مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والخمسين والسادسة والخمسين - من أول أكتوبر 2009 إلى آخر سبتمبر 2011 - صـ 839

(90)
جلسة 23 من يناير سنة 2011
الطعن رقم 16465 لسنة 51 القضائية عليا
(الدائرة السابعة)

السادة الأساتذة المستشارون نواب رئيس مجلس الدولة:
1 - رمزي عبد الله محمد أبو الخير.
2 - أحمد عبد العزيز أبو العزم.
3 - محمد الشيخ على أبو زيد.
4 - فارس سعد فام.
5 - محمد حجازي حسن مرسي.
6 - متولي محمد متولي الشراني.
7 - عطية حمد عيسى عطية.
( أ ) موظف - طوائف خاصة من العاملين - عاملون بهيئة النقل العام - تأديب - مدى توافر ركن الخطأ في حق الإدارة حال وجود غلو في تقدير الجزاء - تقديم الجزاء المناسب للذنب الإداري الجسيم من الأمور التي قد تختلف بشأنها وجهات النظر - يصعب القطع بثبوت الخطأ في جانب أي من هذه الآراء والتقديرات، مادام الخلاف لم يكن صارخا.
(ب) تعويض - ركن الضرر - الضرر المادي والضرر الأدبي - لا يقوم الضرر على الافتراض والتسليم بمجرد إلغاء المشوب بمخالفة موضوعية للقانون، وإنما يتعين على من يدعيه إثباته بكافة طرق الإثبات - التعويض يدور وجودا وعدما مع الضرر ويقدر بمقداره، يما يحقق جبره دون أن يجاوزه؛ حتى لا يثري المضرور على حساب المسئول دون سبب - التعويض قد يكون عينيا أو بمقابل، والمقابل قد يكون نقديا أو غير نقدي.


الإجراءات

في يوم الاثنين الموافق 20/ 6/ 2005 أودعت وكيلة الطاعن بصفته قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن قيد تحت رقم 16465 لسنة 51 ق. عليا في الحكم الصادر عن المحكمة التأديبية لرئاسة الجمهورية وملحقاتها بجلسة 23/ 4/ 2005 في الطعن التأديبي رقم 301 لسنة 38 ق. الذي قضى بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بإلزام الهيئة المطعون ضدها أن تؤدي للطاعن مبلغ ثلاثة آلاف جنيه تعويضا عن الأضرار المادية والأدبية التي حاقت به من جراء القرار الصادر بفصله من الخدمة.
وطلب الطاعن بصفته في ختام تقرير طعنه - وللأسباب الواردة به - الحكم بقبول الطعن شكلا وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع:
(أصليًا) بإلغاء حكم محكمة أول درجة والقضاء مجددا برفض الطعن.
و(احتياطيًا) تخفيض قيمة التعويض المقضي به للمطعون ضده إلى القدر المناسب، وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
وقد جاءت الأوراق خلو مما يفيد إعلان تقرير الطعن للمطعون ضده، إلا أن خير قد حضر بجلسات الفحص والموضوع وأودع مذكرة بالدفاع خلص فيها إلى طلب الحكم برفض الطعن، مما يغني عن الإعلان.
وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا برفض الطعن رقم 301 لسنة 38 ق. وتدوول الطعن أمام الدائرة التاسعة فحص بالمحكمة الإدارية العليا التي قررت إحالته إلى الدائرة الخامسة فحص للاختصاص، ثم قررت الدائرة الأخيرة إحالة الطعن إلى الدائرة السابعة فحص للاختصاص التي نظرته بجلساتها فيها إلى طلب الحكم برفض الطعن، وبجلسة 17/ 2/ 2010 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة السابعة موضوع، وجري تدوول الطعن بالجلسات على النحو الثابت بالمحاضر، وبجلسة 14/ 11/ 2010 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونًا.
