المكتب الفني - أحكام النقض - جنائي
السنة 57 - صـ 875

جلسة 19 من نوفمبر سنة 2006

برئاسة السيد المستشار/ محمد طلعت الرفاعي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عادل الشوربجي، حسين الصعيدي، ممدوح يوسف نواب رئيس المحكمة ود. عادل أبو النجا.

(97)
الطعن رقم 49438 لسنة 72 القضائية

(1) نقض " التقرير بالطعن وإيداع الأسباب ".
التقرير بالطعن بالنقض في الميعاد. دون تقديم أسبابه. أثره: عدم قبول الطعن شكلاً. علة ذلك؟
(2) رشوة. موظفون عموميون. جربمة " أركانها ". إثبات " بوجه عام ". حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه. تسبيب غير معيب ".
توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذي عرضت عليه الرشوة من أجله. موضوعي. ما دام سائغًا.
اختصاص الموظف وحده بجميع العمل المتعلق بالرشوة. غير لازم. كفاية أن يكون له علاقة به أو نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة.
عدم رسم القانون شكلاً خاصًا لصياغة الحكم. كفاية أن يكون مجموع ما أورده كافيًا في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها. المادة 310 إجراءات.
مثال لتسبيب سائغ لحكم صادر بالإدانة في جريمة رشوة.
(3) رشوة. قصد جنائي. إثبات " بوجه عام ". دفوع " الدفع بانتفاء القصد الجنائي ". حكم " تسبيبه. تسبيب غير معيب ".
مثال لتسبيب سائغ للرد على الدفع بانتفاء القصد الجنائي في جريمة رشوة.
(4) إثبات " شهود ". تسجيل المحادثات.
عدم التزام المحكمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها.
مثال.
(5) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه. تسبيب غير معيب ".
القانون لم يستوجب تضمن الحكم بيان أسباب ومضمون الإذن الصادر بالضبط والتفتيش.
(6) رشوة. حكم " تسبيبه. تسبيب غير معيب ". نقض " المصلحة في الطعن ".
نعي الطاعن على الحكم بشأن عدم بيانه مؤدى الإذن الصادر بالضبط والتفتيش. غير مجد. ما دام أن عضوي النيابة المحقق والرقابة الإدارية قبضا عليه وفتشاه بعد مشاهدته يقدم مبلغ الرشوة للشاهد الأول. علة ذلك؟
(7) محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى ".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي. ما دام سائغًا.
(8) إثبات " بوجه عام ". محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل ".
لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الواقعة من أي دليل تطمئن إليه. ما دام له مأخذه الصحيح من الأوراق.
(9) رشوة. إثبات " بوجه عام " " شهود ". محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل ". نقض " أسباب الطعن. ما لا يقبل منها ".
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
لمحكمة الموضوع أن تحصل شهادة الشهود وتفهم سياقها وتستشف مراميها. ما دامت لا تحرفها عن مضمونها.
ورود شهادة الشهود على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق. غير لازم. كفاية أن يكون من شأنها أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله الشهود مع عناصر الإثبات الأخرى.
لمحكمة الموضوع الأخذ من أقوال الشاهد بما تطمئن إليه منها واطراح ما عداه.
الجدل الموضوعي في تقدير الأدلة. غير جائز أمام محكمة النقض.
مثال.
(10) إثبات " شهود ". تسجيل المحادثات. حكم " تسبيبه. تسبيب غير معيب ".
الشهادة. ماهيتها؟
نعي الطاعن على الحكم بتعارض أقوال شاهدي الإثبات وما تضمنته أشرطة التسجيل واللذين شهدا بما اتصل بسمعهما مباشرة أثناء إجراء التسجيلات. غير صحيح.
(11) إثبات " اعتراف ". محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل ".
تقدير حجية الاعتراف وقيمته في المسائل الجنائية. موضوعي.
لمحكمة الموضوع تجزئة الاعتراف والأخذ منه بما تطمئن إلى صدقه واطراح سواه. دون بيان العلة.
ورود الاعتراف على الواقعة بكافة تفاصيلها. غير لازم. كفاية وروده على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقي عناصر الدعوى اقتراف الجاني للجريمة.
(12) إثبات " بوجه عام ". محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل ".
تساند الأدلة في المواد الجنائية. مؤداه؟
(13) رشوة. دفوع " الدفع بأن الجريمة تحريضية ". حكم " تسبيبه. تسبيب
غير معيب ". نقض " أسباب الطعن. ما لا يقبل منها ".
لا يؤثر في قيام جريمة عرض الرشوة أن تكون قد وقعت نتيجة تدبير لضبطها وألا يكون المرتشي جادًا في قبولها. شرط ذلك؟
مثال لتسبيب سائغ للرد على الدفع بأن الجريمة تحريضية في جريمة رشوة.
