المكتب الفني - أحكام النقض - جنائي
السنة 57 - صـ 619

جلسة 11 من مايو سنة 2006

برئاسة السيد المستشار/ فريد عوض نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ علي فرجاني، حمدي ياسين نائبي رئيس المحكمة ومحمد أحمد عبد الوهاب وعبد الله فتحي.

(66)
الطعن رقم 27137 لسنة 75 القضائية

(1) تلبس. تقليد. مأمورو الضبط القضائي " سلطاتهم ". قبض. تفتيش " التفتيش بغير إذن ". محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير حالة التلبس ". دفوع " الدفع ببطلان القبض والتفتيش ". حكم " تسبيبه تسبيب غير معيب ".
حالة التلبس بالجريمة تبيح لمأمور الضبط القضائي القبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه وتفتيشه. أساس ذلك؟
تقدير توافر حالة التلبس أو عدم توافرها. لرجل الضبط بداءة تحت رقابة سلطة التحقيق وإشراف محكمة الموضوع. شرط ذلك؟
مثال لتسبيب سائغ للرد على الدفع ببطلان القبض والتفتيش لعدم توافر حالة التلبس في جريمة تقليد أوراق مالية.
(2) إثبات " بوجه عام ". تقليد. قصد جنائي. جريمة " أركانها ". محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل ". حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " " تسبيبه. تسبيب غير معيب ". نقض " أسباب الطعن. ما لا يقبل منها ".
عدم تحدث الحكم صراحة واستقلالاً عن علم المتهم بتقليد الأوراق المالية. لا يعيبه. ما دامت الوقائع كما أثبتها الحكم تفيد توافر هذا العلم لديه.
القول بتوافر العلم بالتقليد. موضوعي.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام محكمة النقض.
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على علم الطاعن بتقليد الأوراق المالية.
(3) تقليد. ترويج عملة. عقوبة " الإعفاء منها ". أسباب الإباحة وموانع العقاب " الإعفاء من العقوبة ". دفوع " الدفع بالإعفاء من العقاب ". حكم " تسبيبه. تسبيب غير معيب ".
صورتا الإعفاء من العقاب الواردتان في المادة 205 عقوبات. شرطهما: ألا يكون الجاني قد استعمل العملة المقلدة قبل إخبار السلطات.
مثال لتسبيب سائغ للرد على الدفع بالإعفاء من العقاب.
(4) محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى ".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي. ما دام سائغًا.
(5) إثبات " شهود ". محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير أقوال الشهود ". حكم " تسبيبه. تسبيب غير معيب ". نقض " أسباب الطعن. ما لا يقبل منها ".
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
أخذ المحكمة بشهادة الشاهد. مفاده؟
منازعة الطاعن في القوة التدليلية لأقوال الشهود. جدل موضوعي في حق محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة. غير جائز أمام محكمة النقض. التفات الحكم عن الرد عليه. لا يعيبه.
(6) عقوبة " تقديرها ". ظروف مخففة. محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير العقوبة ".
تقدير العقوبة وقيام موجبات الرأفة أو عدم قيامها. موضوعي.
(7) دفاع " الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره ". حكم " تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال. كفاية إيرادها لأدلة الإدانة بما تحمل عليه قضاءها.
1 - من المقرر أن حالة التلبس بالجناية تبيح لمأمور الضبط القضائي طبقًا للمادتين 34، 46 من قانون الإجراءات الجنائية أن يقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه وأن يفتشه، وتقدير توافر حالة التلبس أو عدم توافرها هو من الأمور الموضوعية البحتة التي توكل بداءة لرجل الضبط القضائي على أن يكون تقديره خاضعًا لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع وفق الوقائع المعروضة عليها - بغير معقب - ما دامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق منطقيًا مع المقدمات والوقائع التي أثبتتها في حكمها، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن أورد صورة الواقعة حصل دفاع الطاعن ببطلان القبض والتفتيش ورد بقوله: " وحيث إنه عن الدفع ببطلان القبض والتفتيش بمقولة عدم جدية التحريات المبدى من الدفاع أيضًا فغير سديد لأن هذه الجريمة قد توافر بشأن ضبطها قيام حالة التلبس، فإذا ما تمكن شاهد الإثبات الأول من ضبط المتهم الرابع السابق الحكم عليه محرزًا للعملة المقلدة التي قدمها إليه وبضبطه آخر في ذات الوقت عن أن المتهم الثالث السابق الحكم عليه هو الذي أعطاها إياها وبضبط هذا الأخير أرشد في وقت معاصر عن المتهم الماثل الذي كان ينتظره في إحدى المقاهي للتحقق من ترويج تلك الورقة المالية المقلدة بدفعها إلى التداول فتم ضبطه، وقدم إلى مأمور الضبط القضائي خمس ورقات أخرى مماثلة مقلدة، فإن الجريمة تكون متلبسًا بها ويجوز لمأمور الضبط القضائي تتبعها لضبطها وضبط مرتكبها الأمر الذي يصح معه إلقاء القبض عليه وتفتيشه بما يضحى معه الدفع على غير أساس يتعين اطراحه ". وهو رد كاف وسائغ ويتفق وصحيح القانون، وأن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون غير سديد.