من حيث إن الطعن قد استوفى جميع أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة الماثلة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بتاريخ 15/ 6/ 1996 أقام المطعون ضده الدعوى رقم 561 لسنة 96 ع. ش القاهرة أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية، وطلب في ختام عريضتها الحكم بإلزام المدعى عليه بصفته أداء مبلغ عشرة آلاف جنيه له كتعويض شامل عن قرار فصله تعسفيا من العمل بهيئة النقل العام بالقاهرة مع إلزامه المصروفات، وذلك على سند من القول أنه كان يعمل بهيئة النقل العام بالقاهرة، وبتاريخ 14/ 7/ 1993 صدر القرار رقم 308 لسنة 1993 بفصله من العمل، وبتاريخ 26/ 2/ 1995 قضت المحكمة التأديبية للنقل والمواصلات في الطع رقم 58 لسنة 28 ق بإلغاء القرار المطعون فيه تضمنه من مجازاته بالفصل من الخدمة، والاكتفاء بمجازاته بالوقف عن العمل لمدة ستة أشهر مع صرف نصف الأجر، وقد ترتب على قرار الفصل الذي قضي بإلغائه إصابته بإضرار مادية تمثلت في حرمانه من راتبه، وبقدر خلال فترة فصله بـ 1732,91 جنيها، فضلا عما تكبده من مصروفات ورسوم قضائية حتى ينال حقه، كما أصابته أضرار أدبية تمثلت فيما نال سمعته وأسرته من جراء القرار المذكور، ما حداه على إقامة دعواه للحكم له بطلباته سالفة الذكر.
وبجلسة 28/ 12/ 1999 حكمت محكمة شمال القاهرة الابتدائية بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى وبإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري وأبقت الفصل في المصروفات، ونفاذا لهذا الحكم وردت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري - دائرة العقود والتعويضات، وقيدت بجدولها تحت رقم 9652 لسنة 54 ق، وفيها قضت المحكمة 26/ 1/ 2003 بعدم اختصاصها نوعيا بنظر الدعوى، وأمرت بإحالتها إلى المحكمة التأديبية للنقل والمواصلات للاختصاص وأبقت الفصل في المصروفات.
وقد أحيلت الدعوى إلى المحكمة التأديبية للصحة وملحقاتها وقيدت لديها تحت رقم 69 لسنة 37، وفيها قضت المحكمة بجلسة 25/ 1/ 2004 بعدم اختصاصها محليا بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها بحالتها إلى المحكمة التأديبية لرئاسة الجمهورية وملحقاتها، حيث قيدت بجدولها برقم طعن 301 لسنة 38ق، وفيه قضت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلزام الهيئة المطعون ضدها أن تؤدي للطاعن مبلغ ثلاثة آلاف جنيه تعويضا عن الأضرار المادية والأدبية التي حاقت به من جراء القرار الصادر بفصله من الخدمة
وشيدت المحكمة قضاءها - بعد أن استعرضت نص المادة 163 من القانون المدني - على أن الثابت من الأوراق أن الجهة المطعون ضدها (الطاعنة في الطعن الماثل) قد أصدرت القرار رقم 308 لسنة 1993 بفصل الطاعن من الخدمة اعتبارا من 24/ 6/ 1993، وذلك استنادا إلى قيامه بالتعدي على الطبيب/ ....... الجراح بمستشفى الهيئة بأن طعنه بسكين في الصدر وأعلى البطن، ونتج عن ذلك جرح نافذ طوله 3 سم، وتحرر ضده عن تلك الواقعة محضر الجنحة رقم 2839 لسنة 1992 جنح قصر النيل، التي قضت فيها بحبسه سنه مع الشغل وكفالة 200 جنيه و501 جنيه كتعويض مؤقت، وتأيد هذا الحكم استئنافيا.