1 - لما كان الطاعن الأول ...... وإن قرر بالطعن بالنقض في الميعاد إلا أنه لم يقدم أسبابًا لطعنه، ومن ثم فإن الطعن المقدم منه يكون غير مقبول شكلاً، لما هو مقرر من أن التقرير بالطعن هو مناط اتصال المحكمة به، وأن تقديم الأسباب التي بني عليها الطعن في الميعاد الذي حدده القانون هو شرط لقبوله، وأن التقرير بالطعن وتقديم أسبابه يكونان معًا وحدة إجرائية لا يقوم فيها أحدهما مقام الآخر ولا يغني عنه.
2 - لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله: " إن المتهم الثاني ..... أقام الدعوى رقم ..... لسنة ..... مدني كلي ..... بطلب الحكم له بوقف تنفيذ الأحكام الصادرة في الاستئنافات أرقام .....، ..... لسنة ..... قضائية، ..... لسنة ..... قضائية، ..... لسنة ..... قضائية، ورد وبطلان تلك الأحكام وذلك أمام الدائرة ..... مدني كلي ..... التي يجلس المتهم الأول ...... رئيس المحكمة (السابق) عضو اليمين فيها وتربطه به علاقة صداقة منذ ..... وقد حجزت الدعوى للحكم فيها لجلسة ...... واختص بها رئيس الدائرة الأستاذ/ ..... رئيس المحكمة فئة ( أ )، وخلال فترة حجز الدعوى للحكم تحدث المتهم الأول مع رئيس الدائرة الشاهد الأول في شأن هذه القضية، وعرض عليه أن يدفع له المتهم الثاني مبلغًا يزيد على ...... جنيه على سبيل الرشوة مقابل الحكم له بطلباته في الدعوى سالفة الذكر، فأبلغ رئاسته وهيئة الرقابة الإدارية بالواقعة، واتفق على أن يقوم بمسايرتهما حتى يتم كشف الجريمة وضبطهما، وقد أكدت تحريات ..... عضو هيئة الرقابة الإدارية صحة ما جاء بالبلاغ، وأن المتهمين عرضا على الشاهد الأول دفع رشوة مقابل الحكم للمتهم الثاني بطلباته في الدعوى المشار إليها، فاستصدر النائب العام من مجلس القضاء الأعلى إذنين الأول الساعة ..... يوم ..... باتخاذ إجراءات التحقيق وتسجيل الأحاديث التي تدور في الأماكن الخاصة والعامة، ومراقبة الاتصالات السلكلية واللاسلكية التي يكون طرفًا فيها رئيس المحكمة المبلغ والمتهم الأول، والإذن الثاني صادر في الساعة ...... من ...... يوم ..... أذن فيه المجلس بالقبض والتفتيش قبل المتهم الأول، وبناءً على هذين الإذنين وانتداب رئيس النيابة المحقق لعضو الرقابة الإدارية سالف الذكر، تم تسجيل الأحاديث التي دارت بين المبلغ والمتهم الأول في المحكمة، وكذلك المكالمات التليفونية التي دارت بينهما أو بين المتهمين حول هذه الجريمة والتي شهد المبلغ بأنها تضمنت عرض المتهمين عليه دفع مبلغ الرشوة للحكم بطلبات الثاني في الدعوى , وأنه تم الاتفاق على عقد لقاء بين ثلاثتهم في مطعم ..... ﺒ ..... في نحو ..... من ..... يوم ..... تم تسجيله أيضًا تحت إشراف رئيس النيابة المحقق، وفيه كرر المتهمان عرضهما على الشاهد الأول دفع مبلغ ..... جنيه كرشوة للحكم للثاني بطلباته في الدعوى المشار إليها، وأنهما حددا لدفعه يوم ..... وفي ذات المكان وبناءً على طلب المتهم الثاني زاره المتهم الأول في مسكنه ..... يوم ..... حيث دار الحديث بينهما على جدية عرض الرشوة كاملاً وفي نحو ..... من ..... يوم ..... ذهب المتهم الأول إلى الشاهد الأول في ذات المطعم، وبعد فترة من الزمن دار بينهما الحديث في أمور شتى وعرض فيها المتهم الأول أن يتسلم الشاهد الأول مبلغ الرشوة في السيارة فرفض ذلك وطلب استلامه في ذات المكان، ثم حضر المتهم الثاني وتجاذب ثلاثتهم الحديث، ثم أخرج المتهم الثاني من حقيبته كيسًا من البلاستيك به مبلغ الرشوة وقدمه إلى الشاهد الأول، فطلب المتهم الأول من الشاهد إحصاءه فتظاهر بالتمنع حتى حضر رئيس النيابة المحقق وعضو هيئة الرقابة الإدارية، فقاما بضبط المتهمين والكيس وإحصاء ما به فتبين أنه ...... جنيه "، وأورد الحكم على صحة الواقعة على النحو السالف أدلة استقاها من شهادة شاهدي الإثبات، وأقوال المتهمين وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذي عرضت عليه الرشوة من أجله هو من الأمور الموضوعية التي يترك تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دام تقديرها سائغًا مستندًا إلى أصل ثابت في الأوراق، وكان لا يشترط في جريمة الرشوة أن يكون الموظف الذي عرضت عليه الرشوة هو وحده المختص بجميع العمل المتعلق بالرشوة بل يكفي أن يكون له علاقة به، أو أن يكون له فيه نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في مدوناته - على النحو المتقدم - أن الشاهد الأول يشغل وظيفة رئيس محكمة بمحكمة ...... الابتدائية، وأنه يرأس الدائرة ...... مدني كلي ...... المنظور أمامها الدعاوى السالف الإشارة إليها، واختص الشاهد الأول نفسه بالحكم فيها، وأن الرشوة عرضت عليه من المتهم الثاني مقابل الفصل فيها لصالحه، وكان ما أورده الحكم على هذا النحو يتحقق به قدر من الاختصاص يسمح للشاهد الأول بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصًا يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، وكان مجموع ما أورده الحكم المطعون فيه كافيًا في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة - على السياق المتقدم - فإن ذلك يحقق حكم القانون كما جرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد.
