المرافق والمشروعات الاقتصادية الخاصة، ويكون الفصل في طبيعة المنازعة رهين تحقق تدخل جهة الإدارة كسلطة عامة تباشر رقابة شئون هذه الجمعيات بأسلوب من أساليب القانون العام.
ومن حيث إن أحكام قانون التعاون الزراعي قد حددت الجمعيات الزراعية بأنها وحدات اقتصادية واجتماعية تهدف إلى تطوير الزراعة في مجالاتها المختلفة عن طريق تقديم الخدمات لأعضائها في إطار الخطة العامة للدولة، ويكفل القانون رعايتها مع ضمان الإدارة الذاتية لها، وتكتسب الشخصية الاعتبارية بشهر عقد تأسيسها.
وإذا كان المشرع في القانون المشار إليه قد وسد إلى المحكمة الابتدائية المختصة ولاية الفصل في بعض المنازعات التي تتصل بمباشرة الجمعيات لنشاطها باعتبارها من أشخاص القانون الخاص، وسكت عن البعض الآخر من هذه المنازعات، فمن ثم فإن سكوته هذا عن تحديد الجهة المختصة بالفصل في باقي المنازعات المتصلة بعملية الترشح لعضوية مجالس إدارة هذه الجمعيات، وهي منازعات إدارية لاتصالها بالتحقق من شروط الترشح من حيث التمتع بالجنسية والحقوق السياسية وإجادة القراءة والكتابة، وألا يكون المترشح قد سبق الحكم عليه في جناية أو بعقوبة مقيدة في جنحة مخلة بالشرف وغير ذلك من الشروط التي تستنهض تدخل الدولة باعتبارها سلطة عامة تهدف إلى ضمان حسن اختيار القائمين على أمور هذه المرافق الاقتصادية - هذا السكوت يستدعي لزومًا ما وسده المشرع إلى قاضي القانون العام ومجلس الدولة وذلك إعلاءً لسيادة الدستور والقانون.
ولا يحاج ذلك بما سطره الحكم المطعون فيه من سند حاصله أن المشرع لم يعهد لمجلس الدولة بولاية الفصل في طعون الترشح لعضوية مجالس إدارة الجمعيات الزراعية؛ وذلك بحسبان أن اختصاص مجلس الدولة بالفصل في المنازعات الإدارية قد كفاه الدستور تقريرًا والقضاء الدستوري من بعدُ كشفًا من علٍ رسوخًا واستقرارًا، وأن الجهة صاحبة الولاية العامة بالفصل في هذه المنازعات لا تحتاج سندًا تشريعيًا لاستنهاض ولايتها، ويكفي لتصدي قاضي المشروعية قيام المنازعة الإدارية في مفهوم قانون مجلس الدولة، وأن الاستثناء إنما يقدر بقدره دون جواز التوسع فيه في هذا الخصوص.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قضى بغير هذا القضاء فإنه يغدو متنكبًا صحيح حكم القانون، واعتوره فساد في الاستدلال وخطأ في التأويل، وبات حريًا القضاء بإلغائه.
ومن حيث إن المادة (43) من قانون التعاون الزراعي تنص على أن: "يكون لكل جمعية مجلس إدارة يدير شئونها لمدة خمس سنوات من عدد من الأعضاء لا يقل عن خمسة.....".
ومفاد النص السالف أن المشرع قد حدد مدة عضوية مجلس إدارة الجمعيات الزراعية بخمس سنوات من بين أعضاء الجمعية المستوفين لشروط عضوية مجلس الإدارة السالف الإشارة إليها.
ومن حيث إن الثابت من أوراق الطعن أن محل الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه طعون المترشحين لانتخابات عضوية مجلس إدارة الجمعية التعاونية الزراعية للإصلاح الزراعي بناحية تراوص مركز دسوق، وكان محددًا لإجرائها 6/ 3/ 2002، وقد انتهت المدة المحددة لعضوية مجلس الإدارة عام 2007.
ومن حيث إن المحكمة الإدارية العليا وهي أعلى مدارج القضاء الإداري تقوم على رقابة تطبيق صحيح حكم القانون فيما يرفع إليها من طعون في الأحكام الصادرة من محاكم القضاء الإداري وغيرها من الجهات، ولا يقف دورها عند هذا الحد، إنما لها التصدي لموضوع النزاع والفصل فيه حال قيام مقتضى ذلك.
ومن حيث إن دعوى الإلغاء خصومة عينية محلها اختصام القرار الإداري استهدافًا لمراقبة مشروعيته، وإن المصلحة هي مناط دعوى الإلغاء أمام محاكم مجلس الدولة، وهي أساس قبول دعوى الإلغاء، بحيث إذا تخلفت في جانب رافع الدعوى ابتداء أو زالت أثناء نظر الدعوى كانت دعواه غير مقبولة وتعين على المحكمة القضاء بعدم قبولها.
ومن حيث إنه ولئن كان قضاء المحكمة الإدارية العليا قد جرى على إعادة الدعوى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم إذا شاب قضاءها بعدم الاختصاص مخالفة القانون، إلا أنه لا تثريب على المحكمة الإدارية العليا إن تحقق لديها زوال المصلحة في دعوى الإلغاء على وجه قاطع ينبئ بأنه لا يوجد ثمة تقدير قد يؤدي إلى قضاء مخالف من لدن محكمة الموضوع أن تتصدى؛ اقتصادًا في إجراءات التقاضي، وتقضي في الطعن بعدم قبول الدعوى شكلاً بعد أن تحققت من زوال شرط المصلحة أثناء نظرها للطعن.
ومن حيث إن مدة العضوية المقررة لعضوية مجلس إدارة الجمعية الزراعية الصادر بشأنها الحكم المطعون فيه قد انتهت وزالت من ثم مصلحة رافع الدعوى في الاستمرار في الخصومة، كما أن مصلحة هيئة مفوضي الدولة تقف عند تطبيق صحيح حكم القانون في هذا الخصوص وهو ما انتهت إليه هذه المحكمة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا باختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى، وبعدم قبولها لزوال شرط المصلحة، وألزمت رافع الدعوى المصروفات.


(1) راجع وقارن بحكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في الطعنين رقمي 13674 و22032 لسنة 54 ق. عليا, حيث انتهت المحكمة إلى أن قرار حل مجلس إدارة النادي يؤثر في سمعة أعضاء مجلس الإدارة, ولا تزول آثاره بانتهاء المدة التي كانت مقررة للمجلس المنحل, فيستمر بعد انتهاء هذه المدة توفر شرط المصلحة في طلبهم إلغاء القرار المطعون فيه فيما نشأ من إنهاء مراكز قانونية وترتيب آثاره من جراء ما أسنده لهم من مخالفات واتهامات. (مجموعة السنة 54 مكتب فني رقم 87 ص 701)
(2) المبدأ ذاته قررته المحكمة في الطعن رقم 10714 لسنة 48 ق. ع بجلسة 23/ 1/ 2010 (المبدأ رقم 26 في هذه المجموعة).