وإذ أقام الطاعن الطعن التأديبي رقم 58 لسنة 28 ق أمام المحكمة التأديبية للنقل والمواصلات التي قضت بجلسة 26/ 2/ 1995 بإلغاء القرار الصادر بفصل الطاعن من الخدمة، والاكتفاء بمجازاته بالوقف عن العمل لمدة ستة أشهر مع صرف نصف الأجر، فإن ذلك يكفى لتوافر ركن الخطأ في جانب الهيئة المدعى عليها، كما أن القرار الصادر بفصل الطاعن من الخدمة يعد غصبا من جانب الهيئة المذكورة لسلطة المحكمة التأديبية التي تختص دون غيرها بتوقيع جزاء الفصل من الخدمة والإحالة إلى المعاش، ومن ثم فإن افتئات الهيئة عن سلطة المحكمة التأديبية في هذا الشأن يعد مخالفة منها للقانون، وهو ما يقوم به ركن الخطأ في جانب جهة الإدارة، وهناك أضرار مادية قد حاقت بالطاعن تمثلت في حرمانه من راتبه طوال مدة فصله، فضلا عما تكبده من نفقات ومصروفات قضائية حتى ينال حقه، بالإضافة إلى الضرر الأدبي الذي تمثل في معاناته النفسية طوال مدة فصله، على نحو تقدر معه المحكمة هذه الأضرار سواء المادية أو الأدبية بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه فساد في الاستدلال؛ ذلك أن المطعون ضده قد أدين بحكم جنائي نهائي في جريمة إصابة خطأ، بأن قام الاعتداء على الطبيب/ ...... الجراح بمستشفى الهيئة وذلك بأن طعنه بسكين وأحدث به جرحا نافذا بالبطن والصدر، وعرض حياة الطبيب للخطر حتى أشرف على الموت، مما حدا الهيئة التي يمثلها رئيس مجلس إدارتها على إصدار قرار بفصله من الخدمة وذلك بعد عرض الأمر على لجنة شئون العاملين، وهو ما يتفق وحكم المادتين 84 و 86/ 4 من لائحة العاملين بهيئة النقل العام بالقاهرة الصادرة بقرار مجلس الإدارة رقم 19 لسنة 1988. وإذ انتهت المحكمة التأديبية إلى القضاء بالتعويض للمطعون ضده بمبلغ 3000 جنيه عن الأضرار المادية والأدبية التي حاقت به فإنها تكون قد غالت مغالاة شديدة في قيمة التعويض، خاصة وأن الهيئة الطاعنة هي هيئة عامة تخدم جميع المواطنين، ويتعين المحافظة على أموالها وعدم السماح للغير بالإثراء على حسابها دون سبب، وخلص الطاعن بصفته إلى طلب الحكم بالطلبات سالفة الذكر.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مسئولية الإدارة عن القرارات الإدارية الصادرة عنها تقوم على ثبوت وجود خطأ من جانبها، بأن يكون القرار غير مشروع أي يشوبه عيب أو أكثر من العيوب المنصوص عليها قانون مجلس الدولة، وأن يلحق بصاحب الشأن ضرر مباشر من هذا الخطأ، وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر، فإذا تخلف ركن أو أكثر من هذه الأركان الثلاثة انتفت المسئولية المدنية في جانب الإدارة، وأنه فيما يتعلق بركن الضرر المترتب على القرار الإداري غير المشروع فإنه لا يقوم على الافتراض والتسليم بمجرد إلغاء القرار المشوب بمخالفة موضوعية للقانون، وإنما يتعين على من يدعيه إثباته بكافة طرق الإثبات، وأن الضرر إما أن يكون ماديا أو أدبيا، والضرر المادي هو الإخلال بمصلحة ذات قيمة مالية للمضرور، أما الضرر الأدبي فهو الذي يصيب مصلحة غير مالية للمضرور، على أن يكون هذا الضرر مترتبا مباشرة على الخطأ ومحققا، وأن التعويض يدور وجودا وعدم مع الضرر ويقدر بمقداره بما يحقق جبره دون أن يجاوزه؛ حتى لا يثرى المضرور على حساب المسئول دون سبب، والتعويض عن الضرر قد يكون عينيا أو بمقابل، وهذا المقابل قد يكون نقديا أو غير نقدي، والتعويض غير النقدي يجد سنده في القاعدة القانونية المقررة في القانون المدني التي تجيز للقاضي أن يأمر بإعادة الحال إلي ما كانت عليه، أو الحكم بأداء معين متصل بالعمل غير المشروع، وهذا التعويض غير النقدي يجد مجاله في الضرر الأدبي بشرط أن يكون كافيا لجبر هذا الضرر.