3 - لما كان الحكم قد عرض للدفع المبدى من الطاعن بانتفاء القصد الجنائي لديه، وأن المبلغ الذي قدمه للشاهد الأول إنما كان من قبيل المساعدة أو الهدية ورد عليه في قوله: " لما كان الثابت أن المتهمين كانا جادين في دفع مبلغ الرشوة إلى الشاهد الأول وهما يعلمان بصفته الوظيفية، وأنه رئيس الدائرة ...... مدني ومختص بالحكم في الدعوى رقم ...... لسنة ...... مدني كلي ...... وأنهما أعطياه له ليحكم فيها لصالح المتهم الثاني حتى وإن سميا هذا الجعل مساعدة أو هدية محاولة منهما للإيهام بأنهما لم يرتكبا جرمًا، فالعبرة بالحقيقة والواقع، ومن ثم يكون قد تحقق فيها القصد الجنائي في جريمة عرض الرشوة ". لما كان ذلك، وكان الحكم فيما أورده على نحو ما تقدم قد دلل على أن المبلغ النقدي عرض من الطاعن على المبلغ مقابل الحكم لصالحه في الدعوى الخاصة به والمنظورة أمامه، وليس من قبيل المساعدة أو الهدية، وهو ما يتحقق به معنى الاتجار بالوظيفة ويتوافر به القصد الجنائي، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد.
4 - لما كان الثابت أن الحكم المطعون فيه استند في قضائه بالإدانة إلى شهادة شاهدي الإثبات، وأقوال الطاعن والمتهم الأول، ولم يعول في ذلك على ما تضمنته التسجيلات، ومن ثم فلم يكن الحكم بحاجة إلى أن يورد مضمون تلك التسجيلات، لما هو مقرر من أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها.
5 - من المقرر أنه لم يرد في القانون ما يستوجب أن يتضمن الحكم بيان أسباب ومضمون الإذن الصادر بالضبط والتفتيش، فإن ما يثيره الطاعن بشأن عدم بيان الحكم مضمون الإذنين الصادرين من مجلس القضاء الأعلى بإجراء التسجيلات والضبط لا يكون له محل.
6 - لما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه - وهو ما لم ينازع فيه الطاعن - أن عضو النيابة المحقق، وعضو الرقابة الإدارية لم يقبضا على الطاعن ويقوما بتفتيشه إلا بعد مشاهدته حال تقديمه مبلغ الرشوة إلى الشاهد الأول مما تعتبر به الجريمة في حالة تلبس تجيز القبض عليه وتفتيشه دون إذن من النيابة بذلك، ومن ثم فلا جدوى مما يثيره الطاعن بشأن عدم بيان الحكم مؤدى الإذن الصادر بالضبط والتفتيش.
7 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغًا مستندًا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
8 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها بثبوت الواقعة من أي دليل تطمئن إليه، طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح من الأوراق.
9 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات، مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها، وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، ولها أن تحصلها وتفهم سياقها وتستشف مراميها ما دامت فيما تحصله لا تحرف الشهادة عن مضمونها، ولا يشترط في شهادة الشهود أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بكاملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق، بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله الشهود بالقدر الذي رووه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها، ولها أن تأخذ من أقوال الشاهد بما تطمئن إليه، واطراح ما عداه. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شاهدي الإثبات وصحة تصويرهما للواقعة، وكان ما أوردته من شهادتهما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة عرض الرشوة المعاقب عليها بالمادة 109 مكررًا من قانون العقوبات، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة في صورة الواقعة، وفي القوة التدليلية لأقوال الشاهدين على النحو الذي أثاره في أسباب طعنه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيًا في تقدير أدلة الدعوى بما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
10 - من المقرر أن الشهادة في الأصل هي تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه، وكان مدلول شهادة شاهدي الإثبات - كما أوردها الحكم المطعون فيه - لا يستفاد منها أنها جاءت بيانًا لمضمون أشرطة التسجيل، وإنما شهدا بما اتصل بسمعهما مباشرة أثناء إجراء التسجيلات، وكان الحكم قد استند في قضائه إلى شهادتهما وأقوال كل من الطاعن والمتهم الأول، ولم يعول في ذلك على ما تضمنته التسجيلات، فإن ما يثيره الطاعن من تعارض بين أقوال شاهدي الإثبات مع ما تضمنته أشرطة التسجيل يكون على غير سند.
