مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والخمسين والسادسة والخمسين - من أول أكتوبر 2009 إلى آخر سبتمبر 2011 - صـ 373

(40)
جلسة 16 من مارس سنة 2010
الطعن رقم 23065 لسنة 51 القضائية عليا
(الدائرة الثالثة)

السادة الأساتذة المستشارون نواب رئيس مجلس الدولة:
1 - سعيد أحمد محمد حسين برغش.
2 - د. عبد الفتاح صبرى أبو الليل.
3 - أحمد محمد صالح الشاذلي.
4 - د. سمير عبد الملاك منصور.
5 - محمد لطفي عبد الباقي جودة.
6 - جعفر محمد قاسم.
7 - مجدي محمود بدوي العجرودي.
( أ ) عقد إداري - انعقاده - التحفظ - متى تضَمَّن مقدم العطاء عطاءه تحفظًا أو شرطًا ليس فيه خروج علي النظام العام في الدولة أو في العقود الإدارية، وجاء قرار لجنة البت خاليا من أي تعليق أو رفض له، ووافقت الجهة المختصة علي هذا القرار، فإنه بإرساء العطاء علي المقاول يكون قد تم قبول الإيجاب المقدم منه بالوضع الذي تقدم به، ويكون التعاقد قد تم فضلاً علي أساس الشروط التي تقدم بها بما فيها ذلك التحفظ، ولو تم تحرير العقد لاحقا خاليا منه؛ حيث لا يعدو العقد أن يكون تسجيلاً لما تم الاتفاق بموجب رسو العطاء، التنازل عن شرط من الشروط عمل إرادي، يشترط فيه اتجاه الإرادة بصورة مباشرة وصريحة إلى هذا التنازل.
(ب) إثبات - تقرير الخبرة - لا تثريب على المحكمة إن هي أخذت بتقرير الخبير محمولا على أسبابه، دون أن تسرد في حكمها بصورة تفصيلية أسباب أخذها بما انتهى إليه.


الإجراءات

في يوم الأحد الموافق 21/ 8/ 2005 أودع وكيل الطاعن - بصفته - قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها بالرقم عالية، طعنًا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بأسيوط (الدائرة الأولي) في الدعويين رقمي 1425 و1488 لسنة 7 ق، القاضي في منطوقة بقبول الدعويين شكلا، وفى الموضوع:
أولاً: برفض الدعوى رقم 1488 لسنة 7 ق.
ثانيًا: وفي الدعوى رقم 1425 لسنة 7 ق ببراءة ذمة المدعي من قيمة غرامة التأخير، وأحقيته في صرف قيمة التأمين النهائي والفوائد القانونية مع ما يترتب علي ذلك من آثار.
ثالثًا: إلزام جهة الإدارة المصروفات في الدعويين.
وطلب الطاعن بصفته - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - قبول الطعن شكلاً، وبصفة مستعجلة وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه لحين الفصل في موضوع هذا الطعن، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا برفض الدعوى رقم 1425 لسنة 6ق وفي الدعوى رقم 1488 لسنة 7 ق بإلزام المطعون ضده بأن يؤدي للجامعة مبلغًا مقداره 7004 جنيهات والفوائد القانونية، وإلزام المطعون ضده مصروفاته عن درجتي التقاضي.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا مسببًا بالرأي القانوني، ارتأت فيه الحكم - بعد مراعاة إعلان الطعن - بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا، وإلزام الطاعن بصفته المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا بجلسة 2/ 4/ 2008 وما تلاها من جلسات علي النحو الثابت بالأوراق، وبجلستها المعقودة في 4/ 6/ 2008 قررت الدائرة إحالة الطعن إلي الدائرة الثالثة (موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا لنظره بجلسة 14/ 10/ 2008، وبهذه الجلسة وما تلاها من جلسات نظرت المحكمة الطعن ثم قررت بجلستها المعقودة في 15/ 12/ 2009 إصدار الحكم بجلسة 16/ 3/ 2010 مع التصريح بالإطلاع وتقديم مذكرات ومستندات خلال أربعة أسابيع، وقد انصرم هذا الأجل دون أن يتقدم أحد من طرفي الطعن بشيء، وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة علي أسبابه لدي النطق به.


المحكمة

بعد الإطلاع علي الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة قانونًا.
