مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والخمسين والسادسة والخمسين - من أول أكتوبر 2009 إلى آخر سبتمبر 2011 - صـ 246

(26)
جلسة 19 من ديسمبر سنة 2010
الطعن رقم 4748 لسنة 51 القضائية عليا
(الدائرة الثالثة)

السادة الأستاذة المستشارون نواب رئيس مجلس الدولة:
1 - محمد منير السيد جويفل.
2 - يحيى عبد الرحمن يوسف.
3 - مصطفى سعيد مصطفى حنفي.
4 - فوزي عبد الراضي سليمان أحمد.
5 - جعفر محمد قاسم.
6 - عليوة مصطفى عيسى فتح الباب.
7 - أحمد عبد الحميد محمد خليل.
عقد إداري - تنفيذه - غرامة التأخير - المناط في توقيعها هو حدوث التأخير في التنفيذ عن الموعد المحدد رغم انتفاء التوقف عن العمل لأسباب قهرية - تقدر الجهة الإدارية وجود أو عدم وجود السبب القهري ومدد التوقف التي ترجع إليها عند تسلم الأعمال ابتدائيًا، فإن هي قدرت وجودها ورتبت آثارها تكون قد استنفدت ولايتها في هذا الصدد، ويمتنع عليها بعد تسلم الأعمال نهائيًا أن تقرر إدخال مدد التوقف هذه ضمن مدد التعاقد، ولو كان ذلك بناء على مناقضة من الجهاز المركزي للمحاسبات - لا يجوز لهذا الجهاز أن يحل إرادته محل إرادة الجهة الإدارية فيما يتعلق بممارسة الاختصاصات المقررة قانونًا لها، أو أن يتدخل فيما تلاقت عليه إرادة الطرفين في هذا الصدد (1).
المواد المطبقة:
المادتان (71) و(81) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم المناقصات والمزايدات رقم (9) لسنة 1983 (الملغي)، الصادرة بقرار وزير المالية رقم (157) لسنة 1983.