11 - من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية لا يخرج عن كونه عنصرًا من عناصر الدعوى التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير حجيتها وقيمتها التدليلية على المعترف، فلها أن تجزئ هذا الاعتراف وتأخذ منه ما تطمئن إلى صدقه وتطرح سواه مما لا تثق به دون أن تكون ملزمة ببيان علة ذلك، كما لا يلزم في الاعتراف أن يرد على الواقعة بكافة تفاصيلها، بل يكفي فيه أن يرد على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقي عناصر الدعوى بكافة الممكنات العقلية والاستنتاجية اقتراف الجاني للجريمة.
12 - من المقرر أنه لا يلزم في الأدلة التي يعول عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضًا، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، ومن ثم فإنه لا حجة لما يثيره الطاعن بدعوى إغفال الحكم بيان الأسباب التي أبداها لتقديمه مبلغ الرشوة للشاهد الأول عند تحصيله اعترافه.
13 - لما كان الحكم قد اطرح دفاع الطاعن بأن جريمة عرض الرشوة كانت وليدة إجراءات غير مشروعة وتحريض من الشاهد الأول في قوله: " وحيث إنه عما قبل من انتفاء جريمة عرض الرشوة في حق المتهمين لأنها جريمة من تحريض واختلاق الشاهد الأول المبلغ وليس للمتهمين سلوك يعد عرضًا للرشوة فهو مردود بما هو مقرر من أن جريمة عرض الرشوة تقوم بكل فعل يعبر عن إرادة المتهم تقديم العطية إلى الموظف العام على الفور أو في المستقبل، سواء كان هذا الفعل قولاً أو عملاً ماديًا بشرط أن يكون جادًا، كما أن الجريمة التحريضية هي التي يكون ذهن المتهم خاليًا منها ويكون هو بريئًا من التفكير فيها ثم يحرضه المبلغ أو الشاهد بأن يدفعه دفعًا إلى ارتكابها فتتأثر إرادته بهذا التحريض فيقوم بمقارفة الجريمة كنتيجة مباشرة لهذا التحريض وحده، أما إذا كانت الجريمة ثمرة تفكير المتهم ونتاج إرادته الحرة، واقتصر دور المبلغ على تسهيل الإجراءات المؤدية إلى وقوعها بعد أن كانت قد اختمرت في وجدان المتهم وتمت بإرادته فعلاً. لما كان ذلك، وكان الثابت من وقائع الدعوى التي اقتنعت بها المحكمة والأدلة التي اطمأنت إليها أن المتهمين قد اتفقا معًا على عرض مبلغ الرشوة على رئيس الدائرة للحكم بطلبات المتهم الثاني، وكانا جادين في ذلك فقام المتهم بالتمهيد لذلك العرض بالحديث في موضوع الدعوى عندما كان مع رئيس الدائرة لإصلاح سيارته يوم ..... حتى عرض عليه أن يدفع المتهم الثاني ...... جنيه هو ما جاء ببلاغ وشهادة المبلغ، ثم تسلسلت الأحداث وسجلت اللقاءات يوم ...... من المبلغ للمتهم الأول وفيها كرر المتهم الأول عرضه السابق، ثم اللقاء الذي تم يوم ...... والذي أكد فيه المتهم الثاني عرض ...... جنيه للشاهد الأول نظير الحكم بطلباته، وقد دفع منها فعلاً ...... جنيه في اللقاء الذي تم يوم ...... وفي حضور المتهم الأول الذي آزر المتهم الثاني في ذلك، وطلب من الشاهد أن يعد المبلغ، ومن ثم فإن المتهمين هما اللذان سعيا إلى الشاهد الأول بنفسيهما عارضين عليه مبلغ الرشوة بإرادة حرة طليقة دون أي تأثير من الشاهد على إرادتهما، وأن كل ما قام به الشاهد لم يكن إلا تظاهر بقبولها بالاتفاق مع أجهزة الضبط حتى يتم الكشف عن الجريمة وضبطها، والذي تم فعلاً وهو لا يعد تحريضًا على مقارفة الجريمة ويندحر به الدفع "، وهو رد سائغ من الحكم يصادف صحيح القانون، ذلك بأنه من المقرر أنه لا يؤثر في قيام جريمة عرض الرشوة أن تكون قد وقعت نتيجة تدبير لضبطها وألا يكون المرتشي جادًا في قبوله الرشوة، متى كان عرضها جديًا في ظاهره وكان الغرض منها العبث بمقتضيات الوظيفة لمصلحة الراشي، ومن ثم يكون ما يدعيه الطاعن على خلاف ذلك غير قائم على أساس يحمله قانونًا.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: عرضا رشوة على موظف عمومي للإخلال بواجبات وظيفته بأن عرضا على السيد/ ...... رئيس المحكمة بمحكمة ...... الابتدائية مبلغ خمسة وعشرين ألف جنيه، منها مبلغ عشرين ألف جنيه على سبيل الرشوة مقابل إصدار حكم لصالح المتهم الثاني في القضية رقم ...... لسنة ...... مدني كلي ...... لم يقبلها. وأحالتهما إلى محكمة جنايات ...... لمعاقبتهما طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضوريًا عملاً بالمواد 104، 109/ 1 مكرر، 110 من قانون العقوبات بمعاقبتهما بالسجن لمدة خمس سنوات، وتغريم كل منهما مبلغ ألف جنيه ومصادرة مبلغ الرشوة المضبوط.