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الهيئة الطاعنة كانت قد أصدرت القرار رقم 308 لسنة 1993 بفصل المطعون ضده من الخدمة اعتبارا من 24/ 6/ 1993 وذلك استنادا إلي قيامة على الطبيب/ ... الجراح بمستشفي الهيئة بأن طعنه بسكين في الصدر وأعلي البطن ونتج عن ذلك جرح نافذ طوله 3 سم، وتحرر ضده عن هذا الواقعة محضر الجنحة رقم 3839 لسنة 1992 جنح قصر النيل، التي قضي فيها بحسبه (المطعون ضده) سنة مع الشغل وكفالة 200 جنيه و501 جنيه كتعويض مؤقت، وقد تأيد هذا الحكم استئنافيا، وقد أقام المطعون ضده الطعن التأديبي رقم 58 لسنة 28ق أمام المحكمة التأديبية للنقل والمواصلات طالبا الحكم بإلغاء قرار الفصل المشار إليه، وبجلسة 26/ 2/ 1995 قضت المحكمة المذكورة بإلغاء القرار المطعون فيه رقم 308 لسنة 1993 قيما تضمنه من مجازاة الطاعن (المطعون ضده) بفصله من الخدمة ما يترتب على ذلك من آثار، والاكتفاء بمجازاته بالوقف عن العمل لمدة سنة أشهر مع صرف نصف الأجر، وشيدت المحكمة قضاءها على أنه وإن كانت المخالفة المنسوبة للطاعن ثابتة في حقه ثبوتا كافيا من واقع ما قضي به الحكم الجنائي سالف الذكر لتعديه على الطبيب المذكور مما يشكل في حقه الذنب الإداري الذي أدي بالجهة الإدارية لإصدار قرارها الطعين، ويضحي هذا القرار قائما على سنده، إلا أن ما بدر من الطاعن كان مرجعه حالته المرضية الثابتة بالأوراق والتي سيطرت على إدارته وقت ارتكابه لهذه المخالفة، فيكون القرار المطعون فيه بفصله من الخدمة قد شابه غلوٌ بيِّن، وانتهت المحكمة لذلك إلي إلغاء الفصل ومجازاته بالجزاء المشار إليه.
ومن حيث إن الثابت مما تقدم أن إلغاء القرار المطعون فيه لم يكن راجعا إلي انتفاء الواقعة التي تشكل ذنبا إداريا في حق المطعون ضده استوجب مجازاته عنها تأديبيا فضلا عن الجزاء الجنائي، وإنما ارتأت المحكمة من واقع ظروف الواقعة وحالة المذكور المرضية وجود غلو في تقدير الجزاء، واكتفت لذلك بمجازاته بالوقف عن العمل لمدة سنة أشهر مع صرف نصف الأجر، وهذا الجزاء يعد أيضا من الجزاءات المشددة نظرا لجسامة الذنب الإداري في حق المطعون ضده.
ولما كان تقدير الجزاء المناسب للذنب الإداري الجسيم من الأمور التي قد تختلف بشأنها وجهات النظر، الأمر الذي يصعب معه القطع بثبوت الخطأ في جانب أي من هذا الآراء أو التقديرات، ما دام الخلاف لم يكن صارخا، كأن يكون الجزاء التأديبي المناسب للمخالفة الإدارية في حدود الإنذار أو الخصم من الأجر ويصدر قرار الجزاء بالفصل من الخدمة، ومن ثم فإنه وإن كان قد قضي بإلغاء القرار الصادر بفصل المطعون ضده من الخدمة للغلو في تقدير الجزاء، والاكتفاء بمجازاته بالجزاء المشار إليه للأسباب سالفة الذكر، فإنه لا مجال للقول - بالنسبة للحالة الماثلة - بثبوت ركن الخطأ كأحد أركان المسئولية التقصيرية في جانب الجهة الإدارية، وبانتفاء هذا الركن تنتفي هذا المسئولية ويضحي الطعن التأديبي رقم 301 لسنة 308 ق خليقا برفضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد ذهب غير هذا المذهب فإنه يكون قد صدر مخالفا لصحيح حكم القانون مما يتعين معه القضاء بإلغائه والقضاء مجددًا برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا برفض الطعن التأديبي رقم 301 لسنة 38ق.