الإجراءات

في يوم الاثنين الموافق 24/ 1/ 2005 أودع وكيل الطاعن بصفته قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرًا بالطعن في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية (الدائرة الأولى) بجلسة 22/ 11/ 2004 في الدعوى رقم 1146 لسنة 55 ق، الذي قضي في منطوقه بقبو الدعوى شكلاً، وبأحقية المدعي في صرف مبلغ 273872028 جنيهًا قيمة غرامة التأخير، وفي استرداد التأمين النهائي عن عملية إنشاء مدرسة المحمودية الثانوية الزخرفية، وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة في تقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وبوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفي الموضوع بإلغائه وإلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
وقد تم إعلان الطعن على النحو الثابت بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا وإلزام الطاعن المصروفات.
وقد نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون على النحو الثابت بمحاضر جلساتها حتى قررت بجلسة 21/ 11/ 2007 إحالته إلى الدائرة الثالثة عليا موضوع لنظره بجلسة 29/ 2/ 2008، وبهذه الجلسة وما تلاها من جلسات نظرت هذه المحكمة الطعن على النحو الثابت بمحاضر الجلسات حتى قررت بجلسة 17/ 11/ 2009 إصدار الحكم بجلسة اليوم مع التصريح بمذكرات ومستندات خلال أربعة أسابيع، وقد انقضى الأجل المضروب دون التقدم بأي مذكرات أو مستندات، وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونًا.
ومن حيث إنه عن شكل الطعن، وإذ صدر الحكم المطعون فيه بتاريخ 22/ 11/ 2004 وكان يتعين إقامة الطعن عليه خلال ستين يومًا من هذا التاريخ، إلا أنه ونظرًا لأن نهاية هذا الميعاد قد صادف عطلة عيد الأضحى المبارك، فمن ثم يمتد الميعاد إلى أول يوم عمل بعد العطلة إعمالاً لحكم المادة 18 من قانون المرافعات المدنية والتجارية وهو 24/ 1/ 2005، وإذ أقيم الطعن الماثل في هذا اليوم فإنه يكون قد أقيم خلال الميعاد المقرر قانونًا، وإذ استوفى جميع أوضاعه الشكلية الأخرى فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة في الطعن تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن المطعون ضده الأول كان قد أقام الدعوى رقم 1146 لسنة 55 ق أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية (الدائرة الأولى)، طالبًا الحكم بإلزام جهة الإدارة رد ما سبق خصمه من مستحقاته كغرامة تأخير مقدارها: 273872028 جنيهًا عن عملية إنشاء المدرسة الثانوية الزخرفية بالمحمودية، وبأحقيته في استيراد التأمين النهائي الذي دفعه عن هذه العملية.
وقال شرحًا للدعوى إنه قام بتنفيذ العملية المذكورة لصالح هيئة الأبنية التعليمية، وقام بتسليمها ابتدائيًا بتاريخ 3/ 9/ 1998 ونهائيًا بتاريخ 2/ 10/ 1999 دون ملاحظات من الهيئة، غلا أنه فوجئ بإخطاره بتسييل خطاب الضمان النهائي على سند من القول بوجود مستحقات للهيئة طرقه نشأت بعد عدول الهيئة عن إضافة مدة 599 يومًا من المدد الفنية الممنوحة له ومقدارها 941 يومًا، بالإضافة إلى 118 يوما مددا مالية حُسبت له نتيجة التأخير في صرف المستحقات المالية، وهذه المدد صدرت بشأنها موافقات وقرارات من الهيئة أثناء مدة التنفيذ، ومن ثم لا يجوز الرجوع فيها بعد تسليم العملية بأكثر من عامين بالمخالفة للعقد وكراسة الشروط، فضلا عن أن التسليم تم قبل الميعاد المفترض، وبالتالي لا مجال لحساب غرامة تأخير، ويتعين معه إلزام الهيئة رد الغرامة خطاب الضمان.
وبجلستها المنعقدة في 22/ 11/ 2004 قضت المحكمة المذكورة بقضائها سالف الذكر، وشيدته على أن الثابت أنه وبناء على محاضر الدراسات التي أجرتها الهيئة إثناء تنفيذ العملية فقد قررت إضافة مدة فنية إلى مدة العملية مقدرها 941 يومًا كما منحت المدعي مدة مالية مقدارها 118 يوما نتيجة التأخير في صرف المستخلصات 8 و9 و10 و11 و12 و16 و17 ومدة مالية مقدارها 126 يومًا أخرى نتيجة التأخير في صرف المستخلصات أرقام 11 و12 و16 و17، وبذلك يكون إجمالي المدد المضافة 1185 يومًا، وإذ قام المدعي بتسليم العملية ابتدائيًا بتاريخ 3/ 9/ 1998 أي بعد مدة تأخير قدرها 1116 يومًا، فإنه يكون قد قام بالتنفيذ قبل الميعاد، وبالتالي، وبالتالي لا تستحق عليه غرامة تأخير، ويكون ما خصمته الجهة من مستحقاته وقدره: 273872028 جنيهًا كغرامة تأخير قد افتقد السند القانوني، فضلا عن أن الثابت انه تم تسليم العملية نهائيًا دون ملاحظات فمن ثم يتعين رد التامين النهائي إليه.
وإذ لم يرتضِ الطاعن بصفته هذا القضاء أقام طعنه الماثل ناعيًا على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب؛ استنادًا إلى أن للجهة الإدارية توقيع غرامة على المتعاقد معها إذا تأخر في تنفيذ الأعمال الموكولة إليه، والمطعون ضده الأول تأخر في التنفيذ وبالتالي تستحق غرامة التأخير، وأن الهيئة قامت بإضافة مدد للتنفيذ للأسباب الفنية والمالية إلا أن الجهاز المركزي للمحاسبات طلب إلغاء تنفيذ المدد التي وافقت الهيئة على منحها، فتم إلغاؤها، مما ترتب عليه استحقاق المبالغ المشار إليها على المطعون ضده الأول.