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض، ومحكمة النقض قضت بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات ..... لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. ومحكمة الإعادة قضت - بهيئة مغايرة - بمعاقبتهما بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وتغريمهما ألف جنيه ومصادرة مبلغ الرشوة المضبوط.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية ...... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن الأول ...... وإن قرر بالطعن بالنقض في الميعاد إلا أنه لم يقدم أسبابًا لطعنه، ومن ثم فإن الطعن المقدم منه يكون غير مقبول شكلاً، لما هو مقرر من أن التقرير بالطعن هو مناط اتصال المحكمة به، وأن تقديم الأسباب التي بني عليها الطعن في الميعاد الذي حدده القانون هو شرط لقبوله، وأن التقرير بالطعن وتقديم أسبابه يكونان معًا وحدة إجرائية لا يقوم فيها أحدهما مقام الآخر ولا يغني عنه.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الثاني ..... قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن الطاعن الثاني ...... ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة عرض رشوة لم تقبل، قد شابه القصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، ومخالفة الثابت في الأوراق، والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه لم يبين واقعة الدعوى بيانًا كافيًا تتوافر به الأركان القانونية للجريمة التي دانه بها، فلم يدلل على اختصاص المبلغ بالعمل الذي عرضت عليه الرشوة من أجله، ورابطة السببية بين هذا العمل وعرض الرشوة، ودون أن يعرض لما جاء بالتسجيلات من قوله للشاهد الأول أنه صاحب حق في قضيته، وأن ما سيقدمه له هو على سبيل الهدية بما يدل على انتفاء القصد الجنائي لديه، كما خلت مدونات الحكم من بيان مؤدى الإذنين الصادرين من مجلس القضاء الأعلى بإجراء التسجيلات والضبط، ومضمون تلك التسجيلات وما حوته من أحاديث هاتفية، هذا إلى أنه حصل واقعة الدعوى على نحو يخالف حقيقتها بأن جعل المتهم الأول عارضًا للرشوة وليس طالبًا لها لنفسه وللمبلغ حسبما هو ثابت بأقوال الشهود وما تضمنته التسجيلات، الأمر الذي حرم الطاعن من التمتع بالإعفاء من العقاب المقرر بمقتضى المادة 107 من قانون العقوبات لاعترافه بالجريمة، فضلاً عن أنه حصل أقوال شاهدي الإثبات بما يخالف مؤداها، واقتطع منها ما يتعارض مع التصوير الذي أضفاه على الواقعة وأراده لها على نحو ما تقدم، بأن نقل عن الشاهد الأول قوله: إن المتهم الأول أخبره أن الطاعن سوف يقدم له مبلغ ...... جنيه في حين أن الثابت بالتسجيلات قول المتهم الأول له أن الطاعن سيقدم له هدية، كما نقل عن الشاهد الثاني قوله إن المحادثات التليفونية المسجلة تضمنت قيام المتهم الأول بعرض الرشوة على الشاهد الأول في حين أن ما تضمنته تلك التسجيلات كان يدور حول طلب الرشوة، كما عول الحكم في إدانته على الاعتراف المعزو صدوره إليه دون أن يورد مؤداه كاملاً؛ إذ أغفل منه ما قرره من أن ما قدمه للشاهد الأول كان من قبيل المساعدة والهدية وليس على سبيل الرشوة، وأن الشاهد المذكور أعرب له عن اقتناعه بصحة دعواه، وأفصح له عن رغبته في مساعدته على اقتضاء حقه لقاء هدية تقدم له، وأخيرًا فقد دفع المدافع عن الطاعن بعدم مشروعية وبطلان إجراءات الضبط وما أسفرت عنه من أدلة، لما اشتملت عليه من أفعال تعد استدراجًا وتحريضًا له على ارتكاب الواقعة، إلا أن المحكمة اطرحت هذا الدفع بأسباب غير سائغة، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله: " إن المتهم الثاني ...... أقام الدعوى رقم ...... لسنة ...... مدني كلي ...... بطلب الحكم له بوقف تنفيذ الأحكام الصادرة في الاستئنافات أرقام ......