2 - من المقرر أنه لا يعيب الحكم عدم تحدثه صراحة وعلى استقلال عن علم المتهم بتقليد الأوراق المالية التي يتعامل بها ما دامت الوقائع كما أثبتها تعتبر توافر هذا العلم لديه، وكان القول بتوافر علم المتهم بالتقليد هو من خصائص محكمة الموضوع تستقل به وتستخلصه من الوقائع والعناصر المطروحة عليها، وإذ كان الحكم المطعون فيه عرض لعلم الطاعن بتقليد العملات محل الاتهام، وأثبت توافره في حقه في قوله: " وحيث إنه عن الدفع بانتفاء القصد الجنائي لدى المتهم لانتفاء علمه بكون الأوراق المضبوطة مقلدة المبدى من الدفاع أيضًا ففي غير محله لأن الثابت من أقوال شهود الإثبات كذلك أن المتهم يحوز الأوراق المالية المقلدة وهو يعلم بأمر تقليدها، وقد اشتراها بما يعادل نصف قيمتها فضلاً عما تحقق من ظروف وملابسات واقعة الضبط ذاتها من توافر القصد الجنائي لدى المتهم , وهو ما تطمئن إليه المحكمة ويضحى الدفع متعينًا الاطراح ". وكان ما أورده الحكم على النحو المتقدم سائغ وسديد ويتوافر به العلم بالتقليد فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع، ولا يجوز مجادلتها في شأنه أمام محكمة النقض.
3 - لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن بالإعفاء من العقاب طبقًا للمادة 205 من قانون العقوبات ورد عليه بقوله: " وحيث إنه عن الدفع بتوافر حالة الإعفاء من العقاب المبدى من الدفاع فغير سديد لأن نص المادة 205 من قانون العقوبات قد جاء على أنه " يعفي من العقوبات المقررة في المواد 202، 202 مكرر/ 1، 203 كل من بادر من الجناة بإخبار الحكومة بتلك الجنايات قبل استعمال العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة ...." بما يعنى أن المشرع قد استلزم لأعمال ذلك الإعفاء من العقاب أن يحصل الإخبار على النحو السالف بيانه قبل استعمال العملة المقلدة، فإذا ما كانت تلك العملة قد استعملت فلا مجال لإعمال هذا النص، ولما كان الثابت من أقوال شهود الإثبات التي تطمئن إليها المحكمة أن المتهم قد استعمل الأوراق المالية المقلدة والتي يحوزها بقصد ترويجها مع علمه بأمر تقليدها بأن دفع بإحداها إلى التعامل، وتم ضبطها على النحو الثابت بمدونات هذا الحكم فقد تخلفت شرائط الإعفاء قبله بما يتعين معه اطراح هذا الدفع ". وإذ كان الحكم قد دلّل بما أورده من أدلة سائغة على أن ما ارتكبه الطاعن يوفر في حقه جريمة حيازة وترويج عملة ورقية مقلدة، وأنه افتقد شرط الإعفاء من العقاب الوارد بالمادة 205 من قانون العقوبات، وهو ألا يكون الجاني قد استعمل العملة المقلدة قبل إخباره السلطات، وهو شرط لازم في صورتي الإعفاء من العقاب الواردتين بالمادة المارّ ذكرها، فإن ما يثيره الطاعن من تعييب الحكم لعدم إعفائه من العقاب طبقًا للمادة 205 من قانون العقوبات لا يكون له وجه.
4 - من المقرر أنه من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغًا مستندا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق، ولها أصلها في الأوراق.
5 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها، وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، وإذ ما كان الأصل أنه متى أخذت المحكمة بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد اطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات وبصحة تصويرهم للواقعة، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن بخصوص القوة التدليلية لأقوال الشهود، لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعيًا في حق محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة من مصادرها المتاحة في الأوراق، وتقدير الأدلة القائمة في الدعوى وفقًا لما تراه وهي أمور لا تجوز مصادرتها فيها لدى محكمة النقض، ولا يعيب الحكم المطعون فيه التفاته عنه وعدم رده عليه ويكون النعي عليه في هذا الخصوص غير مقبول.
