مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والخمسين والسادسة والخمسين - من أول أكتوبر 2009 إلى آخر سبتمبر 2011 - صـ 320

(36)
جلسة 16 من فبراير سنة 2010
الطعن رقم 14689 لسنة 50 القضائية عليا
(الدائرة الثالثة)

السادة الأستاذة المستشارون نواب رئيس مجلس الدولة:
1 - محمد منير السيد جويفل.
2 - يحيى عبد الرحمن يوسف.
3 - مصطفى سعيد مصطفى حنفى.
4 - فوزي عبد الراضى سليمان أحمد.
5 - جعفر محمد قاسم.
6 - عليوة مصطفى عيسى فتح الباب.
7 - أحمد عبد الحميد محمد خليل.
عقد إداري - عقد المقاولة - تسليم الأعمال - التسليم الابتدائي يهدف إلى التأكيد من أن الأعمال محل العقد قد نفذت على الوجه الأكمل - التسليم النهائي يهدف إلى التأكد من أن الأعمال بقيت سليمة طوال مدة الضمان - الادعاء بأن ثمة أعمالاً أو توريدات لم تنفذ فعلاً يجب أن يحول دون التسلم المؤقت؛ فلا يجوز بعده المجادلة في ذلك - الذي يحول دون التسلم النهائي هو ثبوت أن الأعمال التي نفذت لم تبق سليمة حتى نهاية مدة الضمان وظهر بها من أوجه الخلل والعيوب ما تَعيَّن إصلاحه قبل التسلم النهائي - امتناع الإدارة عن تسلم الأعمال نهائيا بحجة وجود عيوب في الأعمال المنفذة رغم قيامها بتسلمها ابتدائيا وثبوت خلوها من العيوب، يشكل قرارا سلبيا مخالفًا للقانون.
المواد المطبقة:
- أحكام اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم (9) لسنة 1983 (الملغى)، الصادرة بقرار وزير المالية رقم (157) لسنة 1983 (الملغى).


الإجراءات

في يوم الثلاثاء الموافق 27/ 7/ 2004 أودعت هيئة قضايا الدولة نائبة عن الطاعنين بصفتيهما قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير الطعن الماثل في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالمنصورة في الدعوى رقم 2183 لسنة 23 ق بجلسة 21/ 6/ 2004، الذي قضى في منطوقه بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من الامتناع عن تسلم الأعمال المسندة إلى المدعي بمحطة المعالجة بميت دمسيس، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها صرف مستحقاته عن هذه الأعمال على النحو المبين بالأسباب وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعنان بصفتيهما للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبوقف تنفيذ ثم إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات عن درجتي التقاضي.
وقد أعلن الطعن على النحو الثابت بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقد نظرت دائرة فحص الطعون الطعن بجلسة 5/ 3/ 2008 وما تلاها من جلسات على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، وبجلسة 13/ 9/ 2008 قررت إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة موضوع) لنظره بجلسة 23/ 12/ 2008، وبالجلسة المذكورة وما تلاها من جلسات على النحو الثابت بمحاضر الجلسات نظرت هذه المحكمة الطعن، وبجلسة 15/ 12/ 2009 قررت المحكمة إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم مع التصريح بمذكرات ومستندات خلال أربعة أسابيع، وقد انقضى هذا الأجل دون التقدم بأية مذكرات أو مستندات، وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونًا.
وحيث إن الطعن قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر النزاع محل الطعن تخلص - حسبما هو ثابت من الأوراق - في أن المطعون ضده كان قد أقام الدعوى رقم 3183 لسنة 23 ق أمام محكمة القضاء الإداري بالمنصورة، طلب فيها الحكم بإلغاء قرار جهة الإدارة السلبي بالامتناع عن تسلم عملية محطة المعالجة بناحية ميت دمسيس - مركز أجا، مع صرف كافة مستحقاته عن هذه العملية، مع الفوائد القانونية، ودون خصم غرامات تأخير، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وذكر شرحا للدعوى أنه أسندت إليه العملية المذكورة بشقيها: الأعمال الإنشائية بمبلغ 921582.9 جنيهًا، ومدة تنفيذها اثنا عشر شهرا، وأعمال الميكانيكا والكهرباء بمبلغ مليون جنيه ومدة تنفيذها اثنا عشر شهرًا، وتضمنت شروط التنفيذ التزام الجهة الإدارية بتوفير المياه والكهرباء، إلا أنها لم تلتزم بلك وطلبت منه توفير مولد كهرباء، وقد قام بتوفيره وعمل لمدة مئة وعشرين يوما، وكلفه 4800 جنيه، وقد تم مد مدة التنفيذ إلى 24/ 4/ 1999 ثم إلى 3/ 6/ 1999 ثم إلى 30/ 6/ 1999 بسبب توقف العمل لأسباب خارجة عن إرادته، وبتاريخ 29/ 6/ 1999 تم تسليم الأعمال تسليما ابتدائيًا وتحرر محضر بذلك، وتبين أن جميع الأعمال قد نفذت طبقًا للعقد، وبتاريخ 19/ 9/ 1999 تم تسليم المحطة إلى الجهة الشاغلة، وتم تجربة التشغيل ولم تظهر أي عيوب ومضى على التسليم الابتدائي أكثر من ستة عشر شهرًا، ولم تقم جهة الإدارة بتسليم الأعمال نهائيًا، كما لم تقم بسداد باقي مستحقاته، مما حداه على إقامة دعواه سالفة الذكر.