، ...... لسنة ...... قضائية، ...... لسنة ...... قضائية، ...... لسنة ...... قضائية، ورد وبطلان تلك الأحكام وذلك أمام الدائرة ...... مدني كلي ...... التي يجلس المتهم الأول ...... رئيس المحكمة (السابق) عضو اليمين فيها وتربطه به علاقة صداقة منذ ...... وقد حجزت الدعوى للحكم فيها لجلسة ...... واختص بها رئيس الدائرة الأستاذ/ ...... رئيس المحكمة فئة ( أ )، وخلال فترة حجز الدعوى للحكم تحدث المتهم الأول مع رئيس الدائرة الشاهد الأول في شأن هذه القضية وعرض عليه أن يدفع له المتهم الثاني مبلغًا يزيد على ...... جنيه على سبيل الرشوة مقابل الحكم له بطلباته في الدعوى سالفة الذكر، فأبلغ رئاسته وهيئة الرقابة الإدارية بالواقعة، واتفق على أن يقوم بمسايرتهما حتى يتم كشف الجريمة وضبطهما وقد أكدت تحريات ...... عضو هيئة الرقابة الإدارية صحة ما جاء بالبلاغ، وأن المتهمين عرضا على الشاهد الأول دفع رشوة مقابل الحكم للمتهم الثاني بطلباته في الدعوى المشار إليها، فاستصدر النائب العام من مجلس القضاء الأعلى إذنين الأول الساعة ...... يوم ...... باتخاذ إجراءات التحقيق وتسجيل الأحاديث التي تدور في الأماكن الخاصة والعامة، ومراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية التي يكون طرفًا فيها رئيس المحكمة المبلغ والمتهم الأول، والإذن الثاني صادر في الساعة ..... من ...... يوم ..... أذن فيه المجلس بالقبض والتفتيش قبل المتهم الأول، وبناءً على هذين الإذنين وانتداب رئيس النيابة المحقق لعضو الرقابة الإدارية سالف الذكر، تم تسجيل الأحاديث التي دارت بين المبلغ والمتهم الأول في المحكمة، وكذلك المكالمات التليفونية التي دارت بينهما أو بين المتهمين حول هذه الجريمة، والتي شهد المبلغ بأنها تضمنت عرض المتهمين عليه دفع مبلغ الرشوة للحكم بطلبات الثاني في الدعوى , وأنه تم الاتفاق على عقد لقاء بين ثلاثتهم في مطعم ...... ﺒ ...... في نحو ...... من ...... يوم ...... تم تسجيله أيضًا تحت إشراف رئيس النيابة المحقق، وفيه كرر المتهمان عرضهما على الشاهد الأول دفع مبلغ ...... جنيه كرشوة للحكم للثاني بطلباته في الدعوى المشار إليها، وأنهما حددا لدفعه يوم ...... وفي ذات المكان وبناءً على طلب المتهم الثاني زاره المتهم الأول في مسكنه ...... يوم ...... حيث دار الحديث بينهما على جدية عرض الرشوة كاملاً، وفي نحو ..... من ..... يوم ...... ذهب المتهم الأول إلى الشاهد الأول في ذات المطعم، وبعد فترة من الزمن دار بينهما الحديث في أمور شتى وعرض فيها المتهم الأول أن يتسلم الشاهد الأول مبلغ الرشوة في السيارة فرفض ذلك، وطلب استلامه في ذات المكان، ثم حضر المتهم الثاني وتجاذب ثلاثتهم الحديث، ثم أخرج المتهم الثاني من حقيبته كيسًا من البلاستيك به مبلغ الرشوة وقدمه إلى الشاهد الأول فطلب المتهم الأول من الشاهد إحصاءه فتظاهر بالتمنع حتى حضر رئيس النيابة المحقق وعضو هيئة الرقابة الإدارية، فقاما بضبط المتهمين والكيس وإحصاء ما به فتبين أنه ...... جنيه "، وأورد الحكم على صحة الواقعة على النحو السالف أدلة استقاها من شهادة شاهدي الإثبات، وأقوال المتهمين وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذي عرضت عليه الرشوة من أجله هو من الأمور الموضوعية التي يترك تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دام تقديرها سائغًا مستندًا إلى أصل ثابت في الأوراق، وكان لا يشترط في جريمة الرشوة أن يكون الموظف الذي عرضت عليه الرشوة هو وحده المختص بجميع العمل المتعلق بالرشوة، بل يكفي أن يكون له علاقة به أو أن يكون له فيه نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في مدوناته - على النحو المتقدم - أن الشاهد الأول يشغل وظيفة رئيس محكمة بمحكمة ...... الابتدائية، وأنه يرأس الدائرة ...... مدني كلي ...... المنظور أمامها الدعاوى السالف الإشارة إليها، واختص الشاهد الأول نفسه بالحكم فيها، وأن الرشوة عرضت عليه من المتهم الثاني مقابل الفصل فيها لصالحه، وكان ما أورده الحكم على هذا النحو يتحقق به قدر من الاختصاص يسمح للشاهد الأول بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصًا يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، وكان مجموع ما أورده الحكم المطعون فيه كافيًا في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة - على السياق المتقدم - فإن ذلك يحقق حكم القانون كما جرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض للدفع المبدى من الطاعن بانتفاء القصد الجنائي لديه، وأن المبلغ الذي قدمه للشاهد الأول إنما كان من قبيل المساعدة أو الهدية، ورد عليه في قوله: " لما كان الثابت أن المتهمين كانا جادين في دفع مبلغ الرشوة إلى الشاهد الأول وهما يعلمان بصفته الوظيفية وأنه رئيس الدائرة ...... مدني ومختص بالحكم في الدعوى رقم ...... لسنة ...... مدني كلي ...... وأنهما أعطياه له ليحكم فيها لصالح المتهم الثاني حتى وإن سميا هذا الجعل مساعدة أو هدية محاولة منهما للإيهام بأنهما لم يرتكبا جرمًا، فالعبرة بالحقيقة والواقع، ومن ثم يكون قد تحقق فيها القصد الجنائي في جريمة عرض الرشوة ". لما كان ذلك، وكان الحكم فيما أورده على نحو ما تقدم قد دلل على أن المبلغ النقدي عرض من الطاعن على المبلغ مقابل الحكم لصالحه في الدعوى الخاصة به والمنظورة أمامه، وليس من قبيل المساعدة أو الهدية , وهو ما يتحقق به معنى الاتجار بالوظيفة ويتوافر به القصد الجنائي، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الثابت أن الحكم المطعون فيه استند في قضائه بالإدانة إلى شهادة شاهدي الإثبات، وأقوال الطاعن والمتهم الأول، ولم يعول في ذلك على ما تضمنته التسجيلات، ومن ثم فلم يكن الحكم بحاجة إلى أن يورد مضمون تلك التسجيلات، لما كان هو مقرر من أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها. لما كان ذلك، وكان لم يرد في القانون ما يستوجب أن يتضمن الحكم بيان أسباب ومضمون الإذن الصادر بالضبط والتفتيش، فإن ما يثيره الطاعن بشأن عدم بيان الحكم مضمون الإذنين الصادرين من مجلس القضاء الأعلى بإجراء التسجيلات والضبط لا يكون له محل، هذا فضلاً عن أن الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه - وهو ما لم ينازع فيه الطاعن - أن عضو النيابة المحقق، وعضو الرقابة الإدارية لم يقبضا على الطاعن ويقوما بتفتيشه إلا بعد مشاهدته حال تقديمه مبلغ الرشوة إلى الشاهد الأول، مما تعتبر به الجريمة في حالة تلبس تجيز القبض عليه وتفتيشه دون إذن من النيابة بذلك، ومن ثم فلا جدوى مما يثيره الطاعن بشأن عدم بيان الحكم مؤدى الإذن الصادر بالضبط والتفتيش. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغًا مستندًا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، ولها كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها بثبوت الواقعة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح من الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتعويل القضاء عليها، مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات، مرجعه إلى محكمة الموضوع، تنزله المنزلة التي تراها، وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، ولها أن تحصلها وتفهم سياقها، وتستشف مراميها، ما دامت فيما تحصله لا تحرف الشهادة عن مضمونها، ولا يشترط في شهادة الشهود أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بكاملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق، بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة، يتلاءم به ما قاله الشهود بالقدر الذي رووه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها، ولها أن تأخذ من أقوال الشاهد بما تطمئن إليه، واطراح ما عداه. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شاهدي الإثبات وصحة تصويرهما للواقعة، وكان ما أوردته من شهادتهما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة عرض الرشوة المعاقب عليها بالمادة 109 مكررًا من قانون العقوبات، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة في صورة الواقعة، وفي القوة التدليلية لأقوال الشاهدين على النحو الذي أثاره في أسباب طعنه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيًا في تقدير أدلة الدعوى بما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكانت الشهادة في الأصل هي تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه، وكان مدلول شهادة شاهدي الإثبات - كما أوردها الحكم المطعون فيه - لا