6 - من المقرر أن تقدير العقوبة وقيام موجبات الرأفة أو عدم قيامها موكولاً إلى قاضي الموضوع دون معقب عليه في ذلك.
7 - من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال، ما دامت قد أوردت أدلة الإدانة بما يحمل عليه قضاؤها، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون سديدًا.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: 1 - حاز وآخرين سبق الحكم عليهم بقصد الترويج أوراقًا مالية مقلدة وهي ست ورقات مالية مقلدة من فئة العشرين جنيهًا المصرية والمتداولة قانونًا داخل البلاد والمصطنعة على غرار الأوراق المالية الصحيحة من تلك الفئة وذلك على النحو المبين بتقرير إدارة أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي مع علمهما بأمر تقليدها على النحو المبين بالأوراق. 2 - روج ورقة مالية من ضمن الأوراق المالية محل التهمة السابقة وذلك بأن دفع بها للتداول بتقديمها للمتهم الثالث " سابق الحكم عليه " لترويجها وذلك مع علمه بأمر تقليدها على النحو المبين بالأوراق.
وأحالته إلى محكمة جنايات ..... لمعاقبته طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت حضوريًا عملاً بالمواد 202/ 1، 202 مكررًا، 203 من قانون العقوبات مع تطبيق المادتين 30، 32 من ذات القانون والمادة 304/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية بمعاقبة ...... بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات عما أسند إليه وبمصادرة الأوراق المقلدة المضبوطة.
فطعن الأستاذ/ ...... المحامي بصفته وكيلاً عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض ...... إلخ.


المحكمة

من حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة حيازة وترويج عملة ورقية مقلدة قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن المدافع عن الطاعن دفع ببطلان القبض لعدم توافر حالة التلبس كما دفع بانتفاء علمه بأن العملة المضبوطة مقلدة، وبالإعفاء من العقاب وفقًا لنص الفقرة الثانية من المادة 205 من قانون العقوبات إلا أن الحكم اطرح الدفوع بما لا يسوغ اطراحها، والتفت عن دفاع الطاعن بتناقض أقوال الشاهدين الأول والثاني فيما يختص بزمن حدوث الواقعة والصورة الحقيقة لها بين محضري جمع الاستدلالات وتحقيقات النيابة العامة، وعن دفاعه باستعمال الرأفة المؤيد بما قدمه من مستندات أغفل الحكم إثباتها، كل ذلك مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة حيازة وترويج عملة ورقية مقلدة، والتي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال الشهود وما أثبته تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكانت حالة التلبس بالجناية تبيح لمأمور الضبط القضائي طبقًا للمادتين 34، 46 من قانون الإجراءات الجنائية أن يقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه وأن يفتشه، وتقدير توافر حالة التلبس أو عدم توافرها هو من الأمور الموضوعية البحتة التي توكل بداءة لرجل الضبط القضائي على أن يكون تقديره خاضعًا لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع وفق الوقائع المعروضة عليها - بغير معقب - ما دامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق منطقيًا مع المقدمات والوقائع التي أثبتتها في حكمها، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن أورد صورة الواقعة حصل دفاع الطاعن ببطلان القبض والتفتيش ورد بقوله: " وحيث إنه عن الدفع ببطلان القبض والتفتيش بمقولة عدم جدية التحريات المبدى من الدفاع أيضًا فغير سديد لان هذه الجريمة قد توافر بشأن ضبطها قيام حالة التلبس، فإذا ما تمكن شاهد الإثبات الأول من ضبط المتهم الرابع السابق الحكم عليه محرزًا للعملة المقلدة التي قدمها إليه وبضبطه آخر في ذات الوقت عن أن المتهم الثالث السابق الحكم عليه هو الذي أعطاها إياها وبضبط هذا الأخير أرشد في وقت معاصر عن المتهم الماثل الذي كان ينتظره في إحدى المقاهي للتحقق من ترويج تلك الورقة المالية المقلدة بدفعها إلى التداول فتم ضبطه، وقدم إلى مأمور الضبط القضائي خمس ورقات أخرى مماثلة مقلدة، فإن الجريمة تكون متلبسًا بها ويجوز لمأمور الضبط القضائي تتبعها لضبطها وضبط مرتكبها الأمر الذي يصح معه إلغاء القبض عليه وتفتيشه بما يضحى معه الدفع على غير أساس يتعين اطراحه ". وهو رد كاف وسائغ ويتفق وصحيح