ومن حيث إن المادة (71) من اللائحة التنفيذية لقانون المناقصات والمزايدات رقم 9 لسنة 1983 (الملغي) - الذي تم تنفيذ العملية محل النزاع في ظله - كانت تنص على أنه: "... ويجب الاحتفاظ التامين النهائي بأكمله إلى أن يتم تنفيذ العق بصفة نهائية طبقًا للشروط، وحينئذ يُرد التأمين أو ما تبقى منعه لصاحبه بغير توقف على طلب منه، وذلك في خلال مدة لا تتجاوز سبعة أيام عمل بعد إتمام تنفيذ العقد بصفة نهائية طبقًا للشروط".
وتنص المادة (81) من ذات اللائحة على أن: "يلتزم المقاول بإنهاء الأعمال موضوع التعاقد بحيث تكون صالحة تمامًا للتسليم المؤقت في المواعيد المحددة.
فإذا تأخر جاز للسلطة المختصة بالاعتماد إذا اقتضت المصلحة العامة إعطاءه مهلة إضافية لإتمام التنفيذ، على أن توقع عليه غرامة عن المدة التي يتأخر فيها إنهاء العمل بعد الميعاد المحدد إلى أن يتم التسليم المؤقت، ولا يدخل في حساب مدد التأخير مدد الوقف التي يثبت لجهة الإدارة نسوءها عن أسباب قهرية. ويكون توقيع الغرامة بالنسب والأوضاع التالية ....".
ويستفاد مما تقدم الآتي:
(أولاً) أن المشرع أوجب على الجهة الإدارية بعد تسلم الأعمال نهائيًا رد التأمين النهائي أو ما تبقى منه لصاحبه خلال مدة لا تجاوز سبعة أيام عمل من تاريخ التسليم النهائي، فإذا لم تقم بذلك خلال هذا الميعاد كان تصرفها مخالفًا لأحكام القانون، ويتعين القضاء بإلزامها رده مادام لم توافر أي من الحالات التي يحق فيها للجهة عدم رد التأمين النهائي.
(ثانيًا) أن المشرع أجب على المقاول إنهاء الأعمال م موضوع التعاقد بحيث تكون صالحة للتسليم المؤقت في الموعد المحدد، وحدد الآثار المترتبة على التأخير في التنفيذ، وأهمها توقيع غرامة التأخير عن مدة التأخير بالنسب المحددة في اللائحة، وأخرج المشرع من مدد التأخير مدد التوقف عن العمل التي يثب لجهة الإدارة نسوءها عن أسباب قهرية خارجة عن إرادة المقاول، وبذلك يكون المناط في توقيع الغرامة هو حدوث التأخير في التنفيذ عن الموعد بالمفهوم الذي حدده المشرع، وهو عدم التسليم في الموعد المحدد رغم انتفاء التوقف عن العمل لأسباب قهرية، أما لو حدث مثل هذا التوقف وثبت لجهة الإدارة رجوعه لأسباب قهرية انتفى التأخير وامتنع بالتالي توقيع الغرامة، وإلا كان توقيعها مخالفًا لأحكام القانون.
وغني عن البيان أن الجهة الإدارية إنما تقدر وجود أو عدم وجود السبب القهري ومدد التوقف التي ترجع إليها عند تسلم الأعمال ابتدائيًا، فإن هي قدرت وجودها ورتبت آثارها تكون قد استنفدت ولايتها في هذا الصدد، ويمتنع عليها بعد تسلم الأعمال نهائيًا أن تقرر إدخال مدد التوقف هذه ضمن مدد التعاقد، بصرف النظر عما إذا كان ذلك بناء على مناقضة من الجهاز المركزي للمحاسبات أو لم يكن؛ إذ لا يجوز للجهاز أن يحل إرادته محل إرادة الجهة الإدارية فيما يتعلق بممارسة الاختصاصات المقررة قانونا لها، أو يتدخل فيما تلاقت عليه إرادة الطرفين في هذا الصدد.
ومتى كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن الجهة الطاعنة أسندته إلى المطعون ضده الأول عملية إنشاء المدرسة الثانوية الزخرفية بالمحمودية، وأثناء التنفيذ قررت الجهة الإدارية إضافة مدد إلى مدة التنفيذ، بعضها يرجع إلى أسباب فنية اعتبرت توقف المقاول فيها يرجع إلى أسباب قهرية خارجة عن إرادته، وبعضها يرجع إلى التأخير في صرف المستخلصات المالية, ورتبت على ذلك عدم اعتبار المقاول متأخرًا في التنفيذ، وبالتالي لم توقع عليه غرامة تأخير عنها، ألا أنه وبعد الانتهاء من التنفيذ بأكثر من عامين وبناء على مناقضة من الجهاز المركزي للمحاسبات قامت بالعدول عن الاعتداد ببعض تلك المدد، واعتبرت المطعون ضده الأول متأخرًا في التنفيذ، وقامت بخصم مبلغ مقداره: 273872028 جنيهًا من مستحقاته كغرامة تأخير، كما امتنعت عن رد التأمين النهائي له.
وإذ تم ذلك بالمخالفة لأحكام المادتين 71 و81 من اللائحة التنفيذية لقانون المناقصات والمزايدات رقم 9 لسنة 1983 على نحو ما سلف بيانه؛ فإن تصرفها يكون قد وقع مخالفًا لأحكام القانون، و يكون ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من إلزامها رد مقدار الغرامة والتأمين النهائي قد صادف صحيح القانون، ويكون الطعن الماثل والحال كذلك غير قائم على سند من القانون حريًا بالرفض.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم المصروفات عملاً بحكم المادة 184 من قانون المرافعات المدنية والتجارية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.


راجع كذلك المبدأ رقم (47) في هذه المجموعة، حيث أكدت المحكمة أن المشرع ناط بالجهة الإدارية تحديد مدد التأخير، وما يرجع منها إلى جهة الإدارة وما يرجع منها على أسباب قهرية، وأنه يعول في تحديد هذه المدد على ما تقرره الجهات الفنية المتخصصة أو جهات الخبرة إذا اقتضى الأمر ذلك، وأنه إذا اعتمدت الجهة الإدارية في ذلك على رأي الإدارة الهندسية بها، وهي جهة فنية؛ فإنه لا ينقض رأيها إلا جهة فنية أخرى، فلا يعتد بمناقضة الجهاز المركزي للمحاسبات في هذا الشأن.