يستفاد منها أنها جاءت بيانًا لمضمون أشرطة التسجيل، وإنما شهدا بما اتصل بسمعهما مباشرة أثناء إجراء التسجيلات، وكان الحكم قد استند في قضائه إلى شهادتهما وأقوال كل من الطاعن والمتهم الأول، ولم يعول في ذلك على ما تضمنته التسجيلات، فإن ما يثيره الطاعن من تعارض بين أقوال شاهدي الإثبات مع ما تضمنته أشرطة التسجيل يكون على غير سند. لما كان ذلك، وكان الاعتراف في المسائل الجنائية لا يخرج عن كونه عنصرًا من عناصر الدعوى التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير حجيتها وقيمتها التدليلية على المعترف، فلها أن تجزئ هذا الاعتراف وتأخذ منه ما تطمئن إلى صدقه وتطرح سواه مما لا تثق به دون أن تكون ملزمة ببيان علة ذلك، كما لا يلزم في الاعتراف أن يرد على الواقعة بكافة تفاصيلها، بل يكفي فيه أن يرد على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقي عناصر الدعوى بكافة الممكنات العقلية والاستنتاجية اقتراف الجاني للجريمة، وكان لا يلزم في الأدلة التي يعول عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضًا، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها، ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، ومن ثم فإنه لا حجة لما يثيره الطاعن بدعوى إغفال الحكم بيان الأسباب التي أبداها لتقديمه مبلغ الرشوة للشاهد الأول عند تحصيله اعترافه. لما كان ذلك، وكان الحكم قد اطرح دفاع الطاعن بأن جريمة عرض الرشوة كانت وليدة إجراءات غير مشروعة وتحريض من الشاهد الأول في قوله: " وحيث إنه عما قيل من انتفاء جريمة عرض الرشوة في حق المتهمين لأنها جريمة من تحريض واختلاق الشاهد الأول المبلغ وليس للمتهمين سلوك يعد عرضًا للرشوة، فهو مردود بما هو مقرر من أن جريمة عرض الرشوة تقوم بكل فعل يعبر عن إرادة المتهم تقديم العطية إلى الموظف العام على الفور أو في المستقبل، سواء كان هذا الفعل قولاً أو عملاً ماديًا، بشرط أن يكون جادًا كما أن الجريمة التحريضية هي التي يكون ذهن المتهم خاليًا منها ويكون هو بريئًا من التفكير فيها، ثم يحرضه المبلغ أو الشاهد بأن يدفعه دفعًا إلى ارتكابها فتتأثر إرادته بهذا التحريض فيقوم بمقارفة الجريمة كنتيجة مباشرة لهذا التحريض وحده، أما إذا كانت الجريمة ثمرة تفكير المتهم ونتاج إرادته الحرة، واقتصر دور المبلغ على تسهيل الإجراءات المؤدية إلى وقوعها بعد أن كانت قد اختمرت في وجدان المتهم وتمت بإرادته فعلاً. لما كان ذلك، وكان الثابت من وقائع الدعوى التي اقتنعت بها المحكمة، والأدلة التي اطمأنت إليها أن المتهمين قد اتفقا معًا على عرض مبلغ الرشوة على رئيس الدائرة للحكم بطلبات المتهم الثاني، وكانا جادين في ذلك فقام المتهم بالتمهيد لذلك العرض بالحديث في موضوع الدعوى عندما كان مع رئيس الدائرة لإصلاح سيارته يوم ..... حتى عرض عليه أن يدفع المتهم الثاني ...... جنيه هو ما جاء ببلاغ وشهادة المبلغ ثم تسلسلت الأحداث وسجلت اللقاءات يوم ...... من المبلغ للمتهم الأول وفيها كرر المتهم الأول عرضه السابق ثم اللقاء الذي تم يوم ...... والذي أكد فيه المتهم الثاني عرض ...... جنيه للشاهد الأول نظير الحكم بطلباته وقد دفع منها فعلاً ...... جنيه في اللقاء الذي تم يوم ...... وفي حضور المتهم الأول الذي آزر المتهم الثاني في ذلك، وطلب من الشاهد أن يعد المبلغ، ومن ثم فإن المتهمين هما اللذان سعيا إلى الشاهد الأول بنفسيهما عارضين عليه مبلغ الرشوة بإرادة حرة طليقة، دون أي تأثير من الشاهد على إرادتهما وأن كل ما قام به الشاهد لم يكن إلا تظاهر بقبولها بالاتفاق مع أجهزة الضبط حتى يتم الكشف عن الجريمة وضبطها، والذي تم فعلاً وهو لا يعد تحريضًا على مقارفة الجريمة ويندحر به الدفع "، وهو رد سائغ من الحكم يصادف صحيح القانون، ذلك بأنه من المقرر أنه لا يؤثر في قيام جريمة عرض الرشوة أن تكون قد وقعت نتيجة تدبير لضبطها، وألا يكون المرتشي جادًا في قبوله الرشوة، متى كان عرضها جديًا في ظاهره، وكان الغرض منها العبث بمقتضيات الوظيفة لمصلحة الراشي، ومن ثم يكون ما يدعيه الطاعن على خلاف ذلك غير قائم على أساس يحمله قانونًا. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا.