جلسة 5 من فبراير سنة 2014

برئاسة السيد القاضي/ وجيه أديب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ سمير سامي, رضا بسيوني وطارق بهنساوي نواب رئيس المحكمة وعادل غازي.

(10)
الطعن رقم 6796 لسنة 82 القضائية

أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". دفوع "الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها" "أثر الطعن".
حالة الدفاع الشرعي في التشاجر بين فريقين. مناط تحققها؟
إغفال الحكم في الرد على دفاع الطاعن بقيام حالة الدفاع الشرعي الإشارة إلى الشروع في قتله والصلة بين الاعتداء الواقع عليه ومنه وأيهما أسبق وأثر ذلك في قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفائها. قصور يستوجب نقضه دون المحكوم عليهما غيابيًا.
مثال.
(2) محكمة النقض "نظرها موضوع الدعوى" "سلطتها". نقض "الطعن لثاني مرة".
لمحكمة النقض أن تعرض لموضوع الدعوى في حالة صلاحيتها للفصل فيها في الطعن لثاني مرة. دون تحديد جلسة لنظرها. أساس ذلك؟
(3) قتل عمد. جريمة "أركانها". قصد جنائي. شروع. اقتران. ظروف مشددة. عقوبة "تطبيقها". أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". محكمة النقض "نظرها موضوع الدعوى" "سلطتها".
قصد القتل. أمر خفي. استخلاصه. موضوعي.
ثبوت استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما. كفايته لتغليظ العقاب. المادة 234/ 2 عقوبات.
البحث في تجاوز حدود الدفاع الشرعي. لا يكون إلا بعد نشوء الحق وقيامه.
الدفاع الشرعي. ماهيته؟
شرط النية السليمة في حدود الدفاع الشرعي. مقتضاه؟
تخفيف العقوبة للمتجاوز حدود الدفاع الشرعي بنية سليمة. موضوعي. ما دام منطقيًا. أساس ذلك؟
تجاوز حدود الدفاع الشرعي. مفاده؟
توافر عذر تجاوز حدود الدفاع الشرعي. أثره: جواز تخفيف العقاب. أساس ذلك؟
مثال لحكم صادر من محكمة النقض لدى نظرها موضوع الدعوى في جريمة قتل عمد مقترنة بجنايات القتل العمد والشروع فيه.
1 - لما كان الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وأدلتها عرض لدفاع الطاعن بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن النفس واطرحه في قوله "... إذ تطمئن المحكمة إلى أن فعل المتهم الأول بني على قصد قتل المجني عليهما وأبنائهما من تصويب عليهم في مقتل منهم عندما لاحت له فرصة الانتقام لكرامته عما حدث له من المتهم الثاني "، لما كان ذلك، وكان من المقرر في التشاجر بين فريقين إما أن يكون اعتداء من كليهما ليس فيه من مدافع حيث تنتفي مظنة الدفاع الشرعي عن النفس، وإما أن يكون مبادأة بعدوان فريق وردًا له من الفريق الآخر فتصدق في حقه حالة الدفاع الشرعي عن النفس، وكان ما قاله الحكم فيما تقدم لا يصلح ردًا لنفي ما أثاره الطاعن من أنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه، ذلك لأنه أغفل كلية الإشارة إلى أن المتهمين الثاني والثالث قد شرعا في قتل الطاعن ولم يتعرض الحكم لاستظهار الصلة بين هذا الاعتداء الذي وقع على الطاعن والاعتداء الذي وقع منه وأي الاعتداءين كان الأسبق وأثر ذلك في قيام أو عدم قيام حالة الدفاع الشرعي لديه، فإن الحكم يكون قاصر البيان مما يعيبه بما يستوجب نقضه بالنسبة للطاعن دون المحكوم عليهما الآخرين لأن الحكم صدر غيابيًا بالنسبة لهما.
2 - لما كان الطعن مقدمًا لثاني مرة وكانت الدعوى بحالتها هذه صالحة للفصل في موضوعها دون حاجة إلى تحديد جلسة لنظرها فإن المحكمة تعرض لموضوع الدعوى عملاً بحقها المقرر بالفقرة الأخيرة من المادة 39 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض المعدل بالقانون رقم 74 لسنة 2007
3 - لما كانت واقعة الدعوى كما استقرت في يقين المحكمة واطمأن إليها وجدانها مستخلصة من الأوراق تتحصل بما مفاده أن مشادة نشبت بين المتهم الثاني/ ..... وبين المتهم الأول " الطاعن "..... وأمسك الأول بالثاني وألقاه أرضًا ثم جثم عليه ثم حدثت مشاجرة بين العائلتين على مقربة من منزلهم فأسرع المتهم الماثل بالانضمام إليهم ففوجئ بقيام المتهمين الثاني والثالث بالتعدي عليه بالضرب مستخدمين " أسلحة بيضاء وشومًا " مما كان منه إلا أن أطلق أعيرة نارية من مسدسه المرخص فأحدث إصابة المجني عليه/ ..... والتي أودت بحياته ثم أطلق عيارًا ناريًا آخر صوب زوجة القتيل/ ..... فلقت حتفها في الحال ثم أتبع ذلك إطلاق أعيرة نارية على كل من/ ..... و..... قاصدًا من ذلك قتلهما ولكن خاب أثر الجريمة لسبب خارج عن إرادة المتهم وهو مداركة المجني عليهما بالعلاج، ومن حيث إن الواقعة على النحو السالف بيانه قد قام الدليل على صحتها وثبوتها في حق المتهم " الطاعن " من شهادة كل من/ ..... و..... والرائد/ ..... والرائد/ ..... ومن اعتراف المتهم بتحقيقات النيابة ومما ثبت من تقرير الصفة التشريحية، وإذ سئل كل من..... و..... بالتحقيقات فقررا بأنه حال مرورهما من أمام مسكن المتهمين الثاني والثالث فوجئا بقيامهما ووالديهما بالتعدي بالضرب عليهما مستخدمين الأسلحة البيضاء قاصدين قتلهما وأثناء ذلك حضر الطاعن فقاموا بالتعدي عليه والضرب بالشوم مما كان منه إلا أن أطلق عليهم عدة أعيرة نارية من سلاحه المرخص فأحدث إصاباتهم والتي أودت بحياة المجني عليهم، وإذ شهد الرائد/ ..... معاون مباحث..... بأن تحرياته السرية أكدت ما شهد به الشاهدان سالفا الذكر وما قرره المتهم الأول بالتحقيقات. وإذ شهد الرائد/ ..... رئيس مباحث..... بأنه قام بضبط سلاح ناري " فرد خرطوش " بإرشاد المتهم الرابع، وبسؤال المتهم/ ..... قرر أنه توجه ناحية المشاجرة فوجد شقيقيه متعدى عليهما ثم فوجئ بالمجني عليه الأول والمتهمين الثاني والثالث بالتعدي عليه، فما كان منه إلا أنه قام بإطلاقه الأعيرة النارية من السلاح الناري المستخدم في الحادث صوب المجني عليهم قاصدًا من ذلك قتلهم، وقد أورى تقرير الصفة التشريحية أن وفاة..... و..... تعود للإصابة النارية بكل منهما وما صاحب ذلك من نزيف دموي غزير أدى لحدوث هبوط حاد بالدورة الدموية والتنفسية وأن إصابة المجني عليهما جائزة الحدوث من مثل السلاح المضبوط " طبنجة عيار9 مم مششخنة "، وحيث إنه عن نية القتل فإنه لما كان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذه النية موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، ولما كانت المحكمة تطمئن إلى توافر نية القتل في حق المتهم من استعمال المتهم أداة قاتلة بطبيعتها طبنجة وإطلاقه الأعيرة النارية المتكررة منه متعمدًا صوب المجني عليهم في مقتل من جسدهم، كما أنه سبق وأن حدثت معه مشاجرة سابقة مع المتهم الثاني مما أثار حفيظته وأوغر صدره بقتل المجني عليهما والشروع في قتل الآخرين. وحيث إن المتهم قارف جناية قتل المجني عليهما الأول والثاني ثم أتبع ذلك بجناية الشروع في قتل المجني عليهما الثالث والرابع بأفعال مستقلة عن الجناية الأولى وقد ارتكبت هذه الجنايات في فترة قصيرة من الزمن وفي مسرح واحد بما يتحقق به معنى الاقتران، لما هو مقرر من أنه يكفي لتغليظ العقاب عملاً بالمادة 234/ 2 من قانون العقوبات أن يثبت الحكم استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما بأن تكون قد ارتكبتا في وقت واحد أو في فترة قصيرة من الزمن وتقدير ذلك مما يستقل به قاضي الموضوع ما دام يقيمه على ما يسوغه، ومن ثم يتوافر في حق المتهم جريمة القتل العمد المقترن بجنايتي القتل والشروع في القتل، ومن حيث إنه وتأسيسًا على ما تقدم يكون قد ثبت في يقين المحكمة على سبيل الجزم أن..... في يوم..... بدائرة مركز..... محافظة..... قتل عمدًا/ ..... بأن أطلق عليه عيارًا ناريًا قاصدًا من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وقد اقترنت هذه الجناية بجنايات أخرى وهي أنه في ذات الزمان والمكان قتل عمدًا/ ..... بأن أطلق عليها عيارًا ناريًا قاصدًا من ذلك قتلها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها كما شرع في قتل كلٌ من/ ..... و..... بأن أطلق عليهما أعيرة نارية مما أحدث بهما الإصابات الموصوفة بالأوراق وقد خاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو مداركتهما بالعلاج ويتعين عقابه بالمواد 45، 46، 234/ 2 من قانون العقوبات والمادة 304/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية. لما كان ذلك، وكان البحث في تجاوز حدود الدفاع الشرعي لا يكون إلا بعد نشوء الحق وقيامه وكان من المقرر - أيضًا - أن الدفاع الشرعي هو استعمال القوة اللازمة لرد الاعتداء وتقدير التناسب بين تلك القوة وبين الاعتداء الذي يهدد المدافع لتقرير ما إذا كان المدافع قد التزم حدود الدفاع الشرعي، فلا جريمة فيما أتاه طبقًا لنص المادة 245 من قانون العقوبات أم أنه تعدى حدوده بنية سليمة، ومقتضى شرط النية السليمة أن يكون قصد الجاني منصرفًا إلى الدفاع فلا يعد معذورًا إذا قصد النيل لذاته، وتحديد ما إذا كان المتجاوز ذو النية السليمة جدير بالتخفيف الذي تقرره المادة 251 من قانون العقوبات أم يكفي في شأنه التخفيف الذي تقرره المادة 17 من القانون السالف، وهو من الأمور الموضوعية البحتة التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها - وفق الوقائع المعروضة عليها وخاصة ما تعلق بمقدار التجاوز - بغير معقب ما دامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق منطقيًا مع المقدمات والوقائع التي أثبتتها في حكمها، كما أن مقتضى تجاوز حدود الدفاع الشرعي هو ألا يكون المدافع قد تعمد إحداث ضررٍ أشد مما يستلزمه الدفاع بما مفاده أن يكون المدافع مدركًا جسامة الخطر وفي وسعه رده بفعل متناسب معه ولكنه فضل اللجوء إلى قوة تزيد على ذلك ومن ثم يكون بذلك مسئولاً مسئولية عمدية كاملة، كما أن أثـر توافـر عذر تجاوز حدود الدفاع الشرعي فإن القانون يقرر تخفيف عقاب المدافـع فيجوز للقاضي أن يحكم عليه بالحبس بدلاً من العقوبة المقررة في القانون والتخفيف الذي يقرره القانون جوازي، فإذا قدر القاضي أن المتهم غير جدير به فله أن يحكم بالعقوبة العادية المقررة للجريمة، وإن رأى جدارته بالتخفيف فله أن يطبق المادة 17 من قانون العقوبات، وإذ كان ما أثبته الحكم فيما تقدم بيانه أن الطاعن استخدم سلاحه الناري ولم يطلق عيارًا ناريًا في الهواء للإرهاب بل أطلق وابلاً من الطلقات النارية على المجني عليهم والتي أودت بحياة اثنين من المجني عليهم ثم استمر في إجرامه حتى شرع في قتل آخرين وكان ذلك لرد الاعتداء الواقع عليه من أفراد فريق المجني عليه والمتمثـل في ضربه بالشوم، ومن ثم فإن ما اقترفه الطاعن من فعل رد الاعتداء لم يكن ليتناسب مع هذا الاعتداء بل إنه زاد عن الحد الضروري والقدر اللازم لرده فلا يعد معذورًا في جرمه، لأنه بالغ فيما وقع منه من اعتداء متوالي على المجني عليهم مبالغة لم يكن لها مبرر مقبول وغير جدير بالتخفيف الذي يقـرره القانون في المادة 251 من قانون العقوبات، مما يتعين عقابه بالمواد سالفة البيان، إلا أن المحكمة وهي بصدد تقديـر العقاب الذي يتناسب مع ما اقترفه الطاعن ترى من ظروف الدعوى وملابساتها ما يدعوها إلى النزول بالعقوبة في نطاق ما تقرره المادة 17 من قانون العقوبات، وحيث إنه عن المصاريف الجنائية فترى المحكمة إلزام الطاعن بها عملاً بالمادة 313 من قانون الإجراءات الجنائية.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين بأنهم: المتهم الأول: قتل عمدًا/ ..... بأن أطلق عليه عيارًا ناريًا قاصدًا من ذلك إزهاق روحه فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته, وقد اقترنت تلك الجناية بثلاث جنايات أخرى وهي أنه في ذات الزمان والمكان سالفي الذكر قتل عمدًا/ ...... على النحو سالف البيان وشرع في قتل كلٌ من/ ........ و......... على النحو المبين عاليه وخاب أثر جريمته لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو مداركتهم بالعلاج, وأحالتهم إلى محكمة جنايات..... لمحاكمتهم طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت حضوريًا عملاً بالمادة 234/ 1, 2 من قانون العقوبات, مع إعمال المادتين 17, 32 من ذات القانون, بمعاقبته بالسجن المؤبد.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.
وقضت محكمة النقض بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات...... لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى بالنسبة للطاعن..... والمحكوم عليهما......... و...........
ومحكمة الإعادة قضت حضوريًا عملاً بالمواد 45, 46, 234/ 1, 2 من ذات القانون, مع إعمال المادتين 17, 32 من قانون العقوبات, بمعاقبته بالسجن المؤبد.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية..... إلخ.


المحكمة

وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد المقترن بجنايات القتل العمد والشروع فيه قد شابه الخطأ في تطبيق القانون, ذلك بأن الطاعن دفع بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن النفس إلا أن ما قاله ردًا على هذا الدفع لا يتفق والنظر القانوني الصائب, مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وأدلتها عرض لدفاع الطاعن بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن النفس واطرحه في قوله "... إذ تطمئن المحكمة إلى أن فعل المتهم الأول بني على قصد قتل المجني عليهما وأبنائهما من تصويب عليهم في مقتل منهم عندما لاحت له فرصة الانتقام لكرامته عما حدث له من المتهم الثاني "، لما كان ذلك، وكان من المقرر في التشاجر بين فريقين إما أن يكون اعتداء من كليهما ليس فيه من مدافع حيث تنتفي مظنة الدفاع الشرعي عن النفس، وإما أن يكون مبادأة بعدوان فريق وردًا له من الفريق الآخر فتصدق في حقه حالة الدفاع الشرعي عن النفس، وكان ما قاله الحكم فيما تقدم لا يصلح ردًا لنفي ما أثاره الطاعن من أنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه، ذلك لأنه أغفل كلية الإشارة إلى أن المتهمين الثاني والثالث قد شرعا في قتل الطاعن ولم يتعرض الحكم لاستظهار الصلة بين هذا الاعتداء الذي وقع على الطاعن والاعتداء الذي وقع منه وأي الاعتداءين كان الأسبق وأثر ذلك في قيام أو عدم قيام حالة الدفاع الشرعي لديه، فإن الحكم يكون قاصر البيان مما يعيبه بما يستوجب نقضه بالنسبة للطاعن دون المحكوم عليهما الآخرين لأن الحكم صدر غيابيًا بالنسبة لهما. لما كان ذلك, وكان كان الطعن مقدمًا لثاني مرة وكانت الدعوى بحالتها هذه صالحة للفصل في موضوعها دون حاجة إلى تحديد جلسة لنظرها فإن المحكمة تعرض لموضوع الدعوى عملاً بحقها المقرر بالفقرة الأخيرة من المادة 39 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض المعدل بالقانون رقم 74 لسنة 2007.