وإذ استوفي الطعن سائر أوضاعه الشكلية - بعد إعلانه علي النحو الثابت بالأوراق - فمن ثم يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة في الطعن الماثل تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن المدعي في الدعوى رقم 1425 لسنة 7 ق كان قد أقام دعواه هذه أمام محكمة القضاء الإداري بأسيوط بصحيفة أودعت قلم كتاب هذه المحكمة بتاريخ 24/ 7/ 1996 طلب في ختامها الحكم: (أولاً) ببراءة ذمته من قيمة غرامة التأخير الموقعة عليه بمبلغ مقداره 24517 جنيهًا، و(ثانيًا): أحقيته في استرداد قيمة التأمين النهائي المقدم منه ومقداره 17513 جنيهًا، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وذلك تأسيسًا علي أن المدعي كان قد تعاقد وجامعة الأزهر علي عملية إصلاح وتلافي ملاحظات إسكان 1، 2 مبني الطالبات بجامعة الأزهر بأسيوط، وأنه نظرًا لوجود بعض الصعوبات من جانب الجهة الإدارية فقد أضحي موعد نهو الأعمال هو 25/ 1/ 1994، وأنه قام بتسليم الأعمال بتاريخ 26/ 1/ 1994، أي بدون أي تأخير.
كما أقام رئيس وناب رئيس جامعة الأزهر أمام محكمة القضاء الإداري بأسيوط الدعوى رقم 1488 لسنة 7 ق، بصحيفة أودعت قلم كتاب هذه المحكمة بتاريخ 5/ 8/ 1996 طلبًا في ختامها الحكم بإلزام المدعي عليه في هذه الدعوى بسداد مبلغ 7004 جنيهات والفوائد القانونية، مع إلزامه المصروفات، وذلك تأسيسًا علي أن تأخر عن تنفيذ الأعمال في العملية محل التداعي - بعد إضافة مدد التوقف، ومن تستحق عليه غرامة تأخير بمبلغ 24517 جنيه خصم منه قيمة التأمين النهائي ومقداره (17513) جنيهًا، ومن ثم أصبح المتبقي عليه بملغ 7004 جنيهات، امتنع عن سدادها، مما حدا بالمدعيين بصفتيهما إلي إقامة هذه الدعوى.
وقد جري تحضير الدعويين بهيئة مفوضي علي النحو الثابت بمحاضر الجلسات، ثم أعدت الهيئة تقريرًا بالرأي القانوني فيها ارتأت فيه الحكم بقبولها شكلاً، وفي الموضوع برفض الدعوى رقم 1488 لسنة 7 ق وإلزام جامعة الأزهر المصروفات، وبراءة ذمة المدعي في الدعوى رقم 1425 لسنة 7 ق من غرامة التأخير، وإلزام جهة الإدارة بأن تؤدي للمدعي مبلغًا مقداره (17133) جنيهًا والفوائد القانونية عن هذا المبلغ بواقع 5% من تاريخ المطالبة مع إلزامهما المصروفات.
وبجلسة 2/ 12/ 2003 حكمت المحكمة تمهيديًا وقبل الفصل في موضوع الدعوى بندب مكتب خبراء وزارة العدل بأسيوط ليندب بدوره أحد خبرائه المختصين لمباشرة المأمورية المبينة بأسباب الحكم، وقد باشر الخبير مأموريته المنتدب لها وقدم تقريره الذي أودع ملف الدعوى.
وتداولت المحكمة نظر الدعوى علي النحو الثابت بمحضر الجلسات، وبجلسة 22/ 6/ 2006 حكمت المحكمة: بقبول الدعويين شكلاً وفي الموضوع: (أولاً) برفض الدعوى رقم 1488 لسنة 7 ق ثانيًا: وفي الدعوى رقم 1425 لسنة 7ق ببراءة ذمة المدعي من قيمة غرامة التأخير وأحقيته في صرف قيمة التأمين النهائي والفوائد القانونية، بواقع 5% مع ما يترتب علي ذلك من أثار وذلك علي النحو المبين بالأسباب وألزمت الجهة الإدارية المصروفات في الدعويين.
وشيدت المحكمة قضاءها علي الأسباب والأسانيد الآتية:
1 - أن تقرير الخبرة المودع ملغ الدعوى يكون أدلة الثبوت الواقعية في الدعوى متى كانت النتيجة التي انتهى إليها مستخلصة استخلاصًا سائغًا من مسندات وأوراق الدعوى وأن ما وجه إليه من مطاعن لا تناط من سلامة النتيجة التي انتهى إليها.
2 - الثابت من تقرير الخبير المودع ملف الدعوى أنه انتفي إلي أن الجهة الإدارية جامعة الأزهر لا يحق لها فرض غرامة تأخير علي المقاول نظرًا لأن التأخير علي نهو العملية في موعدها راجع لجهة الإدارية، حيث أن الموعد المحدد لنهو الأعمال بعد إضافة فترات التوقف بالإضافة إلي مدة تأخر صرف الدفعات هو 25/ 1/ 94 وأن المقاول قد أخطر جهة الإدارة بنهو الأعمال بتاريخ 26/ 1/ 94 مع أحقية المقاول في صرف قيمة التأمين النهائي وقدرة 17513جنيها (سبعة عشر ألف جنيه وخمسمائة وثلاثة عشر جنيها).
3 - الثابت من الأوراق وتقرير الخبير المنوه عنه لما تقدم أن الدعوى رقم 1488 لسنة 7 ق المقامة من الجهة الإدارية غير قائمة علي صحيح سندها من الواقع والقانون مما يتعين معه والحال كذلك القضاء برفضها مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات، وفي الدعوى رقم 1425 لسنة 7 ق ببراءة ذمة المدعين من قيمة غرامة التأخير وقدرها 24517 ألف جنيهًا مع ما يترتب علي ذلك من أثار متمثلة في رد تلك الغرامة للمدعي مع أحقيته في صرف قيمة التأمين النهائي وقدره 17513 ألف جنيهًا.
وحيث أنه وفق مقتضي نص المادة 226 من القانون المدني، وكان محل الالتزام مبلغ من النقود ومعلوم المقدار وتأخر المدين في الوفاء به فإنه يحق للمدعي اقتضاء فوائد قانونية بواقع 5% من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد، مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.
وإذ لم يلق هذا القضاء قبولاً لدي الطاعن بصفته، فقد طعن فيه بالطعن الماثل، تأسيسًا علي أسباب وأسانيد حاصلها أن الحكم المطعون فيه خالف التطبيق الصحيح لحكم القانون وأخطأ في تفسيره، ذلك أنه:
أولا - بالنسبة للدعوى رقم 1425 لسنة 7 ق: اعتمد الحكم المطعون فيه علي النتيجة التي خلص إليها تقرير الخبير، وقد أسس الخبير هذه النتيجة علي أن مدة التأخير في إنجاز الأعمال عبارة عن المدد التي تأخر فيها صرف الدفعات والتي كان المقاول قد تحفظ في عطائه عليها بأن أي تأخير في صرف الدفعات لمدة أسبوع من تاريخ تقديم مستخلص الدفعة تضاف مدة التأخير إلي مدة تنفيذ العملية؛ حيث اعتبر الخبير قيام لجنة البت بمفاوضة المقاول في التحفظات المبداة والتوقيع علي ذلك من دون هذا التحفظ موافقة ضمنية من قبل لجنة البت علي هذا التحفظ، ونعت الجامعة الطاعنة علي ذلك بأوجه العي الآتية:-
1 - أن اعتبار سكوت اللجنة (لجنة البت) علي هذا التحفظ موافقة ضمنية في مسالة قانونية، ما كان للخبير أن يخوض فيها أو يبدي الرأي في شأنها.
2 - أن المحكمة سايرت في حكمها المطعون فيه من تقرير الخبير، من دون أن تقول كلمتها في تلك المسألة القانونية، وبغض النظر عن كونه تعدي حدوده من عدمه مصاريف صحيح حكم القانون من عدمه.
3 - أن اعتبار التقرير سكوت لجنة البت عن مناقشة تحفظ المقاول المشار إليه موافقة ضمنية عليه هو أمر غير مقبول؛ ذلك أن الموافقة لا تفترض، وعدم مناقشة هذا التحفظ لا تعني الموافقة عليه، وإنما كان ينبغي علي المطعون ضده متى يحق له التمسك بهذا التحفظ أن يطلب موافقة لجنة البت والتوقيع عليه مثل باقي التحفظات.