القانون، وإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان لا يعيب الحكم عدم تحدثه صراحة وعلى استقلال عن علم المتهم بتقليد الأوراق المالية التي يتعامل بها ما دامت الوقائع كما أثبتها تعتبر توافر هذا العلم لديه، وكان القول بتوافر علم المتهم بالتقليد هو من خصائص محكمة الموضوع تستقل به وتستخلصه من الوقائع والعناصر المطروحة عليها، وإذ كان الحكم المطعون فيه عرض لعلم الطاعن بتقليد العملات محل الاتهام، وأثبت توافره في حقه في قوله: " وحيث إنه عن الدفع بانتفاء القصد الجنائي لدى المتهم لانتفاء علمه بكون الأوراق المضبوطة مقلدة المبدى من الدفاع أيضًا ففي غير محله لأن الثابت من أقوال شهود الإثبات كذلك أن المتهم يحوز الأوراق المالية المقلدة وهو يعلم بأمر تقليدها، وقد اشتراها بما يعادل نصف قيمتها فضلاً عما تحقق من ظروف وملابسات واقعة الضبط ذاتها من توافر القصد الجنائي لدى المتهم , وهو ما تطمئن إليه المحكمة ويضحى الدفع متعينًا الاطراح ". وكان ما أورده الحكم على النحو المتقدم سائغًا وسديدًا ويتوافر به العلم بالتقليد فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع، ولا يجوز مجادلتها في شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن بالإعفاء من العقاب طبقًا للمادة 205 من قانون العقوبات ورد عليه بقوله: " وحيث إنه عن الدفع بتوافر حالة الإعفاء من العقاب المبدى من الدفاع فغير سديد لأن نص المادة 205 من قانون العقوبات قد جاء على أنه " يعفي من العقوبات المقررة في المواد 202، 202 مكرر/ 1، 203 كل من بادر من الجناة بإخبار الحكومة بتلك الجنايات قبل استعمال العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة ...... " بما يعنى أن المشرع قد استلزم لأعمال ذلك الإعفاء من العقاب أن يحصل الإخبار على النحو السالف بيانه قبل استعمال العملة المقلدة، فإذا ما كانت تلك العملة قد استعملت فلا مجال لإعمال هذا النص، ولما كان الثابت من أقوال شهود الإثبات التي تطمئن إليها المحكمة أن المتهم قد استعمل الأوراق المالية المقلدة والتي يحوزها بقصد ترويجها مع علمه بأمر تقليدها بأن دفع بإحداها إلى التعامل، وتم ضبطها على النحو الثابت بمدونات هذا الحكم فقد تخلفت شرائط الإعفاء قبله بما يتعين معه اطراح هذا الدفع ". وإذ كان الحكم قد دلّل بما أورده من أدلة سائغة على أن ما ارتكبه الطاعن يوفر في حقه جريمة حيازة وترويج عملة ورقية مقلدة، وأنه افتقد شرط الإعفاء من العقاب الوارد بالمادة 205 من قانون العقوبات، وهو ألا يكون الجاني قد استعمل العملة المقلدة قبل إخباره السلطات، وهو شرط لازم في صورتي الإعفاء من العقاب الواردتين بالمادة المارّ ذكرها، فإن ما يثيره الطاعن من تعييب الحكم لعدم إعفائه من العقاب طبقًا للمادة 205 من قانون العقوبات لا يكون له وجه. لما كان ذلك، وكان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغًا مستندًا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق، ولها أصلها في الأوراق، وأن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها، وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، وإذ ما كان الأصل أنه متى أخذت المحكمة بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد اطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات وبصحة تصويرهم للواقعة، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن بخصوص القوة التدليلية لأقوال الشهود، لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعيًا في حق محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة من مصادرها المتاحة في الأوراق، وتقدير الأدلة القائمة في الدعوى وفقًا لما تراه وهي أمور لا تجوز مصادرتها فيها لدى محكمة النقض، ولا يعيب الحكم المطعون فيه التفاته عنه وعدم رده عليه ويكون النعي عليه في هذا الخصوص غير مقبول. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير العقوبة وقيام موجبات الرأفة أو عدم قيامها موكولاً إلى قاضي الموضوع دون معقب عليه في ذلك كما أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال، ما دامت قد أوردت أدلة الإدانة بما يحمل عليه قضاؤها، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون سديدًا. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينًا القضاء برفضه موضوعًا.