وبجلستها المنعقدة في 21/ 6/ 2004 أصدرت المحكمة المذكورة حكمها سالف الإشارة إليه، وشيدته على أن الثابت أنه تم تسليم الأعمال ابتدائيًا بتاريخ 29/ 6/ 1999، وأقرت لجنة التسلم بعدم وجود ما يمنع من التسلم، كما تم تشغيل المحطة بمناسبة تسليمها إلى الجهة بتاريخ 19/ 9/ 1999 ولم تظهر بها عيوب، إلا أن الجهاز المركزي للمحاسبات طلب تشكيل لجنة لفحص الأعمال في الموقع ولجنة أخرى تخصص ميكانيكا وكهرباء وفحص الأعمال، وقد تم ذلك بالفعل وأعدت كل من اللجنتين تقريرا جاء فيه عدم وجود مخالفات، فطلب الجهاز المركزي للمحاسبات تشكيل لجنة محايدة من أساتذة كلية الهندسة لفحص الأعمال، وقد تم ذلك وانتهت اللجنة إلى أن الأعمال تمت طبقا للرسومات والمواصفات والمقايسات وأصول الصناعة والعرض المقدم من المقاول والتعديلات التي أدخلها الاستشاري، وعلى ذلك تكون الأعمال قد تمت مطابقة للمواصفات، وإذ مضى على التسليم الابتدائي قرابة الخمس السنوات دون أن تقوم الجهة بتسلمها نهائيًا، الأمر الذي يتوافر معه القرار السلبي المخالف لأحكام القانون ويتعين القضاء بإلغائه مع صرف باقي مستحقات المقاول، وهي عبارة عن 178999.85 جنيهًا باقي ختامي العملية، بالإضافة إلى مبلغ 4800 جنيه مقابل الانتفاع بالمولد الكهربائي، ومبلغ 6328.85 جنيهًا تكملة التأمين النهائي، ومبلغ 97500 جنيه قيمة خطاب الضمان النهائي، ومبلغ 74000 جنيه مقابل تجربة وتشغيل المحطة على مباني المجاري، وإجمالي قدره 418588.5 جنيهًا، وفوائده القانونية بواقع 5% شهريا من تاريخ المطالبة القضائية.
وإذ لم ترتض الجهة الإدارية الطاعنة هذا القضاء أقامت الطعن الماثل ناعية علية مخالفة القانون والواقع؛ استنادا إلى أنه لدى التسلم الابتدائي تبين أن ثمة عيوبا تمثلت في عدم قيام المطعون ضده بعزل البرك بالمخالفة للأصول الفنية، وأنه يوجد تقصير في منسوب هدارات البرك، وكثرة أعطال الهوايات الكهربائية، وقيامه بتركيب طلمبات رفع ليست من نوع التحضير الذاتي بالمخالفة للمواصفات، وعدم قيامه بتوريد قطع غيار الطلمبات المنصوص عليها في كراسة الشروط، وقيامة بتوريد وحدة ديزل مجمعة لا تتوافر بها وسائل حماية زيادة السرعة وارتفاع درجة الحرارة، وعدم قيامه بتركيب عدد 3 محول تيار كهربائي و3 أمبيروتر.
ولا يغير من ذلك أن تقرير لجنة كلية الهندسة قد تضمن مطابقة الأعمال للمواصفات؛ إذ إنه بعد ورود هذا التقرير قامت الجهات المختلفة بالتعقيب عليه بما يفيد وجود العيوب التي تمنع من التسلم.
أما فيما يتعلق بمستحقات المطعون ضده فإنه وإذ لم يقم بتلافي العيوب فلا يجوز صرفها؛ لأن الصرف مرتبط بالتسليم النهائي، كما أن مبلغ 77800 جنيه المقرر للتشغيل والتجربة يقع على عاتق المقاول تحمله؛ لأن التجربة من مسئوليته باعتباره هو المكلف بإثبات تنفيذه للأعمال المسندة إليه، فضلا عن أنه لا يجوز تحميل الجهة الإدارية بالفوائد القانونية؛ لأن المبلغ المطالب به لم يكن محددا ولم يكن حال الأداء.