ومن حيث إن واقعة الدعوى كما استقرت في يقين المحكمة واطمأن إليها وجدانها مستخلصة من الأوراق تتحصل بما مفاده أن مشادة نشبت بين المتهم الثاني/ ..... وبين المتهم الأول " الطاعن "..... وأمسك الأول بالثاني وألقاه أرضًا ثم جثم عليه ثم حدثت مشاجرة بين العائلتين على مقربة من منزلهم فأسرع المتهم الماثل بالانضمام إليهم ففوجئ بقيام المتهمين الثاني والثالث بالتعدي عليه بالضرب مستخدمين " أسلحة بيضاء وشومًا " مما كان منه إلا أن أطلق أعيرة نارية من مسدسه المرخص فأحدث إصابة المجني عليه/ ..... والتي أودت بحياته ثم أطلق عيارًا ناريًا آخر صوب زوجة القتيل/ ..... فلقت حتفها في الحال ثم أتبع ذلك إطلاق أعيرة نارية على كل من/ ..... و..... قاصدًا من ذلك قتلهما ولكن خاب أثر الجريمة لسبب خارج عن إرادة المتهم وهو مداركة المجني عليهما بالعلاج، ومن حيث إن الواقعة على النحو السالف بيانه قد قام الدليل على صحتها وثبوتها في حق المتهم " الطاعن " من شهادة كل من/ ..... و..... والرائد/ ..... والرائد/ ..... ومن اعتراف المتهم بتحقيقات النيابة ومما ثبت من تقرير الصفة التشريحية، وإذ سئل كل من..... و..... بالتحقيقات فقررا بأنه حال مرورهما من أمام مسكن المتهمين الثاني والثالث فوجئا بقيامهما ووالديهما بالتعدي بالضرب عليهما مستخدمين الأسلحة البيضاء قاصدين قتلهما وأثناء ذلك حضر الطاعن فقاموا بالتعدي عليه والضرب بالشوم مما كان منه إلا أن أطلق عليهم عدة أعيرة نارية من سلاحه المرخص فأحدث إصاباتهم والتي أودت بحياة المجني عليهم، وإذ شهد الرائد/ ..... معاون مباحث..... بأن تحرياته السرية أكدت ما شهد به الشاهدان سالفا الذكر وما قرره المتهم الأول بالتحقيقات. وإذ شهد الرائد/ ..... رئيس مباحث..... بأنه قام بضبط سلاح ناري " فرد خرطوش " بإرشاد المتهم الرابع، وبسؤال المتهم/ ..... قرر أنه توجه ناحية المشاجرة فوجد شقيقيه متعدى عليهما ثم فوجئ بالمجني عليه الأول والمتهمين الثاني والثالث بالتعدي عليه، فما كان منه إلا أنه قام بإطلاقه الأعيرة النارية من السلاح الناري المستخدم في الحادث صوب المجني عليهم قاصدًا من ذلك قتلهم، وقد أورى تقرير الصفة التشريحية أن وفاة..... و..... تعود للإصابة النارية بكل منهما وما صاحب ذلك من نزيف دموي غزير أدى لحدوث هبوط حاد بالدورة الدموية والتنفسية وأن إصابة المجني عليهما جائزة الحدوث من مثل السلاح المضبوط " طبنجة عيار9 مم مششخنة "، وحيث إنه عن نية القتل فإنه لما كان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذه النية موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، ولما كانت المحكمة تطمئن إلى توافر نية القتل في حق المتهم من استعمال المتهم أداة قاتلة بطبيعتها طبنجة وإطلاقه الأعيرة النارية المتكررة منه متعمدًا صوب المجني عليهم في مقتل من جسدهم، كما أنه سبق وأن حدثت معه مشاجرة سابقة مع المتهم الثاني مما أثار حفيظته وأوغر صدره بقتل المجني عليهما والشروع في قتل الآخرين. وحيث إن المتهم قارف جناية قتل المجني عليهما الأول والثاني ثم أتبع ذلك بجناية الشروع في قتل المجني عليهما الثالث والرابع بأفعال مستقلة عن الجناية الأولى وقد ارتكبت هذه الجنايات في فترة قصيرة من الزمن وفي مسرح واحد بما يتحقق به معنى الاقتران، لما هو مقرر من أنه يكفي لتغليظ العقاب عملاً بالمادة 234/ 2 من قانون العقوبات أن يثبت الحكم استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما بأن تكون قد ارتكبتا في وقت واحد أو في فترة قصيرة من الزمن وتقدير ذلك مما يستقل به قاضي الموضوع ما دام يقيمه على ما يسوغه، ومن ثم يتوافر في حق المتهم جريمة القتل العمد المقترن بجنايتي القتل والشروع في القتل، ومن حيث إنه وتأسيسًا على ما تقدم يكون قد ثبت في يقين المحكمة على سبيل الجزم أن..... في يوم..... بدائرة مركز..... محافظة..... قتل عمدًا/ ..... بأن أطلق عليه عيارًا ناريًا قاصدًا من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وقد اقترنت هذه الجناية بجنايات أخرى وهي أنه في ذات الزمان والمكان قتل عمدًا/ ..... بأن أطلق عليها عيارًا ناريًا قاصدًا من ذلك قتلها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها كما شرع في قتل كلٌ من/ ..... و..... بأن أطلق عليهما أعيرة نارية مما أحدث بهما الإصابات الموصوفة بالأوراق وقد خاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو مداركتهما بالعلاج ويتعين عقابه بالمواد 45، 46، 234/ 2 من قانون العقوبات والمادة 304/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية. لما كان ذلك، وكان البحث في تجاوز حدود الدفاع الشرعي لا يكون إلا بعد نشوء الحق وقيامه وكان من المقرر - أيضًا - أن الدفاع الشرعي هو استعمال القوة اللازمة لرد الاعتداء وتقدير التناسب بين تلك القوة وبين الاعتداء الذي يهدد المدافع لتقرير ما إذا كان المدافع قد التزم حدود الدفاع الشرعي، فلا جريمة فيما أتاه طبقًا لنص المادة 245 من قانون العقوبات أم أنه تعدى حدوده بنية سليمة، ومقتضى شرط النية السليمة أن يكون قصد الجاني منصرفًا إلى الدفاع فلا يعد معذورًا إذا قصد النيل لذاته، وتحديد ما إذا كان المتجاوز ذو النية السليمة جدير بالتخفيف الذي تقرره المادة 251 من قانون العقوبات أم يكفي في شأنه التخفيف الذي تقرره المادة 17 من القانون السالف، وهو من الأمور الموضوعية البحتة التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها - وفق الوقائع المعروضة عليها وخاصة ما تعلق بمقدار التجاوز - بغير معقب ما دامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق منطقيًا مع المقدمات والوقائع التي أثبتتها في حكمها، كما أن مقتضى تجاوز حدود الدفاع الشرعي هو ألا يكون المدافع قد تعمد إحداث ضررٍ أشد مما يستلزمه الدفاع بما مفاده أن يكون المدافع مدركًا جسامة الخطر وفي وسعه رده بفعل متناسب معه ولكنه فضل اللجوء إلى قوة تزيد على ذلك ومن ثم يكون بذلك مسئولاً مسئولية عمدية كاملة، كما أن أثـر توافـر عذر تجاوز حدود الدفاع الشرعي فإن القانون يقرر تخفيف عقاب المدافـع فيجوز للقاضي أن يحكم عليه بالحبس بدلاً من العقوبة المقررة في القانون والتخفيف الذي يقرره القانون جوازي، فإذا قدر القاضي أن المتهم غير جدير به فله أن يحكم بالعقوبة العادية المقررة للجريمة، وإن رأى جدارته بالتخفيف فله أن يطبق المادة 17 من قانون العقوبات، وإذ كان ما أثبته الحكم فيما تقدم بيانه أن الطاعن استخدم سلاحه الناري ولم يطلق عيارًا ناريًا في الهواء للإرهاب بل أطلق وابلاً من الطلقات النارية على المجني عليهم والتي أودت بحياة اثنين من المجني عليهم ثم استمر في إجرامه حتى شرع في قتل آخرين وكان ذلك لرد الاعتداء الواقع عليه من أفراد فريق المجني عليه والمتمثـل في ضربه بالشوم، ومن ثم فإن ما اقترفه الطاعن من فعل رد الاعتداء لم يكن ليتناسب مع هذا الاعتداء بل إنه زاد عن الحد الضروري والقدر اللازم لرده فلا يعد معذورًا في جرمه، لأنه بالغ فيما وقع منه من اعتداء متوالي على المجني عليهم مبالغة لم يكن لها مبرر مقبول وغير جدير بالتخفيف الذي يقـرره القانون في المادة 251 من قانون العقوبات، مما يتعين عقابه بالمواد سالفة البيان، إلا أن المحكمة وهي بصدد تقديـر العقاب الذي يتناسب مع ما اقترفه الطاعن ترى من ظروف الدعوى وملابساتها ما يدعوها إلى النزول بالعقوبة في نطاق ما تقرره المادة 17 من قانون العقوبات، وحيث إنه عن المصاريف الجنائية فترى المحكمة إلزام الطاعن بها عملاً بالمادة 313 من قانون الإجراءات الجنائية.