ثانيا - بالنسبة للدعوى رقم 1488 لسنة 7 ق: فإنه وقد ثبت مما تقدم أحقية الجامعة في توقيع غرامة التأخير، والتي كانت تطالب بالجزء الباقي بنهاية بعد خصم التأمين النهائي، بموجب هذه الدعوى، إلا أن الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب في فهم الحقيقة واستند إلي تقرير الخبير الذي تعارضه في أسبابه مع النتيجة التي انتهي إليه، فإنه يكون بجميع أجزائه خليقًا بالإلغاء.
ومن حيث إنه من المقرر قانونًا أنه متى ضمَّن مقدم العطاء عطاءه تحفظًا أو شرطًا ليس فيه خروج علي النظام العام في الدولة أو في العقود الإدارية، وجاء قرار لجنة البت خاليا من أي تعليق أو رفض لهذا التحفظ، ووافقت الجهة المختصة علي هذا القرار، فإنه بإرساء العطاء علي المقاول يكون قد تم قبول الإيجاب المقدم منه بالوضع الذي تقدم به، ويكون التعاقد قد تم فعلاً علي أساس الشروط التي تقدم بها، بما فيها ذلك التحفظ.
ولا يغير من ذلك تحرير عقد لاحق لم يرد به الشرط الوارد بالتحفظ، ذلك أن هذا العقد لا يغدو أن يكون تسجيلاً لما تم الاتفاق بموجب رسو العطاء.
وفي ضوء ما تقدم، يغدو لا صح للقول بأنه كان يتعين علي المطعون ضده حتى يحق له التمسك بتحفظه الذي ضمَّنه عطاءه المتعلق بإضافة مدة التأخير في صرف المستخلصات إلي مدة تنفيذ العملية - والذي بني عليه تقرير الخبير النتيجة لتي خلص إليها وسايره فيها الحكم المطعون فيه - أن يطلب موافقة لجنة البت عليه؛ ذلك أن الأصل بقاء ما كان علي ما كان إلي أن يرد ما ينقضه، بما مؤداه أن يندرج هذا الشرط ضمن شروط التعاقد، وأن يدخل في نسيج الاتفاق ، فينتج أثره ويؤتي أكله، ما لم يكن قد تم التنازل عنه صراحة؛ فالتنازل عن شرط من الشروط هو عمل إرادي، يشترط فيه - شأنه في ذلك شأن سائر الأعمال الإدارية اتجاه الإرادة بصورة مباشرة وصريحة إلي هذا التنازل، وهو ما خلت الأوراق مما يفيد تحققه من قبل المطعون ضده.
ومن حيث إنه عما ساقته الجامعة الطاعنة في نعيها علي الحكم من أن تقرير الخبير باعتماده في النتيجة التي انتهي إليها علي تحفظ المطعون ضده السالف البيان يكون قد خاض في مسالة قانونية تخرج عن حدود اختصاصه، كما وأن المحكمة المطعون في حكمها لم تقل كلمتها في هذه المسألة القانونية، فمرود عليه بأن ما تضمنه تقرير الخبير من الإشارة إلي أن عطاء المطعون قد احتوي علي تحفظ بإضافة مدد تأخير صرف المستحقات إلي مدة تنفيذ العملية، وحساب مدد التأخر في صرف المستحقات، لهو من مسائل الواقع، والتي كان من الضرورة أن يتطرق في تقريره لبحثها؛ أداء لمأموريته المكلف بها وهي بيان ما إذا كان ثمة تأخير تستحق عنه غرامة تأخير من عدمه.
كما أنه لا تثريب علي المحكمة - حسبما هو مقرر قانونًا - أن هي أخذت بتقرير الخبير محمولاً علي أسبابه من دون تسرد في حكمها بصورة تفصيلية أسباب أخذها بما انتهي إليها تقرير الخبيرة، ومن ثم يغدو ما ساقته الجهة الإدارية الطاعنة من نعي علي الحكم المطعون فيه علي النحو السالف بيانه في غير محله خليقًا بالرفض.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أسباب في قضائه - بالنسبة للدعويين الصادر فيها - وجه الحق والصواب، وجاءت أسباب وأسانيد الطعن عليه لا أساس لها من الصحة، فمن ثم يكون الطعن عليه مفتقرًا لما يبرره قانونًا، ويتعين لذلك القضاء برفضه.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم مصروفاته، عملاً بالمادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعًا، وألزمت الجامعة الطاعنة المصروفات.