ومن حيث إن المشرع في اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم المناقصات والمزايدات رقم 9 لسنة 1983 الصادرة بقرار وزير المالية رقم 157 لسنة 1983 حدد الإجراءات الواجب اتباعها عند الانتهاء من تنفيذ الأعمال المسندة إلى المقاول والأثر المترتب على كل منها، وحصرها في مرحلتين:
الأولى وهي مرحلة التسليم المؤقت، وتبدأ بإخطار من المقاول للجهة الإدارية بانتهاء تنفيذ الأعمال، فتحدد له موعدا لإجراء المعاينة وتخطره به، وبعد إجراء المعاينة وثبوت أن الأعمال نفذت مطابقة للمواصفات يحرر محضر تسليم مؤقت يوقع من ممثلي الطرفين وتبدأ منه مدة الضمان، أما إذا ثبت من المعاينة أن الأعمال لم تنفذ على الوجه الأكمل فيثبت ذلك في المحضر ويؤجل التسليم المؤقت إلي أن يتضح أن الأعمال قد تمت بما يطابق الشروط، وتبدأ من المعاينة الأخيرة مدة الضمان.
والمرحلة الثانية هي مرحلة التسليم النهائي، حيث يلزم المقاول بضمان الأعمال لمدة سنة واحدة تبدأ من تاريخ التسليم الابتدائي، وذلك دون إخلال بمدة الضمان المنصوص عليها في القانون المدني، وقبل انتهاء مدة الضمان بوقت مناسب يخطر المقاول الجهة كتابة لتحديد موعد للمعاينة، فإذا تبين أن الأعمال نفذت طبقا للمواصفات وبحالة جيدة يتم تسلمها نهائيا، وعندئذ تلتزم الجهة الإدارية بسداد ما قد يكون مستحقا للمقاول من مبالغ، وترد إليه التأمين النهائي أو ما تبقى منه.
وغني عن البيان أن هناك فرقا بين التسليم الابتدائي والتسليم النهائي، فالأول وبصريح عبارة المشرع يهدف إلي التأكد من أن الأعمال محل العقد قد نفذت على الوجه الأكمل، أما الثاني فيهدف إلى التأكد من أن الأعمال بقيت سليمة طوال مدة الضمان ولم يظهر بها أي خلل أو عيب، وهو ما مؤداه أن الادعاء بأن ثمة أعمالا أو توريدات لم تنفذ فعلا يجب أن يحول دون التسلم المؤقت؛ وأن توقيع عضو التسليم المؤقت يعد قرينة قانونية على أن جميع الأعمال والتوريدات قد نفذت، بما لا يجوز معه بعد التسليم المؤقت المجادلة في ذلك، وأن الذي يحول دون التسليم النهائي هو ثبوت أن الأعمال التي نفذت لم تبقَ سليمة حتى نهاية مدة الضمان وظهر بها من أوجه الخلل والعيوب ما تعين إصلاحه قبل التسلم النهائي.
وحيث كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن الأعمال محل التداعي قد تم تسليمها ابتدائيا بتاريخ 29/ 6/ 1999 وتضمن محضر التسليم أن الأعمال قد نفذت طبقا للعقد، وقد تأكد ذلك عن تسليم المحطة إلى الجهة الشاغلة في 19/ 9/ 1999 حيث تم تشغيل المحطة وتجربتها، ومضى على التسليم الابتدائي أكثر من ستة عشر شهرا دون أن تستجيب الجهة الإدارية لطلب المطعون ضده تسلم الأعمال نهائيا، لا سيما وأن ثلاث لجان قد عاينت الأعمال وانتهت إلى عدم وجود عيوب في المحطة أو خلل يحول دون تسلمها؛ فإن الجهة الإدارية تكون قد امتنعت عن اتخاذ إجراء كان من الواجب عليها اتخاذه، ويقوم بذلك القرار السلبي المخالف لأحكام القانون.
وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى ذات النتيجة فإنه يكون قد صدر متفقًا وأحكام القانون، ويكون الطعن عليه غير قائم على أساس من القانون حريا بالرفض.
ولا ينال من ذلك العيوب التي تدعي الجهة الطاعنة وجودها بالمحطة؛ بحسبان أن هذه العيوب لو كانت صحيحة لحالت دون التسلم المؤقت الذي حدث في 29/ 6/ 1999، ولا يجوز التعويل عليها بالامتناع عن التسلم النهائي.
ومن حيث إنه عن مستحقات المطعون ضده وإذ ثبت قيام المطعون ضده بتنفيذ التزاماته المحددة في العقد المبرم معه فيتعين سداد باقي مستحقاته منه، ورد التأمين النهائي أو الباقي منه أو إليه، إضافة إلى مقابل الأعمال التي لم يتضمنها العقد وطلبت منه الجهة تنفيذها مثل توفير المولد الكهربائي ومصاريف تجربته وتشغيل المحطة علي مياه الصرف، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى ذات النتيجة فإنه يكون قد صدر متفقا وأحكام القانون، ويكون الطعن عليه غير قائم على أساس من القانون حريا بالرفض.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم المصروفات عملا بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.